• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

السبب الثالث : ما ذهب إليه ابن قتيبة وابن حجر

ذهب ابن قتيبة(1) وابن حجر(2) وغيرهما(3) إلى أنّ النهي عن التدوين جاء لجهل الصحابة بالكتابة.
بَيدَ أنّ هذا الرأي لم يثبت أمام النقد والتمحيص، وواجه العديد من الاعتراضات والردود، منها ردّ محمّد عجاج الخطيب، إذ قال:
(لا يمكننا أن نسلّم بهذا بعد أن رأينا نيّفاً وثلاثين كاتباً يتولّون كتابة الوحي للرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) ، وغيرهم يتولّون أُموره الكتابيّة الأخرى.
ولا يمكننا أن نعتقد بقلّة الكتّاب وعدم إتقانهم لها، فتعميم ابن قتيبة هذا لا يستند إلى دليل)(4).
وقال في كتاب (السنّة قبل التدوين): ونحن في بحثنا هذا لا يمكننا أن نستسلم لتلك الأسباب التقليديّة التي اعتاد الكاتبون أن يعلّلوا بها عدم التدوين، ولا نستطيع أن نوافقهم على ما قالوه من أنّ قلّة التدوين في عهده (صلى الله عليه وآله) تعود قبل كلّ شي إلى ندرة وسائل الكتابة، وقلّة الكتّاب وسوء كتابتهم، لا يمكننا أن نسلّم بهذا بعد أن رأينا نيّفاً وثلاثين كاتباً يتولّون كتابة الوحي للرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وغيرهم يتولّون أُموره الكتابيّة الأخرى.
ولا يمكننا أن نعتدّ بقلّة الكتّاب، وعدم إتقانهم لها، وفيهم المحسنون المُتْقِنون أمثال: زيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص، ولو قبلنا ـ جدلاً ـ ما ادّعوه من ندرة وسائل الكتابة، وصعوبة تأمينها، لكفى في الردّ عليهم أنّ المسلمين دوّنوا القرآن الكريم، ولم يجدوا في ذلك صعوبة، فلو أرادوا أن يدوّنوا الحديث ما شقّ عليهم تحقيق تلك الوسائل، كما لم يشقّ هذا على من كتب الحديث بإذْن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلابدّ من أسباب أُخرى...(5).
وقال الدكتور مصطفى الأعظمىّ:... وإن أنكرنا معرفتهم بالكتابة فكيف نحكم بكتابة القرآن نفسه؟ أما كان الصحابة يكتبون القرآن أوّل بأوّل؟!
ثمّ ما معنى (ولا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن؟) إذا كان الناس لا يقدرون على الكتابة فلا داعي للمنع البتّة.
وهذا الحديث نفسه يشير إلى أنّهم كانوا يكتبون القرآن وغير القرآن أيضاً.
ثمّ وجود عدد كبير من كتّاب النبىّ (صلى الله عليه وآله) وإدارة دولة عظيمة في عهد الخلفاء الراشدين تتطلّب وجود الكتّاب العارفين بالحساب وما شاكل ذلك.
إذَن لا محيص من القول بأنّه كان هناك عدد وافر من الذين كانوا يجيدون القراءة والكتابة حتّى عصر الصحابة أنفسهم. وسياسة النبىّ التعليميّة التي آتت أُكلها في عهد النبىّ نفسه لابدّ أن تكون قد أنتجت أضعاف ذلك بعد وفاته (صلى الله عليه وآله).
إذاً ممّا لا شكّ فيه أنّه كان هناك عدد كاف من الصحابة في عصر النبىّ يعرفون القراءة والكتابة ولو أنّ الأغلبيّة لم تكن تعرف الكتابة. وبالرغم من هذا فإن الذين كانوا يعرفون كان فيهم الكفاية(6).
ثمّ إنّ الأستاذ الخطيب أراد تشخيص السبب المقنع لمنع التدوين فعاد لذكر بعض الأسباب التقليديّة التي تهجم على الآخرين فيها فقال: لم يكن السبب في عدم تدوين السنّة رسمياً في عهده (صلى الله عليه وآله) جهل المسلمين آنذاك بالكتابة والقراءة، فكان فيهم القارئون الكاتبون الذين دوّنوا التنزيل الحكيم، بل كان ذلك لأسباب أُخرى، أهمّها: الخوف من التباس القرآن بالسنّة، وكيلا ينشغل المسلمون بكتابة السنّة عن كتابة القرآن ودراسته وحفظه..(7)!!
ووقع في نفس هذا الخطأ الدكتور عبد الغنىّ، حين قال ردّاً على كلام ابن قتيبة: إنّ العمدة في ثبوت النهي حديث أبي سعيد الخدرىّ. والمتبادر منه: أنّه أجاز كتابة القرآن لمن نهاه عن كتابة السنّة. ولو كانت علّة النهي خوف الخطأ في الكتابة، فكيف يُجيز لهم كتابة القرآن؟(8)
وقال السيّد هاشم معروف: ومن مجموع ذلك تبين أنّ الكتابة لم تكن بتلك الندرة بين المكيّين كما يدّعي البلاذرىّ في فتوح البلدان، حيث قال: لقد ظهر الإسلام وبين القرشيّين سبعة عشر رجلاً يحسنون الكتابة لا غير، وفي الأوس والخزرج سكّان المدينة أحد عشر رجلاً تعلّموها من جيرانهم اليهود. وإذا صحّ أنّ الذين كانوا يحسنون الكتابة لا يتجاوزون هذا العدد الضئيل فلابُدّ وأن تكون في غيرهم معدومة أو أقلّ من ذلك...(9)
وقد مرَّ عليك كلام أحمد أمين في فجر الإسلام في ذلك(10).
قال الدكتور صبحي الصالح في علوم الحديث ومصطلحه: (فإذا رأينا أنّ تعويل الصحابة في حفظ الحديث إنّما كان على الاستظهار في الصدور لا على الكتابة في السطور، صار لزاماً علينا أن نلتمس لتعليل ذلك غير الأسباب التقليديّة التي يشير إليها الباحثون عادة كلّما عَرَضوا لهذا الموضوع، فما نستطيع أن نتابعهم فيما يزعمون من أن قلّة التدوين على عهد رسول الله تعود بالدرجة الأولى إلى ندرة وسائل الكتابة، لأنّها لم تك قليلة إلى هذا الحدّ الذي يُبالَغ فيه، وهي على كلّ حال قلّة نسبيّة قد تكون أحد العوامل في إهمال تدوين الحديث، ولكنّها بلا ريب ليست العامل الوحيد، فما منعت ندرة هذه الأدوات صحابة الرسول من تجشّم المشاقّ وركوب الصعاب في كتابة القرآن كلّه في اللخاف والعُسب والأكتاف والأقتاب وقِطَع الأديم.
ولو أنّ بواعثهم النفسيّة على تدوين الحديث كانت تضارع بواعثهم على كتابة القرآن حماسةً وقوّة لاصطنعوا الوسائل لذلك ولم يتركوا سبيلاً إلاّ سلكوها، بَيدَ أنّهم من تلقاء أنفسهم وبتوجيه من نبيّهم نهجوا في جمع الحديث منهجاً يختلف كثيراً عن طريقهم في جمع القرآن)(11).
أمّا السيّد محمّد رضا الجلالىّ فقد علّق على رأي ابن حجر بقوله: والعجب من مُحَدِّث، رجالىّ، مؤرِّخ مثل الحافظ ابن حجر العسقلانىّ أن تخفى عليه حقيقة واضحة كهذه، فيقول: (لأنّهم، كانوا لا يعرفون الكتابة)! وهذا يعني جميعهم، كما هو المتبادر من كلامه.
ولعلّ الحافظ السيوطىّ قد تنبّه إلى هذه الزلّة من ابن حجر، فعدّل عبارته، حيث يقول: (إنّ أكثرهم كانوا لا يحسنون الكتابة)(12).
وبهذا عرفت أنّ إطلاق جهل الصحابة بالكتابة غير سليم; لأنّ من لا يجيد الكتابة لا يمكن أن يقال له: لا تكتب، فالنهي المزعوم عن التدوين بذاته دالّ على وجود المؤهّل منهم للكتابة، أو دالّ على وقوعها، وإلاّ فالنهي يكون لغواً، خاصّة إذا كان شديداً.
وقال محقّق كتاب (ثبت البلدي) عند شرحه لحديث (لا تكتبوا عنّي شيئاً سوى القرآن ومن كتب فليمحه): فألفاظ الحديث تدلّ على وجود من كان يدوّن الحديث في حياة الرسول الاولى...(13)
**************************
1- تأويل مختلف الحديث: 287، وانظر توجيه النظر للجزائرىّ: 10.
2- هدي الساري: 4، وانظر فتح الباري 3: 345.
3- كالذهبي في سير أعلام النبلاء 18: 541، وفي تذكرة الحافظ 3: 182 1، ترجمة أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي.
4- أُصول الحديث وعلومه ومصطلحه: 146.
5- السنّة قبل التدوين لمحمّد عجاج الخطيب: 301 ـ 302.
6- دراسات في الحديث النبوىّ 1: 73.
7- السنّة قبل التدوين: 340.
8- حجّيّة السنّة: 430 و444.
9- دراسات في الكافي والصحيح: 14. أو دراسات في الحديث والمحدثين: 17.
10- انظر فجر الإسلام: 13 ـ 14.
11- علوم الحديث ومصطلحه: 6.
12- تدوين السنّة الشريفة: 392 ـ 393، وقول السيوطىّ في تدريب الراوىّ 1: 88.
13- ثبت البلدي: 77 مقدّمة المحقق.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page