• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ما هي موارد البدعة؟

هذا هو مفهوم البدعة، وهذه هي أدلة حرمتها، غير أن تطبيقها على أعمال العباد وأفعالهم يتوقف على تمييز التقاليد والآداب العرفية عن الأعمال الدينية فنقول: إن الأعمال التي يقوم بها الإنسان على نوعين:

الأول: ما يقوم به بما أنه جزء من تقاليد مجتمعه وأعراف بيئته لا بما أنه جزء من الدين، مع كونه مباحا بالذات في الشريعة المقدسة.
الثاني: ما يقوم به بما أنه جزء من الشريعة والدين، وبزعم أنه أمر به الشارع، وله أصل في القرآن والسنة. والبدعة المحرمة تكون في النوع الثاني، فإن الإنسان إذا أتى بعمل بوصفه جزءا من الدين، في حين لم يكن مأمورا به من قبل الشارع ولم يكن له أصل في الشريعة، كان عمله بدعة. لا من النوع الأول، إذا كان مباحا في ذاته. نعم يحرم العمل - في النوع الأول - إذا كان محرما ومحظورا بالذات في الشريعة، وحينئذ تكون حرمته لا لأجل كونه بدعة بل لكونه محرما لذاته شرعا، وإليك بيان ذلك بالتفصيل لمزيد التوضيح. النوع الأول: ما يؤتى به تبعا للتقاليد الاجتماعية: إذا قام الإنسان بأمر مباح في حد ذاته (كالاحتفال في يوم خاص) لا ينطبق عليه شيء من العناوين المحرمة كشرب الخمر، واقتراف الميسر، لا بما أنه من الدين، بل بما أنه من العادات المتعارفة في حياة قومه ومجتمعه، لا يكون عمله هذا بدعة في الدين، لعدمصلته بالدين وإنما يطلق عليه أنه أمر محدث أو مبتدع بالمعنى اللغوي لا بالمعنى الوارد للبدعة في الكتاب والسنة، ومصطلح العلماء. فمثلا لو احتفل شعب بيوم استقلاله، وخروجه عن ذل التبعية، فإن هذا العمل لا يكون بدعة في الدين، ذلك لأن المحتفلين لا يقومون به بما أنه من الدين، وبما أن الشارع أمر بذلك، إنما يقومون به لكونه من التقاليد والعادات التي جرى عليها الآباء والأجداد، أو ابتكرها الجيل الحاضر تشحيذا لعزائم الشعب في سبيل حفظ استقلالهم، والخروج عن سيطرة القوى الكبرى عليهم، مع كون العمل غير محرم في ذاته، بل هو اجتماع وإنشاد قصائد وإلقاء خطب وشرب شاي ولقاء إخوان إلى غير ذلك. ونمثل لهذا بالشعب الجزائري فإنه مرت عليه أعوام عديدة رزحوا فيها تحت السيطرة الفرنسية الغاشمة، تنهب ثرواتهم، وتدمر ثقافتهم الإسلامية، ثم منحهم الله تعالى الاستقلال والحرية بفضل عزائمهم، وجهادهم وتضحيتهم، وعادت إليهم عزتهم وهويتهم، فلو قرر هذا الشعب أن يحتفل بيوم تحرره هذا كل عام من دون اقتراف المنكرات واقتراف المعاصي ما كان لأحد أن يلومهم على ذلك ويذمهم، بل يمدحهم العقلاء بفطرتهم السليمة. كما لا يدور في خلد أحد أن هذا الشعب ارتكب بهذا الصنيع بدعة في الدين، لأنه لم يقم بهذا لكونه من الدين والشريعة، وأن النبي أمر بذلك، بل قام بما قام من باب حفظ المصالح وتشحيذ عزائم الناس الذي هو في حد نفسه حلال بلا ريب. فمن حكم بحرمة هذه التقاليد والآداب والرسوم سواء أكان لها جذور في الأعوام السابقة أو كانت من محدثات العصر فقد ارتكب خطأ في تحديد البدعة، ولم يميزها عن غيرها من المراسيم والآداب. فهذا ابن تيمية يصف الكثير من الأعمال المباحة التي يقوم بها المسلمون منذ قرون بالبدعة يصرح في موضع آخر بأن الأصل في العادات هو الحلية إلا ما حظره الله قال: فالأصل في العبادات لا يشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات لا يحظر منها إلا ما حظره الله (1). وبهذا يعلم أن تضييق الأمر في العادات والتقاليد التي لم يرد فيها حظر من الشرع لا يصدر إلا من الجاهل بأن الشريعة الإسلامية سمحة سهلة (2) لم تتدخل في عادات الناس وتقاليدهم بل تركتها إلى أنفسهم حتى يختار كل قوم ما يناسب بيئتهم وظروفهم، وهذا هو الأساس لكون الإسلام خاتم الشرائع، وكتابه خاتم الكتب، ونبيه خاتم الأنبياء ولو كان محددا للتقاليد والآداب، والمراسم والمواسم لوقع التضاد بينه وبين حياة الشعوب وحضارتها المتكاملة مع مضي الزمان. إن هذا الأسلوب هو الذي يضمن مرونة الإسلام، ويجعله قادرا على أن يتمشى مع العصور والحضارات. إن الإسلام بين الأطر العامة، ولم يتدخل في تقاليد المجتمعات وآدابهم العرفية بل خلاهم وإياها إذا كانت أمرا مباحا حلالا بالذات. نعم الأمر المحرم لا يتغير حكمه، وإن أطلق عليه أنه من تقاليدهم وآدابهم، فلا يحل محرم بحجة أنه من الأعراف الاجتماعية.
إنما الكلام هو فيما إذا كان غير محرم بالذات، أي لم يكن مما عده الشارع المتمثل في الكتاب والسنة أمرا محرما، ففي مثل هذه الصورة لا يعد - بسبب الاتفاق عليه وعلى إتيانه في زمان أو مكان معين - بدعة بمعناها الاصطلاحي. إن لكل قوم آدابا خاصة في المعمارية، والخياطة والمعاشرة واللقاءات السنوية وفي الضيافات، وقد تركهم الشرع فيها إلى أنفسهم، ولم يحددها، فإذا اتفقوا على أن يتهادوا فيما بينهم في كل سنة في يوم خاص، أو يجتمعوا في كل شهر في وقت معين لا بما أنه من الدين، لم يكن ذلك بدعة، وهكذا لو أجمعوا على تكريم زعيمهم في يوم خاص. ولولا هذه المرونة لما كان الإسلام دينا عالميا خالدا، ولتوقفت حركته منذ أقدم العصور، إذ أن لكل قوم رسوما وأعرافا تتعلق بها قلوبهم... مع فرض أنه ليس أمرا محرما بالذات. * * * النوع الثاني: ما يؤتى به باسم الدين، وأنه أمر به الشارع في الكتاب والسنة، وهذا هو الذي ينقسم العمل فيه إلى عمل شرعي وبدعي. فلو أمر به الشارع يكون العمل به مشروعا والعامل مثابا. أما إذا لم يكن هناك نص من الشارع على الإتيان به بما أنه من الدين عد عملا بدعيا، والعامل به مبتدعا، ويعاقب عليه أشد العقاب.
ملاك كون العمل مشروعا لا بدعة: ولكن الذي يجب أن نلفت إليه نظر القارئ الكريم هو أن العنصر الذي يوجب خروج العمل عن كونه بدعيا هو دعم الشرع له، وتصريحه بأنه من الدين، وهذا الدعم يكون على نوعين: الأول: أن يقع النص عليه في القرآن والسنة بشخصه، وحدوده وتفاصيله وجزئياته. كالاحتفال بعيدي الفطر والأضحى، والاجتماع في عرفة ومنى، ولا شك أن هذا الاحتفال والاجتماع قد أمر به الشرع فخرج عن كونه بدعة. الثاني: أن يقع النص عليه على الوجه الكلي، ويترك انتخاب أساليبه وأشكاله وألوانه إلى الظروف والمقتضيات. وإليك بعض الأمثلة في هذا المجال: 1 - لقد ندب الشارع المقدس إلى تعليم الأولاد ومكافحة الأمية ولا شك أن لهذا الأمر الكلي أشكالا وألوانا حسب تبدل الحضارات وتكاملها، وقد كان التعليم والكتابة في الظروف السابقة تتحقق بالكتابة بالقصب والحبر، وجلوس المتعلم على الأرض في الكتاتيب، إلا أن ذلك تطور الآن إلى حالة جديدة تستخدم فيها الأجهزة المتطورة حيث أصبح الناس يتعلمون عن طريق الإذاعة والتلفزيون والكومبيوتر والأشرطة وإلى غيرها من وسائل التعليم الحديثة.
إن الشارع المقدس لا يخالف هذا التطور ولا يمنع من استخدام الأجهزة والأساليب الحديثة، إنما هو أمر بالتعليم والتعلم، وترك اتخاذ الأساليب إلى الظروف والمقتضيات. ولو أصر على اتخاذ كيفية خاصة لفشل في هدفه المقدس ولفقد مبررات خلوده واستمراره، لأن الظروف ربما لا تناسب الأداة الخاصة التي يقترحها والكيفية الخاصة التي يحددها. 2 - لقد حث الإسلام على الإحسان إلى اليتامى والتحنن عليهم وحفظ أموالهم وتربيتهم، غير أن هذا الأمر الكلي له ألوان وأساليب مختلفة تجاري مقتضيات كل عصر ومصر وإمكانياتهما فاللازم علينا هو امتثال ما ندب إليه الشرع، وأما كيفيته فمتروكة إلى أهل كل عصر ومصر، ومن أصر على أن على الشارع تبيين خصوصيات الإحسان، فقد جهل بالإسلام ولم يعرف أساس كونه خاتما إذ لا يكون خاتما إلا إذا ذكر لب الإحسان إلى اليتامى وغيره، وترك الصور والأساليب إلى الناس ومقتضيات الزمان والمكان. 3 - إن الصحابة - حسب رواية السنة - قاموا بجمع آيات القرآن المتفرقة في مصحف واحد ولم يصف أحد منهم هذا العمل بكونه بدعة، وما هذا إلا لأن عملهم كان تطبيقا لقوله سبحانه: *(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)*(1). فعملهم في الواقع كان تطبيقا عمليا لنصوص شرعية من الكتاب والسنة، وقد جرى المسلمون على ذلك المنوال في مجال الاهتمام بالقرآن من كتابته وتنقيطه، وإعراب كلمه وجمله، وعد آياته وتمييزها بالنقاط الحمراء، وأخيرا طباعته ونشره، وتشجيع حفاظه وقرائه، وتكريمهم في احتفالات خاصة، إلى غير ذلك من الأمور التي يعتبر كلها دعما لحفظ القرآن وتثبيته وبقائه، وإن لم يفعله رسول الله ولا أصحابه ولا التابعون، إذ يكفينا وجود أصل له في الأدلة. 4 - إن الدفاع عن بيضة الإسلام وحفظ استقلاله وصيانة حدوده من الأعداء أصل ثابت في القرآن الكريم قال سبحانه: *(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)*(4). وأما كيفية الدفاع ونوعية السلاح وشكل الخدمة العسكرية المتبعة في كل عصر ومصر فهو برمته تطبيق لهذا المبدأ وتجسيد لهذا الأصل. فالتسلح بالغواصات والأساطيل البحرية والطائرات المقاتلة إلى غير ذلك من أدوات الدفاع ليس بدعة بل تجسيد لهذا الأصل، ومن حلا له أن يرمي التجنيد العسكري بأنه بدعة يكون ممن غفل عن حقيقة الحال وجهل بأن الإسلام يأمر بالأصل، ويترك الصور والأشكال لمقتضيات العصور.
**************************************
(1) المجموع من فتاوى ابن تيمية 4: 196.
(2) صحيح البخاري ج 1، كتاب الإيمان باب الدين يسر : 12. روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة .
(3) الحجر: 9.
(4) الأنفال: 60.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page