السؤال : نشكر لكم جهودكم في هذا الموقع ، ونتمنّى أن نرى لكلّ مذهب موقعاً معتبراً كهذا ، يحلّ الإشكال ، ويجيب على التساؤلات .
سؤالي إليكم حول موضوع تحريف القرآن الكريم ، وتحديداً وجود بعض الحذف منه والنقص فيه ، والذي يثيره السنّة باستمرار ، وما قد يلحظه المبتدئ من شيء من التناقض بين كتب الكلام ، من أمثال الإلهيّات الذي جمع من محاضرات للأُستاذ الكبير السبحانيّ ، وكتاب شرح عقائد المظفّر ، التي تنفي التحريف مطلقاً ، وبين الكتب الروائية المتقدّمة ، من أمثال الكافي وبحار الأنوار ، والتي تروي عدداً لابأس به من الروايات ، التي تؤكّد وقوع الحذف ، خاصّة من الآيات التي فيها تصريح بولاية علي (عليه السلام) .
وهذه الروايات تصرّح بوقوع الحذف لفظاً ومعنى وإعراباً ، ومعظمها مروي عن الأئمّة المعصومين ، نرجو إجابتنا إجابة وافية ملزمة ، نتمكّن من عرضها على أخوتنا الأشاعرة في المنطقة ، الذين يثيرون هذا الموضوع باستمرار ، لعدم وجود ردّ .
وبارك الله فيكم .
الجواب : نشكركم على متابعتكم للموقع ، ونتمنّى أن نكون قد وفّقنا لأداء المسؤولية حول الدين والمذهب في ردّ الشبهات ، وإنارة الطريق ، والله هو الموفّق .
وأمّا ما ذكرتموه في موضوع التحريف ، فقد أجبنا عنه كراراً ومراراً ، وذكّرّنا الإخوة : بأنّ المسألة لا ثمرة لها عند المسلمين ، بل إنّ المستفيد الأوّل والأخير هم أعداء العقيدة ، فالصفح عنها أحرى وأجدر ؛ ولكن بما أنّ الإخوة يلحّون في المطلب ، نشير إلى عدّة نقاط ، ريثما يتأمّل فيها المحقّقون ، ولكي ينصفوا ، والله من وراء القصد :
1ـ إنّ الروايات التي تدلّ بظاهرها على التحريف موجودة في كتب أهل السنّة ، وبأعداد مضاعفة عمّا في كتب الشيعة ، وعلى سبيل المثال ـ لا الحصرـ يمكن المراجعة إلى الصحاح والمسانيد .
2ـ مضافاً إلى ورود هذه الروايات ، فقد صرّح بعض علماء التفسير عندهم بوقوع التحريف (1) .
ومنهم من تبنّى هذا القول كابن أبي داود السجستانيّ في كتابه ( المصاحف )، وابن الخطيب في كتابه ( الفرقان ) .
3ـ إنّ ورود بعض الروايات في كتب الحديث عند الشيعة ، لا يعني اعتقاد الشيعة بهذه الفكرة ، ولا حتّى التزام مؤلّفيها بها ، بل هو من باب جمع الأحاديث ، كالعمل في الموسوعات فحسب ، والذي يدلّنا في المقام هو :
أوّلاً : إنّ الشيعة من الصدر الأوّل حتّى الآن ، لا تعتقد بوجود كتاب صحيح من أوّله إلى آخره إلاّ القرآن ، وعليه فكلّ تأليف فيه الخطأ والصواب تبعاً للأدلّة المطروحة في كلّ مجال ، وهنا تختلف الشيعة عمّن يعتقد بصحّة روايات الصحاح ، أو الصحيحين على الأقل ، فهو ملزم بما ورد فيها .
ثانياً : إنّ الروايات المذكورة معارضة بروايات أُخرى وردت بإزائها ، تدلّ بالصراحة على نفي التحريف ، وفي مثل هذا المقام تعرض المعارضتان على القرآن ـ على طبق القواعد الأُصولية ـ ومن ثمّ تنفي حجّية الموهم للتحريف .
ثالثاً : توجد روايات صريحة عند الشيعة بعدم حجّية الخبر المخالف للقرآن رأساً ، أو عند المعارضة ، وهذا لا ينسجم مع القول بالتحريف .
رابعاً : إنّ الروايات المذكورة بأجمعها يعتريها ، إمّا ضعف السند ، وإمّا ضعف الدلالة ، أو كلاهما كما بحثه المحقّقون من الشيعة في مظانّها ؛ وأيضاً كلّها قابلة للتأويل جمعاً بينها وبين الأخبار النافية للتحريف ، فبعضها مثلاً من باب الشرح المزجي للآيات مع تفاسيرها ، وبعضها من باب الإشارة إلى المصاديق المأوّلة في الآيات ، وأحياناً بعضها الآخر فيها التصريح ، أو التلويح بشأن النزول ، وهكذا .
4ـ إنّ الرأي العام للشيعة قديماً وحديثاً هو الالتزام والاعتقاد بعدم التحريف ، وهذا هو قول العلماء الذين يعتبرون واجهة الشيعة ، وأيضاً هو كلام الوسط الشيعيّ حتّى الآن .
وأمّا ما كتبه بعضهم في هذا المجال خلافاً لهذا الإجماع القطعيّ ـ كالشيخ النوريّ الطبرسيّ والسيّد الجزائريّ ـ فيرد عليه أنّهما لم يمثّلا في مسألة التحريف عقيدة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، مضافاً إلى أنّ الروايات التي اعتمد عليها النوريّ لإثبات مدّعاه في كتابه فصل الخطاب ، أكثرها من أحاديث أهل السنّة في هذا المجال ، فهو كما ترى !
5ـ وأخيراً : فإنّ التأويل المخرج لأهل السنّة من مأزق رواياتهم المذكورة ، لهي أنسب بأن تكون إحدى الطرق عند الشيعة للوقوف في مقابل بعض رواياتهم ، التي قد توهم الموضوع المذكور .
6ـ ولا يفوتنا أن نشير هنا أنّ البحث عن هذا الموضوع قد جاء مفصّلاً في كلّ من ( البيان ) للسيّد الخوئيّ (قدس سره) ، و( آلاء الرحمن ) للشيخ البلاغيّ
(قدس سره) ، و( صيانة القرآن ) للشيخ هادي معرفة ، و ( التحقيق في نفي التحريف ) للسيّد الميلانيّ ، وبقية التفاسير الشيعيّة ، كـ ( مجمع البيان ) للشيخ الطبرسيّ (قدس سره) ، و ( التبيان ) للشيخ الطوسيّ (قدس سره) ، وغيرهم ، فللمزيد من المعلومات لابأس بالمراجعة إليها .
____________
1- روح المعاني 1 / 26 ، الدرّ المنثور 5 / 180 .
( مصطفى بطّة . الأردن . سنّي . 21 سنة . طالب جامعة ) نشير إلى نقاط ريثما يتأمّل فيها المحقّقون
- الزيارات: 375