السؤال: ما رأيكم في ابن عباس ؟
الجواب : هناك رأيان في ابن عباس ، رأي عدّه من الثقات للروايات المادحة له ، وقدح بالروايات الذامّة له ، ورأي ثان عدّه من الضعفاء للروايات الذامّة له ، ولأجل معرفة سبب تضعيفه ، نورد بعض ما أُشكل عليه :
أوّلاً : أنّه نقل بيت المال من البصرة إلى الحجاز حينما كان والياً على البصرة ، وهذا دليل خيانته وعدم عدالته ، وخروجه على طاعة إمام زمانه .
وفيه : إنّ ما اشتهر عن نقله لبيت مال البصرة لم يثبت برواية صحيحة يطمئن إليها ، نعم كلّ من اعتمد على الخبر كان مدركه الشهرة وليس أكثر ، بل إنّ بعض علمائنا طعن في صحّة هذه الشهرة ، ونسب ما اشتهر في ذمّ ابن عباس إلى ما أشاعه معاوية من الطعن في أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقد ذهب إلى ذلك السيّد الخوئي (قدس سره) في معجمه (1) .
قال ابن أبي الحديد : " وقد اختلف الناس في المكتوب إليه هذا الكتاب ، فقال الأكثرون : إنّه عبد الله بن عباس ، ورووا في ذلك روايات ، واستدلّوا عليه بألفاظ من ألفاظ الكتاب ، كقوله (عليه السلام) : " أشركتك في أمانتي " ... وقال الآخرون وهم الأقلّون : هذا لم يكن ، ولا فارق عبد الله بن عباس عليّاً (عليه السلام) ولا باينه ولا خالفه ، ولم يزل أميراً على البصرة إلى أن قتل علي (عليه السلام) .
قالوا : ويدلّ على ذلك ما رواه أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني من كتابه الذي كتبه إلى معاوية من البصرة لمّا قتل علي (عليه السلام) ، وقد ذكرناه من قبل ، قالوا : وكيف يكون ذلك ؟ ولم يخدعه معاوية ويجرّه إلى جهته ، فقد علمتم كيف اختدع كثيراً من عمّال أمير المؤمنين (عليه السلام) ... فما باله وقد علم النبوّة التي حدثت بينهما ، لم يستمل ابن عباس ، ولا اجتذبه إلى نفسه ، وكلّ من قرأ السير وعرف التواريخ يعرف مشاقّة ابن عباس لمعاوية بعد وفاة علي (عليه السلام) وما كان يلقاه من قوارع الكلام وشديد الخصام ، وما كان يثني به على أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ويذكر خصائصه وفضائله ، ويصدع به من مناقبه ومآثره ، فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان الأمر كذلك ، بل كانت الحال تكون بالضدّ لما اشتهر من أمرهما ... .
وقد أُشكل عليّ أمر هذا الكتاب ، فإن أنا كذّبت النقل وقلت : هذا كلام موضوع على أمير المؤمنين (عليه السلام) خالفت الرواة ، فإنّهم قد أطبقوا على رواية هذا الكتاب عنه ، وقد ذكر في أكثر كتب السير .
وإن صرفته إلى عبد الله بن عباس صدّني عنه ما أعلمه من ملازمته لطاعة أمير المؤمنين (عليه السلام) في حياته وبعد وفاته ، وإن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى من أصرفه " (2) .
وقال العلاّمة التستري : " قاعدة عقلية : إذا تعارض العقل والنقل يقدّم العقل ، فإذا كان معلوماً ملازمته لطاعة أمير المؤمنين (عليه السلام) في حياته وبعد وفاته ، ولا استماله معاوية مع انتهازه الفرصة في مثل ذلك نقطع بأنّ النقل باطل ، وكيف يحتمل صحّة ذلك النقل مع أنّه طعن في معاوية بخيانة عمّاله ؟ فلو كان هو أيضاً خان لردّ عليه معاوية طعنه " (3) .
على أنّا لو سلّمنا صحّة الحادثة ، فإنّ ذلك يمكن أن يكون من باب طروء الشبهة ، على كون استحقاقه بعض بيت المال اعتماداً على اجتهاده ، لقوله لابن الزبير على فرض صحّة الرواية : " وأمّا حملي المال ، فإنّه كان مالاً جبيناه ، وأعطينا كلّ ذي حقٍّ حقّه ، وبقيت بقية هي دون حقّنا في كتاب الله ، فأخذنا بحقّنا ... " (4) .
فقوله : " هي دون حقّنا في كتاب الله " مشعر بأنّ ابن عباس قد اعتمد في اجتهاده على آية في كتاب الله ، استظهر منها صحّة حمل ما بقي من بيت المال، ولعلّه قد تاب بعد تنبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) له .
ثانياً : إنّه ثبت صحّة قوله بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، إلاّ أنّه لم يثبت بعد ذلك قوله بإمامة الحسن ، وإمامة الحسين ، وإمامة علي بن الحسين (عليهم السلام) وقد أدركهم ، وهذا طعن في إيمانه ، وصحّة اعتقاده .
وفيه : إنّ التسالم على قوله بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأتباعه بلغ إجماع الفريقين ، فلا مجال للتشكيك فيه ، أمّا قوله بإمامة الحسن (عليه السلام) ، فإنّ الأربلي في " كشف الغمّة " نقل عن أبي مخنف ، بإسناده عن ابن إسحاق السبيعي وغيره قالوا :
" خطب الحسن بن علي (عليهما السلام) صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) ... ثمّ جلس ، فقام عبد الله بن عباس ما بين يديه فقال : معاشر الناس ، هذا ابن نبيّكم ، ووصيّ إمامكم فبايعوه .
ثمّ قال الراوي : فرتب العمّال ، وأمّر الأمراء ، وأنفذ عبد الله بن عباس إلى البصرة ، ونظر في الأُمور ... " (5) .
وهذا دليل على قوله بإمامة الحسن (عليه السلام) ، وعلى هذا يترتّب قوله بإمامة الحسين (عليه السلام) ، وإمامة علي بن الحسين (عليهما السلام) لعدم وجود الدليل النافي على قوله بإمامتهما ، أي لم يصدر منهما (عليهما السلام) ذمّاً في حقّه ، إضافة إلى حسن سيرته ، واستقامته في عهديهما ، ولم يظهر منه ما يخالفهما ، ولو كانت هناك أدنى مخالفة للإمامين (عليهما السلام) لأظهره الرواة ، خصوصاً وقد كان معرضاً للطعن والذمّ من قبل أعداء أهل البيت (عليهم السلام) .
______________
1- معجم رجال الحديث 11 / 254 .
2- شرح نهج البلاغة 16 / 169 .
3- قاموس الرجال 6 / 426 .
4- شرح نهج البلاغة 20 / 130 .
5- كشف الغمّة 2 / 161 .
( يوسف . الإمارات . 30 سنة . طالب جامعة ) ما قيل فيه مردود
- الزيارات: 472