• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تأويلات وآراء

صرّح الخليفة أبو بكر بأنّه يعتمد الرأي والتأويل في تفسير معنى الكلالة، مع وجود آية في الذكر الحكيم تبيّن الحكم في الكلالة، فقال لمّا سئل عن الكلالة: (سأقول فيها برأي، فإن يك صواباً فمن الله وحده لا شريك له وإن يك خطأ فمنّي ومن الشيطان، والله منه بري، أراه ما خلا الولد والوالد)(1).
وأنت ترى مخالفة هذا الرأي لصريح القرآن في قوله: {يَسْتَفْتُونَكَ، قُل اللهُ يُفتيكم في الكَلالة إنِ امرؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ ولَدٌ وَلَهُ أخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَركَ وَهُوَ يَرِثُها إنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فإنْ كانَتا اثنتَينِ فَلَهُما الثُّلثانِ ممّا تَرَكَ وإنْ كانُوا إخْوَةً رِجالاً ونِساءً فللذّكرِ مِثْلُ حَظّ الأنثيينِ يبيّن اللهُ لَكُم أنْ تَضِلّوا واللهُ بكلِّ شي عَلِيمٌ} (2).
وقوله: { وإنْ كَانَ رَجُلٌ يُوَرثُ كَلالةً...}(3).
نعم، إنّهم علّلوا استعمال الرأي عند الصحابة بأنّه تفسير للنصوص، وأضاف الدكتور مدكور إلى ما قاله سابقاً وهو يشير إلى مراحل الرأي:
(ثمّ أُطلقت كلمة (رأي) بعد ذلك على ما يقابل النصوص التي اختصّت بكلمة (علم). ثمّ نجد من الأصوليّين من يفسّر الرأي بالقياس وحده، ومنهم من يجعله شاملاً كافّةَ ما يقابِل الكتاب والسنّة والإجماع.
والرأي بهذا المفهوم الأخير يكون أخصّ من الاجتهاد إذ هو نوع منه، وهو ما قلنا إنّهم سمّوه (الاجتهاد بالرأي) في مقابلة (الاجتهاد في دائرة تفسير النصّ). ويكون المراد بالرأي: التعقّل والتفكير بوسيلة من الوسائل التي أرشد الشرع إلى الاهتداء بها في استنباط حكم ما لا نصّ فيه. أمّا الاجتهاد فيشمل استنباط الحكم من النصّ الظنّيّ، كما يشمل الاجتهاد للتوفيق بين النصوص المتعارضة في الظاهر، كما يشمل الاجتهاد بالرأي الذي قلناه.
ولمّا كان الرأي يعتمد على أنّ الشريعة معقولة المعنى كان مجاله الغالب في الأمور العاديّة التي يُقصد منها تحقيق مصالح دنيويّة، أمّا ما لا يُدرَك لها معنى خاصّ كأُصول العبادات فإنّ الشأن فيها الاتّباع لا إعمال الرأي)(4).
وقال الدكتور الردينىّ في (المناهج الأصوليّة):
(وقد رأينا الصحابىّ الجليل إمام أهل الرأي عمر بن الخطّاب، يخصّص عموم الآية الكريمة في سورة الأنفال من قوله تعالى { واعْلَمُوا أنّما غَنِمْتُمْ مِن شَي فأنّ للهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ ولِذي القُرْبى، واليتامَى، والمَساكِين، وابنِ السّبيل }(5).
ـ فالآية الكريمة تقرّر أنّ خُمْس الغنائم لِمَن ذُكروا فيها، وأربعة أخماس الغنيمة للغانمين عملاً بمفهوم الآية.    
ـ وقد تأيّد هذا بعمل الرسول(صلى الله عليه وآله) في خيبر، إذ قسّم أربعة أخماس الغنيمة من منقول وعقار بين الغانِمين.
ـ وهكذا كان حقّ الغانمين في كل ما يُغنم ثابتاً بالقرآن والسنّة العمليّة.
ـ لكن عمر بن الخطّاب اجتهد برأيه في الآية، وخالف ما تفيده بظاهرها وعمومها من شمول حقّ الغانمين لكلّ ما يغنم من عقار أو منقول، فخصّص عموم الآية وجعله قاصراً على المنقول دون العقار، كما علمت. ودليل التخصيص هو (المصلحة العامّة) كما يشهد بذلك استدلاله وحواره مع مخالفيه من الصحابة.
ـ بل قد حمل عمر بن الخطّاب مخالفيه على أن يفهموا نصوص الشريعة كلّها في ضوء المصلحة العامّة.
ـ ولم يكن من دليل لعمر بن الخطّاب في اجتهاده برأيه، يستند إليه في تخصيص عموم الآية إلاّ (المصلحة العامّة) أو (روح الشريعة)، إذ لم يثبت أنّه استند إلى دليل خاصّ في المسألة بعينها.
والواقع أنّ تطبيق النصّ رُوعي فيه ظروف الدلالة ومصلحتها العامّة آنذاك. وللظروف أثر في تكييف هذا التطبيق المنبثق عن فهم الآية الكريمة، وتحديد مراد الشارع منها في ظلّ ذاك الظرف، لسبب بسيط هو أنّ مآل هذا التطبيق في مثل تلك الظروف ذو أثر بالغ على المصلحة العامّة نفسها، فوجب إذاً تحديد مراد الشارع من نصّ الآية لا على أساس منطقها اللغوىّ فحسب، بل وعلى أساس ما تقتضيه الأصول العامّة في التشريع، وإلاّ فما معنى قول عمر وهو يصرّ على هذا الفهم بقوله: هذا (رأيي)؟!
ـ ثمّ يعلّل هذا (الرأي) بما يُسنده من مقصد أساسىّ في الشريعة وهو (المصلحة العامّة)، يقول: وقد رأيت أن أحبس الأرضين بِعُلوجها، وأضع على فيئِها الخراج، وفي رقابهم الجزية يؤدّونها فيئاً للمسلمين المقاتلة والذرّيّة، ولمن يأتي بعدهم.
ثمّ قال:    
(فالتأويل عند الصحابة اِذَنْ من صُلب الرأي، لأنّه استند إلى (المصلحة العامّة) في صَرف الآية عن عمومها الواضح، والمستفاد من ذات الصيغة إلى قصر حكمها على بعض ما يتناوله، وهو هنا المنقول دون العقار، كما ذكرنا)(6).
اتّضح إذَن أنّ الأخذ بالرأي عند الخلفاء خضع لظروف خاصّة ـ سياسيّة كانت أم اجتماعيّة ـ وأنّ موقف أبي بكر في عدم إجراء الحدّ على خالد، وقوله بالكلالة، وسهم ذي القربى، ونحلة الزهراء، ومنعه كتابة العلم، وحرقه للأحاديث، وتخلُّفه عن سَرِيّة أُسامة وغيرها... كلّ ذلك ممّا ينبىُ عن هذا المعنى.
وعلى هذا فعلى الباحث أن يقف عند النصوص التي ترجّح رأي الخليفة: فإن كان فيها ما يوافق القرآن أو قد استُقي حكمه من السنّة، أُخِذ به، وإن كان القول قد ابتنى على الرأي فيطرحه لعدم جواز الأخذ بالرأي مع إمكان الوقوف على الحكم من السنّة النبويّة والذكر الحكيم.
بين الوحدويّة والتعدّديّة وهناك أُمور كثيرة ينبغي البحث في أطرافها، منها ما نسبوه إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) من أنّه قد منع من تدوين حديثه، أو ما حُكي عنه (صلى الله عليه وآله) من أنّ للمجتهد إن أخطأ أجرٌ وإن أصاب أجران، وغيرها من الروايات التي نُقلت في مشروعيّة الاجتهاد عن معاذ وغيره.
إنّ الغالب في هذه الأمور هو تحكيم رأي الحاكم كما عرفنا من قبل، والمنع عن التدوين ـ بعد ما عرفت دور الشيخين فيه ـ يوضّح أنّ القرار قرار حكومىّ وذلك لمعرفتنا بإذن الرسول في تدوين حديثه (صلى الله عليه وآله) ، ووجود مدَوّنات عند الصحابة عن النبىّ، وغيرها من الأدلّة، فلا ضرورة لدراسة أحاديث المنع المُدّعى صدورها عن النبي (صلى الله عليه وآله) ـ بعد هذا ـ والجدّ في الجمع بينها، وبين الأحاديث الحاثّة على التحديث والكتابة والتدوين.
**************************
1- مصنف عبد الرزاق 10: 304، باب الكلالة، تفسير الطبري 6: 43، السنن الكبرى للبيهقي 6: 223، باب حجب الاخوة والاخوات، ح 12043، التمهيد لابن عبد البر 5: 196، تفسير البغوي 1: 403، تحفة المحتاج 2: 323، ح 1350، تلخيص الحبير 3: 89، كتاب التقرير والتحبير 3: 412، الدر المنثور 2: 756، واللفظ له.
2- النساء: 176.
3- النساء: 12.
4- مناهج الاجتهاد في الإسلام: 343.
5- الأنفال: 41.
6- المناهج الأصوليّة: 171.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page