قلتم في ص34: "إن الشبه التي أثارها الشيعة لا تكاد توجد شبهة منها لم يتصد لها علماء السنة بالبيان، فقد ظهر عشرات المؤلفات، وإن كان أسلوب بعضها فيه شدة؛ لكنها قابلت إفراطاً واعتداءً من المخالف ومجازفات في الدعاوى لم يتمالك معها بعض العلماء أنفسهم أثناء ردودهم عليها، ومن أوسع ما كتب في ذلك كتاب (منهاج السنة)".
قلت:
أولاً: لا أدري كيف تسمي الاحتجاج بالصحاح من كتبكم شبهاً؟
ليس المهم أن يتصدى علماء السنة للرد، وإنما المهم أن يكونوا قد أجابوا عنها جواباً علمياً صحيحاً منسجماً مع أسس الحوار والموضوعية، مع أننا لم نجد بحسب ما تتبعناه في هذا المجال كتاباً يتناول الأدلة والبراهين الشيعية بذلك المستوى المذكور.
ثانياً: إن أغلب الكتب الوهابية المؤلفة في مجال الرد والحوار أو المناظرات ابتعدت عن روح الموضوعية والبحث العلمي، واتسمت بمنهج التشنج والانفعال والتحامل والعداء، مملوءة بعبارات الشتم والسب والتجريح والافتراء وكيل التهم والرمي بالبدعة والإلحاد والتكفير، ولكي يقف القارئ والباحث على هذه الحقيقة يكفيه مطالعة سريعة لعناوين الكتب التي ألّفها الوهابية ضد الشيعة الإمامية في الفترة الأخيرة، من قبيل كتاب: (الشيعة الروافض طائفة شرك وردة) و (خيانات الشيعة) و (اذهبوا فانتم الرافضة) و (حقيقة الشيعة حتى لا ننخدع) و (وجاء دور المجوس) إلى غير ذلك من العناوين التي تحمل روح الحقد والعداء وتفصح عما يكنه القوم من ضغائن أذكى نارها وزاد أوارها شيخ إسلامكم ابن تيمية الذي أسس لمنهج التكفير والعداء، ومنه انطلقت صيحات التكفير وقتل المسلمين وإبادتهم.
ولازال المسلمون يدفعون ضريبتها، وما نراه اليوم من مشاهد القتل على الهوية ليس إلا نتيجة طبيعة لذلك الفكر المنحرف الذي ابتدعه ابن تيمية في الإسلام، ويؤسفنا أنك لم تستطع التحرر عن هذا المنهج المتطرف، حيث طفح كتابكم ـ الذي لم يكن حواراً هادئاً ـ بألفاظ السب والشتم والتوهين وغيرها من العبارات، التي أجهزت على ما كنت أتوسمه فيكم من الاعتدال والموضوعية.
ثالثاً: إن ما ذكرناه من منهج ابن تيمية وأتباعه واعترفتم به في ثنايا كلامكم يتنافى مع أسلوب الحوار والمناظرة في مسائل الخلاف الذي صرح به القرآن الكريم المبني على الإنصاف في تحري الحقائق وروح النصح في مجال الهداية، قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(1)، وقال عز وجل: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}(2)، وهذا المنهج القرآني السوي افتقدته كتبكم التي اختصت بهذا المجال.
رابعاً: وأما كتاب منهاج السنة لابن تيمية الذي دعوتني إلى قراءته بتأمل فيجيبك عنه ابن حجر العسقلاني، حيث قال في تقييمه للكتاب: "لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في رد الأحاديث التي يوردها ابن المطهر، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات، لكنه ردّ في ردّه كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها؛ لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره، والإنسان عامد للنسيان، وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدّته أحياناً إلى تنقيص علي رضي الله عنه" (3)، وهذه شهادة صريحة من أحد كبار أعلام السنة في الطعن بكتاب السنة لابن تيمية، وهو يشير إلى أمرين مهمين يكفي أحدهما لإسقاط اعتبار الكتاب:
الأول: ردّه الكثير من الأحاديث الجياد، وهو دليل على جهله، أو عدم أمانته وعظيم جرأته في ردّ حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) وشدة تعصبه وتحامله وميله عن الحق.
الثاني: تنقيص علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وهو دليل على نصبه وعداوته لعلي(عليه السلام)، وحسبك هذا موبقة ومهلكة لصاحبها، حيث صح عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال لعلي(عليه السلام): "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق"(4).
مضافاً إلى أن الكثير من علماء أهل السنة ومحدثيهم وفقهائهم قد تنبهوا لخطورة منهجه وزيغه عن الإسلام، فوقفوا بإزائه موقفاً قوياً رادعاً فحكموا بكفره وردّته وزندقته، مما أدى إلى رميه في السجن والتضييق عليه، حتى مات على أثر ذلك.
ولكن لاتخاذ فرقة الوهابية مسلك ابن تيمية ومنهجه في الفكر والعقيدة، ورفعه كشعار وعنوان لهم في الآونة الأخيرة، والاعتماد عليه بشكل كبير دون غيره، وجعل كتبه مصدراً أساسياً في بناء مذهبهم، سوف نقف قليلاً للحديث عن حياته وبيان عقائده وآراء العلماء فيه وانحراف مسلكه في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
_________
(1) النحل: 114.
(2) آل عمران: 64.
(3) ابن حجر، لسان الميزان: ج6 ص320.
(4) أحمد بن حنبل، المسند: ج1 ص128.
المنهج الخاطئ في الحوار والاحتجاج
- الزيارات: 494