• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مقدّمة الاعداد

إِن المنزلة الرفيعة التي يحتلها ابن كثير الدمشقي كمؤرخ إسلامي، غير خفية على أحد من رواد العلم، فلم يكن ابن كثير مجرد مؤرخ يسرد الاحداث حسب ترتيبها الزمني، بل كان عالماً بالحديث، متمرساً بالاسانيد، عارفاً بصحيحها وسقيمها، والملازمة الطويلة للحافظ المزي صاحب تهذيب الكمال تلمذة ومصاهرة أعطته بُعداً آخراً طغى على كل ما كتبه ابن كثير في مجال المعرفة. فتاريخهُ لم يكن تأريخاً محضاً وإنما كان مشوباً بالحديث والرجال والمناقشات السندية، وتفسيره لم يكن تفسيراً محضاً وإنما كان محشواً بذكر الرواة جرحاً وتعديلاً.
والذي أريد قوله: إنّ ذكره للاحداث يخضع لموازين خاصة، ولم يكن سرده للحادثة إلاّ بعد الوثوق من ثبوتها، ومع ذلك تجد هنالك أحداثاً مهمة في التأريخ الاسلامي تكاد تكون مجمع عليها بين أصحاب الاثار، وعلى الخصوص إذا كانت الحادثة تحمل طابعاً مذهبياً; بمعنى إثباتها يكون لصالح مذهب إسلاميٍّ ما... هنا تجد المؤلف يخرج عن المنهج الذي ينبغي أن يلتزم به الكاتب من تحري الامانة في نقل الاحداث التأريخية الثابتة، وتلاحظه ينتصر لمذهبه على حساب التأريخ.
وأمثلة ذلك كثيرة في البداية والنهاية، وما هذهِ الوريقات إلاّ نماذج يسيرة من تلك المفارقات، فمثلاً تشكيكه بل نفيه لحادثة مؤاخاة النبي (ص) بين المهاجرين والانصار، التي وقعت بعد الهجرة إلى المدينة لمجرد تضمنها مؤآخاة النبي للامام علي (عليه السلام)، وهي فضيلة ذكرها أصحاب السنن في عداد فضائل الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، وهذا ما لا يرتضيه مذهب المؤلف.
الامر الذي جعله يقع في تهافت واضح بين إنكاره بعض الاحداث في البداية والنهاية وإثباتها في كتبه الاُخرى كما حصل ذلك في ج7/357 من البداية عند بحثه في شأن نزول قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ، وروايته حديث تصدّق الامام علي (عليه السلام) بخاتمه حال الصلاة، من طريق ابن مردويه عن الكلبي، حيث قال: «وهذا لا يصح بوجه من الوجوه لضعف أسانيده، ولم ينزل في عليّ شيء من القرآن بخصوصيته».
ثم تلاحظ المؤلف نفسه في كتابه «تفسير القرآن العظيم» 2/74، وعند بحثه الاية ذاتها، وإيراده حديث تصدّق الامام علي المتقدّم يقول: «وهذا أسنادٌ لا يُقدح به».
ولعل حضوره الطويل في مجلس بحث الشيخ ابن تيمية ترك أثره البالغ عليه، وعلى الخصوص في مجال مناقشة آراء الاخرين ممن يخالفونه الرأي، فقد نقل الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات 7/19 عن ابن تيمية: «انهُ كان يقول عن نجم الدين الكاتبي المعروف بدَبيران ـ بفتح الدال وكسر الباء ـ وهو الكاتبي صاحب التآليف البديعة في المنطق، فاذا ذكره لا يقول إلاّ دُبَيران ـ بضم الدال وفتح الباء ـ.
واذا ذكر العلامة ابن المطهر الحلي يقول ابن المنجس».
وهكذا كان دأبه عند مناقشة المذاهب الكلامية، حتى اشتهر أمره فطلب إلى مصر أيام ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وعقد له مجلس لبيان عقائده، فانتهى الامر الى حبسه في خزانة البنود ثم نقل إلى الاسكندرية(1) .
ثم أفرج عنهُ أيام الملك الناصر عند مجيئه إلى الكرك، وأقام بالقاهرة مدّة لم يلبث طويلاً حتى اخذ بالقول على السيدة نفيسة، فاعرض عنهُ عوام الناس في مصر.
ثم اعتقل أيضاً ثم افرج عنهُ وحضر إلى دمشق أيام القاضي جلال الدين وتكلموا معهُ في مسألة الزيارة، وكتب في ذلك إلى مصر، فورد مرسوم السلطان باعتقاله في القلعة فلم يزل معتقلاً بها إلى أن مات سنة 728(2) .
وقد نقل أصحاب التراجم ان لابن كثير صحبة وملازمة وعلاقة خاصة بالشيخ ابن تيمية، فقد كان يفتي برأيه رغم انهُ شافعي المذهب، حتى انهُ أوصى عند موته أن يدفن عند شيخه ابن تيمية في مقبرة الصوفية.
يضاف إلى ذلك البيئة الاموية الحاكمة في دمشق آنذاك، والتي لها بالغ الاثر في صياغة شخصية ابن كثير.
ولهذا وذاك جعل العلاّمة الاميني وعند تعرضه لبعض الكتب بالدراسة والنقد في موسوعته «الغدير» أن يضع «البداية والنهاية» في جملتها، فجاءت الدراسة مثبتة ومصححة لما أنكره ابن كثير من الحوادث التي يصح وصفها «بالمتسالم عليه» مما حواه الكتاب، لالفات نظر القارئ، والحكم على بقية مناقشات ابن كثير مما لم يرد ذكره في هذه الدراسة. فالدراسة إذن لالفات النظر لا لاستقصاء كل ما أورده ابن كثير في البداية والنهاية، لان ذلك يتطلب صرف الوقت الكثير.
فهذهِ دراسة نقدية وثائقية للبداية والنهاية، كتبها الشيخ عبد الحسين أحمد الاميني، وقد أحال كثيراً على كتابه الغدير، قمت بالحاق هذهِ الاحالات بالمتن، وجعلتها كالهامش لهُ، لانّها في الغالب تمثل ذكراً للمصادر ـ كعادة الاميني في الغدير حيث كان يدعم قولهُ بسيل من المصادر ـ وأضفت إليها بعض المناقشات السندية، باعتبار أن ابن كثير يُسلّم وجود الحادثة، وقد يعترف بكثرة طرقها، إلاّ أنه يضعفها سنداً أو يتنظّر فيها دلالةً، فجاء الهامش مدعماً للمتن بذكر منابع الاحداث، والاشارة إلى صحتها وثبوتها بتصحيح أسنادها، بالشكل الذي يظهر للقاريء أن مناقشات ابن كثير لا تنسجم والمقاييس التي أثبتها هو في كتبه الرجالية.
كما انّي تحرّيت في كلّ ذلك الالتزام بنصّ الغدير كما اختطته أنامل المؤلف الشريفة متناً وإحالة، حتى افادات المؤلف (رحمه الله) التي كان قد أثبتها في هامش الغدير جاءت كما هي دون تغيير، مختوم ذلك كلّه بعبارة «المؤلّف (رحمه الله)» اعتقاداً منّا بامامته في هذا المضمار، وأمانةً للنقل عن التحريف والضياع.
وبالنظر الى أنّ بعض المصادر التي نقل عنها المؤلف (رحمه الله) كان مخطوطاً ولما يطبع بعدُ، أو بعضها مفقوداً أصلاً فنقل عنها بالواسطة، وبعضها مخرّج على طبعة قديمة غير متداولة، قمت باخراج كلّ ذلك معتمداً الطبعات الحديثة مع ذكر مواصفات تلك الطبعات في ثبت المصادر والمراجع، فمواصفات الطبع مختص بما ذكر في الهامش دون المتن الذي حافظنا على وجوده كما هو.
أمّا بالنسبة الى المخطوط أو المفقود فذكرنا الواسطة التي اعتمد عليها المؤلف (رحمه الله) في النقل.
وقد أعدت النظر في تقويم نص الكتاب من جديد، متبعاً بذلك الطرق الحديثة في تقويم النصوص وتقطيعه، مع الاحتفاظ بالمنهجية العامة التي اختطها المؤلف لكتابه.
ولم نقتصر في هذه الرسالة على ردّ الشيخ الاميني للبداية والنهاية الذي أدرجه ضمن مجموعة ردوده على بعض الكتب والتي تضمّنها المجلد الثالث من الغدير، وإنّما ألحقنا بها بعض مناقشات المؤلّف (رحمه الله) للبداية والنهاية المبثوثة في زوايا فصول كتابه الغدير ممّا هو متّحد موضوعاً مع محور الرسالة.
وأملي كبير أن يقع هذا الجهد موقع الرضا من الباحث والدارس والقارئ.
أحمد الكناني
26/رمضان/1416هـ


____________
(1) الوافي بالوفيات 7/22 (ط2، باعتناء حسان عباس ـ 1982م).
(2) المصدر السابق.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page