مع علماء الوهابيّة
كلية الشريعة:
وفي صباح اليوم التالي ركبت التاكسي الى كلية الشريعة، وهي بناية جديدة ضخمة، وهندستها حديثة، وموقعها يتناسب في سعته وطبيعته مع الكليات والجامعات، ومما يزيدها عظمة انها في مكة المكرمة قبلة المسلمين..
صعدت الدور العلوي الأول، وتنقلت فيها من جناح الى جناح، فلم أر أحداً لا استاذاً، ولا طالباً، ولا فراشاً لمناسبة عيد الاضحى، وأخيراً رأيت غرفة مفتوحة، وعلى بابها قطعة من النحاس الأصفر، كتب عليها «العميد» فدخلت، واذا برجل يجلس وراء الطاولة، يرتدي السترة والبنطلون، سلمت، وقلت له: حضرتك العميد؟.
قال: نعم.
قلت: والاسم الكريم؟
قال: احمد علي اسد الله.
قلت: انا لبناني، قصدت الحرم الشريف، لأداء الفريضة، وسمعت بكليتكم هذه، فأحببت التعرف عليها وعلى عميدها، فهل تفيدوني عن عدد تلاميذها، وعن المواد التي تدرس فيها؟.
قال: اما التلاميذ فعددهم يقرب من الـ 200، اما المواد فهي اللغة العربية، والتوحيد والفقه.
قلت: ولأي شيء يتأهل خريجيها؟.
قال: للتدريس في المدارس الثانوية، والقضاء.
قلت: كانت المدارس من قبل، بخاصة الدينية منها اشبه بالزوايا، وتكيات الدراويش، وهذا البناء الضخم يتفق تماماً في مظهره وفنه مع العصر الحديث وحضارته، فاسأل الله ان يكون التعليم بروحه وأهدافه كذلك، وان يبرز الشريعة الاسلامية باسلوب يحببها الى الجميع، وان تجنب التلاميذ روح التعصب والبغضاء بين المسلمين، ولا يكفر بعد اليوم بعضهم بعضاً، فانهم احوج الناس الى الالفة والتقارب، وأظن انكم تعلمون ـ الخطاط للعميد ـ ان النجديين معروفون عند الناس بالتشدد والتعصب، لانهم يسيئون معاملة الحجاج الذين لا يدينون بالوهابية.
ففهم ما أردت، وقال: الحق ان التعصب موجود، ولكن لا من طرف واحد، بل من الجميع، وقد خفت حدثه كثيراً عن ذي قبل ـ مثلاً ـ كان النجدي إذا رأى في الكعبة حليق الذقن ينتهره، ويصيح به، وربما اخرجه منها، أما اليوم فيدعه وشأنه، ومع ذلك فان بعض الحجاج يجسمون الأمور أكثر من حقيقتها، ويوقعونا في مشاكل تافهة، يمكن تحملها والإغضاء عنها، لو حسنت النية، من ذلك ان رجلاً من الجزائر جاء معتمراً في شهر رمضان من هذه السنة، وصادف، وهو واقف في حجر اسماعيل ان شخصاً أراد ان يسجد، فلم ير موضعاً لشدة الزحام، فنحى رجل الجزائري بيده، وهنا ثارت ثورة الجزائري،
وظن ان الشخص وهابي، وهو ليس وهابياً، وصاح بأعلى صوته لقد اهنتم الاسلام ونبي الاسلام، وهدمتم قبور أهل بيته، وفعلتم الافاعيل، واجتمعت عليه الجموع، وهو ينادي ويصيح بالشتم والسباب، وأخذت مسألته دوراً كبيراً، واضطررنا ان نقف مع الجزائر]، ومع ذلك بلغت الحال حدها الأقصى من التضخيم والتجسيم.
قلت: ان الله جل وعز اراد الدين من الناس اختياراً لا اكراهاً، ولو شاء لجعلهم أمة واحدة، كما اتخذ من ألسنتهم اقلاماً تعبر عن الحق، وبالأمس كان الحجاج يشكون من تعصب الوهابية وسوء معاملتهم، واليوم خفت الشكوى، ونرجو ان تزول كلية. واولى بكليتكم هذه ان تسير في طريق التعقل والتسامح، وتثور على التعصب البغيض وتتجه الى العمل التقريب بين المذاهب الاسلامية، وتتطلع على كتب الجميع وتنشر الحقائق، واذا كانت الكلية تعلم الفقه فان الفقه الاسلامي لا ينحصر بالمذاهب الأربعة، بل يعم فقه المذاهب بكاملها، وفضل الشريعة انما يظهر في أقوال المذاهب مجتمعة، لا في قول مذهب دون مذهب، كما أن حديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لا ينحصر بأحاديث الصحاح الستة، بل يشمل كل حديث ثبت عنه، سواء أكان في الصحاح أم لم يكن.
فوعد بأن يعمل لما فيه خير الاسلام والمسلمين، وقد اكتشفت من اسلوبه وأفكاره انه عارف ومتزن.