• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فاطمة و بيت الأحزان

لم تبق الزهراء عليهاالسلام بعد أبيها سوى شهور- أو أيام- معدودة قضتها بالبكاء والنحيب والأنين، حتى عدّت من البكائين، و لم تر ضاحكة قط (1).
و كان لبكائها اسباب و دوافع كثيرة، أهمها إنحراف المسلمين عن الطريق المستقيم، و إنزلاقهم في مهاو تؤدي إلى الاختلاف والفرقة والتشتت والتعاسة لا محالة. و فقدانها أبيها، و غصب الخلافة والاحداث التي آلت إليها.
ففي ذات يوم دخلت اُمّ‏سلمة على فاطمة عليهاالسلام فقالت لها: كيف أصبحت عن ليلتك، يا بنت رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم؟
قالت: «أصبحت بين كمد و كرب، فقد النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم، و ظلم الوصي عليه‏السلام، هتك واللَّه حجاب من أصبحت إمامته مقبضة على غير ما شرع اللَّه في التنزيل، و سنّها النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم في التأويل، ولكنّها أحقاد بدرية و ترات اُحدية» (2).
و عن علي عليه‏السلام قال: «غسّلت النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم في قميصه، فكانت فاطمة تقول: أرني القميص، فإذا شمته غشي عليها، فلمّا رأيت ذلك غيبته» (3).
و روى أنّة لما قبض النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم إمتنع بلال من الأذان، قال: لا أؤذن لأحد بعد رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم، و إنّ فاطمة عليهاالسلام قالت ذات يوم: إنّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذن أبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم بلال، فبلغ ذلك بلالاً، فأخذ في الأذان، فلمّا قال: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، ذكرت أباها و أيامه فلم تتمالك من البكاء، فلمّا بلغ إلى قوله: أشهد أنّ محمّداً رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم شهقت فاطمة عليهاالسلام و سقطت لوجهها و غشي عليها.
فقال الناس لبلال: أمسك يا بلال، فقد فارقت إبنة رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم الدّنيا، و ظنّوا أنّها قد ماتت، فقطع أذانه و لم يتمّه، فأفاقت فاطمة عليهاالسلام و سألتة أن يتمّ الأذان فلم يفعل، و قال لها: يا سيدة النسوان، إنّي أخشى عليك، ممّا تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته عن ذلك (4).
هكذا أخذت فاطمة عليهاالسلام بالبكاء والعويل ليلها و نهارها، و لا ترقأ لها دمعة حتى جزع لذلك جيرانها، فاجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين عليه‏السلام: و قالوا يا أباالحسن إنّ فاطمة تبكي الليل والنهار،فلا أحد منّا يتهنأ بالنوم في الليل على فراشنا، و لا بالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا، و إنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً.
فأقبل أميرالمؤمنين عليه‏السلام حتى دخل على فاطمة عليهاالسلام فقال لها:
«يا بنت رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم إنّ شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك إمّا أن تبكي أباك ليلا و إمّا نهاراً».
فقالت: «يا أباالحسن، ما أقلّ مكثي بينهم، و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم» (5).
و لا أدري ما كان تأثير بكاء السيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام على القوم و على النفوس التي شعرت و أحست بوصمة العار و ثقل مسؤولية ما أرتكبوه من وديعة رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم، و هل بكاء إمرأة جالسة في بيتها يسلب راحة الحكام إلى هذا الحد؟ ولكنهم أدركوا انّ بكاءها، هو احتجاج صارخ على ظلمها، و اغتصاب حق زوجها و ضربات تأنيب شديدة على رؤوسهم ربّما تعيد الاُمّة إلى رشدها و تفيقها من غفوتها، و بالتالي تثور على الحكام و تقلعهم كما تقلع النخلة من جذورها؟
ولكن السياسة الزمنية فرضت عليهم ذلك، و يعلمون كل العلم بأنّ لها كلّ الحق ان لا تمتنع عن البكاء، على من؟ و على من كان بكائها؟ لفقدها سيد البشر الرسول العظيم صلى اللَّه عليه و آله و سلم و على المصائب والفواجع التي صبت عليها بعد فراقه، و لاجل من تمتنع؟ لاجل حفنة حاكمة غاصبة، إبتغاء غايات و أهداف يريدون تمريرها على الاُمة لتثبيت عروشهم.
فاضطر أميرالمؤمنين عليه‏السلام أن يبني لها بيتاً خلف البقيع خارج المدينة و سماه «بيت الأحزان» و كان إذا أصبحت قدّمت الحسن والحسين عليهماالسلام أمامها، و خرجت إليه و هي تمر على البقيع باكية (6)، فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين عليه‏السلام إليها و رافقها إلى منزلها.
عن أنس قال: لمّا فرغنا من دفن النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم أتيت إلى فاطمة عليهاالسلام فقالت: «كيف طاوعتكم أنفسكم على أن تهيلوا التراب على وجه رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم ثم بكت (7).
و عن محمود بن لبيد قال: مررت على قبور شهداء اُحد، و إذا بفاطمة تبكي عند قبر حمزة رضى‏اللَّه‏عنة- و كانت تأتي قبره بعد وفاة أبيها- فصبرت حتى هدأت، فسلّمت
و قلت: يا سيدتي، لقد قطّع بكاؤك نياط قلبي.
فقالت: «كيف لا أبكي و قد فقدت أبي خير الآباء و أفضل الأنبياء؟! ما أشوقني إلى رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم».
فقلت: يا سيدتي: أحبّ أن أسألك مسألة؟
فقالت: «سل».
فقلت: هل صرّح النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم بإمامة علي عليه‏السلام في حياته؟
فقالت: «عجباً، أو نسيتم غدير خم؟».
فقلت: أعرف يوم الغدير، ولكنّي اُريد أن أسمع ما قاله لكم في ذلك.
فقالت: «واللَّه لقد سمعت النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم يقول: عليّ خليفتي من بعدي و هو الإمام، والحسن والحسين إمامان، و يكون من صلب الحسين عليه‏السلام تسعة أئمة من تبعهم اهتدى و نجى، و من خالفهم ضل و هوى» (8).
أسفي على تلك الذات الطاهرة و على شبابها الذابل بضعة المصطفى و روحه التي بين جنبيه، والشمعة التي تكاد تنطفئ، و هي تنظر إلى زوجها و ابن عمها العظيم، جليس الدار، و مسلوب الإرادة و الإمكانات، مغصوباً حقه، و مدفوعاً عن منصبه الذي نصبه اللَّه سبحانه و رسوله الكريم، و تنظر إلى أملاكها التي صودرت و أموالها التي غصبت، و تنظر إلى فلذاتها و أطفالها المفجوعين الذين لم تهدأ لهم حسرة أو زفرة، و لا تقرّ لهم دمعة، و هي أسيرة الكرب والمرض و رهينة الفراش، تنتظر أمر ربها ساعة بعد ساعة فإنا للَّه و إنا إليه راجعون.
و قد تفجرت قرائح الشعراء لما ألمّ بهم الخطب و نظموا هذه المأساة في قصائد جزلة عصماء سنوافيك بها في ما يأتي من فصول الكتاب إن شاء اللَّه.
_____________
(1). طبقات ابن‏سعد 2/ القسم 2/ 85.
(2). البحار 43/ 156.
(3). البحار 43/ 157.
(4). البحار ج 43/ 177.
(5). أسدالغابة لابن أبي‏الأثير 5/ 524. طبقات ابن‏سعد 2/ 83.
(6). البحار 43/ 177.
(7). البحار 43/ 157.
(8). رياحين الشريعة 1/ 25.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page