[ ١ ]
و ليس من نافلة القول، و لا من الغلو في شيء إن قلنا إن الامام أبا جعفر كان من أبرز رجال الفكر، و من ألمع أئمة المسلمين، فقد كان الرائد و القائد للحركة الثقافية و العلمية التي عملت على تنمية العقل العربي و الاسلامي و أضاءت الجوانب الكثيرة من التشريعات الاسلامية الواعية التي تمثل الابداع و الأصالة و التطور في عالم التشريع. . . أما ما يدعم ذلك فقد ألمحنا إليه في الحلقة الأولى من هذا الكتاب من المعارف و العلوم التي فتق أبوابها، و سائر الحكم و الآداب التي أثرت عنه و هي مما يهتدي بها الحيران، و يأوي إليها الظمآن، و يسترشد بها كل من يفيء إلى كلمة اللّه. . . لقد كانت حكمه و آدابه الخالدة من أبرز ما أثر عن أئمة المسلمين في هذا المجال فهي مما تملأ الفكر وعيا، و القلب إيمانا و النفس ثقة و صفاء.
[ ٢ ]
و الشيء المحقق ان هذه البحوث على ما فيها من استيعاب و شمول لم تلم بجميع جوانب حياة الامام أبي جعفر (ع) و لا تحكي واقعه المشرق فان هذه الدعوى لا تتفق مع الواقع الذي نخلص إليه، و إنما تلقي أضواء أو مؤشرات على بعض معالم شخصيته، فقد كان هذا الامام العظيم باقر علوم الأولين و الآخرين و انه أثرى شخصية في سعة علومه و معارفه، و قد كان باجماع المؤرخين ممن خطط لهذه الأمة مسيرتها الثقافية الواعية و قد ذاع ذلك بين الناس، و ضربت به الأمثال، يقول السيد الرفاعي:
«و كانت مدة إمامته يختلف إليه الخاص و العام، يأخذون عنه معالم دينهم حتى صار في الناس تضرب به الأمثال» ١ .
لقد كان هذا الامام العظيم من أهم المراكز العليا للوعي الثقافي و العلمي بين المسلمين و كانت داره جامعة للعلوم و المعارف، فتتلمذ على يده كبار فقهاء المسلمين و علمائهم مما يعتبر عاملا جوهريا في ازدهار الحركة العلمية، و تطور الفكر الاسلامي في عالم الابداع و الانتاج.
و اني أقول: -بالتأكيد-إن هذا الكتاب بجزئيه لا يعطي إلا صورة موجزة عن حياة الامام أبي جعفر (ع) الملهم الأول لقضايا الفكر و العلم في الاسلام.
[ ٣ ]
أما بحوث هذا الكتاب فقد ألمحنا إليها في تقديم الجزء الأول منه، و لا ضرورة في إعادة القول فيها لأن ذلك من التكرار الممل الذي لا نريده للقراء. . . و إني في نهاية هذا التقديم أرى من الحق علي أن أذكر بالوفاء و العرفان ما تفضل به سماحة الاستاذ حجة الاسلام الشيخ حسين الخليفة من المساهمة في الانفاق على هذا الكتاب، كما أكرر الشكر إلى ولدنا الفاضل السيد عبد الرسول السيد رضا الصائغ على ما تفضل به من المساهمة في طبع هذا الكتاب، سائلا منه تعالى أن يتولى جزاءهم جميعا أنه تعالى ولي ذلك و القادر عليه.
النجف الأشرف باقر شريف القرشي
_______________
١ ) صحاح الأخبار (ص ۴١ ) .
تقديم
- الزيارات: 444