• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

خاتمة المطاف ابن تيمية من منظار التاريخ

قد تعرفت على مسألة العقائد الموروثة من ابن تيمية، في ظل الأصول المسلمة الإسلامية، وقد كانت تلك الأفكار والعقائد مدفونة في طيات الكتب، منسية غير معروفة، لولا أن محمد بن عبد الوهاب قام بدعمها وإحيائها من جديد في القرن الثاني عشر فانتشرت تلك البذور في الجزيرة العربية وتمت وتبلورت بالقهر والقوة.

ويجب إكمالا للبحث التعرف على حياة المؤسس والمروج حتى نستشف كيفية تلقي العلماء عقائده من لدن ظهوره إلى عصرنا هذا فنقول: ولد أحمد بن تيمية عام 661 وتوفي عام 728، وقد ترعرع في أحضان عصر كانت القوارع فيه تنصب على رؤوس المسلمين من الشرق والغرب وتهدم الديار ويقتل الأبرياء وتشق بطون النساء والأطفال ويرفع الرجال على أعواد المشانق وتخضب الأراضي بدماء المسلمين وذلك بسبب هجوم التتر (عباد الصنم) على بلاد المسلمين وسقوط الخلافة العباسية في بغداد.

وهي ظروف كان من المتوقع أن تساهم في انضاج الشخصية، وتزويدها بالتعقل والذكاء والعاطفة الدينية والحماس وغير ذلك مما تحتاج إليه الأمة لرفع الظلم عنها، وإعادة الوحدة والقوة إلى كيانها الممزق.

نعم في هذا الوقت الذي كان المسلمون فيه بحاجة إلى أن يقوم علماؤهم بتنشيط العزائم ووعظ الملوك والساسة بالقيام بالوظائف، وفتح معسكرات لإعداد الشباب وتدريبهم وإيجاد روح الكفاح أمام الوثنيين التتر والصليبيين المهاجمين...

طرح ابن تيمية مسائل لا تعود على المسلمين في تلك الظروف العصيبة بشيء سوى تعميق الخلاف وتعكير الصفوف وتشديد النزاعات المذهبية والطائفية، وأقل ما يقال عنها إنها قضايا استهلاكية ومسائل جانبية لا تمت إلى إنقاذ الأمة من المحنة السياسية والعسكرية والغزو الصليبي الوثني الذي كانت تعاني منه.

وأول بادرة بدرت من الشيخ هو التقول بإثبات الجهة وذلك في عام 698 في الرسالة الحموية (1) حيث ادعى بصراحة بأن الصفات الخبرية كالاستواء واليد والوجه والنزول والصعود يحمل على الله تعالى بنفس معانيها اللغوية من دون تصرف.

ولما كانت الرسالة الحموية صريحة في إثبات الجهة والحركة والنقل دعي الشيخ إلى دار السعادة بدمشق ليجيب على أسئلة القضاة.
يقول تلميذه ابن كثير في حوادث تلك السنة: ... قام عليه جماعة من الفقهاء وأرادوا إحضاره إلى مجلس القاضي جلال الدين الحنفي فلم يحضر، فنودي في البلد في العقيدة التي كان سأل عنها أهل حماة المسمى به (الحموية...) (2).

ثم إنه لم يكتف بهذا الرأي الشاذ وأخذ يحط من شأن الأنبياء ومنازلهم فخرج بهذه الفتاوى:
1 - يحرم شد الرحال إلى زيارة النبي وتعظيمه بحجة أنه يؤدي إلى الشرك.
2 - يحرم التوسل بالأولياء والصالحين.
3 - تحرم الاستغاثة بالأولياء ودعوتهم.
4 - يحرم البناء على القبور وتعميرها.
5 - لا تصح أكثر الفضائل المنقولة في الصحاح والسنن في حق العترة الطاهرة. إلى غير ذلك من الآراء الشاذة.

وهكذا نجده في الظروف التي كانت المحن الباهضة تحيط بالمسلمين من جانب الشرق (التتر) والغرب (الصليبيون)، أتى بهذه الأفكار الهدامة وشغل بال القضاة والحكام طيلة حياته.
ولأجل ذلك كان يعتقل سنة ويفرج عنه سنة أخرى إلى أن لفظ آخر أنفاسه في سجن دمشق عام 728 ه‍. ومن أراد أن يقف على موقف العلماء من آرائه وأفكاره فعليه الرجوع إلى كتب المعاجم والتراجم، فهو يرى أنهم يترجمونه (مع الإشادة بفضله وعلمه وإحاطته بالقرآن والسنة) مشيرين إلى لجاجه وشذوذه واعوجاجه.

ولأجل أن يكون ذلك الادعاء مشفوعا بالبرهان نأتي بنصوصهم في هذا المجال حتى تقف على أن آراء الرجل كانت تخالف الرأي العام بين أهل السنة إلى حد قد منع من الكتابة حتى في السجن، فما حال من كان على خلاف مع قضاة المذاهب وعلمائهم وحكامهم، وبذلك تعرف أن الدعايات الأخيرة التي تريد أن تصوره كشيخ الإسلام ومحيي السنة و... لا تقوم على واقع صحيح فإن علماء وقضاة عصره ومن تأخر عنهم أجمعوا على ضلاله وفساد عقيدته فكيف يكون شيخ المسلمين؟

وها نحن نذكر كلمات العلماء في حقه سواء كان من معاصريه أو ممن أتى من بعده حسب ترتيب التواريخ.
1 - صفي الدين الهندي (ت 644 / م 715) كان صفي الدين الهندي من أعلم الناس بالأصلين، ومن تصانيفه في علم الكلام الزبدة وفي أصول الفقه النهاية وكل مصنفاته حسنة جامعة لا سيما النهاية، وقد عقد له مجلس بدار السعادة عام 715 ه‍ لي ناظر ابن تيمية، وكان طويل النفس في التقرير، فلما شرع يقرر، أخذ ابن تيمية يعجل عليه على عادته، ويخرج من شيء إلى شيء.

فقال له الهندي: ما أراك يا ابن تيمية إلا كالعصفور حيث أردت أن أقبضه من مكان فر إلى مكان آخر.

وكان الهندي شيخ الحاضرين كلهم، فالكل صدر عن رأيه. وحبس ابن تيمية بسبب تلك المسألة وهي التي تضمنت قوله بالجهة ونودي عليه في البلاد وعلى أصحابه وعزلوا من وظائفهم(3).
2 - كمال الدين الزملكاني (ت 667 / م 727) الإمام العلامة المناظر ولد في شوال سنة 667 ه‍ ودرس بالشامية، البرانية وولي قضاء حلب وألف رسالة مستقلة في الرد على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة (4).
3 - شهاب الدين الحلبي (م 733) عرفه السبكي بأنه درس وأفتى وشغل بالعلم مدة بالقدس ودمشق، وله تصنيف في نفي الجهة ردا على ابن تيمية، وقد جاء السبكي بنفس الرسالة في ترجمته وهي رسالة مفصلة، في تنزيهه سبحانه عن الجسم والجسمانيات، قال في مقدمته: أما بعد الذي دعا إلى تصدير هذه النبذة ما وقع في هذه المدة مما علقه بعضهم في إثبات الجهة، واغتر بها من لم يرسخ له في التعليم، قدم ولم يتعلق بأذيال المعرفة، فعجبت أن أذكر عقيدة أهل السنة ثم أبين فساد ما ذكره، مع أنه لم يدع دعوى إلا نقضها أو أوطد قاعدة إلا هدمها(5).
4 - شمس الدين الذهبي (م 748) كان الشيخ الذهبي من الحنابلة المتعصبين، فهو وإن لم يذكر في حق ابن تيمية شيئا في كتاب تذكرة الحفاظ لكنه نصحه في رسالة بعثها إليه، وهذه الرسالة مطبوعة في تكملة السيف الصقيل للكوثري ص 190. كتبه من خط قاضي القضاة برهان الدين ابن جماعة، وكتبه هو من خط الشيخ الحافظ أبي سعيد ابن العلائي وكتبه هو من خط الذهبي وفي آخر الرسالة جاء: أما آن لك أن ترعوي؟
أما حان لك أن تتوب وتنيب، أما أنت في عمر سبعين وقد قرب الرحيل، والله ما أدكر أنك تذكر الموت، بل تزدري بمن يذكر الموت، فما أظنك تقبل على قولي ولا تصغي إلى وعظي، بل لك همة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات!...

فإذا كان هذا حالك عندي وأنا الشفوق المحب الواد فكيف حالك عند أعدائك، وأعداؤك والله فيه مصلحاء وعقلاء وفضلاء كما أن أولياءك فيهم فجرة كذبة جهلة... (6).
5 - صدر الدين المرحل (م حوالي 750) كان إماما كبيرا بارعا في المذهب والأصلين، يضرب المثل باسمه فارسا في البحث نظارا مفرط الذكاء عجيب الحافظة وله مع ابن تيمية المناظرات الحسنة وبها حصل عليه التعصب من أتباع ابن تيمية(7).
6 - الحافظ علي بن عبد الكافي السبكي (م 756) كان الشيخ الفقيه السبكي أحد المناضلين ضد آراء ابن تيمية، خصوصا في مسألة تحريم الزيارة والسفر إلى قبر الرسول. يقول ولده: إمام ناضح عن رسول الله بن ضاله، وجاهد بجداله، حمى جناب النبوة الشريف بقيامه في نصره...

قام حين خلط على ابن تيمية الأمر وسول له الخوض في ضحضاح ذلك الجمر، حين سد باب الوسيلة، وأنكر شد الرحال لمجرد الزيارة (8).

ويقول السبكي أيضا في ديباجة كتابه الدرة المضيئة في الرد على ابن تيمية ما هذا نصه: لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب والسنة مظهرا أنه داع إلى الحق، هاد إلى الجنة، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع، وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدسة وأن الافتقار إلى الجزء ليس بمحال وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى... (9).

له كتاب آخر أيضا أسماه شفاء السقام في زيارة خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام أثبت فيه استحباب الزيارة بروايات كثيرة كما أثبت جواز السفر للزيارة وطبع بمصر عام 1318، وقدم له مقدمة العلامة الشيخ محمد بخيت أسماها ب‍: تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد .
7 - محمد بن شاكر الكتبي (م 764) إن الكتبي هو الذي ألف كتاب فوات الوفيات تذييلا لكتاب وفيات الأعيان لابن خلكان، فقال في ترجمة ابن تيمية أنه ألف رسالة في فضل معاوية وفي أن ابنه يزيد لا يسب (10).

وهذه الرسالة تعرب عن نزعاته الأموية ويكفي القول في الوالد وما ولد أن الأول بدل الحكومة الإسلامية إلى الملوكية الموروثة ودعى عباد الله إلى ابنه يزيد، المتكبر، الخمير،صاحب الديوك، والفهود، والقرود، وأخذ البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد، وهو المجاهر بكفره بقوله: لعبت هاشم بالملك * فلا خبر جاء ولا وحي نزل والثاني قتل الإمام السبط الحسين أولا، وارتكب مجزرة الحرة ثانيا، وأحرق الكعبة ثالثا.
8 - أبو محمد اليافعي (م 768) قال في ترجمة ابن تيمية: مات بقلعة دمشق تقي الدين أحمد بن تيمية معتقلا ومنع قبل وفاته بخمسة أشهر عن الدواة والورقة، وسمع من جماعة، وله مسائل غريبة أنكر عليه وحبس بسببها مباينة لمذهب أهل السنة، ومن أقبحها نهيه عن زيارة النبي، وكذلك عقيدته في الجهة(11).
9 - أبو بكر الحصني الدمشقي (م 829) يقول: فاعلم إني نظرت في كلام هذا الخبيث الذي في قلبه مرض الزيغ، المتتبع ما تشابه من الكتاب والسنة، ابتغاء الفتنة وتبعه على ذلك خلق من العوام وغيرهم ممن أراد الله عز وجل إهلاكه، فوجدت فيه ما لا أقدر على النطق به، ولا لي أنامل تطاوعني على رسمه وتسطيره، لما فيه من تكذيب رب العالمين، في تنزيهه لنفسه في كتابه المبين، وكذا الازدراء بأصفيائه المنتخبين، وخلفائهم الراشدين، وأتباعهم الموفقين، فعدلت عن ذلك إلى ذكر ما ذكره الأئمة المتقون وما اتفقوا عليه من تبديعه وإخراجه ببغضه من الدين (12).
10 - شيخ الإسلام شهاب الدين، أحمد بن حجر العسقلاني (م 852) إن ابن حجر العسقلاني أعرف وأشهر من أن يعرف قال في كتابه: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة : (أول ما أنكروا على ابن تيمية من مقالاته في شهر ربيع الأول سنة 698، قام عليه جماعة من الفقهاء بسبب الفتوى الحموية وبحثوا معه ومنع من الكلام. ثم ذكر معتقلاته وسجونه إلى أن أدركته المنية...
11 - جمال الدين يوسف بن تغري الأتابكي (ت 812 - م 874) هو مؤلف المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي نقل فيه عن القاضي كمال الدين الزملكاني الجملة التالية: ثم جرت له محن في مسألة الطلاق الثلاث وشد الرحال إلى قبور الأنبياء والصالحين، وحبب للناس القيام عليه، وحبس مرات في القاهرة والإسكندرية ودمشق، وعقد له مجالس بالقاهرة ودمشق إلى أن ورد مرسوم شريف من السلطان في شعبان سنة 726 بأن يجعل في قلعة دمشق، فأقام فيها مدة مشغولا بالتصنيف، ثم بعد مدة منع من الكتابة والمطالعة وأخرجوا ما كان عنده من الكتب ولم يتركوا عنده دواتا ولا قلما ولا ورقة.
ثم إنه نقل أنه كتب عليه محضر وقد أمر فيه أنه أشعري وإليك ما كتبه بخطه: أنا أعتقد أن القرآن معنى قائم بذات الله وهوصفة منصفات ذاته القديمة وهو غير مخلوق وليس بحرف ولاصوت وأن قوله: *(الرحمن على العرش استوى)* ليس على ظاهره، ولا أعلم كنه المراد به، بل لا يعلمه إلا الله، والقول في النزول كالقول في الاستواء، وكتبه أحمد ابن تيمية ثم أشهدوا عليه جماعة أنه تاب مما ينافي ذلك مختارا وشهد عليه بذلك جمع من العلماء وغيرهم(13).
12 - شهاب الدين ابن حجر الهيثمي (م 973) إن ابن حجر الهيثمي أشهر من أن يعرف. قال في ترجمة ابن تيمية: ابن تيمية عبد خذله الله وأضله وأعماه وأصمه وأذله، وبذلكصرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله وكذب أقواله ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد، المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد، أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الإمام العز بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية، بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما -(14).
13 - ملا علي القاري (م 1016) إن كتاب الشفاء في تعريف حقوق المصطفى تأليف عياض بن موسى المتوفى عام 544، من أنفس الكتب وقد شرحه عدة من الأعلام منهم ملا علي القاري، قال في الفصل المخصص بزيارة النبي: إن ابن تيمية من الحنابلة حرم السفر لزيارة النبي وهو قد أفرط، كما أفرط غيره حيث قال: إن الزيارة قربة معلوم من الدين بالضرورة وجاحده محكوم عليه بالكفر، ولعل الثاني أقرب إلى الصواب، لأن تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفرا لأنه فوق تحريم المباح المتفق في هذا الباب (15).
14 - أبو العباس أحمد بن محمد المكناسي، الشهير بابن القاضي (ت 960 - م 1025) لقد ترجم ابن القاضي هذا ابن تيمية في ذيل وفيات الأعيان المسمى ب‍: درة الحجال في أسماء الرجال بقوله: أحمد بن عبد الحليم مفتي الشام ومحدثه وحافظه وكان يرتكب شواذ الفتاوى ويزعم أنه مجتهد (16).
15 - الشيخ محمد بخيت المصري (المتوفى بعد سنة 1330) يقول في كتابه تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد الذي طبع مقدمة لكتاب شفاء السقام للسبكي: ومن الفريق الثاني الذي طمس الله على قلبه وطبع عليه أهل البدع في العقائد والأعمال الذين خالفوا الكتاب والسنة والإجماع، فضلوا وأضلوا كثيرا قاتلهم الله أنى يؤفكون، ومأواهم جهنم وساءت مصيرا، وقد ابتلي المسلمون بكثير من هذا الفريق سلفا وخلفا فكانوا وصمة وثلمة في المسلمين وعضوا فاسدا يجب قطعه حتى لا يعدي الباقي فهو المجذوم الذي يجب الفرار منه، ومنهم ابن تيمية الذي ألف كتابه المسمى ب‍: الواسطية وغيره، فقد ابتدع ما خرق به إجماع المسلمين، وخالف فيه الكتاب والسنة الصريحة والسلف الصالح، واسترسل مع عقله الفاسد وأضله الله على علم فكان إلهه هواه ظنا منه بأن ما قاله حق وما هو بالحق وإنما هو منكر من القول وزور(17).

وقال: ولما أن تظاهر قوم في هذا العصر بتقليد ابن تيمية في عقائده الكاسدة وتعضيد أقواله الفاسدة وبثها بين العامة والخاصة واستعانوا على ذلك بطبع كتابه المسمى ب‍ الواسطية ونشره، وقد اشتمل هذا الكتاب على كثير مما ابتدعه ابن تيمية مخالفا في ذلك الكتاب والسنة وجماعة المسلمين، فأيقظوا فتنة كانت نائمة، فقياما بما يجب علينا كنا عزمنا على جمع مؤلف في الرد على ذلك الكتاب حتى لا يقع المسلمون بواسطة ابن تيمية ومن هم على شاكلته في مهود الضلال والهلاك الأبدية، غير أنا وجدنا كتاب الإمام الجليل والمجتهد الكبير تقي الدين أبي الحسن السبكي ب‍ شفاء السقام في زيارة خير الأنام وافيا بالغرض المقصود... فاكتفينا بطبعه ونشره (18).
16 - الشيخ يوسف النبهاني (ت 1265 - م 1350) قال النبهاني في تأليفه شواهد الحق بعد ما نقل أسماء عدة من الطاعنين فيه: فقد ثبت وتحقق أن علماء المذاهب الأربعة قد اتفقوا على رد بدع ابن تيمية، ومنهم من طعنوا بصحة نقله، كما طعنوا بكمال عقله، فضلا عن شدة تشنيعهم عليه في خطئه الفاحش في تلك المسائل التي شذ بها في الدين، وخالف بها إجماع المسلمين، ولا سيما فيما يتعلق بسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم (19).
17 - الشيخ سلامة القضاعي العزامي (م 1379) إن الشيخ العزامي من كبار علماء مصر الأزهريين وكتابه فرقان القرآن ، كتاب بديع كتبه ردا على هفوات ابن تيمية يقول في حقه: ومن عجيب أمر هذا الرجل أنه إذا ابتدع شيئا حكى عليه إجماع الأولين والآخرين كذبا وزورا وربما تجد تناقضه في الصفحة الواحدة فتجده في منهاج السنة مثلا يدعي أنه ما من حادث إلا وقبله حادث إلى ما لا نهاية له في جانب الماضي، ثم يقول: وعلى ذلك أجمع الصحابة والتابعون ، وبعد قليل يحكي اختلافا للصحابة في أول مخلوق ما هو؟ أهو القلم أم الماء؟ وقد جمع تلميذه ابن زفيل (يريد: ابن القيم) سفاهاته ووساوسه في علم أصول الدين في قصيدته النونية (20).
18 - الشيخ محمد الكوثري المصري (المعاصر) إن الشيخ الكوثري هو أكثر الناس تتبعا لمكامن حياة ابن تيمية وقد خدم خدمة جليلة بنشر كتاب السيف الصقيل للسبكي وجعل له تكملة نشرا معا، فمن وقف على هذا الكتاب وما ذيل به، يعرف مواقف هذا الرجل، وقيمته في ميزان العلماء المعاصرين له والمتأخرين عنه. وإليك كلمة منه في حق الحشوية يقول في تقديمه لكتاب الأسماء والصفات للحافظ البيهقي - بعد سرد أسماء عدة من كتب الحشوية كالاستقامة لخشيش بن أصرم، والسنة لعبد الله بن أحمد والنقض لعثمان بن سعيد الدارمي السنجري المجسم -: إن السنجري أول من اجترأ بالقول: (إن الله لو شاء لاستقر على ظهر بعوضة لاستقلت به بقدرته فكيف على عرش عظيم) وتابعه الشيخ ابن تيمية الحراني في ذلك كما تجد نص كلامه في غوث العباد المطبوع سنة 1351 بمطبعة الحلبي(21). وقال في حق ابن تيمية: كل ما في الرجل أنه كان له لسان طلق، وقلم سيال، وحافظة جيدة، قلب - بنفسه، بدون أستاذ رشيد - صفحات كتب كثيرة جدا من كتب النحل التي كانت دمشق امتلأت بها بواسطة الجوافل من استيلاء المغول على بلاد الشرق، فاغتر بما فهمه من تلك الكتب من الوساوس والهواجس حتى طمحت نفسه إلى أن تكون قدوة في المعتقد والأحكام العملية (22).
19 - الشيخ محمد أبو زهرة ألف الشيخ محمد أبو زهرة كتابا في حياة ابن تيمية وشخصيته وأغمض عن كثير من الجوانب السلبية في شخصيته وحياته ومع ذلك انتقده في موارد منها منعه التبرك بآثار الرسول وقال: إنا نخالف ابن تيمية منعه التبرك بزيارة قبر الرسول والمناجاة عنده وعدم الندب إليه، وإن التبرك الذي نريده ليس هو العبادة أو التقرب إلى الله بالمكان، وإنما التبرك هو التذكر والاعتبار والاستبصار... (23).
20 - فتوى قضاة المذاهب الأربعة في ابن تيمية أصدر الشاميون فتيا في ابن تيمية وكتب عليها البرهان ابن الفركاح الفزاري نحو أربعين سطرا بأشياء إلى أن قال بتكفيره، ووافقه على ذلك الشهاب جهبل وكتب تحت خطه: كذلك المالكي ثم عرضت الفتيا لقاضي قضاة الشافعية بمصر: البدر بن جماعة فكتب على ظاهر الفتوى: الحمد لله هذا المنقول باطنها جواب عن السؤال عن قوله أن زيارة الأنبياء والصالحين بدعة وما ذكره من نحو ذلك وأنه لا يرخص بالسفر لزيارة الأنبياء، باطل مردود عليه وقد نقل جماعة من العلماء أن زيارة النبي فضيلة وسنة مجمع عليها.

وهذا المفتي المذكور يعني ابن تيمية ينبغي أن يزجر عن مثل هذه الفتاوى الباطلة عند الأئمة والعلماء ويمنع من الفتاوى الغريبة ويحبس إذا لم يمتنع من ذلك ويشهر أمره ليحتفظ الناس من الاقتداء به. وكتبه محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي. وكذلك يقول محمد بن الحريري الأنصاري الحنفي: لكن يحبس الآن جزما مطلقا.
وكذلك يقول محمد بن أبي بكر المالكي: ويبالغ في زجره جسما تندفع تلك المفسدة وغيرها من المفاسد. وكذلك يقول أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي (راجع دفع الشبه ص 45 - 47) وهؤلاء الأربعة هم قضاة المذاهب الأربعة بمصر أيام تلك الفتنة في سنة 726 (24). وبعد هذه الفتيا من قضاة المذاهب الأربعة، وبعد تلك الكلمات الواضحة القوية من العلماء البارزين المعروفين لا يبقى لمشكك أية شبهة في أن الرجل كان منحرفا عن الصراط المستقيم، سالكا غير سبيل المؤمنين. وخارقا لإجماع العلماء الفاقهين.
**************************************
(1) وهذه الرسالة مطبوعة ومنشورة.
(2) ابن كثير: البداية والنهاية، ج 14: 4.
(3) السبكي: طبقات الشافعية، ج 9: 164 - 169، والبداية والنهاية ج 14: 36 - 38.
(4) المصدر نفسه ج 9: 190 - 191.
(5) السبكي: طبقات الشافعية ج 9: 34 - 35.
(6) تكملة السيف الصقيل: 190.
(7) السبكي: طبقات الشافعية ج 9: 253.
(8) المصدر نفسه ج 10: 149 - 150.
(9) السبكي: الدرة المضيئةص 5.
(10) الكتبي: فوات الوفيات ج 1: 77.
(11) اليافعي: مرآة الجنان ج 4: 240 و277 في حوادث سنة 728.
(12) الدمشقي: دفع شبه من شبه وتمرد: 216.
(13) ابن حجر: الفتاوى الحديثة: 86، نقله العلامة الشيخ محمد بخيت في كتاب تطهير الفؤاد ص 9، طبع مصر، ولابن حجر كلمة أخرى في كتابه الجوهر المنتظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم نقلها القضاعي العزامي في كتابه فرقان القرآن : 132 - وهو مقدمة لكتاب الأسماء والصفات للبيهقي.
(14) ملا علي القاري: شرح الشفاء في هامش نسيم الرياض ج 3: 514.
(15) ملا علي القاري: شرح الشفاء في هامش نسيم الرياض ج 3: 514.
(16) المكناسي: درة الحجال ج 1: 30.
(17) السبكي: تطهير الفؤاد: 9، ولاحظ بعده إلىص 12.
(18) المصدر السابق.
(19) النبهاني: شواهد الحق المطبوع ضمن مجموعة تحتوي رسائل أربع جمعه حسين حلمي وطبعه باسلامبول.
(20) لاحظ فرقان القرآن: 132 و137 ألفه عام 1358 والقصيدة النونية تتجاوز عن خمسة آلاف بيت أكثرها يهدف إلى إثبات الجهة والجسمية وغير ذلك وقد كتب السبكي عليه ردا سماه السيف الصقيل .
(21) مقدمة الأسماء والصفات: للبيهقي: 8 ب .
(22) تكملة السيف الصقيل: 5، وله كلام في حق تلميذه ابن زفيل (المعروف بابن القيم).
(23) أبو زهرة: ابن تيمية، حياته وشخصيته: 228.
(24) الكوثري: تكملة السيف الصقيل: 155.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page