ولأجل أن نزيد توضيح الأمور للقارئ الكريم، وليظهر له مدى ما وقع في هذا الأمر من خلط وخبط، ربما يكون عمدياً.
نقول:
يذكر المؤرخون: أن عمر قد خطب أم كلثوم بنت أبي بكر، وذلك بعد وفاة أبي بكر، خطبها من عائشة، فأنعمت له بها، لكن أم كلثوم كرهته، فاحتالت حتى أمسك عنها، فتزوجها طلحة بن عبيد الله، فولدت له زكريا وعائشة الخ..(1).
وذكر بعضهم: أنه خطبها إلى عائشة، فلما ذهب قالت الجارية: تزوجيني عمر وقد عرفت خشونة عيشه، والله لئن فعلت لأخرجن إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصيحن به، إنما أريد فتى من قريش يصب الدنيا علي صبا.
فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته، فقال: أنا أكفيك.
فذهب إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، لو جمعت إليك امرأة.
فقال: عسى أن يكون ذلك.
قال: من ذكر أمير المؤمنين؟
قال: أم كلثوم بنت أبي بكر.
قال: ما لك ولجارية سعى إليك إياها بكره عيش؟
فقال عمر: عائشة أمرتك بذلك؟
قال: نعم.
فتركها، فتزوجها طلحة بن عبيد الله الخ..(2).
وحسب نص الطبري: "خطب أم كلثوم بنت أبي بكر، وهي صغيرة، وأرسل فيها إلى عائشة، فقالت: الأمر إليك.
فقالت أم كلثوم: لا حاجة لي فيه.
فقالت لها عائشة: ترغبين عن أمير المؤمنين؟
قالت: نعم، إنه خشن العيش، شديد على النساء.
فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص، فأخبرته.
فقال: كفيتك.
فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين بلغني خبر أعيذك بالله منه.
قال: وما هو؟
قال: خطبت أم كلثوم بنت أبي بكر؟
قال: أفرغبت بي عنها؟
قال: لا واحدة، ولكنها حدثة، نشأت تحت كنف أمير المؤمنين في لين ورقة، وفيك غلظة، ونحن نهابك، وما نقدر أن نردك عن خلق من أخلاقك. فكيف بها إن خالفتك في شيء؟ فسطوت بها، كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك.
قال: فكيف بعائشة وقد كلمتهاقال: أنا لك بها، وأدلك على خير منها. أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، تعلق منها بنسب من رسول الله (صلى الله عليه وآله)(3).
وقال عمر رضا كحالة: "إن رجلاً من قريش قال لعمر بن الخطاب: ألا تتزوج أم كلثوم بنت أبي بكر، فتحفظه بعد وفاته، وتخلفه في أهله؟.
فقال عمر: بلى إني لأحب ذلك، فاذهب إلى عائشة فاذكر لها ذلك، وعد إلي بجوابها.
فمضى الرسول إلى عائشة فأخبرها بما قال عمر، فأجابته إلى ذلك، وقالت له: حباً وكرامة.
ودخل عليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة, فرآها مهمومة، فقال لها: ما لك يا أم المؤمنين؟!
فأخبرته برسالة عمر، وقالت: إن هذه جارية حدثة، وأردت لها ألين عيشاً من عمر.
فقال لها: علي أن أكفيك.
وخرج من عندها، فدخل على عمر, فقال: بالرفاه والبنين. فقد بلغني ما أتيته من صلة أبي بكر في أهله، وخطبتك أم كلثوم.
فقال: قد كان ذاك.
قال: إلا أنك يا أمير المؤمنين رجل شديد الخلق على أهلك، وهذه صبية حديثة السن، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها، فتصيح، فيغمك ذلك وتتألم له عائشة، ويذكرون أبا بكر، فيبكون عليه، فتجدد لهم المصيبة ـ مع قرب عهدها ـ في كل يوم.
فقال له: متى كنت عند عائشة، وأصدقني؟!.
فقال: آنفاً.
فقال عمر: أشهد أنهم كرهوني، فتضمّنت لهم أن تصرفني عما طلبت، وقد أعفيتهم.
فعاد إلى عائشة، فأخبرها بالخبر، وأمسك عمر من معاودة خطبتها(4).
____________
(1) راجع: المعارف لابن قتيبة ص175 والبدء والتاريخ ج5 ص92.
(2) الروضة الفيحاء في تواريخ النساء ص303 وكنز العمال ج13 ص626 عن ابن عساكر.
(3) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص270 ط الإستقامة عن المدائني والكامل في التاريخ ج3 ص54 و55 والبداية والنهاية ج7 ص157 ط دار إحياء التراث سنة 1413 هـ.
(4) أعلام النساء ج4 ص250 و251.
عمر يخطب أم كلثوم بنت أبي بكر
- الزيارات: 680