2555/ 1- عبداللَّه بن النضر التميميّ، عن جعفر بن محمّد المكّي، عن عبداللَّه بن إسحاق المدائني، عن محمّد بن زياد، عن مغيرة، عن سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، قال:
كنّا جلوساً في مجلس في مسجد رسولاللَّه صلى الله عليه و آله، فتذاكرنا أعمال أهل بدر وبيعة الرضوان.
فقال أبو الدّرداء: يا قوم! ألا اُخبركم بأقلّ القوم مالاً و أكثرهم ورعاً، و أشدّهم اجتهاداً في العبادة؟
قالوا: من؟
قال: أميرالمؤمنين عليّ بن أبيطالب عليهالسلام.
قال: فواللَّه؛ إن كان في جماعة أهل المجلس إلاّ معرض عنه بوجهه.
ثمّ انتدب له رجل من الأنصار، فقال له: يا عويمر! لقد تكلّمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها.
فقال أبو الدرداء: يا قوم! إنّي قائل ما رأيت، و ليقل كلّ قوم منكم ما رأوا، شهدت عليّ بن أبيطالب بشويحطات النجّار، وقد اعتزل عن مواليه واختفى ممّن يليه واستتر بمغيلات النخل، فافتقدته و بعد عليّ مكانه، فقلت: لحق بمنزله، فإذا أنا بصوت حزين، و نغمة شجيّ، و هو يقول:
إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك، و كم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك.
إلهي إن طال في عصيانك عمري، و عظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمّل غير غفرانك، ولا أنا براج غير رضوانك.
فشغلني الصوت واقتفيت الأثر فإذا هو عليّ بن أبيطالب عليهالسلام بعينه، فاستترت له و أخملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغابر، ثمّ فرغ إلى الدعاء و البكاء و البثّ و الشكوى، فكان ممّا به اللَّه ناجاه أن قال:
إلهي اُفكّر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي، ثمّ أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليّتي.
ثمّ قال: آه! إن أنا قرأت في الصحف سيّئة أنا ناسيها و أنت محصيها، فتقول: خذوه، فيا له من مأخوذ لاتنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء.
ثمّ قال: آه! من نار تنضج الأكباد والكلى، آه! من نار نزّاعة للشّوى، آه! من غمرة من ملهبات لظى.
قال: ثمّ أنعم في البكاء فلم أسمع له حسّاً ولا حركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر.
قال أبو الدرداء: فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركّته فلم يتحرّك، و زويته فلم ينزو، فقلت: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، مات واللَّه؛ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
قال: فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم.
فقالت فاطمة عليهاالسلام: يا أباالدرداء! ما كان من شأنه و من قصّته؟
فأخبرتها الخبر.
فقالت: هي واللَّه؛ يا أباالدرداء! الغشية الّتي تأخذه من خشية اللَّه.
ثمّ أتوه بماء، فنضحوه على وجهه، فأفاق، و نظر إليّ و أنا أبكي.
فقال: ممّ بكائك يا أباالدرداء؟
قلت: ممّا أراه تنزله بنفسك.
فقال: يا أباالدرداء! فكيف ولو رأيتني و دعي بى إلى الحساب، و أيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ و زبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبّار، قد أسلمني الأحبّاء، و رحمني أهل الدنيا، لكنت أشدّ رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية.
فقال أبوالدرداء: فواللَّه؛ ما رأيت ذلك من أصحاب رسولاللَّه صلى الله عليه و آله. (1).
أقول: أخذت صدر الحديث من «البحار» والبقيّة من «مسند فاطمة الزهراء عليهاالسلام».
2556/ 2- علم اليقين: ثمّ إنّ عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين، و أتى بهم إلى منزل أميرالمؤمنين عليهالسلام، فوافوا بابه مغلقاً، فصاحوا به: أخرج يا عليّ! فإنّ خليفة رسولاللَّه! يدعوك.
فلم يفتح لهم الباب. فأتوا بحطب، فوضعوه على الباب و جاؤوا بالنار ليضرموه، فصاح عمر و قال: واللَّه؛ لئن لم تفتحوا لنضرمنّه بالنار!!
فلمّا عرفت فاطمة عليهاالسلام إنّهم يحرقون منزلها قامت، و فتحت الباب، فدفعها القوم قبل أن تتوارى عنهم، فاختبئت فاطمة عليهاالسلام وراء الباب والحائط.
ثمّ إنّهم تواثبوا على أميرالمؤمنين عليهالسلام و هو جالس على فراشه، واجتمعوا عليه حتّى أخرجوه سحباً من داره، ملببّاً بثوبه يجرّونه إلى المسجد.
فحالت فاطمة عليهاالسلام بينهم و بين بعلها، و قالت: واللَّه؛ لا أدعكم تجرّون ابن عمّي ظلماً، ويلكم ما أسرع ما خنتم اللَّه و رسوله فينا أهلالبيت، وقد أوصاكم رسولاللَّه صلى الله عليه و آله باتّباعنا و مودّتنا والتمسّك بنا، فقال اللَّه تعالى: (قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجراً إلّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبى). (2).
قال: فتركه أكثر القوم لأجلها، فأمر عمر قنفذ أن يضربها بسوطه!! فضربها!! قنفذ بالسوط على ظهرها و جنبيها إلى أن أنهكها و أثر في جسمها الشريف.
و كان ذلك الضرب أقوى ضرر في إسقاط جنينها، وقد كان رسولاللَّه صلى الله عليه و آله سمّاه محسناً.
وجعلوا يقودون أميرالمؤمنين عليهالسلام إلى المسجد حتّى أوقفوه بين يدي أبيبكر، فلحقته فاطمة عليهاالسلام إلى المسجد لتخلّصه، فلم تتمكّن من ذلك، فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحرقة و نحيب، و هي تقول:
نفسي على زفراتها محبوسة يا ليتها خرجت مع الزفرات
لا خير بعدك في الحياة و إنّما أبكي مخافة أن تطول حياتي
ثمّ قالت: وا أسفاه عليك! يا أبتاه! وا ثكل حبيبك أبوالحسن المؤتمن و أبوسبطيك الحسن والحسين عليهماالسلام، و من ربّيته صغيراً و واخيته كبيراً، و أجلّ أحبّائك لديك، و أحبّ أصحابك عليك، أوّلهم سبقاً إلى الإسلام، و مهاجرة إليك يا خير الأنام، فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير.
ثمّ إنّها أنّت أنّة و قالت: وا محمّداه! وا حبيباه! وا أباه! وا أبا القاسماه! وا أحمداه! وا قلّة ناصراه! وا غوثاه! وا طول كربتاه! وا حزناه! وا مصيبتاه! وا سوء صباحاه!
و خرّت مغشيّة عليها، فضجّ النّاس بالبكاء و النحيب، و صار المسجد مأتماً... إلى آخر الحديث. (3).
___________
(1). البحار: 41/ 11 و 12 ح 1، و 84/ 194 ح 2، مسند فاطمه الزهراء عليهاالسلام: 296- 298، عن امالى الصدوق: 72 و 73.
(2). الشورى: 23.
(3). مسند فاطمه الزهراء عليهاالسلام: 299 و 300.
نصرة فاطمة عليّاً و دفاعها عنه
- الزيارات: 709