الآراء حول المسح

مدرسة أهل البيت قالت: بوجوب غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين يقول الإمام الباقر عليه السلام : >ألا أعلمكم كيف وضوء رسول الله؟ قالوا:
بلى. قال: أتوني بطست فيه ماء ثمّ حسر عن ذراعيه فغمس فيه كفّه اليمنى ووضعها على جبهته ثمّ أسدلها على وجهه وأطراف لحيته مرّةً واحدةً، ثمّ غمس يده مرةً أخرى فوضعها على مرفق اليمنى وغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكفّ، ثمّ غرف بيمينه فوضعه على مرفق اليسرى فأمر الماء على ساعده حتّى جرى على أطراف أصابعه ومسح مقدمة رأسه وظهر قدميه ببلةِ يسارهِ وبقية بلّة يمناه<(1).
يقول سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ﴾ (2).
نريد أن ندخل بالدلائل والقرائن إلى التأكيد أن الوضوء جاء في كتاب الله غسلتين ومسحتين.
١) التيمم في القرآن يأمر بمسح الوجوه والأيدي، بقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ (3).
هذا دليل على أن مكان الغسل في الوضوء يمسح وبعض مكان المسح.
٢) لماذا يطبّق التيمم عند جميع المذاهب في المسح على الوجه واليدين وإن اختلفوا، فبعدد ضربات التراب فتجدهم يمسحون الوجه واليدين ويتركون الرأس والقدمين لأنّهما مكان المسح.
٣) يجيز المذهب الشافعي لبس الخفّ، وهو حذاء داخلي بمثابة الجوارب للقدم، ويجيز المسح عليه بدون أن يمسح القدم، فكيف يجوز المسح على ظهر الخفّ المصنوع من جلد حائل أو غيره ولا يجوز المسح على ظهر القدم مباشرةً؟!
أمّا الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فإنّه قد أنكر المسح على الخفين. وورد عن عائشة (رض) النهي عن المسح على الخفين بقولها: >لئن اقطع رجلي أحب إلى من أن امسح عليهما<(4).
وقد سئل ابن عباس، هل مسح رسول الله’ على الخفيّن؟ قال: >والله ما مسح رسول الله’ على الخفين بعد نزول المائدة ولئن امسح على ظهر عير في الفلاة أحبّ إلي من أن امسح على الخفين<(5).
فبأي منطق وبأيّ فهم صحيح لكتاب الله يجوّزون المسح على الخفّ - وهو اجتهاد من الناس - ويحرّمون المسح على القدم ويكفّرون صاحبه - وهو أمر من الله - .
٤) لا يوجد في كتاب الله إلّا آيتان بلفظة الغسل دليل صحته وقول أهل البيت، وكذلك لم يرد في القرآن بلفظة مسح إلّا آيتان، وقد ذكر ذلك الدكتور أبو الزهراء النجدي في كتابه الإعجاز العددي. وأن خير دليل وأقواه هو ما يشهد به الخصوم فقد أكد الكثير من إعلام السنة عطف الأرجل على الرؤوس أي إذا مسح الرأس مسح القدمان ومنهم الرازي في تفسيره الكبير(6)
أما الشيخ إبراهيم الحلبي في كتابه غنيمة المتملي في شرح قيمة المصلي وهو حنفي فقد قال: >الصحيح أن الأرجل معطوفة على الرؤوس في القراءتين ونصبها على المحل وجرها على اللفظ<(7).
ويؤكدّ ذلك العلامة أبو الحسن السندي في حاشيته على سنن ابن ماجة(8)، وأيضاً الطبري في تفسيره(9).
أما ابن عباس والحسن وعكرمة وابن كثير فإنهم يقرؤون (وأرجلكم) بالخفض وتأولوها على المسح.
وعن ابن ماجة بسنده عن رفاعة ابن رافع >أنّه كان جالساً عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: >وأنّها لا تتمّ صلاة لأحد حتّى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى، يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين<(10). والحق أحق أن يتبع.
وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ﴾ (11).
فهذه الآية الكريمة ليست في مقام بيان كيفية الوضوء، ولا يستفاد من هذا النصّ أكثر من تحديد الأجزاء الواجبة في الوضوء، أمّا كيفية تنفيذ الوضوء والقيام به فقد أوضحها الرسول الكريم’ في وضوئه.
وإنّ معنى قوله تعالى: ﴿ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾ ، هي بيان العضو الذي يجب غسله، وإنّ لفظه (إلى) تستعمل أحياناً بمعنى (مع) كما في قوله تعالى: ﴿ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ ﴾ (12)، فلفظة: ﴿ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾ ، تعني بوضوح أيديهم مع المرافق، وقد أكّد كثير من أعلام السنّة عطف (الأرجل) على (الرؤوس) منهم الرازي في تفسيره الكبير(13).
وكذلك الجصاص في تفسير أحكام القرآن قال: >قرأ ابن عباس والحسن وعكرمة وابن كثير (وأرجلكم) بالخفض وتأولوا على المسح<(14)، كما اخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن الإمام علي عليه السلام قال: >كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرها حتّى رأيت الرسول’ يمسح ظاهرهما<(15).


____________
1- انظر من لا يحضره الفقيه ١: ٣٦، حديث٧٤.
2- المائدة (٥: ٦.
3- النساء ٤: ٤٣.
4- نيل الأوطار ١: ٢٢٣، وانظر التفسير الكبير ١١: ١٦٣.
5- بدائع الصانع ١: ٧ والمبسوط للسرخسي ١: ٩٨.
6- التفسير الكبير ١١: ١٦١.
7- غنية المتملي: ١٦.
8- سنن ابن ماجة بشرح السندي ١" ٢٦٨.
9- جامع البيان ٦: ١٧٨.
10- سنن ابن ماجة ١: ١٥٦، حديث٤٦٠.
11- المائدة ٥: ٦.
12- الصف ٦١: ١٤.
13- التفسير الكبير ١١: ١٦١.
14- أحكام القرآن للجصاص ٢: ٤٣٣.
15- مسند أحمد ١: ٩٥.

أضف تعليق