• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تأكيدٌ لما استنتجناه

روى البيهقىّ بسند صحيح أنّ أبا بكر حين استُخلف قَعَد في بيته حزيناً، فدخل عليه عمر بن الخطّاب فأقبل [أبو بكر] على عمر يلومه، وقال: أنت كلّفتني هذا الأمر! وشكا إليه الحُكْمَ بين الناس، فقال عمر: أوَ ما علمت أنّ رسول الله قال: إنّ الوالي إذا اجتهد فأصاب الحق فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد؟!(1)
ونقل عن أبي بكر أنّه كان يقضي بالقضاء فينقضه عليه أصاغر الصحابة كبلال وصهيب ونحوهما(2).
أترك هذا النصّ للقارىِ دون أيّ تعليق، ليقارن ما قلناه بما كان يواجه الشيخين من مشاكل علميّة أوجدت كثيراً من الإحراج النفسىّ.
قال الدكتور محمّد رواس قلعة چي في مقدّمة كتابه (من موسوعة فقه السلف، إبراهيم النخعىّ): إنّ الأستاذ لمدرسة الرأي هو عمر بن الخطّاب; لأنّه واجه من الأمور المحتاجه إلى التشريع ما لم يواجهه خليفة قبله ولا بعده، فهو الذي على يديه فُتحت الفتوح، ومُصِّرت الأمصار، وخضعت الأمم المتمدّنة من فارس والروم لحكم الإسلام(3).
وقال الأستاذ أحمد أمين في (فجر الإسلام):
بل يظهر لي أنّ عمر كان يستعمل الرأي في أوسع من المعنى الذي ذكرناه، ذلك أن ما ذكرنا هو استعمال الرأي حيث لا نصّ من كتاب ولاسنّة، لكنّنا نرى عمر سار أبعد من ذلك، فكان يجتهد في تعرّف المصلحة التي لأجلها كانت الآية أو الحديث، ثمّ يسترشد بتلك المصلحة في أحكامه. وهو أقرب شي إلى ما يُعبّر عنه الآن بالاسترشاد بروح القانون لا بحرفيّته.
وقال أيضاً:
وعلى كلّ حال، وجد العمل بالرأي، ونقل عن كثير من كبار الصحابة قضايا أفتَوا فيها برأيهم، كأبي بكر وعمر وزيد بن ثابت وأُبىّ بن كعب ومعاذ بن جبل.
وكان حامل لواء هذه المدرسة أو هذا المذهب فيما نرى عمر بن الخطّاب(4).
وقالت الدكتورة نادية شريف العمرىّ في (اجتهاد الرسول): ولم يكن الاجتهاد بالرأي والعمل بالقياس وتحقيق مقاصد الشريعة بدعة ابتدعها التابعون المقيمون في العراق، بل كان ذلك نموّاً لاتّجاه سبقهم فيه عدد من الصحابة، منهم عمر بن الخطّاب...(5).
وقال الدكتور محمّد سلاّم مدكور في (مناهج الاجتهاد):
... وقد اقتضت الفتوحات الإسلاميّة المتتالية، في عصر الصحابة، مواجهة مسائل جديدة نابعة من طبيعة البلدان المفتوحة، وأُخرى ولّدتها ظروف الحرب، دفعتهم هذه المسائل إلى الاجتهاد بالرأي; إذ النصوص متناهية والوقائع غير متناهية، فضلاً عن أنّ السنّة لم تكن قد دوّنت بعد(6).
ويقول في كلام آخر له: أمّا إذا كان قول الصحابىّ صادراً عن رأيه واجتهاده فيما يُدرَك بالعقل، وكان موضع خلاف من الصحابة، فهذا هو محلّ خلاف الفقهاء; فذهب فريق إلى حجّيّته وإن خالف القياس. وذهب آخرون إلى حجّيّته بالنسبة لقول أبي بكر وعمر دون غيرهما، وذهب الشيعة والشافعىّ في أحد قولَيه، وأحمد في إحدى روايتين عنه، والكرخىّ من الحنفيّة إلى أنّه ليس بحجّة. وذهب مالك وبعض الحنفيّة والشافعىّ في قول له وأحمد بن حنبل في رواية عنه أنّه حجّة مقدّمة على القياس.
واختار الآمدىّ أنّه ليس بحجّة. ويعلّل الغزالىّ في (المستصفى) لذلك بقوله: ليس بحجّة; لانتفاء الدليل والعصمة، ووقوع الاختلاف بينهم، وتصريحهم بجواز مخالفتهم.    
كما يعلّل الشوكانىّ ذلك بقوله: والحقّ أنّه ليس بحجّة; فإنّ الله لم يبعث إلى هذه الأمّة إلاّ نبيّنا محمّداً (صلى الله عليه وآله) ، وجميع الأمّة مأمورة باتّباع كتابه وسنّة نبيّه ولا فرق بين الصحابة ومن بعدهم في ذلك (7).
وقال الإمام الكرخىّ: (الأصل أنَّ كلّ آية تخالف قول أصحابنا فإنَّها محمولة على النسخ أو على الترجيح، والأولى أن تحمل على التأويل من جهة التوفيق، الأصل: إن كان خبر يجي بخلاف قول أصحابنا فإنَّه يحمل على النسخ، أو على أنّه معارض بمثله، ثمّ يُصار إلى دليل آخر، أو ترجيح فيه بما يحتجّ به أصحابنا من وجوه الترجيح أو يحمل على التوفيق) (8).
وقال الشيخ خلاّف: وفي عهد الصحابة واجهتهم وقائع، وطرأت لهم طوارئ لم تواجه المسلمين، ولم تطرأ لهم في عهد الرسول، فاجتهد فيها أهل الاجتهاد منهم وقَضَوا وأفْتَوا وشرّعوا وأضافوا إلى المجموعة الأولى عدّة أحكام استنبطوها باجتهادهم، فكانت مجموعة الأحكام الفقهيّة في طورها الثاني مكوّنة من أحكام الله ورسوله وفتاوى الصحابة وأقضيتهم، ومصادرها القرآن والسنّة واجتهاد الصحابة...(9).
وبهذا عرفنا أنّ الرأي لم يكن شيئاً حادثاً عند الحنفيّة أو غيرهم لكي ينسب إليهم اتّجاه الرأي، بل إنّ الخليفة عمر بن الخطّاب هو الذي كان قد رسم أُصول هذه المدرسة. والنصوص السابقة تفنّد ما قيل عن عمر من أنّه كان يخالف الرأي، بل هو المشرّع الأوّل له. فأمّا النصوص الصادرة عنه، في النهي عن الرأي، فيحتمل صدورها في أوائل خلافته، أو في أواخرها، أي حينما أدرك تعذّر إمكان الحدّ من شيوع ظاهرة الرأي عند الصحابة، والتي تطوّرت بعد اجتهاداته الأخيرة. أو لعلّه ـ كما هو الراجح ـ كان يرى لزوم التعبّد لغيره، وجواز الاجتهاد والرأي لنفسه، وأنّ على الآخرين أن يلتزموا بما يقوله هو باعتباره (أعلم) حسب ادّعائه المتأخّر زماناً!
فقد جاء عنه أنّه لمّا سمع اختلاف الصحابة صعد المنبر وقال: اختلف رجلان من أصحاب رسول الله فعن أىّ فتياكم يصدر المسلمين؟! لا أسمع أثنين يختلفان بعد مقامي هذا إلاّ فعلتُ وصنعت (10).
وبهذا تكشّفت أُصول النهجين وعرفنا أنّ البعض منهم يقول بمشروعيّة الرأي والقياس، والآخر لا يرتضيهما مستدلاًّ بأنّ القرآن والسنّة يغنيان عن الرأي والقياس وأنّ الشريعة ليست بناقصة لكي تكمل بالقياس.
وكان النهجان على اختلاف دائم، فالذي دعا إلى الأخذ بسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن الرأي وصرّح بلزوم تدوين السنّة وأكّد أنّ القرآن ليس بناقص، وأنّ فيه تبياناً لكلّ شي، وهؤلاء كانوا يحدّثون بالسنّة ولو وضعت الصمصامة على أعناقهم (11) ، وأمّا الذي دعا إلى الاجتهاد والرأي فقد خالف التدوين وفتح باب الرأي في كلّ شي.
**************************
1- الجامع لمعمر راشد 2: 328، فضائل الصحابة لاحمد 1: 180، ح 185، شعب الايمان 6: 73، ح 7530 واللفظ له.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 20: 27.
3- انظر مقدّمة موسوعة فقه إبراهيم النخعىّ.
4- فجر الإسلام: 240.
5- اجتهاد الرسول: 321.
6- مناهج الاجتهاد في الإسلام: 77.
7- مناهج الاجتهاد في الإسلام: 244، وله كلام آخر في ص 347 فراجع.
8- أُصول الكرخىّ المطبوع مع تأسيس النظر للدبّوسىّ عن أثر الاختلاف في القواعد الأصوليّة للدكتور مصطفى سعيد الخن ـ مؤسّسة الرسالة، الطبعة الثانية 1402هـ.
9- علم أُصول الفقه، لخلاّف: 15.
10- المستصفى للغزالي 1: 296، الإحكام للامدي 4: 13، إعلام الموقعين 1: 260.
11- كأبي ذر انظر: صحيح البخارىّ 1: 37، باب قول النبي(صلى الله عليه وآله) "رُب مبلغ أوعى من سامع"، ح 67، سنن الدارمي 1: 146، ح 545، حجّيّة السنّة 3: 464.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page