• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الآثار الإسلامية ولزوم صيانتها

إن هذه الآثار التاريخية هي في الحقيقة معالم الأصالة الإسلامية وهي إلى جانب ما تركه رسول الإسلام من تراث ثقافي عظيم، تدل على واقعية الرسالة المحمدية المباركة وتجذرها في التاريخ. ومن هنا تسعى الأمم المتحضرة المعتزة والمهتمة بماضيها وتاريخها بما فيه من شخصيات ومواقف وأفكار، إلى الإبقاء على كل أثر تاريخي يبقى من ذلك الماضي لتدلل به على واقعية ماضيها، وتبقي على أمجادها وأشخاصها في القلوب والأذهان. ولا شك أن لهدم الآثار والمعالم التاريخية الإسلامية وخاصة في مهد الإسلام: مكة، ومهجر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: المدينة المنورة، نتائج وآثار سيئة على الأجيال اللاحقة التي سوف لا تجد أثرا لوقائع التاريخ الإسلامي وربما تنتهي بالمآل إلى الاعتقاد بأن الإسلام قضية مفتعلة، وفكرة مبتدعة ليس لها أي أساس واقعي، تماما كما أصبحت قضية السيد المسيح - عليه السلام - في نظرالغرب، الذي بات جل أهله يعتقدون بأن المسيح ليس إلا قضية أسطورية حاكتها أيدي البابوات والقساوسة، لعدم وجود آية آثار ملموسة تدل على أصالة هذه القضية ووجودها التاريخي. فالواجب على المسلمين أن يكونوا لجنة من العلماء من ذوي الاختصاص للمحافظة على الآثار الإسلامية وخاصة النبوية منها، وآثار أهل بيته والعناية بها وصيانتها من الاندثار، أو عمليات الإزالة والمحو لما في هذه العناية والصيانة من تكريم لأمجاد الإسلام وحفظ لذكرياتها في القلوب والعقول وإثبات لأصالة هذا الدين، إلى جانب ما في أيدي المسلمين من تراث ثقافي وفكري عظيم. وليس في هذا العمل أي محذور شرعي فحسب، بل هو أمر محبذ كما عرفت، بل هو أمر وافق عليه المسلمون الأوائل. فهذا هو السلف الصالح قد وقفوا - بعد ما فتحوا الشام - على قبور الأنبياء ذات البناء الشامخ... فتركوها على حالها من دون أن يخطر ببال أحدهم وعلى رأسهم عمر بن الخطاب بأن البناء على القبور أمر محرم فيجب أن يهدم، وهكذا الحال في سائر القبور المشيد عليها الأبنية في أطراف العالم وإن كنت في ريب من هذا فاقرأ تواريخهم وإليك نص ما جاء في دائرة المعارف الإسلامية: إن المسلمين عند فتحهم فلسطين وجدوا جماعة في قبيلة لخم النصرانية يقومون على حرم إبراهيم ب‍ حبرون ولعلهم استغلوا ذلك ففرضوا أتاوة على حجاج هذا الحرم... وربما يكون توصيف تميم الداري أن يكون نسبة إلى الدار أي الحرم، وربما كان دخول هؤلاء اللخميين في الإسلام، لأنه قد مكنهم من القيام على حرم إبراهيم الذي قدسه المسلمون تقديس اليهود والنصارى من قبلهم(1). وجاء في دائرة المعارف الإسلامية في مادة الخليل أيضا: ويقول المقدسي وهو أول من أسهب في وصف الخليل: أن قبر إبراهيم كانت تعلوه قبة بنيت في العهد الإسلامي. ويقول مجير الدين: أنها شيدت في عهد الأمويين وكان قبر إسحاق مغطى بعضه، وقبر يعقوب قباله، وكان المقدسي أول من ذكر تلك الهبات الثمينة التي قدمها الأمراء الورعون من أقاصي البلاد إلى هذا الضريح وذلك الاستقبال الكريم الذي يلقاه الحجاج من جانب التميميين (2). ولو قام باحث بوصف الأبنية الشاهقة التي كانت مشيدة على قبور الأنبياء والصالحين قبل ظهور الإسلام وما بناه المسلمون في عصر الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يومنا هذا في مختلف البلدان، لجاء بكتاب فخم ضخم، يكشف عن أن السيرة الرائجة في تلك الأعصار قبل الإسلام وبعده من عصر الرسول والصحابة والتابعين لهم إلى يومنا هذا، كانت هي العناية بحفظ آثار رجال الدين الكاشفة عن مشروعية البناء على القبور، وإنه لم ينبس أي شخص في رفض ذلك ببنت شفة ولم يعترض عليها أحد بل تلقاها الجميع بالقبول والرضا إظهارا للمحبة وودا لأصحاب الرسالات والنبوات وأصحاب العلم والفضل، ومن خالف تلك السنة وعدها شركا أو أمرا محرما فقد اتبع غير سبيل المؤمنين قال سبحانه: *(ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)*(3). وقد وارى المسلمون جسد النبي الأكرم في بيته المسقف ولم يزل المسلمون مذ ووري ذلك الجسد الطاهر، على العناية بحجرته الشريفة بشتى الأساليب وقد بنى عمر بن الخطاب حول حجرته دارا، وقد جاء تفصيل كل ذلك مع ذكر وصف الأبنية التي توالت عليها عبر القرون في الكتب المتعلقة بتاريخ المدينة لا سيما وفاء الوفاء للعلامة السمهودي (المتوفى عام 911) (4). والبناء إلا القبر الذي شيد عام 1270 قائم لم يمسه سوء، وسوف يبقى بفضل الله تبارك وتعالى محفوظا عن الاهتراء، مصونا من الاندثار. وأما المشاهد والقباب المبنية في البقيع في العصور الأولى فحدث عنها ولا حرج ولا سيما في بقيع الغرقد ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتب التاريخ وأخبار المدينة. هذا هو المسعودي (المتوفى عام 345) يقول: وعلى قبورهم في هذا الموضع من البقيع رخامة مكتوب عليها بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله مبيد الأمم ومحيي الرمم هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيدة نساء إلى آخر الفصل. (*)
العالمين وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ومحمد بن علي وجعفر بن محمد (51). وذكر السبط الجوزي (المتوفى عام 654) في تذكرة الخواص ص 311 نظير ذلك. وهذا هو محمد بن أبي بكر التلمساني يصف المدينة الطيبة وبقيع الغرقد في القرن الرابع بقوله: وقبر الحسن بن علي عن يمينك إذا خرجت من الدرب ترتفع إليه قليلا، عليه مكتوب هذا قبر الحسن بن علي دفن إلى جنب أمه فاطمة - رضي الله عنها وعنه - (6). ويقول الحافظ محمد بن محمد بن النجار (المتوفى عام 643) في أخبار مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: في قبة كبيرة عالية قديمة البناء في أول البقيع وعليها بابان يفتح أحدهما في كل يوم للزيارة رضي الله عنهم (7). ويقول ابن جبير الرحالة الطائر الصيت (المتوفى عام 614) في رحلته في وصف بقيع الغرقد: يقع في مقابل قبر مالك قبر السلالة الطاهرة إبراهيم ابن النبي عليها قبة بيضاء وعلى اليمين منها تربة ابن عمر ابن الخطاب (رض)... وبإزائه قبر عقيل بن أبي طالب - رضي الله عنه -. وعبد الله بن جعفر الطيار (رض) وبإزائهم روضة فيها أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبإزائها روضةصغيرة فيها ثلاثة من أولاد النبيصلى الله عليه وآله وسلم ويليها روضة العباس ابن عبد المطلب والحسن بن علي (رض) وهي قبة مرتفعة في الهواء على مقربة من باب البقيع المذكور، وعن يمين الخارج منه، ورأس الحسن إلى رجلي العباس - رضي الله عنهما - وقبراهما مرتفعان عن الأرض متسعان مغشيان بألواح ملصقة، أبدع إلصاق، مرصعة بصفائح الصفر، ومكوكبة بمسامير على أبدع صفة، وأجمل منظر وعلى هذا الشكل قبر إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويلي هذه القبة العباسية بيت ينسب لفاطمة بنت الرسولصلى الله عليه وآله وسلم ويعرف ببيت الحزن... وفي آخر البقيع قبر عثمان الشهيد المظلوم ذي النورين (رض) وعليه قبةصغيرة مختصرة وعلى مقربة منه مشهد فاطمة ابنة أسد أم علي رضي الله عنها وعن بنيها(8). وروى البلاذري أنه لما ماتت زينب بنت جحش سنة عشرينصلى عليها عمر وكان دفنها يومصائف، ضرب عمر على قبرها فسطاطا (9). ولم يكن الهدف من ضربه ذلك الفسطاط تسهيل الأمر لمن يتعاطى دفنها، بل لأجل تسهيله لأهلها حتى يتفيأوا بظله، ويقرأوا ما يتيسر من القرآن والدعاء، فلاحظ. ويقول السمهودي في وصف بقيع الغرقد: قد ابتنى عليها مشاهد منها المشهد المنسوب لعقيل بن أبي طالب وأمهات المؤمنين، تحوي العباس والحسن بن علي... وعليهم قبة شامخة في الهواء قال ابن النجار... وهي كبيرة عالية قديمة البناء وعليها بابان، يفتح أحدهما في كل يوم.
وقال المطري: بناها الخليفة الناصر أحمد بن المستضئ... وقبر العباس وقبر الحسن مرتفعان عن الأرض متسعان مغشيان بألواح ملصقة أبدع إلصاق، مصفحة بصفائح الصفر مكوكبة بمسامير على أبدعصفة وأجمل منظر...(10). إلى غير ذلك من المؤرخين والسياحيين الذين زاروا المدينة المنورة، ووصفوا تلكم المزارات والمشاهد والعتبات المرتفعة، ونظر الكل إليه بعين الرضا والمحبة، لا بعين السخط والغضب. ولكنهاصارت اليوم أطلالا مندرسة تلعب بها الرياح والعواصف وكأن شيئا لم يكن، وكأنها لا تتصل بالتاريخ الإسلامي المجيد، والتراث الإسلامي العظيم، ولا علاقة لها بالإسلام والمسلمين!! وفي الختام نذكر ما ذكره العلامة السيد محسن الأمين في كتابه العقود الدرية يقول:

مضت القرون وذي القباب مشيدة   ***   والناس بين مؤسس ومجدد
في كل عصر فيه أهل الحل وال‍   ***   - عقد الذين بقبرهم لم يعقد
لم ينكروا أبدا على من شادها   ***   شيدت ولا من منكر ومفند
من قبل أن تلد ابنها تيمية   ***   أو يخلق الوهاب بعض الأعبد
أفأي إجماع لكم أقوى على   ***   أمثاله من مورد لم يورد
فبسيرة للمسلمين تتابعت   ***   في كل عصر نستدل ونقتدي
أقوى من الإجماع سيرتهم ومن   ***   قد حاد عنها فهو غير مسدد(11)

إجابة عن سؤال: وهناك سؤال ربما يتردد في الأذهان وهو أن ما ذكر من لزوم حب النبي وعترته وأصحابه أمر لا شك فيه وأن تجديد القبور وإعمارها من مظاهر ذلك الود، ولكن هذه القاعدة إنما تتبع إذا لم يدل دليل خاص على تحريم البناء، فهو بالنسبة إلى القاعدة كالخاص للعام فالمتبع في المقام هو الخاص دون العام وقد وردت روايات خاصة تأمر بهدم القبور المبنية، فما هو الجواب؟ الجواب: إن هذا السؤال سؤال وجيه لا بد من الإجابة عليه ومعالجته ولهذا فإننا نطرحه على طاولة البحث هنا وندرس هذه الروايات سندا ومتنا ودلالة حتى تتضح الحقيقة ويتبين الحق، فنقول:
**************************************
(1) دائرة المعارف الإسلامية 5: 484 مادة تميم الداري.
(2) المصدر نفسه: 8: 420، مادة خليل.
(3) النساء: 115.
(4) وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ج 2 الفصل التاسع
(5) مروج الذهب ومعادن الجوهر 2: 288.
(6) مجلة العرب رقم 5 - 6، المؤرخ 1393.
(7) أخبار مدينة الرسول اهتم بنشرهصالح محمد جمال طبع بمكة المكرمة 1366.
(8) رحلة ابن جبير طبع بيروت دارصادر، وقد زار ابن جبير المدينة المنورة عام 578.
(9) أنساب الأشراف 1: 436.
(10) وفاء الوفا 3: 916 - 929.
(11) العقود الدرية: 10. 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page