• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

"طالوت" و"صموئيل"

"طالوت" و"صموئيل"

"طالوت" في قرية من قرى الوادي، يُشرفُ على أغنامٍ وأُتُنٍ (جمع أتان: أنثى الحمار) يرعاها، فتنمو عدداً - ويتعهّد الأرض: رياً، وفلاحةً، وزراعةً، فيجني منها وافرَ المحاصيل.

وبينما كان يرعى قطيعاً، أخذتهُ سنةٌ من الكرى، فغفا ساعةً أو بعض ساعةٍ، ولما استفاق، طلبَ أُتُنهُ فلم يجدها، فسأل غلامه عنها. وإذا به، مثله، لايعلمُ عنها شيئاً، فنهضا، وتوجّها إلى أرض وعرةٍ ذات عشب وكلأ وشجر، فلعل الأُتن قصدتها.. وتوغَّلا عميقاً في الأرض الوعرة، حتى تورّمت منهما الأقدامُ، دون أن يعثُرا لها على أثر. وأرادا العودة خائبين، بعد أ، لقيا مشقةً وعسراً، على أن يعاودا البحث عنها غداً في المقلب الآخر للوادي. فلعلّها قصدت وعور الشِّعاب!..

ويتوقَّفُ الغلامُ لحظةً، وهو يفرُكُ جبهته، ويتوجَّهُ بالكلام مخاطباً سيِّده "طالوت":

- "سيدي، لعلَّنا لن نجوس خلال هذه الأرض مرةً أخرى. فنحن الآن في أرض "صوف" موطن النبي "صموئيل" الذي يهبِطُ عليه الوحيُ، وتتنزَّلُ الأملاكُ. فهيَّا بنا إلى هذا النبي الكريم، نستوضحه أمر ما افتقدنا من أُتُن، فلعلّ السماء تُنبئُنا بواسطته عن ضالّتنا.. وإلى ذلك كلّه، فلعلّنا نتبرّك بدعائه، ونُحرز رضاهُ.

وارتاح "طالوتُ" إلى هذا الرأي. فلا ضيرَ منه على أي حال!..

ويتوجّه "طالوت" يصحبه غلامُه إلى حيثُ يقيم النبي "صموئيل". ويلتقيان، في طريقهما إليه، فتياتٍ، خرجنَ يستقين الماء، فسألاهُنَّ كيف السبيل إلى لقاء "صموئيل"، فأخبرنهما بأنّ الناس يلاقونه خلف ذيَّاك الجبل، ولعلّه موشكٌ على المجئ.

وفيما هُما كذلك، وإذ بصموئيل بطلعُ عليهما، يشعُّ محيّاهُ بنور النبوّة، وتحفُّ به مهابةُ رسولٍ كريم!..

ونظر كلُّ منهما إلى الآخر.. فأوقع الله في قلب "صموئيل" أنه أمام "طالوت" الموعود.

ولم يتردّدْ "طالوت" في الإبانة عن نفسه، والهدف من مجيئه، فقال:

- "لقد أتيتك، يانبيّ الله، مستوضحاً، مسترشداً، لقد ضاعت لنا أُتُنٌ، ومازلتُ أطلبُها، مع غلامي، منذُ ثلاثة أيام، دون جدوى. وقد أتيناك مسترشدين: فهل إلى العثور عليها، من سبيلٍ؟..

فأجابه صموئيل باطمئنان الواثق:

"أمّا الأُتُن التي أنت في طلبها، فهي في طريقها إلى أبيك، فلا تنشغل بها نفساً، ولاتنزعج بها خاطراً..

وإني أدعوك إلى أمرٍ، ندبَكَ الله إليه (أي: كلَّفك به، ودعاك..)، وهو أمرٌ، وايمَ الله (أي: أقسم بالله) جدُّ جسيمٌ، وخطيرٌ!..

ويُحملِق "طالوت" في وجه صموئيل دهشاً، فإلى مَ يدعوه نبي الله "صموئيل"؟..

- ماالأمر يانبيَّ الله؟

- لقد اختارك الله على بني إسرائيل، ملكاً!..

- أنّى يكون لي ذلك، ومن أكون حتى أنهض بهذا الحمل العظيم، والأمر الجلل الخطير؟ إنني من أبناء "بنيامين" أخمل الأسباط ذكراً، وأوضعهم جاهاً، وأدناهم قدراً، وأقلّهم مالاً، وأبعدهم عن مواطن الحكم والسلطان!..

- لاعليك!.. فليس لأغنياء الناس، ووجهائهم، من النبوة، إلاّ الحظُّ الأقلُ، والنصيبُ الأدنى. وإنّ هذه مشيئةُ الله، أنقلُها إليك،.. فاشكُر الله الذي اصطفاك عليهم جميعاً، واجتباك (أي: اختارك)، واحمد نعماءه على تكليفك بما لاينهضُ به إلاّ رجالُ الله الأخيار، فهيَّا، واصدَع بما أُمِرتَ به!..

وأخذ "صموئيل" بيد"طالوت"، وسارا، وتبعهما الغلام الذي، لدهشته، لم ينبس ببنت شفةٍ.

ووصل الثلاثةُ إلى النادي، حيث يجتمع عليّةُ القوم من بني إسرائيل، وأشراف ساداتهم، فوقف عليهم "صموئيل"، وهو ممسكٌ بيد "طالوت"، وأعلنَ فيهم:

- إن الله قد بعثَ "طالوتَ" ملكاً عليكم، فاسمعوا له، وأطيعوا، وأعّدوا العُدّة لجهاد عدوكم، تفلحوا، وتظفروا إن شاء الله!..

فلووا بأعناقهم، منذهلين!..

فمن يكون "طالوتُ" هذا النكرةُ، بينهم، والسيّئ الحال، يؤمّرهُ الله عليهم، وفيهم كلُّ عظيم الشأن، خطير المُقام؟..

فلا ذكر له، وهو الخاملُ بين بني إسرائيل، ولامال له، وبينهم من بيده كنزٌ من الذهب، لايفنى!..

ولاهو من أبناء "لاوي"، فرع دوحةِ النبوّة السامقة في بني إسرائيل...

ولاهو من غصن "يهودا"، معدن الملك والرياسة والسلطان!..

وأدرك "صموئيل" مايدور في خلدِهم، وما تُحدِّثهم به نفوسُهم، فقال لهم:

- على رسلكم، ياقوم!.. فالسيادةُ لاتحتاجُ إلى نسبٍ، وما عساه يجدي النّسبُ إذا كان صاحبُه أخرق أحمق؟. وماذا يفعل المالُ - على كثرته- مع المتخلّف البليد، والجبان الرعديد؟.. وهذا طالوتُ، اختارهُ الله عليكم، وفضّله على من عداه من بني إسرائيل،. {إنّ الله اصطفاه عليكُم وزادهُ بسطةً في العلم والجسم}. وها هوذا، كماترون، أمامكم، سويُّ الخلق، جميلُه.. صلبُ الجسم، متينُه، يبعثُ على المهابةِ والجلال!..

ألا ترونَ، لو كان مهزولاً، ضعيفاً،.. لاقتحمتهُ إذن، عيونُكم، وازدرتهُ انفسكم..؟ وهو، إلى ذلك، محاربٌ عنيدٌ، وعلى الأعداء جسورٌ، شديدٌ، بصيرٌ بعواقب الأمور، وخبيرٌ بأساليب الحروب، وفوق ذلك كله، فليس الأمرُ مني، ولاهو بيدي.. ولكنّهُ أمرُ الله تعالى، ومشيئَتُه، عزوجلَّ، فهو الذي قد ملّكه عليكم،.. فأطيعوا الله، في أمرِه، وسلِّموا إلى مشيئته نفوسكم راضين،.. فإنني، والله، لكم من الناصحين!..

وكأنّه استمال قلوبهم،.. فأظهروا الإذعان!..

ولكنّهم، مالبثوا أن عادوا إليه يطالبونه بآية يعرفون بها صدق قوله، فيكونون بذلك من المصدّقين، المؤمنين،..

فقال لهم: إنني أعرف خبيئة نفوسكم التي جُبلت على اللّجاج، والعناد، والمكابرة، ونبذ الحق،.. واتّباع سبيل الهوى، وطريق الغيِّ، وسوء الظنِّ بالله، وتكذيب رسله،

{إنّ آية مُلكه أن يأتيكم التّابوتُ فيه سكينةٌ من ربّكم وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هرون تحمِلُهُ الملائكةُ أنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين}.

فخرجوا إلى ظاهر المدينة، كما واعدهم "صموئيلُ"، فشاهدوا التابوتَ يتهادى إليهم في الفضاءِ، محمولاً على أكفِ الملائكة، فآمنوا، وبايعوا "طالوت"، وأقرُّوا له بالملك!..

وأظهر "طالوتُ" في ملكه، حزماً وعزماً. فأسرع إلى تجهيز جيشٍ لاتشغلُ أفرادهُ عن الحرب شواغلُ الدنيا، والتهالُكُ على حُطامها، وسار بهم لقتال الأعداء. وبينما هم، في طريقهم إلى الحرب، مرّوا على نهرٍ، وقد تلظّت أكبادُهُم عطشاً، فقال لهم طالوتُ:

- {إنّ الله مُبتليكُم بنهرٍ فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمهُ فإنّهُ منّي إلا من اغترف غُرفةً بيده}

وشدّد عليهم بألاّ ينهلنَّ منه أحدٌ إلاّ بمقدار رشفات يبرّد بها كبدهُ الحرّى.

ولكنّ معظمهم لم يلتفتوا إلى طلب "طالوت" فأسلموا أنفسهم إلى هواها، فعبُّوا من ماء النهر الجاري حتى الارتواء، بينما ترشّف القليلُ منهم من الماء رشفاتٍ نزيرةٍ (أي:قليلة) برّد بها غليله.

ولمّا أشرفوا على أعدائهم، وجدوا فيهم قوّة عدةٍ وكثرة عدد، وقائدهم "جالوت" يجول بينهم ويصولُ، وقد غطّاهُ الحديد من قمة رأسه حتى أخمص قدميه، على فرسٍ أدهم كأنّه قطعةٌ من ليلٍ حالكٍ، فانقسمَ أصحابُ "طالوت" عندما شاهدوا ذلك إلى فرقتين:

واحدةٍ: أصابها الوهنُ، ودبَّ فيها الضعفُ، فقالوا: {لاطاقة لنا اليومَ بجالوتَ وجُنودِهِ}.

وثانيةٍ: ثبتت على الإيمان، واستحبَّت الجهاد على النُّكول عن الحرب(أي: الانصراف عنها)، موقنةً بأن النصرَ من عند الله، فحثُّوا إخوانهم على الصدق في القتال، والله يفعلُ - بعد ذلك- مايشاءُ، هاتفين بهم {كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله؛ والله مع الصَّابرين!..}.

وانطلقت شرارةُ المعركة بالمبارزة!.. فبرز "جالوتُ" بين الصَّفين، فما بارزَهُ فارسٌ، إلاّ وجندلَه صريعاً، حتى تحامتهُ الفرسانُ، وأجحمت عن مبارزته الأقرانُ. وهو على جواده المحمحم صائلٌ جائلُ، وسيفُه يرعُفُ دماً، والقومُ واجمون، مطرقون.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page