• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ذكر الاحداث حسب تسلسل السنين 336هـ ـ 413هـ

سنة 336هـ:
فيها: في الحادي عشر من ذي القعدة ولد محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبدالسلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير بن وهيب بن هلال بن أوس بن سعيد ابن سنان بن عبدالدار بن الريّان بن قطر بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عكة بن خلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وقيل: مولده سنة 338هـ.
قال الخطيب البغدادي: شيخ الرافضة، والمتعلم على مذاهبهم، صنّف كتباً كثيرة في ضلالاتهم والذبّ عن اعتقاداتهم ومقالاتهم والطعن على السلف الماضين من الصحابة والتابعين وعامّ الفقهاء والمجتهدين، وكان أحد أئمة الضلال، هلك به خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه.
وما ذكره الخطيب ليس هو إلاّ فرداً من افراد التعصّب الّذي جرى لكثير من المؤرّخين قبال علماء الشيعة، فعلماء الشيعة مهما ارتقت درجتهم العلميّة وازدادوا تقىً كثر تعصّب علماء السنّة تجاههم، وشرعوا بإلقاء التهم عليهم، واستعملوا أسوء الألفاظ في حقّهم، وهذا هو التعصّب بعينه وخروج عن انصافٍ وسوء أدبٍ.
ومعلوم أن سلاح العلماء الأتقياء الّذين هدفهم إصابة الحق لا غير هو البرهان والمجادلة بالّتي هي أحسن واستعمال اللين ومقابلة الآخرين بأحسن الأخلاق وألطف تعبير.
وأمّا الّذين يقابلون الدليل بالسياط والتبعيد والقتل والسب واستعمال الألفاظ الرديئة، فهذا سلاح العاجزين عن الدليل، وهو أقوى حجّة لمعرفة الحقّ في أيّ
طرف من كفّتي الميزان.
وهذا ما جرى على شيخنا المفيد، فإنه رضوان الله عليه بأسلوبه البديع واخلاقه العظيمة ودليله القاطع بيّن معتقده خدمةً للحق، فوقف أمامه العامّة، وأبدوا تعصّباً ملحوظاً تجاهه، وبدل ردّهم عليه بالمثل والدليل استعملوا أسوء الألفاظ في حقّه وأغلظوا معه في القول، حتّى بعّد عن وطنه عدّة مرّات.
قال معاصره الأكبر منه سنّاً ابن النديم: ابن المعلم أبو عبدالله، في عصرنا انتهت إليه رئاسة متكلّمي الشيعة، مقدّم في صناعة الكلام، دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، شاهدته فرأيته بارعاً.
قال ابن أبي طيّ: هو شيخ مشايخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورئيس الكلام والفقه والجدل، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهيّة، وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.
قال الشيخ ابو العباس النجاشي: شيخنا، وأستاذنا رضي الله عنه، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم.
قال ابن الجوزي: شيخ الإمامية وعالمها، صنّف على مذهبهم، ومن أصحابه المرتضى، وكان لابن المعلّم مجلس نظر بداره ـ بدرب رياح ـ يحضره كافّة العلماء، وكانت له منزلة عند أمراء الأطراف يميلهم إلى مذهبه.
فهرست ابن النديم: 178، رجال النجاشي: 399 ـ 403 ترجمة رقم 1067، تاريخ بغداد: 3/231، المنتظم: 8/11 ـ 12، العبر: 3/114 ـ 155، مرآة الجنان: 3/28.
سنة 338هـ:
فيها: في آخر ربيع الأول وقعت فتنة بين الشيعة والسنّة، ونهبت الكرخ.
المنتظم: 6/363 ـ 364، البداية والنهاية: 11/221، شذرات الذهب: 2/345.
الكرخ يسكنها الشيعة الإمامية، بين شرقها والقبلة محلّة باب البصرة وأهلها سنة، وفي جنوبها المحلّة المعروفة بنهر القلاّئين وأهلها سنة، وعن يسار قبلتها محلّة تعرف بباب المحوّل وأهلها سنة، وتقع الكرخ غربي مدينة بغداد.
معجم البلدان: 4/448، المنجد: 856.
وعند ملاحظة الكرخ من الناحية الجغرافيّة نشاهد بوضوح أنها محصارة بين عدّة مدن يقطنها العامة المتعصّبون ضدّ الشيعة، فالكرخ دائمة هي الضحيّة عند وقوع أيّ اختلاف، فكأنّ السّنة على أهبة الاستعداد يتوقّعون الفرص للهجوم على الشيعة في الكرخ وإيقاع المجازر فيها والنهب والحرق!!
سنة 340هـ:
فيها: في شهر رمضان وقعت فتنه عظيمة بسبب المذهب.
البداية والنهاية: 11/224.
سنة 345هـ:
فيها: وقعت فتنة عظيمة بأصبهان بين أهل اصبهان وأهل قم بسبب المذاهب، وكان سببها أنّه قيل: عن رجلٍ قمي أنه سبّ بعض الصحابة، وكان من أصحاب شحنه أصفهان، فثار أهلها واستغاثوا بأهل السواد، فاجتمعوا في خلق لا يحصون كثرة، وحضروا دار الشحنة، وقتلوا من الشيعة خلقاً كثيراً، ونهب أهل أصفهان أموال التجار من أهل قم، فبلغ الخبر ركن الدولة، فغضب لذلك، فصادر أهل أصفهان بأموال كثيرة كما نقل ابن كثير، ونقل بن الاثير أنّ ركن الدولة غضب لذلك وأرسل اليها فطرح على أهلها مالاً كيراً.
الكامل في التاريخ: 8/517، البداية والنهاية: 11/230.
وركن الدولة هو: الحسن بن بويه أخو معزّ الدولة، ملك اصفهان سنة 328هـ، وملك طبرستان سنة 336هـ، وسار منها إلى جرجان فملكها، كان حليماً كريماً، كان يقصد المساجد الجامعة في أشهر الصيام للصلاة وينصب لردّ المظالم ويتعهد العلويّين بالأموال، توفي بالري ليلة السبت لاثني عشر ليلة بقيت من المحرم سنة 336، وقد زاد على سبعين سنة، وكانت مدّة امارته أربعاً وأربعين سنة.
نهاية الأرب: 26/175 ـ 179.
ولا أعلم على أيّ قانون كانوا يسيرون وعلى أيّ أسسٍ اعتمدوا، فهل سبّ واحدٍ من الشيعة لبعض الصحابة يوجب كلّ هذا؟!! قتل! ونهب! وما ذنب الآخرين؟!
وهذا مبنيّ على أنّ الصحابة كلّهم عدول، وأيّ دليل ينهض على هذا؟ وهل الصحبة لوحدها كافية ليكون المرء عادلاً؟ والقرآن صريح بخلاف هذا، راجع ما ذكرناه في المقدّمة مفصّلاً حول الصحابة.
سنة 346هـ:
فيها: في آخر المحرّم كانت فتنة للعامة بالكرخ، كذا قال ابن الجوزي، وقال ابن كثير: في سنة 346هـ وقعت فتنة بين أهل الكرخ وأهل السنة بسبب السب، فقتل من الفريقين خلق كثير، ولم يعيّن أيّ شهرٍ وقعت الفتنة، فيحتمل أن تكون فتنة واحدة حدثت في هذه السنة، ويحتمل تكرر الفتنة.
المنتظم 6/384، البداية والنهاية: 11/232.
سنة 348 هـ:
فيها: في جمادى الأولى اتصلت الفتن بين الشيعة والسنة قتل بينهم خلق ووقع حريق كثير في باب الطاق، ولم يذكر لنا التاريخ السبب.
المنتظم: 6/390، الكامل في التاريخ: 8/527، البداية والنهاية: 11/234، شذرات الذهب: 2/376.
وباب الطاق: محلّه كبيرة ببغداد بالجانب الشرقي تعرف بطاق اسماء.
معجم البلدان: 5/308.
سنة 349هـ:
فيها: في يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان على حدّ تعبير ابن الجوزي، وخامس شعبان على قول ابن الأثير، وقعت فتنة عظيمة بين السنّة والشيعة في القنطرة الجديدة، قتل فيها خلق كثير، وتعطّلت الجمعة من الغد في جميع المساجد من الجانبين سوى مسجد براثا فإنّ الصلاة تمّت فيه، ولم ينقل لنا المؤرّخون سبب الفتنة، بل ذكروا: وكان جماعة من بني هاشم قد أثاروا الفتنة فاعتقلهم معزّ الدولة ابن بويه فسكنت الفتنة، ونقل بعضهم: ثمّ قبض معزّ الدولة على جماعة من أهل السيف للمصلحة فسكتوا، ونقل آخر: ثمّ رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميّين فسكنت الفتنة.
المنتظم: 6/394 ـ 395، الكامل في التاريخ: 8/533، دول الاسلام: 193، البداية والنهاية: 11/236، النجوم الزاهرة: 3/323، العبر: 2/280، مرآة الجنان: 2/342 ـ 343، تاريخ الاسلام: 231 حوادث ووفيات 341هـ ـ 350هـ، شذرات الذهب 2/379.
والقنطرة الجديدة أول من بناها المنصور، وكانت تلي دور الصحابة وطاق الحرّاني، جدّدت عدة مرات.
معجم البلدان: 4/406.
ومسجد براثا واقع في محلّة براثا طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محوّل، وكانت براثا قبل بناء بغداد قرية، مرّ بها علي بن ابي طالب عليه السلام لقتال الحروريّة الخوارج بالنهروان وصلّى في موضع من الجانب المذكور، وتعرّض هذا المسجد عدّة مرّات للهدم، لاجتماع قوم من الشيعة فيه، هدمه الراضي بالله حتّى سوّى به الارض، ثمّ أمر بجكم الماكاني أمير الأمراء ببغداد بإعادة بنائه.
معجم البلدان: 1/362 ـ 363.
ومعزّ الدولة هو: أحمد بن بويه، مرّشيء من أخباره في المقدّمة في أحوال بني بويه، استولى على بغداد سنة 334هـ في خلافة المستكفي بالله، كان بواسط وقد جهّز الجيوش لمحاربة عمران بن شاهين الخارج عليه، فازداد عليه المرض، فرجع إلى بغداد، وعهد إلى ابنه بختيار، وتوفي لأربع ساعات مضين من ليلة الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر سنة 356هـ، وكانت امارته إحدى وعشرين سنة واحد عشر شهراً، وعمره ثلاث وخمسون سنة، ودفن بداره، ثمّ نقل إلى مشهد بني له في مقابر قريش.
المنتظم: 7/38 ـ 39، نهاية الأرب: 26/182 ـ 192.
وأمّا سبب الفتنة فغير معلوم، والنقل مضطرب كما ذكرنا، وحبس معزّ الدولة بعض الهاشميّين كان لإقناع السنة الّذين يشكّلون الأكثرية في بغداد، وهذا لا يدّل على حقّانيّتهم، ومعزّ الدولة كان شيعيّاً ومع ذلك يريد الحفاظ على مملكته، فإذا اقتضت المصلحة حبس بعض الشيعة للحفاظ على ملكه فعل، راجع ما كتبناه في المقدّمة في أحوال بني بويه وعقيدتهم.
سنة 253هـ:
فيها: في جمادى الأولى كانت فتنة عظيمة في البصرة وبهمذان بين العامة بسبب المذاهب على حدّ تعبير ابن الاثير، وبسبب السب على حدّ تعبير ابن كثير، قتل فيها خلق كثير وجمّ غفير.
الكامل في التاريخ: 8/544، البداية والنهاية: 11/241.
وسبب الفتنة أيضاً غير واضح، والسبّ لوحده غير مبرّر لهجوم السنّة على الشيعة وإيقاع القتل العام والنهب وإشعال الفتنة.
سنة 352هـ:
فيها: في اليوم العاشر من المحرّم غلقت الأسواق ببغداد، وعطّل البيع، ولم يذبح القصّابون، ولا طبخ الهرّاسون، ولا ترك الناس أن يستقوا الماء، ونصبت القباب في الأسواق، وعلّقت عليها المسوح، وخرج النساء يلطمن وجوههنّ على الحسين، وأقيمت النائحة على الحسين سلام الله عليه.
وذكر بعض المؤرّخين أنّ هذا كان بأمر معزّ الدولة، وبعضهم نقله من دون أن يذكر أنه بأمر أحدٍ.
وذكر ابن الأثير وابن كثير: ولم يكن للسنة قدرة على المنع منه، لكثرة الشيعة، ولأنّ السلطان معهم.
ولا أعلم لماذا يحاول أهل السنة منع هذا الشعار ومحاربته، وقد عقد مأتم الحسين قبل استشهاده من قبل خاتم الرسل، وإقامة هذا المأتم في السماء من قبل الملائكة، حتّى الجنّ أقامت المأتم وناحت على الحسين سلام الله عليه، راجع المقدّمة عن هذا الموضوع.
وقال الحافظ الذهبي بعد نقله لما حدث في يوم العاشر: وهذا اول ما نيح عليه، اللهمّ ثبّت علينا عقولنا.
وما هو مقصوده من: اللهمّ ثبّت علينا عقولنا؟ وهل ما علمته الشيعة من إقامة العزاء على سيّد الشهداء مخالف للعقول السليمة، وقد بكى عليه خير الخلق رسول الله وأقام المأتم عليه وأقامت الملائكة في السماء العزاء عليه وناحت عليه الجنّ؟!! راجع المقدمة حول هذا الموضوع.
وقال الأتابكي: قلت: وهذا أول يوم وقع فيه هذه العادة القبيحة الشيعية ببغداد، وكان ذلك في صحيفة معزّ الدولة بن بويه، ثمّ اقتدى به من جاء بعده من بني بويه وكلّ منهم رافضي!! خبيث!!
أقول: الم يخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله بما يجري على الحسين عليه السلام بعد ولادة الحسين، وبكاء النبي ومن في البيت على هذا المصاب، وهو اول عزاء يعقد على الحسين الشهيد، كما ذكرناه في المقدّمة، فمتى صار احياء ذكرى الحسين عليه السلام عادة قبيحة؟!! وتشاهد بوضوح عزيزي القارىء محاولة بعض المؤرّخين بجعل اقامة المأتم على الحسين انما كان ابتداؤه زمن معزّ الدولة!! وهذا جهل وتعصّب منهم، راجع المقدّمة الرابعة حول قضيذة الحسين كي يتبّين لك الأمر.
المنتظم: 7/15، الكامل في التاريخ: 8/549، مرآة الجنان: 2/347، تاريخ الاسلام: 11 حوادث ووفيات 351هـ ـ 380هـ، العبر: 2/294، دول الاسلام: 195، البداية والنهاية: 11/243، تكملة تاريخ الطبري: 397، شذرات الذهب: 3/9، النجوم الزاهرة: 3/334.
وفيها: في ليلة الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة ـ وهويوم عيد غدير خم ـ أشعلت النيران، وضربت الدبادب والبوقات، وبكر الناس الى مقابر قريش، وأظهرت الزينة في البلد، وفتحت الأسواق بالليل كما يفعل في ليالي الأعياد، وكان يوماً مشهوداً.
وقال الحافظ الذهبي بعد ذكر الحادث: فنعوذ بالله من الضلال!!
وقال ابن كثير: فكان وقتاً عجيباً وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة!!
ولا أعلم أين البدعة الشنيعة؟! والظاهرة المنكرة؟! كي يتعوّذ بالله منها، ألم ينصب رسول الله عليّاً في هذا اليوم خليفة، وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهمّ وال من ولاه وعادي من عاداه؟! ألم ينزل جبرئيل باكمال الدين بعد هذا؟! ألم يبايع المسلمون عليّاً يوم الغدير واحداً بعد الآخر… وقال له عمر: هنيئاً لك يا ابن ابي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة؟! ألا يحقّ للمسلمين أن يتخذوه عيدا ويفرحوا به… وقد وردت روايات كثيرة من طرق الخاصّة عن الأئمة عليهم السلام باتخاذ هذا اليوم عيداً، والتفصيل راجع المقدمة الخامسة حول هذا الموضوع.
المنتظم: 7/16، الكامل في التاريخ: 8/549 ـ 550، مرآة الجنان: 2/347، شذرات الذهب: 3/9، البداية والنهاية: 11/243، تكملة تاريخ الطبري: 400، تاريخ الاسلام: 12 حوادث ووفيات 351هـ ـ 380هـ، دول الاسلام: 195 ـ 196.
سنة 353هـ:
فيها: في العاشر من المحرّم عملت الشيعة المأتم على سيّد الشهداء الحسين عليه السلام، وعطّلت الأسواق وأقامت النوح، فلمّا أضحى النهار يومئذٍ وقعت فتنة عظيمة في قطيعة أم جعفر وطريق مقابر قريش بين السنّة والشيعة، واقتتلا قتالا شديداً، ونهبت الأموال، ووقعت بينهم جراحات.
المنتظم: 7/19، الكامل في التاريخ: 8/558، تاريخ الاسلام: 13 حوادث ووفيات 351 ـ 380، البداية والنهاية: 11/253، النجوم الزاهرة: 3/336.
وقطيعة أم جعفر: محلّة ببغداد عند باب لتين، وهو الموضع الّذي فيه مشهد موسى بن جعفر قرب الحريم بين دار الرقيق وباب خراسان، وقيل: قطيعة ام جعفر بنهر القلاّئين، ولعلّها اثنتان، وام جعفر هي: زبيدة بنت جعفر بن المنصور أم محمد الامين.
معجم البلدان: 4/376.
وهذه هي التعصّبات الجاهليّة ضدّ الشيعة لا غير، ففرقة لها مبانيها ورسومها تسير عليها، وتقيم مأتماً على امامها وتنصب له العزاء في كلّ سنة، فأيّ دخلٍ لفرقةٍ أخرى حتّى تمنعها، وأيّ قانونٍ يجيز لها قتل ونهب الفرقة الأخرى، وهل اقامة العزاء على ابن بنت رسول الله حكمة القتل والنهب والإباحة؟! أيّ انسانٍ حرّ الضمير يقبل هذا؟!
سنة 354هـ:
فيها: في العاشر من المحرّم أقامت الشيعة العزاء على الحسين سيّد الشهداء والنوح واللطم وعطّلت الاسواق.
54
وقال الأتابكي: ولم يتحرّك لهم السنّية خوفاً من معزّ الدولة ابن بويه.
وكأنّ المؤرّخين يتعجبّون كيف تنقضي المراسم من دون تعرّض السنة لهم، فصار المنع جارياً والقتل والنهب عادة، حتّى أن المراسم لمّا تمّت بسلام، تذكره ابناء العامة بإعجاب، وكيف لم يحملوا على الشيعة ويقتلوهم؟! لتفرح قلوبهم بسماع سفك دماء الشيعة!!!
وقال ابن كثير: ثمّ تسلّطت أهل السنّة على الروافض، فكبسوا مسجدهم مسجد براثا الذي هو عشّ الروافض!! وقتلوا بعض من كان فيه من القومة!!
والظاهر من عبارة ابن كثير بل صريحها ان هذه السنة ايضاً لم تنقض المراسم بدون قتلٍ ونهبٍ.
المنتظم: 7/23، تاريخ الاسلام: 17 حوادث ووفيات 351 ـ 380، النجوم الزاهرة: 3/339، البداية والنهاية: 11/255.
وقال ابن كثير بعد نقل ما تعمله الشيعة يوم العاشر: وهذا تكلّف لا حاجة إليه في الاسلام، ولو كان هذا أمراً محموداً لفعله خير القرون وصدر هذه الأمّة وخيرتها، وهم أولى به، لو كان خيراً ما سبقونا اليه، وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون.
البداية والنهاية: 11/255.
ونحن نقول لابن كثير: لو سلّمنا لك أنّ هذا تكلّف لا حاجة إليه في الإسلام، فهل فعله يوجب القتل والنهب والإباحة؟!.
وأمّا قوله: لو كان هذا أمراً محدوداً لفعله خير القرون، فهو مردود، بأن خير القرون فعلوه، لكن بشكل آخر، فرسول الله صلّى الله عليه وآله اقام المأتم على الحسين قبل استشهاده وكذلك علي بن ابي طالب عليه السلام، وذلك بعد إخبار جبرئيل، ولكن بنحو آخر، وكذا أقام العزاء على الحسين أئمّة اهل البيت في اليوم العاشر، وجلسوا للعزاء والبكاء، راجع ما كتبناه حول هذا الموضوع في المقدّمة.
وأمّا قوله: وأهل السنّة يقتدون ولا يبتدعون!! فهل هذا مبّرر لقتلهم الشيعة ونهبهم أمولاهم وحرق بيوتهم؟!
وهل كانت صلاة التراويح في زمن النبيّ، أو صلاّها؟!
ومن اسقط القول بحيّ على خير العمل من الآذان، ألم يكن في زمن رسول اله وأسقط بعده؟!
ألم يعترفوا بانّ السنّة التختم باليمين، لكن بما أن الشيعة تتختّم باليمين جعلوا السنّة التختم باليسار.
ومن نهى عن متعة الحج وكانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
ومن منع من متعة النساء وكانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!
ومن زاد في الآذان الصلاة خير من النوم ولم تكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!
ومن منع المغالات في صداق النساء؟!
ومن أتمّ الصلاة بمنى أربعاً؟!.
واسأل من ابن كثير: من جعل في مقابل عيد الغدير يوماً باسم يوم الغار وفي مقابل يوم عاشوراء يوم مقتل مصعب وعملوا فيهما من الفرح والحزن كما تعمله الشيعة؟! ومن…؟! ومن…؟! وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون!
وفيها: في الثامن عشر من ذي الحجّة أقامت الشيعة مراسم عيدالغدير، ولم يتحدّث التاريخ لنا بشيء حدث فيه.
وقال ابن كثير: وفي ثاني عشر ذي الحجة منها علمت الروافض عيد غدير خم…
وهو غلط واضح لعلّه من النسّاخ، اذ أن يوم عيد الغدير هو اليوم الثامن عشر.
المنتظم: 7/24، البداية والنهاية: 11/255.
سنة 355هـ:
فيها: في العاشر من محرّم أقامت الشيعة عزاءها على الحسين الشهيد عليه السلام والنوح والبكاء، ولم يحدث شيء والحمد لله.
وقال ابن كثير: في عاشر المحرّم عملت الروافض بدعتهم الشنعاء!! وضلالتهم الصلعاء!! على عادتهم ببغداد.
وهنا ابن كثير يتألّم كيف انتهت المراسم بسلامةٍ، ولم يقتل السنة الشيعة ولم يهجموا عليهم، فأبدى حقده هذا بهذه العبارات السقيمة وسوء الأدب، يريد جرح عواطف الشيعة الّذين يحترمون هذا اليوم ويعظموه، فإنّا لله وإنّا اليه راجعون.
المنتظم: 7/33، البداية والنهاية: 11/260، النجوم الزاهرة: 4/11.
سنة 356هـ:
فيها: عملت الشيعة المراسم في اليوم العاشر من المحرّم، ولم ينقل لنا التاريخ وقوع حرب أو فتنة، وله الحمد.
المنتظم: 7/48، مرآة الجنان: 2/358، العبر: 2/203، تاريخ الاسلام: 37 حوادث ووفيات 351هـ ـ 380هـ، شذرات الذهب: 3/18، البداية والنهاية: 11/262، النجوم الزاهرة: 4/14.
سنة 357هـ:
فيها: في اليوم العاشر من المحرّم تمّت مراسم العزاء بسلامٍ، والحمد لله.
المنتظم: 7/43، البداية والنهاية: 11/265، النجوم الزاهرة: 4/18، الكامل في التاريخ: 8/589، تاريخ الاسلام: 39 حوادث ووفيات 351هـ 380هـ.
وفيها: في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة عملت الشيعة مراسم الفرح والسرور لعيد الغدير، ولم ينقل حدوث فتنةٍ، والحمد للّه.
المنتظم: 7/43، الكامل في التاريخ: 8/589، تاريخ الاسلام: 39 حوادث ووفيات 351هـ ـ 380هـ، البداية والنهاية: 11/265.
سنة 358هـ:
فيها: في اليوم العاشر من المحرّم أقامت الشيعة في بغداد العزاء على الحسين بن علي وإغلاق الأسواق وتعطيل المعاش وإظهار النوح، ولم يحدث في المراسم قتال ولافتنة، والحمد لله.
وقال الذهبي: وأقامت الرافضة الشعار الجاهلي يوم عاشوراء…
الشعار الجاهلي!! وهل بلغت الوقاحة إلىهذه الدرجة كي يعبّر عن إقامة المراسم على الحسين سيد الشهداء بالشعار الجاهلي؟ ألم يك على الحسين كلّ موجود من السماء والأرض والحيوانات والملائكة والجن واقاموا المأتم على الحسين، كلّ هذا ورسول الله وعلي هما أقاما مأتماً على الحسين، فيا عجباً من أمّة تقتل ابن بنت رسولها وتسمّي من يجلس له مأتماً ويبكي عليه: شعاراً جاهلياً!
المنتظم: 7/47، الكامل في التاريخ: 8/600، تاريخ الاسلام: 43 حوادث ووفيات 351هـ ـ 380هـ، البداية والنهاية: 11/266، النجوم الزاهرة: 4/25.
وفيها: في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، أقام الشيعة مراسمهم من إظهار الفرح بيوم عيدالغدير الأغرّ، ولم يتعرّض لهم أحد ولا منعهم، وله الحمد.
المنتظم: 7/47، البداية والنهاية: 11/266، النجوم الزاهرة: 4/25، تاريخ الاسلام: 43 حوادث ووفيات 351هـ ـ 380هـ.
سنة 359هـ:
فيها: في العاشر من المحرّم تمّت مراسم العزاء من دون منعٍ وتعرّضٍ، والحمد لله.
وقال ابن كثير: في عاشر المحرّم عملت الرافضة بدعتهم الشنعاء….
وقال الأتابكي: اقامت الرافضة المأتم… على عادتهم وفعلهم القبيح….
وهنا أيضاً لم يسلم المأتم من الهجوم والتعرّض، نعم سلم في وقت إقامته، ولم يسلم من المؤرّخين!
المنتظم: 7/51، تاريخ الاسلام: 45 حوادث ووفيات 351هـ ـ 380هـ، البداية والنهاية: 11/267، النجوم الزاهرة: 4/56.
سنة 360هـ:
فيها: في يوم العاشر من المحرّم أقام الشيعة المأتم على الحسين الشهيد، ولم ينقل التاريخ حدوث فتنة أو تعرّضٍ، والحمد لله.
قال ابن كثير: في عاشر محرّمها عملت الرافضة بدعتهم المحرّمة….
ولا جواب على قوله: بعدتهم المحرّمة غير قوله تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً).
المنتظم: 7/53، النجوم الزاهرة: 4/57، تاريخ الاسلام: 47 حوادث ووفيات 351هـ ـ 380هـ.
وفيها: في ثامن عشر ذي الحجّة، أقامت الشيعة مراسم العيد والسرور بمناسبة عيدالغدير الأغرّ، ولم يحدث شيء من القتل والنهب، والحمد لله.
تاريخ الاسلام: 47 حوادث ووفيات 351هـ 380هـ، النجوم الزاهرة: 4/57.
سنة 361هـ:
فيها: في يوم العاشر من المحرّم أقامت الشيعة مراسم العزاء على الحسين سيد الشهداء، ولم يحدث شيء، وله الحمد والمنّة.
قال ابن كثير: في عاشر المحرم عملت الروافض بدعتهم….
وقال الحافظ الذهبي: أقامت الشيعة بدعة عاشوراء.
ومرّة أخرى سلمت المآتم من القتل والنهب، ولم تسلم من أقلام المؤرّخين الجارحة!.
المنتظم: 7/75، النجوم الزاهرة: 4/62، تاريخ الاسلام: 245 حوادث ووفيات 351هـ ـ 380هـ، البداية والنهاية: 11/271.
وفيها: وقعت فتنة عظيمة ببغداد وظهرت العصبية الزائدة، وظهر العيّارون وأظهروا الفساد وأخذوا أموال الناس، وكان سبب ذلك أنّ العامة لمّا تجهّزت للغزاة وقعت بينهم فتنة شديدة بين الشيعة والسنة، وأحرق اهل السنّة دور الشيعة في الكرخ وكانت معدن التجار الشيعة ونهبت الأموال وقتل جميع غفيرٍ، وجرى بسبب ذلك فتنة بين النقيب أبي أحمد الموسوي والوزير أبي الفضل الشيرازي وعداوة.
الكامل في التاريخ: 8/619، البداية والنهاية: 11/271.
والنقيب ابو أحمد الموسوي هو الحسين بن موسى بن محمد بن ابراهيم بن موسى بن جعفر، ولد سنة 304هـ، وكان يلقب بالطاهر وبذي المناقب والأوحد،
ولاّه بهاء الدولة قضاء القضاة فلم يمكّنه القادر بالله، ولي النقابة عدّة مرّات، توفي سنة 400هـ عن سبع وتسعين سنة، وصلّى عليه ابنه المرتضى، ودفن في داره ثمّ نقل إلى مشهد الحسين عليه السلام.
المنتظم 7/247، الكامل في التاريخ: 9/182.
والوزير ابو الفضل الشيرازي هو عباس بن الحسين، وكان وزيراً لعزّ الدولة، وكان ظالما، فقبض عليه وقتل في ربيع الآخر من سنة 363هـ وعمره تسع وخمسون سنة.
وهنا تلاحظ بوضوح أنّ السنّة تحرّكت ضدّ الشيعة لمّا تجهّزت للغزاة، فلمّا احسّت السنّة بالقوّة وكثرة الجمع والتجهّز بالسلاح، جملوا على الشيعة، وأحرقوا دورهم بالكرخ، فهم على استعدادٍ كاملٍ للهجوم على الشيعة وإبادتهم، فمتى حصلوا على فرصة مناسبة جعلوا كلّ ما لديهم من قوّة ضدّ الشيعة، وكأنهم يهود أو نصارى، كلاّ حتّى معاملتهم مع اليهود والنصارى والزنادقة كانت أفضل بكثير من معاملتهم مع الشيعة!.
سنة 362هـ:
فيها: في العاشر من المحرّم، اختلف النقل عن وقوع مراسم المأتم أم لا:
فقال ابن كثير: في عاشر محرمها عملت الروافض من النياحة وتعليق المسوح وغلق الأسواق كما تقدّم قبلها.
وقال الأتابكي: فيها لم تعمل الرافضة المأتم ببغداد بسبب ما جرى على المسلمين من الروم، وكان عزّ الدولة بختيار بن بويه بواسط، والحاجب سبكتكين ببغداد، وكان سبكتكين المذكور يميل إلى السنّة، فمنهم من ذلك.
البداية والنهاية: 11/273، النجوم الزاهرة: 4/65.
وماذنب الشيعة فيما جرى على المسلمين من الروم؟! أوليست الحرب كرّ وفرّ؟! ولكن التعصّب ضدّ الشيعة والأحقاد الدفينة في القلوب، جعلت أهل السنّة يتربصون بالشيعة لقتلهم ونهبهم فالشيعة على ممرّ العصور مظلومون من قبل الحكام والناس، وإذا ما جاءت حكومة أعطت للشيعة فرصة قليلة، فالسنّة تتضاعف أحقادهم ويشرعون بقتل الشيعة وإباحتهم، وعزّ الدولة كان قد اعطى للشيعة نوعاً من الحريّة، ففي غيابه أبدت السنّة أحقادها ومنعت الشيعة من إقامة العزاء! وعلّلوه بما جرى على المسلمين من الروم!!!.
وعزّ الدولة هو ابو منصور بختيار بن معزّ الدولة بن بويه، عقد له الأمر والده من بعده يوم الجمعة لثمان خلون من المحرّم سنة 344هـ، وبايع له الأجناد، جلس في السلطنة بعد وفاة أبيه يوم الثلاثاء عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة 356هـ، قتل في الثامن عشر من شوّال سنة 367هـ بعد أن اسرّه عضد الدولة ابن محمد وأمر بقتله.
نهاية الأرب 26/194 ـ 210.
وسبكتكين هو حاجب معزّ الدولة، كان الطائع لله قد خلع عليه خلعة الملوك وطوّقه ولقّبه نصر الدولة، فلم تطل أيامه، توفي في المحرم.
شذرات الذهب: 3/48.
وفيها: ضرب صاحب المعونة رجلاً من العامة فمات، فثارت عليه العامة وجماعة من الأتراك، فهرب منهم، فدخل داراً فأخرجوه مسجوناً وقتلوه وحرقوه، فركب الوزير ابو الفضل الشيرازي ـ وكان شديد التعصّب للسنّة ـ وبعث حاجبه إلى أهل الكرخ، فألقى في دورهم النار، فاحترقت طائفة كثيرة من الدور والأموال، من ذلك ثلاثمائة دكان وثلاثة وثلاثون مسجداً وسبعة عشر ألف إنسان، فعند ذلك عزله بختيار عن الوزارة.
البداية والنهاية: 11/273.
فصاحب المعونة يضرب رجلاً من العامّة لا نعلم سببه، وهو لا يقصد قتله، لكنه قد مات، فهرب صاحب المعونة واختفى في بيت، فأخرج وقتل، فإذا كان جزاؤه القتل لأنه قتل فقد قتل، لكن العامّة لا تكتفي بهذا، بل أحرقوا دور الشيعة في الكرخ، وطرقت سمعك الاحصائيات المدهشة الناشئة عن هذا الحريق!! أليس هذا هو التعصّب بحقيقته؟!.
سنة 363هـ:
فيها: في العاشر من المحرّم أقامت الشيعة المأتم على الحسين عليه السلام.
وقال ابن كثير: … عملت البدعة الشنعاء!.
البداية والنهاية: 11/275.
وفيها: قويت السنة على الشيعة، وكانت السنة تنادي بشعار سبكتكين والأتراك، والشيعة تنادي بشعار عزّ الدولة والديلم، واتّصلت الحروب، وكبس أهل السنّة المنازل وأحرقوا الكرخ حريقاً ثانياً!!!.
البداية والنهاية: 11/275، 7/68.
ولا أعلم في أيّ وقتٍ تقو السنّة على الشيعة، وهل اعطوا للشيعة حتّى فرصة الدفاع عن النفس ومواجهة الاتهامات الواردة عليها والإفترائات؟.
وفيها: كما قال ابن كثير: وقعت فتنة عظيمة ببغداد بني أهل السنّة والرافضة، ذلك أنّ جماعة من أهل السنة أركبوا امرأة وسمّوها عائشة، وتسّمى بعضهم بطلحة وبعضهم بالزبير، وقالوا: نقاتل أصحاب علي!!! فقتل بسبب ذلك من الفريقين خلق كثير.
البداية والنهاية: 11/275.
لمّا يصل مؤرّخوا السنة إلى أمثال هذه الأفاعيل الشنيعة الّتي تمسّ شخصيّة علي ابن ابي طالب، وتجرح قلوب الشيعة، والمقصود من ورائها الفتنة لا غير، يذكرون الحدث ويمرّوا عليه مرّ الكرام، وأمّا مراسم عاشوراء والغدير، فالعّامة يستعملوا أشنع الألفاظ مقابل الشيعة لأجل إحيائها هذين المناسبتين، فالبدعة الشنيعة… والصلعاء… وشعار الجاهلية، والسنّة القبيحة، و… فأين ذهب الانصاف يا ترى… وأين العدالة الّتي ينادون بها بأعلا أصواتهم؟!.
سنة 366هـ:
فيها: كما قال الأتابكي: عمل في الديار المصرية المأتم في يوم عاشوراء على الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ وهو أوّل ما صنع ذلك بديار مصر، فدامت هذه السنّة القبيحة! سنين الى أن انقرضت دولتهم.
النجوم الزاهرة: 4/126.
سنة 367هـ:
فيها: كما قال ابن الجوزي: دخل عضد الدولة إلى بغداد وقد هلك أهلها قتلاً وحرقاً وجوعاً، للفتن الّتي اتصلت فيها بين الشيعة والسنّة، فقال: آفة هؤلاء القصاص، يغرون بعضهم ببعض، ويحرضونهم على سفك دمائهم وأخذ أموالهم، فنادى في البلد: لا يقص أحد في جامع ولا طريق، ولا يتوسّل بأحد من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أحبّ التوسّل قرأ القرآن، فمن خالف فقد أباح دمه.
المنتظم: 7/88.
وقال ابن كثير: وقيل لعضد الدولة: إنّ أهل بغداد قد قلّوا كثيراً بسبب الطاعون، وما وقع بينهم من الفتن بسبب الرفض والسنّة، وأصابهم حريق وغرق، فقال: إنّما يهيّج الشرّ بين الناس هؤلاء القصاص والوعاظ…
البداية والنهاية: 11/289.
سنة 369هـ:
فيها: في صفر قبض على الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي، نقيب الطالبيين، وقد كان أمير الحج مدّة سنين، اتّهم بأنه يفشي الأسرار، ووجدوا كتاباً بخطه في إفشاء الأسرار، فأنكر أنّه خطّه، وكان مزوّراً عليه، وعزل عن النقابة، وكان مظلوماً.
البداية والنهاية: 11/295.
والّذي يظهر للمتأمّل: أن أهل السنّة زوّروا عليه هذا الكتاب لمّا وجدوه مقرّباً عند بني بويه ونفوذ أمره ودفاعه عن التشيّع والشيعة.
سنة 371هـ:
فيها: في ربيع الأول وقع حريق بالكرخ من حدّ درب القراطيس إلى بعض البزازين من الجانبين، وأتى على الأساكفة والحذّائين، واحترق فيه جماعة من الناس، وبقي لهبه اسبوعاً.
المنتظم: 7/107 ـ 108، تاريخ الاسلام: 471 ـ 472 حوادث ووفيات 351هـ ـ 380هـ، البداية والنهاية: 11/297.
والكرخ هي مقرّ الشيعة ومسكنهم كما ذكرناه سابقاً، ولم يذكر لنا المؤرخون سبب هذا الحريق المهيب.
سنة 372هـ:
فيها: أطلق شرف الدولة عن الشريف أبي الحسين محمد بن عمر العلوي والنقيب أبي احمد الموسوي والد الشريف الرضي والمرتضى، وكان عضد الدولة حبسهم.
الكامل في التاريخ: 9/22 ـ 23.
وشرف الدولة هو ابن عضد الدولة، نفذ أمره بين خراسان والموصل وديار بكر والعراق ومدن أخرى، وكانت إمارته ست سنين وسبعة أشهر، ملك فيها بغداد سنتين، وكان يحبّ الخير، توفي ببغداد في مستهل جمادى الآخرة سنة 379هـ وقيل في ثانيه، وكانت علّته الاستسقاء.
نهاية الأرب: 26/233 ـ 234.
سنة 379 و380هـ:
فيهما: اشتدّ البلاء وعظم الخطب في بغداد، وزاد أمر العيّارين في جانبي بغداد، ووقعت بينهم حروب وعظمت الفتنة، واتصل القتال بين الكرخ وباب البصرة، وصار في كلّ حزبٍ أمير وفي كلّ محلّةٍ متقدّم، وقتل طائفة ونهبت الأموال وتواترت الفتن وأحرق بعضهم دور بعض، ووقع حريق في نهر الدجاج احترق فيه شيء كثير للناس، وتوّسط الشريف أبو أحمد الموسوي الأمر.
المنتظم: 7/153، تاريخ الاسلام: 487 حوادث ووفيات 351هـ ـ 380هـ، العبر: 3/10 ـ 11، البداية والنهاية: 11/308.
وباب البصرة: تكون بين شرق الكرخ وقبلتها، وأهلها كلّهم سنّة.
ونهر الدجاج: محلّة ببغداد قرب الكرخ من الجانب الغربي وأهلها شيعة. معجم البلدان: 4/448، و5/320.
سنة 381هـ:
وفيها: في اليوم الثاني عشر من ذي الحجّة وهو يوم الغدير على حدّ تعبير ابن الجوزي، واليوم الثالث عشر من ذي الحجة وهو يوم عيد الغدير على حد تعبير ابن كثير، جرت فتنة بين أهل الكرخ الشيعة وباب البصرة السنة، واقتتلوا، فقتل منهم خلق كثير، واستظهر أهل باب البصرة، وحرقوا أعلام السلطان، فقتل جماعة اتّهموا بفعل ذلك وصلبوا على القناطر ليرتدع أمثالهم.
وقال ابن الأثير: وفيها كثرت الفتن بين العامة ببغداد وزالت هيبة السلطان وتكرّر الحريق في المحال واستمرّ الفساد.
المنتظم: 7/163 ـ 164، الكامل في التاريخ: 9/91، البداية والنهاية: 11/309.
وما ذكره ابن الجوزي من كون عيد الغدير في اليوم الثاني عشر من ذي الحجّة، وابن كثير من كونه في اليوم الثالث عشر منه، معلوم فساده، لقيام الإجماع على كونه في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة.
سنة 382هـ:
فيها: استولى الوزير ابو الحسن ابن المعلّم على أمور السلطان بهاء الدولة كلّها ببغداد، ومنع الشيعة من أهل الكرخ وباب الطاق من إقامة العزاء والنوح في يوم العاشر من المحرّم على الحسين الشهيد بعد أن كان يقام من ثلاثين سنة.
المنتظم: 7/167 ـ 168، مرآة الجنان: 2/415، البداية والنهاية: 11/311، شذرات الذهب: 3/102، تاريخ الاسلام: 12 ـ 13 حوادث ووفيات 381 ـ 400هـ، العبر: 3/20، دول الاسلام: 207، النجوم الزاهرة: 4/162.
وابو الحسن ابن المعلم هو عليّ بن محمد الكوكبي، استولى على أمور بهاء الدولة في بغداد سنة 382هـ، وشغب الجند وبعثوا يطلبون من بهاء الدولة أن يسلّم اليهم ابن المعلّم، وصمّموا على ذلك، الى أن قال له رسولهم: أيّها الملك اختر بقاءه أبو بقاءك، فقبض عليه حينئذٍ وعلى أصحابه، فما زالوا به حتّى قتلوه.
مرآة الجنان: 2/415، شذرات الذهب: 3/102، العبر: 3/20.
وفي دول الاسلام عندما ذكر ابن المعلّم هذا، ذكر المحقق في الهامش: أي الشيخ المفيد، وهو غلط واضح ناشىء عن قلّة معرفةٍ والتباس.
وقال ابن كثير: في عاشر محرّم أمر الوزير… بأن لا يفعلوا شيئا من تلك البدع… ولله الحمد، وقد كان هذا الرجل من اهل السنّة.
والحمد لله على كلّ حال حسن، ولكن ربّ كلمة حقّ أريد بها باطل، فسنين قلائل تمكّن الشيعة آنذاك من إقامة مراسم العزاء وبهدوء، لكن لم يتمكّن أن يرى العامّة هذا، وسعوا بكلّ ما بوسعهم لأجل منع العزاء، وأنّهم وإن تمكّنوا في بعض السنين من منع اقامة المراسم، لكن هذا الشعار دام في انحاء العالم وسيدوم ان شاء الله تعالى.
وفيها: في شوّال تجددّت الفتنة بين أهل الكرخ وغيرهم، واشتدّ الحال، فركب أبو الفتح محمد بن الحسن الحاجب، فقتل وصلب، فسكن البلد.
الكامل في التاريخ: 9/94.
سنة 384هـ:
فيها: في صفر قوي أمر العيارين، واتصل القتال بين الكرخ وباب البصرة، واحترق كثير من المحال، وظهر العيّار المعروف بعزيز البابصري، واستفحل أمره، والتحق به كثير من الذعار والمؤذين، وطرح النهار في المحال، ثمّ صالح أهل الكرخ، فنهض السلطان وتفرّغ لهم، فهربوا في الظاهر.
المنتظم: 7/174، تاريخ الاسلام: 17 حوادث ووفيات 381هـ ـ 400هـ، النجوم الزاهرة: 4/167، العبر: 3/24، الكامل في التاريخ: 9/106.
وظاهراً المراد من البابصري: الباب بصري، نسبة إلى باب بصرة، وفي كثير من المصادر: عزيز من باب البصرة.
سنة 386هـ:
فيها: في شهر محرّم ادّعى أهل البصرة أنهم كشفوا عن قبرٍ عتيق، فإذا هم بميّت طريّ عليه ثياب وسيفه، فظنّوه الزبير بن العوام، فأخرجوه وكفّنوه ودفنوه بالمربد بين الدربين، وبنى عليه الأثير ابو المسك عنبر بناءً، وجعل الموضع مسجداً، ونقلت إليه قناديل وآلات وحصر وفرش وتنوير، وجعل عنده خدام وقوام، ووقف عليه أوقاف كثيرة.
المنتظم: 7/187، تاريخ الاسلام: 19 حوادث ووفيات 381هـ ـ 400هـ، البداية والنهاية: 11/319، النجوم الزاهرة: 4/174.
والزبير فهو ابن العوام بن خويلد الأسدي القرشي أبو عبدالله، صحابي، كان من المولبين على عثمان ومن الّذين أنكروا عليه وأغلظ له في القول، حتّى أن عثمان أرسل إليه سعيد بن العاص فقال له: إنّ عثمان ومن معه قد مات عطشاً، فقال الزبير: (وحيل بينهم وبين ما يشتهون…) الآية، وبعد أن تمّت البيعة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام وبيعة الزبير له استأذن هو وطلحة من عليّ عليه السلام في العمرة… عزماً منهما على نكث البيعة ورغبة في اللحوق بعائشة، تأميلاً لبلوغ الرئاسة وطمعاً في الدنيا… فخوّفهما أمير المؤمنين الغدر والنكث، فجدّدا عهداً ثانياً، وأذن لهما، فسارا، ولمّا وصلا مكّة ناشدا الناس دم عثمان، فاجتمع إليهما من أجاب عائشة، فمضوا جميعاً إلى البصرة ناكثين بيعة أمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا انتهى اليهم عليّ عليه السلام دعاهم إلى الله وإلى كتابه وسنّة نبيّه والدخول في الجماعة وخوّفهم الفتنة، وأكثر من النصح والتذكار، ولا جواب من القوم إلاّ القتال أو خلع نفسه من الأمر ليولّوه من شاؤوا، فأذن عليه السلام لأصحابه في القتال، فلم يكن إلاّ قليلاً حتى انهزم اصحاب الجمل وقتل طلحة والزبير، قتل الزبير ابن جرموز بوادي السباع سنة 36هـ.
ووادي السباع: بين البصرة ومكّة، بينه وبين البصرة خمسة أميال على حدّ تعبير الحموي، وسبع فراسخ على حدّ تعبير بعض المؤرخين.
وأمّا المربد: فهو من اشهر أحياء البصرة، كان قديماً سوقاً للأبل، ثمّ صار محلّة عظيمة سكنها الناس، وبها كانت مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء، وهو بائن عن البصرة، بينهما نحو ثلاثة اميال.
تاريخ الواقدي كما عنه في تقريب المعارف، تهذيب ابن عساكر: 5/355، صفة الصفوة: 1/132، حلية الأولياء: 1/89، الأعلام: 3/43، معجم البلدان: 5/98 و343، المنجد: 649.
وأمّا كشفهم عن قبر عتيقٍ..!! فنحن نشك في أصل وجود هذه المسألة، فضلاً عن من هو الميّت، فإنّ في تلك الفترة من الزمن كان السنّة شديدوا التعصّب ضدّ الشيعة، حتّى أنّهم لمّا لم يتمكّنوا من منع الشيعة من إقامة العزاء في يوم العاشر من المحرم على سيّد الشهداء الحسين عليه السلام جعلوا في مقابله اليوم الثامن عشر من المحرّم وقالوا: فيه قتل مصعب بن الزبير، وعملوا من المصاب والنوح مثل ما تعمله الشيعة يوم عاشوراء، وسيأتي تفصيل أكثر عن هذه الموضوع في أحداث سنة 389هـ.
وما ادّعوه من الكشف عن قبرٍ عتيق… وانه قبر الزبير! من هذا القبيل، ليكون في مقابل المشاهد المشرّفة لأئمة أهل البيت الّتي تزورها الشيعة، وهذا هو التعصّب الأعمى لا غير.
وبين مقتل الزبير وبين هذا القبر مسافة غير قليلة، فهل قتل في مكان ودفن في آخر، أم الّذين أخرجوه من مكانه دفنوه في غير المكان الذي وجدوه فيه؟!.
وقال الذهبي بعد سرد القصة: فالله أعلم من ذلك الميّت!.
تاريخ الاسلام: 19 حوادث ووفيات 381هـ 400هـ.
سنة 389هـ:
فيها: في العاشر من المحرّم عملت الشيعة المأتم على الحسين الشهيد عليه السلام، ولم يحدث شيء، والحمد لله.
وفيها: في الثامن عشر من ذي الحجّة عملت الشيعة مجالس الفرح بعيد الغدير الأغرّ، ولم يحدث شيء، وله الحمد.
دول السلام: 209، البداية والنهاية: 11/325 ـ 326، الكامل في التاريخ: 9/155، العبر: 3/42 ـ 43، شذرات الذهب: 3/130، تاريخ الاسلام: 25 حوادث ووفيات 381هـ ـ 400هـ.
وقال الذهبي: وتمادت الرافضة في هذه الأعصر في غيّهم بعمل عاشوراء… وبنصب القباب والزينة وشعار الأعياد يوم الغدير…
العبر: 3/42.
وهذا تعبير جديد آخر عن مراسم عاشوراء والغدير، وهو: تمادت الرافضة في غيّهم… وكم أمثال هذه التعابير تتكرر في هذا البحث، أفلا يحق لنا أن نقول: انّ وراء هذا أحقاد دفينة، بدريّة وحنينيّة؟!.
وقال ابن كثير: أرادت الشيعة أن يصنعوا.. يوم عيد غدير خم، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة فيما يزعمونه!.
البداية والنهاية: 11/325.
وهنا يشكك ابن كثير في كون يوم الغدير هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، وهذا التشكيك في غير ملحّة، لقيام الإجماع على كونه في هذا اليوم، حتّى من ابن كثير نفسه في غير هذا الموضوع من كتابه.
وفيها: عمل أهل باب البصرة في مقابل الشيعة يوم الثامن عشر من المحرّم ـ وقال ابن كثير: اليوم الثاني عشر ـ مثل ما تعمله الشيعة في عاشوراء، وقالوا هو يوم قتل مصعب بن الزبير، وزارت قبره بمسكن كما يزار قبر الحسين عليه السلام، ونظروه بالحسين، وقالوا إنه صبر وقاتل حتّى قتل، وأنّ اباه ابن عمّة النبي كما أنّ أبا الحسين ابن عمّ النبي.
المنتظم: 7/206، البداية والنهاية: 11/325 ـ 326، الكامل في التاريخ: 9/155، العبر: 3/42 ـ 43، شذرات الذهب: 3/130، تاريخ الاسلام: 25 حوادث ووفيات 381هـ ـ 400هـ.
ومصعب هو ابن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي القري، أبو عبد، نشأ بين يدي أخيه عبدالله بن الزبير، وولاّه البصرة سنة 67هـ، فقصدها وضبط أمورها وقتل المختار الثقفي الّذي قام لأخذ ثأر الحسين الشهيد، ثمّ عزله عبدالله عنها، وأعاده في أواخر سنة 68هـ وأضاف إليه الكوفة، وتجرّد عبدالملك بن مروان لقتاله، فسيّر إليه الجيوش، فكان مصعب يفلّها، حتّى خرج إليه عبدالملك بن مروان بنفسه، فلمّا دخل العراق راسل قوّاد جيش مصعب وأصحابه فخذلوه، وشدّ عليهم جيش عبدالملك فهزموا جيشه واثخن مصعب، فنظر إليه زائدة بن قدامة، فحمل عليه وطعنه وهو يقول: يا لثارات المختار، ونزل إليه رجل يقال له عبيدالله بن زياد بن ظبيان فقتله وحزّ رأسه، وأتى به عبدالملك، فأطلق له ألف دينار، فأبى أن يقبلها، وقال: لم أقتله على طاعتك، ولكن بثأرٍ كان لي عنده.
وبعض ذهب ـ وهم الاكثر ـ إلى أنّه قتل سنة 71هـ، والبعض إلى أنّه سنة 72هـ.
ومسكن بفتح الميم وكسر الكاف: موضع قريب من أوانا على نهر دجيل عند الجاثليق.
تاريخ الطبري: 6/151 ـ 162، البداية والنهاية: 8/314 ـ 316، معجم البلدان: 5/127، تاريخ بغداد: 13/105، الطبقات الكبرى: 5/135، الاعلام: 7/248.
أقول: أهل السنّة لهم طرق متعدّدة لفناء آثار الشيعة والتشيّع، فهم يحاولون محو واقعة الطف من أساسها، وقتل ونهب من يريد إحياء هذه الذكرى، فإذا لم تمكنهم الفرصة من ذلك شرعوا بإلقاء الإتهامات والتشكيكات في الواقعة والتشويه ليبعدوا الشيعة عنها، فإذا لم يتمكّنوا أيضاً اخترعوا في مقابلها مماثلاً، لئلاّ يختص الشيعة بها، وهذا المماثل يأتون به وإن كان كذباً وبهتاناً، فقد صرّح الطبري في تاريخه: 6/162: أن قتل مصعب كان في جمادى الآخرة، فهم يجعلوه في محرّم وبعده بثمانية أيام، لتكون الحادثة الثانية قريبة من الأولى، ولا يبعد وقتها فلا تكون في مقابل الأولى.
أوليس هذا هو التعصّب الجاهلي الطائفي بعينه؟!.
وهذه المقابلة ليست هي أول مقابلة ضدّ الشيعة، بل سبقتها مقابلات كثيرة، أولها: قلب أحاديث الفضائل لأمير المؤمنين عليه السلام الّتي لم يتمكّنوا من امحائها أو تحريفها لشهرتها. فكتب معاوي إلى عمّاله في جميع الآفاق: … ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحبّ إليّ، وأقرّ لعيني، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته!!.
شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: 11/45 نقلاً عن المدائني في كتاب الأحداث.
فمن الأحاديث المقلوبة الّتي قوبلت بها الأحاديث الصحيحة في فضائل أمير المؤمنين وأهل بيته:
حديث: لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر، قال ابن ابي الحديد: فإنّهم وضعوه في مقابل حديث الإخاء.
وحديث سدّ الأبواب، قال ابن ابي الحديد: قلبه البكرية إلى أبي بكر شرح نهج البلاغة: 11/49.
وقلبوا حديث المنزلة لعليّ عليه السلام بحديث: أو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى.
وقلبوا حديث المباهلة الذي هو صريح بعلي وأهل بيته، فجعلوه في أبي بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده وعلي وولده.
وقلبوا حديث: الحسن والحسين سيّدا أهل الجنة، بحديث: (هذان ابو بكر وعمر) سّيدا كهول أهل الجنة.
ومن أراد التفصيل حول هذا الموضوع وبيان أدلّته الكاملة، فعليه بكتاب شوارق النصوص في تكذيب فضائل اللصوص، لمير حامد حسين، توجد نسخته في الهند بخط المؤلّف، وعنها مصورة في المكتبة العامة لآية الله المرعشي في قم، وكتاب العبقات له أيضا، وكتاب الغدير للعلامة الأميني، ومقالة باسم: احاديث مقلوبة في مناقب الصحابة نشرت في مجلّة تراثنا للسيد علي الميلاني، وكتاب منهج في الانتماء المذهبي لصائب عبدالحميد.
وفيها: عمل أهل باب البصرة يوم السادس والعشرين من ذي الحجّة زينة عظيمة وفرحاً كثيراً وعيداً، كما تفعله الشيعة في يوم عيد الغدير الثامن عشر من ذي الحجّة، وذلك مقابلةً للشيعة، وادّعوا أنه يوم دخول النبي وأبي بكر الغار، وذلك بعد ثمانية أيام من يوم غدير خم، وكان ابتداء ما عمل يوم الغار يوم الجمعة، وأقامت السنّة هذا الشعار زمناً طويلاً.
الكامل في التاريخ: 9/155، المنتظم: 7/206، البداية والنهاية: 11/325 ـ 326، العبر: 3/42 ـ 43، شذرات الذهب: 3/130، تاريخ الاسلام: 25 حوادث ووفيات 381هـ، 400هـ.
أقول: لا اعلم ما هو سرّ الثمانية أيام؟ حتّى يلتزموا بها ويجعلوا بعد يوم عاشوراء بثمانية أيام يوم مقتل مصعب، وبعد يوم الغدير بثمانية أيام يوم الغار؟!.
ويوم الغار معلوم لدى الكلّ حتّى من ليس له معرفة بالتاريخ أنه لم يكن في ذي الحجة، بل إما أواخر صفر أو أوائل ربيع الاول، لانه في هجرة رسول الله من المدينة إلى مكة، والهجرة لم تقع في ذي الحجّة.
فلم هذا التعصّب ضدّ الشيعة؟!
وانظر إلى شدّة التعصّب حتّى جرّهم إلى إنكار المسلّمات وتحريف التأريخ.
قال ابن كثير: فان هذا (أي: يوم الغار) إنّما كان في أوائل ربيع الأول من أول سنيّ الهجرة، فإنّهما أقاما فيه ثلاثاً، وحين خرجا منه قصدا المدينة فدخلاها بعد ثمانية أيام أو نحوها، وكان دخولهما المدينة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، وهذا أمر معلوم مقرّر محرّر.
البداية والنهاية: 11/325 ـ 326.
وقال الذهبي: وهذا (أي: كون يوم الغار هو 26 من ذي الحجة) جهل وغلط، فإنّ أيام الغار إنما كانت لأيام بقين من شهر صفر وفي اول ربيع الأول.
العبر: 3/42 ـ 43.
وقال ابن كثير بعد نقله لما عملته السنّة في مقابل الشيعة: وهذا من باب مقابلة البدعة ببدعة مثلها، ولا يرفع البدعة إلا السنة الصحيحة.
البداية والنهاية: 11/326.
ونحن نقول: بل هو من باب مقابلة السنة بالبدعة، لا البدعة ببدعة مثلها كما ذكره ابن كثير.
وأما يوم الغار، وهل هو فضيلة لأبي بكر أم لا؟ فننقل ما ذكره الشيخ المفيد رضوان الله عليه من الأدلّة على عدم الفضيلة، بل القضيذة هي العكس.
ذكر الطبرسي: أنّ الشيخ أبو علي الحسن بن محمد الرقي حدّث بالرملة في شوال سنة 423هـ، عن الشيخ الميد أبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله أنه قال:
رأيت في المنام سنة من السنين كأني قد اجتزت في بعض الطرق، فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير.
فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذه حلقة فيها رجل يقصّ.
فقلت من هو؟
فقالوا: عمر بن الخطّاب.
ففرّقت الناس ودخلت الحلقة، فإذا أنا برجلٍ يتكلم على الناس بشيءٍ لم أحصله.
فقطعت عليه الكلام وقلت: أيّها الشيخ: أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق ابن ابي قحافة من قوله الله تعالى: (ثاني أثنين إذ هما في الغار)؟
فقال: وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الآية في ستة مواضع:
الأول: أنّ الله تعالى ذكر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وذكر أبا بكر، فجعله ثانيه، فقال: (ثاني اثنين إذ هما في الغار).
والثاني: أنّه وضعهما بالإجتماع في مكانٍ واحدٍ، لتأليفه بينهما، فقال: (إذ هما في الغار).
والثالث: أنّه أضاف إليه بذكر الصحبة ليجمعه بينهما بما يقتضي الرتبة، فقال: (إذ يقول لصحابه).
والرابع: أنّه أخبر عن شفقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه ورفقه به لموضعه عنده، فقال:
(لا تحزن).
والخمس: أنّه أخبر أنّ الله معهما على حدٍ سواء، ناصراً لهما ودافعاً عنهما، فقال: (إنّ الله معنا).
والسادس: أنّه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تفارقه السكينة قطّ، فقال: (فأنزل الله سكينته عليه).
فهذه ستّة مواضع تدلّ على فضائل أبي بكر من آية الغار، لا يمكنك ولا لغيرك الطعن فيها.
فقلت له حبّرت بكلامك في الإحتجاج لصاحبك عنه، وإني بعون الله سأجعل جميع ما أتيت به (كرمادٍ اشتدّت به الرّيح في يوم عاصفٍ).
أمّا قولك: إنّ الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل أبا بكر ثانيه.
فهو إخبار عن العدد، لعمري لقد كان اثنين، فما في ذلك من الفضل؟! ونحن نعلم ضرورةً أنّ مؤمناً ومؤمناً أو مؤمناً وكافراً اثنان، فما أرى لك في ذكر العدد طائلاً تعتمده!!.
وأمّا قولك: إنّه وصفهما بالإجتماع في المكان.
فإنّه كالأول، لأنّه المكان يجمع المؤمن والكافر، كما يجمع العدد المؤمنين والكفار.
وأيضاً فإنّ مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أشرف من الغار، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفّار، وفي ذلك قوله عزّ وجلّ: (فما للّذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشّمال عزين).
وأيضاً فإنّ سفينة نوح قد جمعت النبيّ، والشيطان، والبهيمة، والكلب.
والمكان لا يدلّ على ما أوجبت من الفضيلة، فبطل فضلان.
وأمّا قولك: إنّه أضاف إليه بذكر الصحبة، فإنّه أضعف من الفضلين الأولين، لأنّ اسم الصحبة يجمع بين المؤمن والكافر، والدليل على ذلك قوله تعالى: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالّذي خلقك من ترابٍ ثمّ من نطفةٍ ثمّ سوّاك رجلاً).
وأيضاً فإنّ اسم الصحبة تطلق بين العاقل وبين البهيمة، والدليل على ذلك من كلام العرب الّذي نزل القرآن بلسانهم ـ فقال الله عزّ وجلّ: (وما أرسلنا من رسولٍ إلاّ بلسان قومه) ـ أنّهم سمّوا الحمار صاحباً، فقالوا:
إنّ الحمار مع الحمار مطيّة * فإذا خلوت به فبئس الصاحب
وأيضا قد سمّوا الجماد مع الحيّ صاحباً، قالوا ذلك في السيف شعراً:
زرت هنداً وذاك غير اختيان * ومعي صاحب كتوم اللسان
يعني: السيف.
فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر، وبين العاقل والبهيمة، وبين الحيوان والجماد، فأيّ حجّة لصاحبك فيه؟!
وأمّا قولك: إنّه قال: (لا تحزن). فإنّه وبال عليه ومنقصة له ودليل على خطئه، لأنّ قوله: (لا تحزن) نهي ـ وصورة النهي قول القائل: لا تفعل ـ لا يخلو أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعةً أو معصيةً، فإن كان طاعةً، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا ينهى عن الطاعات، بل يأمر بها ويدعو إليها، وإن كان معصية، فقد نهاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها، وقد شهدت الآية بعصيانه، بدليل أنّه نهاه.
وأمّا قولك: إنّه قال: (إنّ الله معنا)، فإنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر أنّ الله معه، وعبّر عن نفسه بلفظ الجمع، كقوله: (إنّا نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون).
وقيل أيضاً في هذا: إنّ أبا بكر قال: يا رسول الله حزني على أخيك عليّ بن أبي طالب ما كان منه، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تحزن إنّ الله معنا)، أي: معي ومع أخي علي بن أبي طالب عليه السلام.
وأمّا قولك: إنّ السكينة نزلت على أبي بكر.
فإنّه ترك للظاهر، لأنّ الذي نزلت عليه السكينة هو الّذي أيّده بالجنود، وكذا يشهد ظاهر القرآن في قوله: (فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنودٍ لم تروها)، فإن كان أبو بكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود، وفي هذا إخراج للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من النبوة.
على أنّ هذا الموضع لو كتمته عن صاحبك كان خيراً، لأنّ الله تعالى أنزل السكينة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في موضعين كان معه قوم مؤمنين فشركهم فيها، فقال في أحد الموضعين: (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التّقوى)، وقال في الموضع الآخر: (أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها).
ولمّا كان في هذا الموضع خصّه وحده بالسكينة قال: (فأنزل الله سكينته عليه)، فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين، فدّل إخراجه من السكينة على خروجه من الايمان.
فلم يحر جوباً، وتفرّق الناس، واستقيظت من نومي.
الاحتجاج: 2/325 ـ 329، ومن أراد التفصيل فليراجع الطرائف: 407.
وفيها: قلّد بهاء الدولة النقيب أبا أحمد الموسوي ـ والد الشريف الرضي والمرتضى ـ نقابة العلويّين بالعراق، وقضاء القضاة، والحجّ، والمظالم، وكتب عهده بذلك من شيراز، ولقّب الطاهر ذا المناقب، فأمتنع الخليفة القادر من تقليده قضاء القضاة، وأمضى ما سواه.
الكامل في التاريخ: 9/182.
وفي البداية والنهاية: 11/333، والنجوم الزاهرة: 4/210 أن هذا حدث في سنة 394هـ.
وبهاء الدولة هو: ابو نصر خسرو فيروز بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه، ملك بعد وفاة أخيه شرف الدولة في جمادي الآخرة سنة 379هـ، ملك بغداد وفارس وخوزستان وكرمان وغيرها، وتوفي بأرّجات في عاشر جمادى الآخرة سنة 403هـ، وكان مرضه تتابع الصرع، حمل إلى مشهد عليّ عليه السلام.
نهاية الأرب: 26/234 ـ 243.
كلّ ما كان يعمله الحكّام من آل بويه لم يكن للخليفة سوى الخضوع والإمضاء، فلمّا وصل الأمر إلى تولية عالم شيعي لمنصب مهمّ، ألا وهو قضاء القضاة، امتنع الخليفة ولم يمضه، ولم يتكلّم بهاء الدولة بشيءٍ!!!.
سنة 392هـ:
فيها: زاد أمر العيّارين والفاسد ببغداد، فبعث بهاء الدولة عميد الجيوش أبا علي إلى العراق ليدبّر أمورها، فدخلها يوم الثلاثاء سابع عشر ذي الحجّة، فزيّنت له بغداد خوفاً منه، ومنع السنة والشيعة من إظهار مذهب، فمنع أهل الكرخ يوم عاشوراء من إقامة العزاء على الحسين الشهيد، ومنع أهل باب البصرة من زيارة قبر مصعب.
ونفى بعد ذلك ابن المعلّم فقيه الشيعة عن البلد.
المنتظم: 7/219 ـ 220، و252 ـ 253، تاريخ الاسلام: 225 ـ 226 حوادث ووفيات 381هـ ـ 400هـ، النجوم الزاهرة: 3/51 ـ 52.
وعميد الجيوش هو الحسن بن أبي جعفر استاذ هرمز، ولد سنة 350هـ، ولاّه بهاء الدولة تدبير العراق، فبقي والياً على العراق ثمان سنين وسبعة أشهر واحد عشر يوماً، توفي سنة 401هـ.
المنتظم: 7/252 ـ 253.
وابن المعلّم هو الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، ولم تذكر لنا المصادر سبب تبعيد الشيخ المفيد، ويظهر لمن تأمّل في حياة الشيخ المفيد أنّه كان بعيداً عن الأحداث والفتن، فلم شملته هذه المرّة؟ السبب غير واضح.
يقول مارتن: … فإقامة مثل هذه المراسيم في تلك الايام الأربعة ـ يوم عاشوراء والغدير والغار ومقتل مصعب ـ هي الّتي أسفرت عن بروز الاختلافات بين الشيعة والسنة ووقوع الاشتباكات في أوساطهم، وبلغت الاشتباكات حدّها بين الشطّار سنة 392هـ / 1003م، فكلّف الحاكم البويهي في العراق بإخماد نارها، ….
وقال أيضاً: لا يبدو لابن المعلّم ضلعاً في تلك الأحداث، بل بما أن تدابير صارمة قد اتخذت ضدّ السنّة من خلال منعهم من إقامة مراسيمهم وتمّت معاقبة بعض الأتراك الّذين كانوا يؤيّدون تلك التوجّهات، لذلك قام الحاكم المذكور بإبعاد زعيم الشيعة مؤقّتاً كي يثبت حيادة للجميع.
نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد: 45 ـ 46.
فبناءً على تحليله يكون الشيخ المفيد قد راح ضحيّة تثبيت حياد الحاكم للجميع!!!.
سنة 393هـ:
فيها: منع عميد الجيوش أهل الكرخ وباب الطاق من إقامة مراسم عاشوراء من البكاء والنوح فامتنعوا، ومنع أهل باب البصرة وباب الشعير من مثل ذلك فيما نسبوه إلى مقتل مصعب بن الزبير.
وباب الشعير: محلّة ببغداد فوق مدينة المنصور، وأهلها سنة.
المنتظم: 7/222، تاريخ الاسلام: 227 حوادث ووفيات 381هـ ـ 400هـ، النجوم الزاهرة: 4/206، البداية والنهاية: 11/332، معجم البلدان: 1/308.
وقال ابن الأثير: وفيها اشتدّت الفتنة ببغداد، وانتشر العيّارون والمفسدون، فبعث بهاء الدولة عميد الجيوش ابا علي بن استاذ هرمز إلى العراق ليدبّر أمره، فوصل إلى بغداد فزيّنت له وقمع المفسدين ومنع السنّة والشيعة من إظهار مذاهبهم ونفى بعد ذلك ابن المعلّم فقيه الإمامية، فاستقام البلد.
الكامل في التاريخ: 9/178.
ويظهر لمن تأمّل في نصّ ابن الأثير هذا، وفي أحداث السنة الماضية (392هـ) أنّ الحادثة واحدة، والاختلاف في سنة وقوعها.
سنة 398هـ:
فيها: كما قال الأتابكي: في يوم عاشوراء عمل أهل الكرخ ما جرت به العادة من النوح وغيره، واتفق يوم عاشوراء يوم المهرجان، فأخرّه عميد الجيوش إلى اليوم الثاني مراعاةً لأجل الرافضة.
هذا ما كان ببغداد، فأمّا مصر، فإنّه كان يفعل بها في يوم عاشوراء من النوح والبكاء والصراخ وتعليق المسوح أضعاف ذلك، لا سيّما أيّام خلفاء مصر بني عبيد، فإنّهم كانوا أعلنوا الرفض….
النجوم الزاهرة: 4/218.
وسيأتي عن قريب شرح حال الدولة الفاطميّة والتي أسّسها أبو محمد عبيدالله وبنوه.
وفيها: في يوم الأحد عاشر رجب ثارت فتنة هائلة في بغداد بين السنّة والشيعة في الكرخ، وقطيعة الربيع.
وكان بداية الفتنة: أن قصد بعض الهاشميين من بني العباس من أهل باب البصرة، قصد أبا عبدالله محمد بن محمد بن النعمان المفيد المعروف بابن المعلّم فقيه الشيعة في مسجده بدرب رياح، فآذاه ونال منه وتعرّض به تعرّضاً امتعض منه أصابه.
فسار اصحابه واستنفروا أهل الكرخ، وصاروا إلى دار القاضي أبي محمد بن الأكفاني وأبي حامد الإسرافيني فسبّوهما وطلبوا الفقهاء ليوقعوا بهم، فهربوا.
فحميت الفتنة، واشتدّ القتال.
وفي 29 رجب يوم الجمعة جمع القضاة والفقهاء وأحضروا مصحفاً ذكروا أنهم أخذوه من شيعي ادّعى أنّه مصحف ابن مسعود، وهو مخالف للمصاحف، فأشار أبو حامد والفقهاء بتحريقه، فحرق بمحضرٍ منهم.
وفي ليلة النصف من شعبان كتب إلى الخليفة: بأنّ رجلاً من أهل جسر النهروان حضر المسجد ودعا على من أحرق المصحف، فتقدّم بطلبه فأخذ، فرسم بقتله، فقتل.
فتكلّم أهل الكرخ في هذا المقتول ـ لأنّه من الشيعة ـ ووقع القتال بينهم وبين أهل باب البصرة وباب الشعير والقلاّئين، وقصد أحداث الكرخ باب دار أبي حامد، فانقتل عنها، ونزل دار القطن، وعظمت الفتنة.
فلما بلغ ذلك الخليفة القادر بالله أنفذ الفرسان الّذين على باب لمعاونة أهل السنّة، وساعدهم الغلمان، وضعف أهل الكرخ، وأحرق ما يلي بنهر الدجاج، وحرقت دور كثيرة من دور الشيعة.
ثم اجتمع الأشراف والتجار إلى دار الخليفة، فتكلّموا فعفا عن الشيعة.
وفي شهر رمضان بلغ الخبر إلى عميد الجيوش، فسار ودخل بغداد، فراسل أبا عبدالله بن المعلّم فقيه الشيعة بأن يخرج عن البلد ولا يساكنه، ووكّل به، فخرج في ليلة الأحد لسبع بقين من رمضان، وتقدّم بالقبض على من كانت له يد في الفتنة، فضرب قوم وحبس آخرين، ومنع القصّاصين من الجلوس والتعرّض للذكر والسؤال باسم الشيخين وعليّ.
ورجع أبو حامد إلى داره، وسأل عليّ بن مزيد في ابن المعلّم، فردّ، ورسم للقصّاص عودهم إلى عادتهم من الكلام بعد أن شرط عليهم ترك التعرّض للفتن.
المنتظم: 7/237 ـ 238، الكامل في التاريخ: 9/208، مرآة الجنان: 2/448 ـ 449، العبر: 3/65 ـ 66، تاريخ الاسلام: 237 ـ 238 حوادث ووفيات 381هـ ـ 400هـ، البداية والنهاية: 11/338 ـ 339، النجوم الزاهرة: 4/218، شذرات الذهب: 3/149 ـ 150.
وقطيعة الربيع منسوبة إلى الربيع بن يونس حاجب المنصور.
معجم البلدان: 4/377.
وأبو محمد بن الأكفاني، فانه كان قاضي بغداد بأكلمها، ولي القضاء سنة 396هـ.
وأبو حامد الإسرافيني هو: احمد بن محمد، أقام ببغداد مشتغلاً بالعلم حتى انتهت إليه الرئاسة وعظم جاهه عند الملوك والعوام، توفي سنة 406هـ.
المنتظم: 7/230 و277 ـ 279.
وعليّ بن مزيد، كان والياً على عدّة ولايات، وكان ملجأ الشيعة، تلجأ إليه في الشدائد، قصد في آخر عمره السلطان، فاعتل في طريقه، فبعث ابنه دبيساً للنيابة عنه، وكتب يسأل تقليده ولاية عهده فأجيب، توفي علي بن مزيد سنة 408هـ.
المنتظم: 7/289.
وهنا نذكر عدّة تساؤلات عن الحادث:.
(1) هل كان قصد هذا البعض الشيخ المفيد وآذاه ونال منه بأمر وتحريك ابن الأكفاني والإسرافيني وبقيّة علماء السنّة، ولأجله هجم أصحاب المفيد والشيعة على الاسفرايني وابن الأكفاني ونالوا منهما؟!.
وإذا لم يكن هذا التعرّض للشيخ المفيد بأمر علماء السنّة، فلم لم ينكروه حتّى تختم القضيّة ولا تتطوّر؟!.
(2) لم لم يذكر لنا التأريخ اسم من أحضر المصحف؟ فان كان من العلماء وأعيان الشيعة عليهم ذكر اسمه، ولمّا لم يذكروا فهو فرد عادي ليس من برّزي الشيعة.
(3) لم قتلوا الّذي سبّ من أحرق المصحف؟! وهل حكم من سبّ عالم من علماء السنّة القتل؟!.
(4) ولم بعّد الشيخ المفيد؟ ولم ينقل لنا المؤرّخون أيّ تدخّل له في الأحداث، حتّى أنه تعرّض للسبّ والأذى وسكت؟.
وهل تبعيده إلاّ لإقناع العامّة ـ الّتي تشكلّ الأكثرية في بغداد ـ وإسكاتها؟.
يقول مارتن: مرّة أخرى لم يذكر مؤرّخوا السنّة بأنّ للمفيد ضلعاً في أعمال الشغب، والّذي يبدو هنا هو أنّه مع إناطة مسؤوليّة المجتمع الإمامي بالنقيب الّذي لا مناص من حضوره لإقرار السلام والامن والنظام، فلابدّ للحاكم من إبعاد شخصيّة مهمذة تتطييباً للخواطر السنّية الملتاعة الهائجة، ولم يكن كبش الفداء غير الفقيه الشيعي البارز، ألا وهو الشيخ المفيد!.
نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد: 48.
ولم لم يبعد ابن الأكفاني أو الإسرافيني أو أحد علماء السنة.
فعلى أيّ حال الشيعة هي الأقلّيّة في بغداد، وهي الّتي دائماً تتعرّض إلى القتل والنهب والحرق، وإن كان الحقّ كوضوح الشمس معها، فهم بالنتيجة كبش الفداء!.
سنة 400هـ:
فيها: كما قال ابن الجوزي: ورد الخبر بأن الحاكم أنفذ إلى دار جعفر بن محمد الصادق بالمدينة من فتحها وأخذ مصحفاً وآلات كانت فيه ـ ولم يتعرض لهذه الدار أحد منذ وفاة جعفر ـ وكان الحاكم قد أنفذ في هذه السنة رجلاً ومعه رسوم الحسنّيين والحسينّيين وزادهم فيها، ورسم له أن يحضرهم ويعلمهم إشارة لفتح الدار والنظر إلى ما فيها من آثار جعفر، وحمل ذلك إلى حضرته ليراه ويردّه مكانه، ووعدهم على ذلك الزيادة في البرّ، فأجابوه، ففتحت، فوجد فيها مصحف وقعب من خشب مطوّق بحديد ودرقة خيزران وحربة وسرير، فجمع وحمل، ومضى معه جماعة من العلويّين، فلمّا وصلوا أطلق لهم النفقات القريبة، ورد عليهم السرير وأخذ الباقي، وقال: أنا أحقّ به، فانصرفوا ذامّين له.
المنتظم: 7/246 ـ 247، ومثله في البداية والنهاية: 11/342، وتاريخ الاسلام: 243 ـ 244 حوادث ووفيات 381هـ ـ 400هـ، النجوم الزاهرة: 4/222 وفيه: كان الّذي فتحها ختكين العضدي الداعي.
والمراد من الحاكم: هو الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بن المعزّ العبيدي، تملّك الحجاز ومصر والشام، قتل في شوّال سنة 411 بالجبل، جهّزت أخته ست الملك عليه من قتله، وكانت دولته عشرين سنة، ويعرف بالحاكم.
سنة 402هـ:
فيها: مات عميد الجيوش فقام بعده فخر الملك وأذن لأهل الكرخ وباب الطاق في عمل عاشوراء، فأقموا المراسم والنياحة في المشاهد.
المنتظم: 7/254، العبر: 3/76، دول الاسلام: 213.
وفخر الملك هو: أبو غالب بن الصيرفي محمد بن علي بن خلف، كان نائب سلطان الدولة بالعراق، قتل سنة 406هـ، قتله سلطان الدولة، فكانت نيابته بالعراق خمس سنين وأربعة اشهر واثني عشر يوماً، وقيل: قتله سنة 407هـ.
نهاية الأرب: 26/244.
وفيها: أقامت الشيعة مراسم الفرح في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، يوم عيد غدير خم، وزيّنت الحوانيت، وتمكنوا من إقامة هذه المراسم بسبب الوزير.
وذكر الحافظ الذهبي: وفيها عمل يوم الغدير ويوم الغار، لكن بسكينة.
البداية والنهاية: 11/347، العبر: 3/78، شذرات الذهب: 3/163.
وفيها: كتب ببغداد محضراً يتضمّن القدح في نسب العلويّين خلفاء مصر، وكتب فيه كثير من العلماء، منهم: الشريف الرضي والمرتضى وكثير من علماء السنّة، وتفرّد ابن الأثير من بين المؤرّخين بذكر اسم الشيخ المفيد ممّن كتب في المحضر.
الكامل في التاريخ: 9/236، البداية والنهاية: 11/345، العبر: 3/76، النجوم الزاهرة: 4/229 ـ 230، دول الاسلام: 213، شذرات الذهب: 3/162، مرآة الجنان والعلويّون خلفاء مصر ويسمّون بالفاطميّين، استعت اكناف مملكتهم وطالت مدّتها، ملكوا إفريقية سنة 296هـ، وأول من ولي منهم ابو محمد عبيدالله، وفي عهد العاضد بالله قلّد صلاح الدين وخلع عليه، ولمّا تجمّع على صلاح الدين سودان الصعيد في مائة ألف وقوي أمره بدأ في تضعيف العاضد بالله، وبقي يطلب من العاضد بالله أشياء كثيرة من الأموال والنخيل وفي سنة 567هـ خلع صلاح الدين العاضد باللّه من الخلافة وخطب بمصر للمستضيء بالله العباسي، وانقطعت الدعوة العبيدية الفاطميّة.
دول الاسلام: 296، الكامل في التاريخ 8/24 ـ 31.
وأمّا نسبهم ففيه اختلاف كثير: فذهب بعض إلى أنهم من أولاد علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخر إلى أنّ نسبهم مدخول وليس بصحيح، وتعدّى آخر إلى نسبتهم إلى اليهود.
وأمّا العريضة الّتي كتبت في القدح في نسبهم وأمضاها كثير من العلماء، فبعض صدّقها، وآخر ذهب إلى أنّ الإمضاء كان تقيّةً، بالأخص من الشريف الرضي، فقد كثر الكلام حول صحّة إمضاءه، بالأخص عند شيوع قصيدة نسبت إليه في مدح الفاطميّين، وعتاب الخليفة على والده، وانكار الرضي انها له، ولمّا طلب منه نظم قصيدة في القدح في نسبهم امتنع.
راجع الكامل في التاريخ: 8/24 ـ 31.
وأمّا إمضاء الوثيقة من قبل الشيخ المفيد، فلم يثبت، وذلك لتفرّد ابن الأثير بنقله عن الشيخ المفيد، ولم يذكر اسمه سواه ممّن تعرّض لذكر هذا المحضر، ولو كان المفيد أمضاه لذكر اسمه اكثر المؤرّخين، بل كلّهم، لأنّه شيخ الشيعة وإمامهم، والشيخ المفيد رضوان الله عليه كان بعيداً عن مثل هذه الأمور اشدّ الإبتعاد، وذلك واضح لمن أحاط بحياته قدّس الله روحه.
سنة 402هـ:
فيها: كما قال ابن كثير: في المحرم أذن فخر الملك الوزير للروافض أن يعملوا بدعتهم الشنعاء والفضيحة الصلعاء من الانتحاب والنوح والبكاء… فلا جزاه الله خيراً وسوّد الله وجهه يوم الجزاء إنه سميع الدعاء.
البداية والنهاية: 11/345.
والظاهر أنّ هذا الحادث هو نقسه حادث السنة الماضية، والاختلاف في وقت وقوعه.
وما ذنب فخر الملك حتّى يتهجم عليه بهذه العبارات الشنيعة وسوء الأدب، لا ذنب له إلاّ أنه أعاد سنّة حسنة، وهي إقامة المأتم على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الّذي ضحّى بنفسه لأجل إبقاء الاسلام.
سنة 406هـ:
فيها: في غرة محرم في يوم الثلاثاء وقعت فتنة بين اهل الكرخ وأهل باب الشعير، كان سببها أنّ أهل الكرخ جازوا بباب الشعير، فتولّع بهم أهله، فاقتتلوا، وتعدّى القتال إلى القلاّئين، ثمّ سكّن الفتنة الوزير فخر الملك، ومنع أهل الكرخ من النوح يوم عاشوراء ومن تعليق المسوح، وذكر ابن كثير أنّ فخر الملك سكّن الفتنة على أن تعمل الروافض بدعتهم، وكان الشريف الرضي قد توفي في خامس المحرّم، فاشتغلوا به.
المنتظمم: 7/276، البداية والنهاية: 12/2، النجوم الزاهرة: 4/239.
سنة 407 هـ:
فيها: في ربيع الاول هاجت فتنة مهولة بواسط بين الشيعة والسنّة، فنهبت محال الشيعة والزيدية واحترقت، فهربوا وقصدوا عليّ بن مزيد واستنصروا به.
المنتظم 7/283، النجوم الزاهرة: 4/241، الكامل في التاريخ: 9/295، مرآة الجنان: 3/20، العبر: 3/96.
وفيها: في ربيع الأول احترق مشهد الحسين عليه السلام والأروقة، وكان السبب كما قال ابن الجوزي: أنّ القوام أشعلوا شمعتين كبيرتين سقطتا في جوف الليل على التأزير فأحرقتاه، وتعدّت النار.
المنتظم: 7/283، البداية والنهاية: 12/4 ـ 5، النجوم الزاهرة: 4/241.
وهل ما ذكره ابن الجوزي من سبب الحرق كافٍ في مقام التعليل؟ بالأخصّ أنّ الفتنة بين الشيعة والسنّة كانت قائمة وقت الحرق، وهو ربيع الأول.
وفيها: كما قال ابن الأثير: في المحرّم قتلت الشيعة بجميع بلاد إفريقية، وكان سبب ذلك أنّ المعزّ بن باديس ركب ومشى في القيروان والناس يسلّمون عليه ويدعون له، فاجتاز بجماعة، فسأل عنهم؟ فقيلك هؤلاء رافضة يسبّون أبا بكر وعمر، فقال: رضي الله عنه أبي بكر وعمر، فانصرفت العامّة من فورها إلى درب المقلى من القيروان ـ وهو مكان تجتمع به الشيعة ـ فقتلوا منهم، وكان ذلك شهوة العسكر وأتباعهم طمعاً في النهب، وانبسطت أيدي العامة في الشيعة، وأغراهم عامل القيران وحرّضهم، وسبب ذلك انه كان قد اصلح أمور البلد، فبلغه أن المعزّ بن باديس يريد عزله، فاراد فساده، فقتل من الشيعة خلق كثير، وأحرقوا بالنار، ونهبت ديارهم، وقتلوا في جميع إفريقية، واجتمع جماعة منهم إلى قصر المنصور قريب القيروان، فتحصّنوا به، فحصرهم العامة وضيّقوا عليهم، فاشتدّ عليهم الجوع، فأقبلوا يخرجون والناس يقتلونهم! حتّى قتلوا عن آخرهم!!! ولجأ من كان منهم بالمهدية إلى الجامع، فقتلوا كلّهم.
وأكثر الشعراء ذكروا هذه الحادثة، فمن فرحٍ مسروٍ، ومن باكٍ حزينٍ.
الكامل في التاريخ: 9/294 ـ 295، وأشار إلى هذه الحادثة المؤلمة ابن كثير في البداية والنهاية: 12/5.
والمعزّ بن باديس بن مصنور بن بلكين الحميري، صاحب المغرب، لقّبه الحاكم العبيدي شرف الدولة وأرسل له الخلعة والتقلييد سنة 407 هـ، وخطب لخليفة العراق، فجهّز المستنصر لحربه جيشاً وطال حربهم له، توفي في شعبان بالبرص سنة 454هـ وله ست وخمسون سنة.
شذرات الذهب: 3/294.
والقيوران في الإقليم الثالث، مدينة عظيمة بإفريقية، وليس بالغرب مدينة أجلّ منها، إلى أن قدمت العرب إفريقية وأخربت البلاد، فانتقل أهلها عنها.
معجم البلدان: 4/420.
وهنا نضع عدة أسئلة ترتبط بالحادث:
أ ـ لماذا قتلت الشيعة في المحرّم؟
ب ـ وهل السبّ يوجب الإرتداد، حتى يباح دم السابّ؟
ج ـ وهل تكلّم جماعة في شيءٍ ما يوجب الحكم بهذه السرعة من دون رؤيّة ونظر في المسألة؟
د ـ وهل الانسانيّة تقبل أمثال هذه الأعمال الشنيعة والإبادة العامة؟ أين كانت الإنسانية آنذاك؟ وهل كانت ضمائر حرّة تشعر بالمسؤولية كي تقف أمام الظلم والتعدي؟
وبعد هذا فقد صرّح المؤرخون: وكان ذلك شهوة العسكر وأتباعهم! طمعاً في النهب!… وأغراهم عامل القيروان وحرّضهم، وسبب ذلك أنه كان قد أصلح أمور البلد، فبلغه أنّ المعزّ بن باديس يريد عزله، فأراد فساده فـ…
فحقيق على الإنساننية جمعاء أن تبكي على من ذهب ضحيّة هذا الحادث بدل الدموع دماً، وتشمئز قلوبهم من الأوغاد والوحوش الّذين عملوا مثل هذا الحادث، حتى لو فتّشت قلوبهم لما وجدت فيها ذرّة من الرحمة!!! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
سنة 408هـ:
فيها: أنّ الفتنة بين الشيعة والسنّة تفاقمت، وعمل أهل القلاّئين باباً على موضعهم، وعمل أهل الكرخ باباً على الدقّاقين ممّا يليهم، وقتل الناس على هذين البابين، وقدم المقدام ابو مقاتل ـ وكان على الشرطة ـ ليدخل الكرخ، فمنعه أهلها والعيّارون الّذين كانوا فيها، وقاتلوه، فأحرقت الدكاكين وأطراف نهر الدجاج ولم يتهيّأ له الدخلو.
وقال الذهبي: وأطفئت النيران في سوق الدجاج، ثمّ استتاب القادر بالله جماعة من الرفض والإعتزال، وأخذ خطوطهم بالتوبة، وبعث إلى السلطان محمود بن سبكتكين ـ صاحب خراسان ـ يأمره بنشر السنّة، فبادر وفعل، وقتل جماعة، وبقي خلق من الاسماعيلية والرافضة والمعتزلة والمجسّمة، وأمر بلعنهم على المنابر….
المنتظم: 7/287، شذرات الذهب: 3/186، مرآة الجنان: 3/21، العبر: 3/98، البداية والنهاية: 12/6، دول الاسلام: 214 ـ 215.
ومحمود بن سبكتكين ابو القاسم سيف الدولة ابن الأمير ناصر الدولة أبي منصور، ولد سنة 361هـ، افتتح غزنة ثمّ بلاد ما وراء النهر ثمّ استولى على خراسان، وعظم ملكه ودانت له الأمم، وفرض على نفسه غزو الهند، فافتتح منه بلاداً واسعة، توفي سنة 421هـ.
شذرات الذهب: 3/220 ـ 221.
سنة 409هـ:
فيها: ورد الخبر على ابن سهلان باشتداد الفتن ببغداد، فسار إليها، فدخلها أواخر شهر ربيع الآخر، فهرب منه العيّارون، ونفى جماعة من العباسيّين وغيرهم، ونفى أبا عبدالله بن النعمان فقيه الشيعة، وأنزل الديلم أطراف الكرخ وباب البصرة.
الكامل في التاريخ: 9/307.
وابن سهلان هو: ابو محمد الحسن بن سهلان، استعمله سلطان الدولة سنة 409هـ على العراق، وشكاه إلى سلطان الدولة الأتراك والعامة، فكتب له يستقدمه، فخافه وهرب منه.
نهاية الأرب: 26/245 ـ 246.
وهذه المرّة الثالثة لتعبيد الشيخ المفيد، وكما ترى ليس له أيّ دخل في أيّ حدثٍ، وتبعيده كان لمجرّد إقناع السنّة وإسكاتها، فالمفيد شيخ الشيعة وإمامها يبعد عدّة مرات، لا لأجل شيء فعله، بل لمجرّد إطفاء نار الفتنة واظهار السلطة أنّها محايدة، كلّ هذا جرى على شيخنا المفيد وهو صابر محتسب، رضوان الله عليه وحشره الله في اعلا علّيّين.
سنة 413هـ:
فيها: توفي الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ليلة الجمعة لثلاث ليال خلون من شهر رمضان، وقيل لليلتين خلتا منه، وصلّى عليه الشريف المرتضى ابو القاسم علي بن الحسين بميدان الأشنان، وضاق على الناس مع كبره، وكانت جنازته مشهودة، وشيّعه ثمانون ألفاً، وكان يوم وفاته لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والموافق، ودفن في داره سنين، ونقل إلى مقابر قريش بالقرب من السيّد أبي جعفر عليه السلام، وكان عمره ستاً وسبعين سنة وتسعة أشهر وأيّام.
رجال النجاشي: 402 ـ 403، ترجمة رقم 1067، المنتظم: 8/11 ـ 12، الكامل في التاريخ: 9/329، مرآة الجنان: 3/28، العبر: 3/114 ـ 115، شذرات الذهب: 3/200، البداية والنهاية: 12/15، النجوم الزاهرة: 4/258، دول الاسلام: 216، تاريخ بغداد: 3/231، معالم العلماء: 112 ترجمة رقم 765، الفهرست: 157 ترجمته رقم 696.
ومقابر قريش ببغداد، وهي في ملحّة معروفة فيها خلق كثير، وبينها وبين دجلة شوط فرس جيّد، وهي الّتي فيها قبر الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، وكان أول من دّفن فيها جعفر الأكبر بن المنصور سنة 150هـ، وكان المنصور أول من جعلها مقبرة لمّا ابتنة مدينته سنة 149هـ.
معجم البلدان: 5/163.
قال الأتابكي: كان ضالاً مضلاً هو ومن قرأ عليه ومن رفع منزلته!! فإن الجميع كانوا يقعون في حقّ الصحابة.
وقال الحافظ الذهبي واليافعي والحنبلي بعد ذكر وفاته في هذه السنّة: وأراح الله منه!.
أهل السنّة من بداية حياة الشيخ المفيد المباركة جلسوا أمامه مجلس العدّو، وتعصّبوا أمامه، واستعملوا في حقه أسوء الأدب، حتى عند وفاته، فمن قائل: كان ضالاً مضلاً..! وآخرٍ: واراح الله منه! ومن قائل…!!.
كلّ هذا يكشف عن أحقادٍ دفينة في صدورهم ضدّ الشيعة والتشيّع، بالأخصّ ضدّ علمائهم الأبرار، بالأخص الشيخ المفيد رضوان الله عليه، لدفاعه عن التشيع بكتبه ودرسه ومجالس مناظرته، فأوقف نفسه الزكية للدفاع عن الحق، فقوبل بكل هذا الظلم، وواجهه بقلبٍ صبورٍ وثباتٍ على العقيدة، وقابل إهانتهم وسوء أدبهم بالأخلاق الحسنة والمجادلة بالّتي هي أحسن والدليل القاطع، وهذه علامات المقربين من الله والمخلصين له.
فسلام عليه يوم ولد، ويوم نشأ ودافع عن العقيدة، ويوم لبت نفسه نداء ربّها: (يا أيّتها النّفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضيةً مرضيّةً فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page