الجواب : لقد ورد في كثير من الروايات عن وجود صفات الأنبياء في المهدي المنتظر عليهالسلام ، فهو عليهالسلام وارث النبيّ وعليّ؛ لأنّ عليّاً قد ورث ألف سنةٍ من سنن الأنبياء والمرسلين (1).
وأمّا الصفات الموجودة في المهدي من الأنبياء فكثيرة ، منها :
١ ـ العمر الطويل
لقج عاش سيّدنا آدم عليهالسلام ١٠٠٠ سنة (2) ، ونوح عليهالسلام ٢٥٠٠ سنة (3).
وورث الإمام المهدي عليهالسلام هذا العمر الطويل منهما ، ولا يعلم كم يعمّر إلى وقت ظهوره ، والعلم عند الله.
٢ ـ خفاء الولادة
كانت ولادة سيّدنا إبراهيم وموسى عليهماالسلام سرّاً ، فعلى ما روي : ( أنّ اُمّ إبراهيم عليهاالسلام وضعت ولدها في غار خوفاً من نمرود ، وأنّ اُمّ موسى عليهاالسلام كذلك وضعت ولدها في النيل خوفاً من فرعون ، فالصفة التي يحملها قائم آل محمّد عليهالسلام من هذين الرسولين من اُولي العزم هي الخفاء في الولادة؛ لأنّ خلفاء بني العبّاس كانوا يترقّبون ولادته لكي يقتلوه.
فالإمام الحسن العسكري عليهالسلام خوفاً من معرفة أجهزة النظام بذلك أخفى حمل زوجته حتّى عن الخواصّ وأقربائه من أهل بيته ، ولم يطلع على هذا السرّ إلّا السيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد عمّة الإمام العسكري عليهالسلام ، وذلك في ليلة ولادة المهدي عليهالسلام ، فإنّه أخبرها ، وأراد منها أن تبقى لتحضر وقت الولادة.
تقول حكيمة : ( بعث إليَّ أبو محمّد عليهالسلام سنة خمس وخمسين ومائتين ، في النصف من شعبان ، وقال : ياعمّة ، إجعلي الليلة إفطارك عندي ، فإنّ الله عزّ وجلّ سيسرّك بوليّه ، وحجّة على خلقه ، خليفتي من بعدي.
قالت حكيمة : فتداخلني لذلك سرور شديد ، وأخذت ثيابي عليَّ وخرجت من ساعتي حتّى انتهيت إلى أبي محمّد عليهالسلام وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله ، فقلت : جعلت فداك يا سيّدي ، الخلف ممّن هو؟
قال : من سوسن ، فأدرت طرفي فيهنّ فلم أرَ جارية عليها أثر غير سوسن ... ) (4).
وممّا يدلّ على خفاء ولادة الإمام المهدي ما رواه الشيخ الطوسي رحمهالله في كتاب الغيبة عن أحمد بن عليّ الرازي ، عن محمّد بن عليّ ، عن حنظلة بن زكريّا ، قال : ( حدّثني أحمد بن بلال بن داود الكاتب ، وكان عاميّاً بمحلّ من النصب لأهل البيت عليهمالسلام ، يظهر ذلك ولا يكتمه ، وكان صديقاً لي يظهر مودّة بما فيه من طبع أهل العراق ، فيقول ـ كلّما لقيني ـ لك خبر تفرح به ، ولا اُخبرك به ، فأتغافل عنه ، إلى أن جمعني وإيّاه موضع خلوة ، فاستقصيت عنه وسألته أن يخبرني به ، فقال : كانت دورنا بسر من رأى مقابل دار ابن الرضا ـ يعني أبا محمّد الحسن بن عليّ عليهماالسلام ـ فغبت عنها دهراً طويلاً إلى قزوين وغيرها ، ثمّ قضى لي الرجوع إليها ، فلمّا وافيتها ، وقد كنت فقدت جميع من خلّفته من أهلي وقراباتي ، إلّا عجوزاً كانت ربّتني ، ولها بنت معها ، وكانت مع طبع الاُول مستورة صائنة ، لا تحسن الكذب ، وكذلك مواليات لنا بقين في الدار ، فأقمت عندهنّ أيّاماً ، ثمّ عزمت الخروج ، فقالت العجوزة : كيف تستعجل الإنصراف وقد غبت زماناً؟ فأقم عندنا لنفرح بمكانك.
فقلت لها على جهة الهزؤ : اُريد أن أصير إلى كربلاء ، وكان النّاس للخروج في النصف من شعبان أو ليوم عرفة.
فقالت : يا بنيّ ، اُعيذك بالله أن تستهين ما ذكرت أو تقوله على وجه الهزؤ ، فإنّي اُحدّثك بما رأيته ـ يعني بعد خروجك من عندنا بسنتين ـ كنت في هذا البيت نائمة بالقرب من الدهليز ، ومعي إبنتي ، وأنا بين النائمة واليقظانة ، إذ دخل رجل حسن الوجه ، نظيف الثياب ، طيّب الرائحة ، فقال : يا فلانة ، يجيئك الساعة من يدعوك في الجيران ، فلا تمتنعي من الذهاب معه ، ولا تخافي ، ففزعت.
فناديت إبنتي وقلت لها : هل شعرت بأحد دخل البيت ، فقالت : لا ، فذكرت الله ، وقرأت ونمت ، فجاء الرجل بعينه وقال لي مثل قوله ، ففزعت وصحت يإبنتي ، فقالت : لم يدخل البيت ، فاذكري الله ولا تفزعي ، فقرأت ونمت ، فلمّا كان في الثلاثة جاء الرجل وقال : يا فلانة ، قد جاءك من يدعوك ويقرع الباب ، فاذهبي معه ، وسمعت دقّ الباب ، فقمت وراء الباب وقلت : من هذا؟
فقال : إفتحي ولا تخافي ، فعرفت كلامه ، وفتحت الباب ، فإذا خادم معه إزار ، فقال : يحتاج إليك بعض الجيران لحاجة مهمّة فادخلي ، ولفّ رأسي بالملاءة وأدخلني الدار ، وأنا أعرفها ، فإذا بشقاق مشدودة وسط الدار ، ورجل قاعد بجنب الشقاق ، فرفع الخادم طرفه فدخلت ، وإذا امرأة قد أخذها الطلق وامرأة قاعدة خلفها كأنّها تقبّلها.
فقالت المرأة : تعيننا فيما نحن فيه ، فعالجتها بما يعالج به مثلها ، فما كانت إلّا قليلاً حتّى سقط غلام ، فأخذته على كفّي وصحت غلام غلام ، وأخرجت رأسي من طرف الشقاق اُبشّر الرجل القاعد ، فقيل لي : لا تصيحي ، فلمّا رددت وجهي إلى الغلام قد كنت فقدته من كفّي ، فقالت لي المرأة القاعدة : لا تصيحي ، وأخذ الخادم بيدي ولفّ رأسي بالملاءة وأخرجني من الدار ، وردّني إلى داري ، وناولني صرّة ، وقال : لا تخبري بما رأيت أحداً ، فدخلت الدار ورجعت إلى فراشي في هذا البيت ، وابنتي نائمة فأنبهتها ، وسألتها هل علمت بخروجي ورجوعي؟
فقالت : لا ، وفتحت الصّرة في ذلك الوقت وإذا فيها عشرة دنانير عدداً ، وما أخبرت بهذا أحداً إلّا في هذا الوقت لما تكلّمت بهذا الكلام على حدّ الهزؤ ، فحدّثتك إشفاقاً عليك ، فإنّ لهؤلاء القوم عند الله عزّ وجلّ شأناً ومنزلة ، وكلّ ما يدّعونه حقّ.
قال : فعجبت من قولها وصرفته إلى السخرية والهزؤ ، ولم أسألها عن الوقت غير أنّي أعلم يقيناً أنيّ غبت عنهم في سنة نيف وخمسين ومائتين ، ورجعت إلى سرّ من رأى في وقت أخبرتني العجوزة بهذا الخبر في سنة إحدى وثمانين ومائتين في وزارة عبدالله بن سليمان لمّا قصدته.
قال حنظلة : فدعوت بأبي الفرج المظفّر بن أحمد حتّى سمع معي هذا الخبر ) (5).
وأضاف الباقر عليهالسلام الى شبه آخر من موسى عليهالسلام وقال : ( وأمّا شبهه من موسى ، فدوام خوفه ، وطول غيبته ، وخفاء ولادته ، وتعب شيعته من بعده بما لقوا من الأذى والهوان ) (6).
___________________
(1) بصائر الدرجات : ١١٤.
(2) المستدرك على الصحيحين : ٤ / ٥٨٨.
(3) الشيعة والرجعة : ١ / ٢٩٥.
(4) كتاب الغيبة : ١٤١.
(5) كتاب الغيبة : ١٤٥.
(6) بحار الأنوار : ٥١ / ٢١٨.
السؤال التاسع والعشرون : ما هي صفات الأنبياء التي تتواجد في الإمام المهدي عليهالسلام؟
- الزيارات: 1717