• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

من يعيّن الإمام

إنّ الله سبحانه هو الحاكم العادل وهو ذو الصلاحية المطلقة في أُمور هذا الكون، فلا يحقّ لأحد أن يشرّع من دونه في قليل أو كثير، فشرّع لنا الشرائع، وأبان لنا المناهج، ثمّ بعث رسوله’ رحمة للعالمين، وليبيّن أحكامه، ويوضح دستوره، ولينذر الأُمّة، وليحثّ على تطبيق الأحكام الشرعيّة الحقّة، ويشرف على تنفيذها، فيثيب الله سبحانه من أحسن، ويجزي من أساء.
ومن الواضح أنّ المسلمين لم يبلغوا في عهد الرسول’ درجة من النضج الفكري والرشد الاجتماعي، ولم يستوعبوا الشريعة الإسلاميّة بصورةٍ كاملة ممّا أدّى إلى إفراز اختلافٍ واسعٍ في الأحكام والمعارف الإسلاميّة، فهل تترك هذه الأُمّة من بعد الرسول’ من دون إمام معصوم يقوم بحفظ وبيان الأحكام وشرح المعارف فيكون حجّة الله عليهم، والسبب المتّصل بينهم وبين الله؟
إنّ التاريخ لم يعرف أمّة تنهض بدون قائد وقيادة، ولكن هل تحوز قيادة الدين لعامّة الناس؟ يقول الإمام الرضا عليه السلام : >لو لم يجعل [الله] لهم إماماً قيّماً أميناً حافظاً مستودعاً لدرست الملّة، وذهب الدين، وغيّرت السنن والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، وقص منه الملحدون، وشبّهوا ذلك على المسلمين، لأنّا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين [مع] اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتّت أنحائهم، فلو لم يجعل لهم قيّماً حافظاً لما جاء به الرسول’ لفسدوا نحو ما بيّنا، وغيرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين<(1).
وبما أن الإمام معصوم وجب على الرعيّة اتّباعه، وقد تبين لها أنّه الحافظ للشرع الصائن للأحكام، لذلك فإنّ طاعته مفروضة بأمر الله وقد قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾ (2).
فطاعة وليّ الأمر المنصوب من قبل الله تعالى مفروضة فرضاً في قوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ (3).
والأئمّة^ منصبون بأمر الله تعالى لذلك فطاعتهم وولايتهم والاقتداء بهم واجب مفروض على كلّ مؤمن.
بيان آية: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ﴾ :
يقول الله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ (4).
هذا من خلق القرآن، ترابط اجتماعي كامل وواضح بين الرعية والقائد بالمشورة والاستئناس برأي ذوي الرأي ليتحسّس الناس بمسؤوليّاتهم، وليفكّروا بجديّةٍ أكثر في أمور الدين والدنيا، وقد يضطرّ القائد خلال المشاورة إلى تبيان مختلف وجوه الأمر للناس مّما يعمّق في نفوسهم أبعاد المعرفة.
لكن من واجب القائد إذا رأى في الناس ضعفاً في الإرادة، أو تحيّزاً للمصالح اتخاذ القرار المناسب الحازم، وهم مأمورون باتّباعه، لأنّ قرار القائد يتجاوز الخلافات في الرأي، ويعطي للأمّة ما تحتاج من الحيوية لتجاوز العقبات التي يرونها ضخمة بسبب ما بينهم من خلاف في الأهواء والآراء، المشاورة إذاً وجدت لتحقيق الترابط وتعميق أبعاد المعرفة في نفوس الناس، ولكن إذا دخل الضعف والتراجع في الأُمّة عندها يتحتّم على القائد أن يتخذ قراراً لا رجعة فيه، لأنّه إنّما يسير على الهدى وبحكم الله إذ هو معصوم في أفعاله وأقواله وجميع تصرفاته، فيكون بهذا العمل مربّياً وموجّهاً للأُمّة، زارعاً فيها الرؤية الصالحة.
وكيف تكون المشورة والمشاورة أو تصحّ في صدر الإسلام بين قلة من الصحابة يتفقون على اتخاذ قرار لتنصيب وكيل الله وخليفته على الناس في الأرض؟
ترى هل كان هذا هو الحقّ والصواب أم أنّه استعجال في الأمر دفعهم إليه التعلّق بالدنيا وهم يفتقرون إلى الدليل وإلى القدرة على الاختيار؟
حتّى ولو سلمنا جدلاً وقلنا بأنّهم تشاوروا فليسوا هم بمعصومين، بل إنّهم تركوا المعصوم مشغولاً بتجهيز جنازة النبي صلى الله عليه و سلم مع أن الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم أراد تأكيد أمر الخليفة والإمام عند وفاته قائلاً: >آتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً<(5).
وكثر الخلاف واللغط حول النبي صلى الله عليه و سلم حتّى غضب عليهم وقال: >قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع<(6).
وقد قال صلى الله عليه وسلم أيضاً: >رحم الله علياً اللّهم أدر الحقّ معه حيث دار<(7).
يقول تعالى: ﴿ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾(8)، قصة: دخل رجل شامي على [الإمام] الصادق عليه السلام محاججاً، فقال [الصادق]عليه السلام لهشام بن الحكم: كلّمه قال هشام: يا شامي ربّك أنظر لخلقه أم خلقه أنضر لأنفسهم [أي أعرف]؟
قال: [الشامي]: بل هو أنظر لهم.
قال: فما نظره لهم [أي ماذا صنع لهم]؟
قال: [الشامي]: أقام لهم الحجة، وأراح عنهم العلّة.
قال [هشام]: فما هي الحجّة؟
قال: الرسول صلى الله عليه و سلم .
قال [هشام]: فما بعده [أي فما هي الحجّة التي تركها بعد الرسول]؟
قال [الشامي]: كتابه وسنّته.
قال [هشام]: فأزالا عنّا الاختلاف اليوم؟
قال [الشامي]: لا.
قال الشامي: وإلاّ فمن [أي أين الحجّة إذاً]؟
قال [هشام]: هذا ا لجالس - يعني الصادق عليه السلام - الذي يخبرنا بأخبار السماء وراثةً عن أبيه وجدّهِ.
قال [الشامي] فكيف وأعلم ذلك؟
قال: سله.
فابتدأه الإمام عليه السلام وأخبره بيوم خروجه من الشام وما حدث له في طريقه فصدّق فأقرّ بوصّيته(9).
حكمة: سأل أحد الناس ما دليلكم على أنّ علياً أعلم الناس؟ قال: حاجة الكلّ إلى علي، واستغناء علي عن الكلّ دليل على أنّ علياً أعلم الكلّ.
إنّ الله سبحانه بدأ بالخليفة قبل الخليقة، والحكيم يبدأ دائماً بالأهم، فالخليفة أهمّ من الخليقة، لأنّه المبلّغ والمرشد والرحمة من الله للعباد.
قال تعالى: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ (10).
وقال أيضاً جلّ وعلا: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ (11).
وفي هذا دليل واضح على أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي يختار الخليفة والنبي والإمام. ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾(12).
إنّ الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيّه٧ إلّا بعد أن أكمل الدين، وبيّن في كتابه الكريم الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وكلّ ما يحتاج إليه الناس. قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾(13).
إنّ الرسول الكريم - الذي لا ينطق عن الهوى - أعلن إمامة علي تنفيذاً لأمر الله سبحانه وتعالى، موضّحاً أنّ كمال الدين بالرسول والتتمّة بالإمامة بدأ من الإمام علي عليه السلام حيث يقول صلى الله عليه و سلم : «عليّ منّي وأما من علي ولا يؤديّ عنّي إلّا أنا أو علي»(14).
فإذا كان تنصيب الإمام هو من قبل الله سبحانه وتعالى ومن قبل رسوله فإنّ محاولة الناس اختيار غيره وتنصيبه يصبح عبثاً وجهلاً ومخالفة صريحة للنصّ وإن كان اختياره عن طريق الناس وأنّ الله سبحانه لم يبيّن لهم كيفيّة اختيار الإمام والخليفة فإنّ هذا عبث في قوانين الإله وما شاء تبارك، وحاشا لله أن يترك أمراً عظيماً كهذا ولم يبيّنه.


____________
1- عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ١٠٨.
2- النور ٢٤: ٦٣.
3- النساء ٤: ٥٩.
4- آل عمران ٣: ١٥٩.
5- صحيح البخاري ٤: ٦٦.
6- صحيح البخاري ١: ٣٧.
7- للمستدرك على الصحيحين ٣: ١٢٤ - ١٢٥.
8- يونس ١٠: ٣٥.
9- الصراط المستقيم ١: ٨٩.
10- البقرة ٢: ٣٠.
11- ص ٣٨: ٢٦.
12- القصص ٢٨: ٦٨.
13- المائدة ٥: ٣.
14- سنن الترمذي ٥: ٣٠٠. وانظر: مسند أحمد ٤:١٦٥


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page