• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التحكيم لماذا

إن آخر بذرة بذرها ابن النابغة لخلافة معاوية المرومة منذ بدء الأمر، وإن تستر بها آونة على الأغبياء، وتترس بطلب دم عثمان دون نيل الأمنية بين القوم آونة أخرى حين سولت له نفسه أن يستحوذ على إمرة المسلمين بالدسائس، فأول تلكم البذرة أو القنطرة الأولى الطلب بدم عثمان، وفي آخر الحيل الدعوة إلى تحكيم كتاب الله واستقضائه في الواقعة بعد ما نبذوه وراء ظهورهم، وكان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام يدعوهم - منذ أول ظهور الخلاف بينه وبين ابن هند، ومنذ نشوب الحرب الطاحنة - (1) إلى التحكيم الصحيح الذي لا يعد ومحكمات القرآن ونصوصه، لولا أن ابن النابغة وصاحبه يسيران على الأمة غدرا ومكرا، وعلى إمام الحق خيانة وظلما، غير ما يتظاهران به من تحكيم الكتاب فوقع هنالك ما وقع من لوائح الفتنة، ومظاهر العدوان، بين دهاء ابن العاصي وحمارية الأشعري، بين قول أبي موسى لابن العاصي: لا وفقك الله غدرت وفجرت، (2) إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، وبين قول ابن العاصي لأبي موسى:
وإنك مثلك مثل الحمار يحمل أسفارا (3) فوئد الحق، وأودي بالحقيقة، بين شيطان وغبي، فكان من المتسالم عليه بين الفريقين! إن الخلافة هي المتوخاة لكل منهما، ولذلك انعقد التحكيم، وبه كان يلهج خطباء العراق وأمرائهم عند النصح للأشعري، وزبانية الشام المنحازة عن ضوء الحق، وبلج الاصلاح. فمن قول ابن عباس للأشعري:
إنه قد ضم إليك داهية العرب: وليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة، فإن تقذف بحقك على باطله تدرك حاجتك منه، وإن يطمع باطله في حقك يدرك حاجته منك، واعلم يا أبا موسى! أن معاوية طليق الاسلام، وإن أباه رأس الأحزاب، وأنه يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة، فإن زعم لك أن عمر وعثمان استعملاه فلقد صدق، استعمله عمر وهو الوالي عليه بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي، ويوجره (4) ما يكره ثم استعمله عثمان برأي عمر، وما أكثر من استعملا ممن لم يدع الخلافة، واعلم: أن لعمرو مع كل شيئ يسرك خبا يسوءك، ومهما نسيت فلا تنس أن عليا بايعه القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، وأنها بيعة هدى، وأنه لم يقاتل إلا العاصين والناكثين.
[شرح ابن أبي الحديد 1: 195]
ومن قول الأحنف بن قيس له: ادع القوم إلى طاعة علي. فإن أبوا فادعهم أن يختار أهل الشام من قريش العراق من أحبوا، ويختار من قريش الشام من أحبوا. (5) ومن قول شريح بن هانئ للأشعري: إنه لا بقاء لأهل العراق إن ملكهم معاوية، ولا بأس على أهل الشام إن ملكهم علي، فانظر في ذلك نظر من يعرف هذا الأمر حقا، وقد كانت منك تثبيطة أيام الكوفة والجمل، فإن تشفعها بمثلها يكن الظن بك يقينا، والرجاء منك يأسا، ثم قال:
أبا موسى رميت بشر خصم * فلا تضع العراق فدتك نفسي
واعط الحق شامهم وخذه * فإن اليوم في مهل كأمس
وإن غدا يجئ بما عليه * كذاك الدهر من سعد ونحس
ولا يخدعك عمرو إن عمرا * عدو الله مطلع كل شمس
له خدع يحار العقل منها * مموهة مزخرفة بلبس
فلا تجعل معاوية بن حرب * كشيخ في الحوادث غير نكس
هداه الله للاسلام فردا * سوى عرس النبي، وأي عرس؟ (6)
ومن قول معاوية لعمرو بن العاص: إن خوفك العراق فخوفه بالشام، وإن خوفك مصر فخوفه باليمن، وإن خوفك عليا فخوفه بمعاوية.
ومن جواب عمرو بن العاص لمعاوية: أرأيت إن ذكر عليا وجاءنا بالاسلام والهجرة واجتماع الناس عليه، ما أقول؟ فقال معاوية: قال ما تريد وترى.
[الإمامة والسياسة 1: 99، وفي ط 113].
قال الأميني: هذه صفة الحال، ومصاص الحقيقة، ومن نوايا أهل العراق وأهل الشام من طلب كل منهما الخلافة، وإثباتها لصاحبه، ودونه تحقق الخلع والتثبيت، وعليه وقع التحكيم حقا أو باطلا، ولم يكن السامع يجد هنالك قط من دم عثمان ركزا، ولا عن ثاراته ذكرا، وإنما تطامنت النفوس على تحري الخلافة فحسب، و لقصر النزاع على الخلافة محيت إمرة المؤمنين عند ذكر اسم مولانا الإمام عليه السلام عن صحيفة الصلح.
فلقد تمخضت لك صورة الواقع من أمنية معاوية الباطلة في كل من هذه العناوين الستة المذكورة المدرجة تحت:
1 - حديث الوفود.
2 - أنباء في طيات الكتب.
3 - تصريح لا تلويح.
4 - فكرة معاوية لها قدم.
5 - مناظرات وكلم.
6 - التحكيم لماذا.
فأين يقع منها كلمة ابن حجر وحكمه البات بقصر النزاع بين الإمام عليه السلام وبين ابن هند على طلب ثارات عثمان لا الخلافة؟ لتبرير عمل الرجل الوبيل الذي قتل به ما يناهز السبعين ألفا ضحية لشهواته ومطامعه، وهو يحسب أنه لا يوافيه مناقش في الحساب، أو ناظر إلى صفحات التاريخ نظر تنقيب وإمعان، وكأنه لا يخجل إن جاثاه منقب، أو واقفه مجادل، كما أنه لا يتحاشى عن موقف الحساب يوم القيامة، وأن الله سبحانه لبالمرصاد.
ونختم البحث بكلمة الباقلاني، قال في " التمهيد " ص 231: إن عقد الإمامة لرجل على أن يقتل الجماعة بالواحد لا محالة خطأ لا يجوز، لأنه متعبد في ذلك باجتهاده والعمل على رأيه، وقد يؤدي الإمام اجتهاده إلى أن لا يقتل الجماعة بالواحد، وذلك رأي كثير من الفقهاء، وقد يكون ممن يرى ذلك، ثم يرجع عنه إلى اجتهاد ثان، فعقد الأمر له على ألا يقيم الحد إلا على مذهب من مذاهب المسلمين مخصوص فاسد باطل ممن عقده ورضي به.
وعلى أنه إذا ثبت أن عليا ممن يرى قتل الجماعة بالواحد، لم يجز أن يقتل جميع قتلة عثمان إلا بأن تقوم البينة على القتلة بأعيانهم، وبأن يحضر أولياء الدم مجلسه يطالبوا بدم أبيهم ووليهم، ولا يكونوا في حكم من يعتقد أنهم بغاة عليه، وممن لا يجب استخراج حق لهم، دون أن يدخلوا في الطاعة، ويرجعوا عن البغي وبأن يؤدي الإمام اجتهاده إلى أن قتل قتلة عثمان لا يؤدي إلى هرج عظيم، وفساد شديد، قد يكون فيه مثل قتل عثمان أو أعظم منه، وإن تأخير إقامة الحد إلى وقت إمكانه، وتقصي الحق فيه، أولى وأصلح للأمة، وألم لشعثهم، وأنفى للفساد والتهمة عنهم.
هذه أمور كلها تلزم الإمام في إقامة الحدود، واستخراج الحقوق، وليس لأحد أن يعقد الإمامة لرجل من المسلمين بشريطة تعجيل إقامة حد من حدود الله، والعمل فيه برأي الرعية، ولا للمعقود له أن يدخل في الإمامة بهذا الشرط، فوجب اطراح هذه الرواية (7) لو صحت، ولو كانا قد بايعا على هذه الشريطة فقبل هو ذلك لكان هذا خطأ منهم، غير أنه لم يكن بقادح في صحة إمامته، لأن العقد له قد تقدم هذا العقد الثاني، وهذه الشريطة لا معتبر بها، لأن الغلط في هذا من الإمام الثابتة إمامته ليس بفسق يوجب خلعه وسقوط فرض طاعته عند أحد. الكلام.


____________
(1) راجع ما أسلفناه في هذا الجزء صفحة 276.
(2) وفي لفظ ابن قتيبة: مالك؟ عليك لعنة الله، ما أنت إلا كمثل الكلب. وفي لفظ ابن عبد ربه: لعنك الله، فإن مثلك كمثل الكلب.
(3) الإمامة والسياسة 1: 115، كتاب صفين ص 628 ط مصر، العقد الفريد 2: 291 ، تاريخ الطبري 6: 40، مروج الذهب 2: 22، كامل الأثير 3: 144، شرح ابن أبي الحديد 1: 198.
(4) وجره الدواء أو جره إياه: جعله في فيه. أوجره الرمح، طعنه. ووجره: أسمعه ما يكره.
(5) الإمامة والسياسة 1: 99، وفي ط 112، نهاية الإرب 7: 239، شرح ابن أبي الحديد 1: 196.
(6) الإمامة والسياسة 1: 99، وفي ط 113، كتاب صفين 614، 615 ط مصر، شرح ابن أبي الحديد 1: 195.
(7) يعني ما روي عن طلحة والزبير من قولهم: بايعناك على أن تقتل قتلة عثمان.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page