عدتُ إلى المنزل، وأوّل ما فعلته أنني فتحت كتاب المراجعات وقرأت المقدمة وبداية المناظرة، فهالني دقة الألفاظ وسحر المعاني والجمل المترابطة وأدب الحوار بين المتناظرين، وتابعت القراءة، وكلما طالعت أكثر وجدت قوّة أدلة السيد ومتانة حججه وضعف الشيخ البشري، وأخذت أنظر إلى الهوامش كي أرى المصادر التي اعتمد عليها السيد (قدس سره) في مناظرته، فتفاجأت من كون كلّها من مصادر أهل السنة!
قلت في نفسي: إنه يرتكز على أرضية صلبة في حواره مع الشيخ، والشيخ أحياناً يوافقه بالقول على دلالة المصادر ووثوقها، فأخذت بتسجيل المصادر الهامة لأبحث عنها فيما بعد، وعندما وصلت إلى الربع قبل الأخير من الكتاب وتحديداً صفحة (257)، وكانت المراجعة تحت رقم (86)، وهي رد من السيّد (قدس سره)على الشيخ البشري حول سؤاله الموارد التي لم يتعبد بها الصحابة بالنصّ، وكان جواب السيد رزية الخميس.
وإليكم نصّ المراجعة والعبارة التي أذهلتني:
"الموارد التي لم يتعبدوا فيها بالنصّ أكثر من أن تحصى، وحسبك منها رزية يوم الخميس، فإنها أشهر القضايا وأكبر الرزايا، وأخرجها أصحاب الصحاح، وسائر أهل السنن، ونقلها أهل السير والأخبار كافة، ويكفيك منها ما أخرجه البخاري بسنده إلى عبيدالله ابن عبدالله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس: قال: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، فقال عمر: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف من في البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي كتاباً لا تضلّوا بعده، ومنهم من يقول ماقاله عمر، فلمّا أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي، قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قوموا عني، فكان ابن عباس يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب (1).
وقد نقله أصحاب السنن وتصرفوا فيه، لأن لفظه الثابت: أن النبي يهجر، لكنهم ذكروا كلمة غلبه الوجع تهذيباً للعبارة (2).
لم أتمالك نفسي وصحت عمر... عمر... غير معقول، وفجأة بدأت مخيلتى تستذكر الأقوال التي قيلت في عمر وأحاديث فضائله، وتذكرتُ أنه مدفون بقرب قبر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، كل هذه الأمور تسلسلت في ذهني وأنا مذهول أمام هذه العبارة..
وقلت: يجب أن أبحث عن هذه الرواية هل حقاً موجودة في البخاري؟
وقلت: مادام بعض أجزاء الصحيح موجودة عندي فسوف أنتهز الفرصة، ولكن في الصباح إن شاء الله أكملها بعد عودتي من المدينة.
____________
(1) المراجعات: 453.
(2) صحيح البخاري، كتاب المرضى، باب قول المريض قوموا عني: 4/10 (5669).
قراءتي لكتاب المراجعات
- الزيارات: 419