لم يكن أمر الله سبحانه بحب النبي أمرا اعتباطيا بل كان لأجل وجود عوامل اقتضت البعث إلى حبه والحث على موادته نشير إلى بعضها :
1- إن الإيمان إذا نضج في قرارة الإنسان، واعتقد بنبوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأدرك أن سعادته تكمن في ما جاء به أصبح حبه للنبي في قلبه أشد من حبه لأبنائه وآبائه فضلا عن إخوانه وعشيرته، لأنه يشعر بقوة الإيمان ونوره إنه سعد بالنبي الأكرم، ونجا من الشقاء ببركته وفضله، فعندئذ يتفانى في حبه ويتهالك في وده، فيكون الحث على حب النبي استجابة لهذه الرغبة النفسية السليمة المنطقية، وتأكيدا لها.
2- صلة النبي الوثيقة بالله سبحانه وارتباطه بخالق الكون، فيكون الحث على حب النبي وإضمار المودة له تقديرا لهذه العلاقة وتثمينا لهذه الصلة المقدسة بالخالق.
3- ما فاق به على جميع الناس من مناقب وفضائل وما يحمله بين جوانحه من محاسن الأخلاق ومحامدها.
4- سعيه الحثيث في هداية الأمة بحيث كان يبذل جهدا كبيرا في هداية أمته إلى حد التضحية براحته بل بنفسه، وكان يصيبه الحزن الشديد إذا رأى إعراضهم عن رسالته ولأجل ذلك نزل الذكر الحكيم يسليه بقوله: *(فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)*(1).
وقال عز من قائل: *(فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون)*(2).
إن النبي كاد أن يهلك نفسه أسفا على الذين يفضلون الضلالة على الهدى، ويعرضون عن الهداية والرشاد، أوليس هذا مستحقا لأن تحبه القلوب وتوده الأفئدة؟
أوليس هذا التأسف دليلا على رحمة هذا النبي بالناس، وحبه العميق للبشرية، وهل يمتلك القلب إن كان سويا إلا أن يبادل النبي العطوف الخلص، الحب والمودة؟
ولقد انعكس حبه للأمة وتفانيه في الهداية والإرشاد، في غير واحدة من الآيات نعرض بعضها قال سبحانه: *(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر)*(3).
وقد بلغ حسن خلقه وكرامة نفسه إلى حد يصفه القرآن الكريم بالعظمة ويقول: *(وإن لك لأجرا غير ممنون * وإنك لعلى خلق عظيم)*(4).
وهذا هو البوصيري يعكس مضمون الآية في قصيدته المعروفة: فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدانوه في علم ولا كرم أكرم بخلق نبي زانه خلق * بالحسن مشتمل بالبشر متسم وهل يمكن للنفس أن لا تعشق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشقا جما وهو الشفيع الأكبر يوم القيامة وقد أعطاه الله تعالى تلك المنزلة الرفيعة إذ قال: *(وللآخرة خير لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى)*(5).
وقد فسرت في غير واحد من الأحاديث بمقام الشفاعة. وهل يرضى صلى الله عليه وآله وسلم وهو نبي الرحمة ببقاء مؤمن به في النار بل ودخوله فيها إلا إذا كان مقطوع الصلة بالله تعالى ورسوله بسبب الموبقات؟ أم هل يمكن للنفس أن لا تحب ذلك النبي الكريم الرؤوف الرحيم بأمته، الحريص على هدايتهم بنص القرآن الكريم إذ يقول عز وجل: *(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)*(6).
ثم إن للشيخ العلامة: محمد الفقي أحد الأزهريين كلاما في مكانة النبي نأتي بنصه :
**************************************
(1) الكهف: 6.
(2) فاطر: 8.
(3) آل عمران: 159.
(4) القلم: 3 - 4.
(5) الضحى: 4 - 5.
(6) التوبة: 128.
العوامل الداعية إلى حب النبي
- الزيارات: 184