في ضيافة الله
المساواة في شهر العدالة
لِلْفُقَرَآءِ الَّذِينَ اُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لا يَسْاَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ (البقرة/273)
جاء في المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خطب في جموع المسلمين في آخر جمعة من شهر شعبان المعظم قال فيها " اتّقوا الله ولو بشقِّ تمرة".
فكيف نتقي الله، وما هي التقوى قبل كل شيء؟ وما هو دور شق التمرة -كعيّنةٍ صغيرة جداً- في مجمل حركة التقوى لدى الإنسان المسلم؟
إن التقوى هي أن تصونَ نفسك عن نار جهنم؛ النار المحيطة بذنوبنا وأخطائنا والفواحش التي نقترفها.
والنبي عليه الصلاة والسلام يأمرنا بأن نتّقِ الله في شهر رمضان عبر الإنفاق مهما قلّ، حتى ولو بشق تمرة؛ فهذا المقدار يعطينا التقوى ويصوننا ويحفظنا من نيران جهنم اللاهبة..
إن الحكمة من تشريع فريضة الصيام في شهر رمضان لها صور وأشكال عديدة، ولعل من أبرزها إحساس الغني بلسعة جوع الفقير، والبحث عن طريقة مناسبة للتخفيف بنسبة أو بأخرى عن الفقير، وسدّ خلّته.
ونحن في شهر رمضان علينا أن نتحرك بوعي نحو تحقق المساواة الاجتماعية، وسدّ الفجوة الفاصلة بيننا وبين الفقراء ومن هو أضعف حالاً منّا وعلى أي مستوى كان.
لقد لفت نظري وجود بعض العادات الجميلة في هذه الدولة الإسلامية أو تلك، ومنها اجتماع الصائمين الى وجبة الإفطار في المساجد، وهذه الأرزاق تكون كلها على مائدة واحدة، حيث يأكل الجميع؛ فقيرهم وغنيهم، وضعيفهم وقويهم، دونما تعفّفٍ عن الغذاء، أو إحساس بالتفاوت، فيكون ذلك خطوة في طريق تحقق المساواة، ولابد للصائمين أن يبحثوا عن طرق أخرى في هذا الإطار كدفع الزكاة والخمس وسائر الحقوق الشرعية وما أشبه.
وعلى الضفة الأُُخرى تلزمنا محاولة إعطاء فضل أموالنا للأقرب منا، كأولي الأرحام والأصدقاء.
إن هذه المساواة، وهذا الإنفاق في سبيل الله، وصلة الرحم هذه، من شأنها جميعاً أن ترفع من مستوى الأمة، وأن تضاعف من رزقنا، وأن تزيد بركتنا، وأن تجعلنا في مستوى معقول من العيش الكريم.
فأن يملك المرء المال والثروة، فلا يعني ذلك بالضرورة امتلاكه وإحساسه بالسعادة، بل السعادة بصورتها الأجمل والأروع والأكمل تكون بإحساس الجميع بها وبالراحة والفلاح، حيث يتم القضاء على الأنانية والتفرقة والاستعلاء.