• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الرابع: سرايا وغزوات قبل بدر

غزواته وسراياه:

هنا يبدأ المؤرخون بذكر غزواته وسراياه «صلى الله عليه وآله»، ويقصدون بـ‍ «الغزوة»: الجيش الذي يخرج فيه «صلى الله عليه وآله» بنفسه، وبـ‍ «السرية»: البعث الذي لا يكون رسول الله «صلى الله عليه وآله» فيه.
وقد اختلفت كلماتهم في عدد غزواته وسراياه اختلافاً كثيراً، ولا نرى حاجة لإطالة الكلام في تحقيق ذلك.
ونكتفي هنا بالحديث عما هو أهم، ونفعه أعم، وقبل ذلك نشير إلى أمرين؛ هما:
الأول: الفرار من الزحف:
حيث يذكر العلماء هنا: أنه لم يكن يجوز في أول الأمر فرار واحد من المسلمين من عشرة من المشركين([1]).
ثم جاء التخفيف من قبل الله عن المسلمين؛ ليختص بفرار واحد في مقابل اثنين؛ وذلك في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ، الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ الله وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}([2]).
ولسوف يأتي المزيد من الكلام حول هذا الموضوع في غزوة بدر، في آخر فصل نتائج الحرب إن شاء الله.
الثاني: وصية النبي «صلى الله عليه وآله» للسرايا:
ويلاحظ هنا:
أنه «صلى الله عليه وآله» كان إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم، فأجلسهم بين يديه، ثم يقول:
«سيروا باسم الله، وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله، ولا تغلوا ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبياً، ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إليها، وأيما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى رجل من المشركين، فهو جار، حتى يسمع كلام الله؛ فإن تبعكم، فأخوكم في الدين، وإن أبى فأبلغوه مأمنه، واستعينوا بالله عليه الخ..»([3])، وهي وصية طويلة، وله وصايا أخرى لبعوثه فلتراجع في مصادرها([4]).
وقد روي: أنه «صلى الله عليه وآله» ما بيّت عدواً قط([5]) وكان «صلى الله عليه وآله» إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم أول النهار([6]).

ما نتعرض له في هذا الكتاب:

إننا لا نستطيع في كتابنا هذا أن نستوعب الحديث حول الغزوات والسرايا بجميع تفاصيلها، ولأجل ذلك سوف نكتفي بذكر الغزوات التي كان فيها قتال مع الإشارة الخفيفة إلى غيرها من غزوات وسرايا، إلا إذا وجدنا ما يقتضي التريث وتسليط الأضواء بصورة لا يمكن تجاوزها.
أما في هذا الفصل فنحن نكتفي بالتنويه بالسرايا التالية:

السرايا الأولى:

يذكر المؤرخون، أنه:
1 ـ بعد سبعة أشهر من مقدمه «صلى الله عليه وآله» المدينة ـ وقيل غير ذلك ـ عقد الرسول «صلى الله عليه وآله» لحمزة بن عبد المطلب على ثلاثين من المهاجرين، (قيل: ومن الأنصار، لكنه غير معتمد، لأنه لم يبعث أحداً من الأنصار قبل بدر، كما ذكروا)([7]) ليلقوا أبا جهل؛ فلقوه، وهو في ثلاثمائة من المشركين، لكن مجدي بن عمرو الجهني الذي كان موادعاً للفريقين، حجز بينهما، وانصرفوا من غير قتال.
2 ـ وعلى رأس ثمانية أشهر من مهاجره الشريف، عقد لعبيدة بن الحارث بن المطلب على ستين رجلاً؛ ليلقوا أبا سفيان في بطن رابغ، وكان في ماءتين.
وفي هذه السرية فر المقداد وعتبة بن غزوان إلى المسلمين([8]).
3 ـ وبعد ذلك كانت سرية سعد بن أبي وقاص على فريق من المهاجرين أيضاً؛ ليعترضوا عيراً لقريش، فسبقتهم.
وقيل: كان ذلك بعد بدر([9]).
4 ـ ثم كانت غزوة الأبواء بعد مقدمه «صلى الله عليه وآله» بسنة أو أكثر، أو أقل، خرج فيها النبي «صلى الله عليه وآله» بنفسه يريد قريشاً، وبني مرة بن بكر، فتلقاه سيد بني مرة بالأبواء، فصالحه، ثم رجع «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة([10]).
5 ـ وبعدها كانت غزوة بواط، جبل لجهينة، قرب المدينة خرج «صلى الله عليه وآله» في ماءتين من المهاجرين أيضاً يعترض عير بني ضمرة؛ فبلغ بواطاً ورجع، ولم يلق كيداً([11]).
مع تحفظنا على ما يقال من عدد المهاجرين في هذه السرية.
6 ـ وبعدها بأيام قلائل كانت غزوة العشيرة، ووادع فيها بني مدلج، وحلفاءهم من بني ضمرة، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق كيداً، وفيها كني علي «عليه السلام» بأبي تراب، كما سنرى([12]).
7 ـ سرية عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة: ثم كانت سرية ابن جحش في رجب أو في جمادى الثانية من السنة الثانية، في ثمانية، أو اثني عشر رجلاً من المهاجرين.
فقد كتب له النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» كتاباً، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين (ولعله لأجل أن لا يطلع على مضمونه أعداء المسلمين من اليهود والمشركين فتتسرب الأخبار إلى أعدائه) فلما سار يومين فتح الكتاب، فإذا فيه بعد البسملة:
«أما بعد، فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك، حتى تنزل بطن نخلة، فترصد بها عير قريش ـ وفي رواية: قريشاً ـ حتى تأتينا منها بخبر».
وأخبر أصحابه: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد أمره أن لا يستكره أحداً ممن كان معه، وخيرهم بين الكون معه، وبين الرجوع؛ فمضوا معه جميعاً، فأقام هناك فمرت بهم عير لقريش، فتجرأ المسلمون عليهم، فقتلوا منهم رجلاً، وأسروا اثنين، وأخذوا ما معهم، وكان ذلك في أول يوم من رجب أو آخر يوم منه على اختلاف النقل.
فلما قدموا على النبي «صلى الله عليه وآله»، أوقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ منها شيئاً، ولكن أبا هلال العسكري يقول: «ورد عبد الله بن الجحش بالخمس على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقسم الباقي بين أصحابه، فكان أول خمس خمسه»([13])، وعنفهم إخوانهم من المسلمين.
وقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدماء، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال، وعيروا المسلمين بذلك، وكتبوا فيه، وتحرك اليهود أيضاً، ليزيدوا الطين بلة؛ فلما أكثروا نزل قوله تعالى، مبيناً عذر المهاجرين فيما أقدموا عليه:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ..}([14]).
وقيل: نزلت الآية حينما جاء مشركو مكة، وسألوا النبي «صلى الله عليه وآله» عن ذلك على جهة العيب والانتقاص، ففرج الله بذلك عن المسلمين، وبعثت قريش بفداء الأسيرين، فأفداهما «صلى الله عليه وآله»([15]).
8 ـ ثم كانت غزوة بدر الأولى بعد غزوة العشيرة بأيام، حيث أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج النبي «صلى الله عليه وآله» في طلبه، حتى بلغ وادي سفوان من جهة بدر، وفاته كرز، فرجع «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة([16]).
هذا ولا بد أن نبحث هنا عدة أمور هامة، نرى أنها ترتبط بما تقدم. وهي على النحو التالي:

1 ـ تكنية علي بأبي تراب:

في غزوة العشيرة كنى النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» أمير المؤمنين علياً «عليه السلام» بـ : «أبي تراب» وكانت أحب كناه إليه، ولكن الأمويين كانوا يعيرونه بها.
وملخص القضية: كما يرويها لنا عمار بن ياسر: أنه بعد أن نزل الرسول «صلى الله عليه وآله» ومن معه في موضع هناك، ذهب عمار وعلي «عليه السلام» لينظرا إلى عمل بعض بني مدلج، كانوا يعملون في عين لهم ونخل؛ فغشيهما النوم، فانطلقا حتى اضطجعا على صور من النخل، وفي دقعاء من التراب.
قال عمار: فوالله ما أهبنا إلا رسول الله «صلى الله عليه وآله» يحركنا برجله، وقد تتربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها؛ فيومئذ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب: ما لك يا أبا تراب، لما يرى عليه من التراب، الحديث([17]).
لكن ما تضمنته هذه الرواية من تحريك النبي «صلى الله عليه وآله» لعمار وعلي «عليه السلام» برجله لا يمكن أن يصح؛ لأنه ينافي أخلاق رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
فلا بد من طرح هذه الفقرة من الرواية، وأما ما عداها فلا ضير بالأخذ به.
وقد تقدمت الإشارة إلى رواية تكنيته «عليه السلام» بأبي تراب حين الحديث عن المؤاخاة أيضاً، فراجع.
وقد أحسن عبد الباقي العمري حيث يقول مشيراً إلى هذه القضية:
يـا أبـا الأوصـيـاء أنـت لـطـه                    صـهـره، وابـن عـمـه،  وأخـــوه
إن لله فـي مـعــانـيـك ســـراً                      أكـثـر الـعـالـمـين ما عـلـمـــوه
أنت ثـانـي الآباء في مـنـتـهـى                   الـدور وآبــاؤه تـعــد بــنـــــوه

التزوير والافتراء:

ولكنهم يقولون هنا: إنه «عليه السلام» كان إذا عتب على فاطمة، وضع على رأسه التراب؛ فإذا رآه النبي «صلى الله عليه وآله» عرف ذلك، وخاطبه بهذا الخطاب([18]).
ويقولون أيضاً: إنه «عليه السلام» غاضب فاطمة «عليها السلام»، وخرج إلى المسجد ونام على التراب، فعرف النبي «صلى الله عليه وآله» بالأمر، فبحث عنه فوجده، فخاطبه بهذا الخطاب([19]).
ويزيدون على ذلك قولهم: كان في علي على فاطمة شدة فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله، فانطلقت، وانطلق علي بأثرها، فشكت إلى رسول الله غلظ علي وشدته عليها.
فقال: يا بنية اسمعي واستمعي، واعقلي: إنه لا إمرة لامرأة لا تأتي هوى زوجها، وهو ساكت.
قال علي «عليه السلام»: فكففت عما كنت أصنع وقلت: والله، لا آتي شيئاً تكرهينه أبداً([20]).
وقصة أخرى، تقول: كان بين علي وفاطمة كلام، فدخل رسول الله، فألقى له مثالا فاضطجع عليه، فجاءت فاطمة؛ فاضطجعت من جانب، وجاء علي واضطجع من جانب، فأخذ رسول الله بيد علي فوضعها على سرته، وأخذ بيد فاطمة فوضعها على سرته، ولم يزل حتى أصلح بينهما([21]).
ويقولون أيضاً: إنه حين المؤاخاة لم يؤاخ النبي «صلى الله عليه وآله» بينه وبين أحد، فاشتد عليه ذلك، وخرج إلى المسجد، ونام على التراب، فلحقه «صلى الله عليه وآله»، ولقبه بهذا اللقب.
ولكن كل ذلك لا يصح: فعدا عن أننا لم نفهم سر هذا التصرف الذي انتهجه «صلى الله عليه وآله» فيما يزعمون للصلح بين الزوجين، حيث اضطجع، ووضع يديهما على سرته!! كما لم نفهم السبب في أنه «صلى الله عليه وآله» قد أنحى باللائمة على بنته بدلاً من أن يدافع عنها أمام من يظلمها.
عدا عن ذلك، فإننا نسجل ما يلي:
1 ـ إن فاطمة أجل من أن تغضب علياً «عليه السلام»، وأتقى وأرفع من ذلك، وهي الصديقة الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيراً، بنص الكتاب العزيز.
كما أن علياً أجل وأتقى وأرفع من أن يغضب فاطمة «عليها السلام» وسيرته وتطهير الله له من الرجس، ومن كل مشين، بنص كتابه العزيز أدل دليل على ذلك.
2 ـ لقد قال علي «عليه السلام» وكأنه يتنبأ بما سوف يفتريه عليه الحاقدون: «فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر، حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها؛ فتنكشف عني الهموم والأحزان»([22]).
3 ـ إن وضعه التراب على رأسه كلما غاضبها لا يصدر من رجل عاقل، حكيم لبيب، له علم ودراية أمير المؤمنين «عليه السلام»، لأنه أشبه بلعب الأطفال.
4 ـ إن أمير المؤمنين «عليه السلام» الذي هو قسيم الجنة والنار، لم يكن ليؤذي الله تعالى والنبي «صلى الله عليه وآله»؛ لأن جزاء من يؤذي الله ورسوله ليس هو الجنة قطعاً.
وقد قال النبي: إن من آذى فاطمة «عليها السلام» فقد آذاه، أو من أغضبها فقد أغضبه([23]).
وقال: إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها([24]).
5 ـ لقد قالت فاطمة لعلي «عليه السلام»: أما عهدتني كاذبة، ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني، «فصدقها» «عليه السلام»، في ذلك([25]).
6 ـ إن علياً لم يكن ليغضب من النبي «صلى الله عليه وآله»، ويعتب عليه، وهو يعلم أنه لا يأتي بعمل من عند نفسه، كما أن سيرته «عليه السلام» مع النبي لتؤكد على أنه كان يلتزم حرفياً بكل ما يصدر عنه، حتى إنه حينما أمره النبي «صلى الله عليه وآله» أن يسير لفتح خيبر ولا يلتفت، مشى «عليه السلام» ما شاء الله، ثم وقف، فلم يلتفت وقال: يا رسول الله الخ..([26]).
7 ـ أضف إلى ذلك: أن النبي «صلى الله عليه وآله» حينما كان يستشير أصحابه في الموارد المختلفة، في بدر وأحد وغيرهما، كان أصحابه يتكلمون بما شاءوا، ولم يكن علي «عليه السلام» يبدي رأياً، ولا يقدم بين يدي الله ورسوله بشيء أصلاً، إلا ما روي في شأن الإفك على مارية، حيث أشار «عليه السلام» بطلاق عائشة ليكون ذلك بمثابة إنذار لها؛ لترتدع عن مواقفها وأعمالها، وتكف عن أذى رسول الله وأزواجه.
8 ـ وأخيراً.. لماذا يغضب ويعتب؟ أليس قد آخاه بنفسه قبل الهجرة؟!. ثم هو لم يزل يؤكد على أخوته له، كلما اقتضت المناسبة ذلك.
وعلى كل حال، فنحن لن نكذب النبي «صلى الله عليه وآله»، والقرآن، ونصدق هؤلاء، فنحن نذر هذه الترهات لهم، تدغدغ أحلامهم، وترضي حقدهم على علي وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

لماذا الوضع والاختلاق؟!:

ولعل سر وضع هذه الترهات هو:
1 ـ إنهم يريدون أن يظهروا أنه قد كان في بيت علي «عليه السلام» من التناقضات والمخالفات مثل ذلك الذي كان في بيت النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه، مما كانت تصنعه بعض زوجاته «صلى الله عليه وآله» وليمكن ـ من ثم ـ أن يقال: إن ذلك أمر طبيعي، ومألوف، وهو من مقتضيات الحياة الزوجية؛ فلا غضاضة فيه على أحد، ولا موجب للطعن والإشكال على أي كان، فزوجة النبي تتصرف كما كانت تتصرف بنت النبي «صلى الله عليه وآله».
وكما كانت عائشة تغضب النبي «صلى الله عليه وآله»، فإن فاطمة كانت تغضب علياً، وكانت خشنة معه.
2 ـ ومن الجهة الثانية فكما أن قوله «صلى الله عليه وآله» من أغضبها (أي فاطمة) فقد أغضبني، ينطبق على فلان وفلان، فإنه ينطبق على علي نفسه، إذاً فكما أغضب أبو بكر فاطمة فقد أغضبها علي أيضاً، وتكون واحدة بواحدة، فلا يكون ذلك موجباً للإشكال على أولئك دونه «عليه السلام».
3 ـ بل إنهم يريدون بذلك أن يظهروا علياً «عليه السلام» بصورة الرجل الذي لم يكن مرضياً من فاطمة، وقد تزوجته بدون رضى منها.
ولعل قبول النبي «صلى الله عليه وآله» بتزويجه قد كان لأجل دفع غائلته وشره، وبذلك يسلبون عنه فضيلة الصهر للنبي «صلى الله عليه وآله».

قيمة هذه الكنية:

لقد علل ابن عباس تسمية علي «عليه السلام» بأبي تراب، بأنه «عليه السلام» صاحب الأرض، وحجة الله على أهلها بعده، وبه بقاؤها، وإليه سكونها، ولقد سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: إنه إذا كان يوم القيامة، ورأى الكافر ما أعد الله لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة، قال: يا ليتني كنت تراباً، أي يا ليتني كنت من شيعة علي([27]).
يضاف إلى ذلك: أن الإمام علياً «عليه السلام» الذي كان يعتز بهذه الكنية، كان لا يعتبر الدنيا هدفاً له، يعيش من أجله وفي سبيله، وإنما يعتبرها وسيلة إلى هدفه الأسمى، وغايته الفضلى، وإذا رأى نفسه يتصرف منسجماً مع هدفه، ومع نظرته؛ فإنه سوف يرتاح، وينشرح لذلك، فكانت هذه الكنية من النبي «صلى الله عليه وآله» له بمثابة إعلام له: بأنه سوف يبقى في مواقفه وتصرفاته محتفظاً بالخط المنسجم مع أهدافه، وأنه لسوف يبقى مستمراً في وضعه للدنيا في موضعها الذي يليق بها، ولن تغره بزبارجها وبهارجها، ولن يبتلي بالتناقض بين مواقفه وتصرفاته، وبين ما يدعي أنه هدف له، فمن أجل ذلك كانت هذه الكنية أحب كناه إليه «عليه السلام».
وأما الأمويون، الذين كانوا يعيرونه «عليه السلام» بها، فقد كان موقفهم أيضاً منسجماً مع نظرتهم ومع ما يعتبرونه من القيم لهم، فإن غايتهم وهدفهم هو الدنيا، وعلى أساس وجدانها وفقدانها يقيّمون الأشخاص والمواقف، فيحترمون أو يحتقرون.
وإذا كان علي أبا تراب، ولا يهتم بالدنيا، ولا يسعى لأن ينال منها إلا ما يحفظ له خيط حياته، انطلاقاً من الواجب الشرعي، ويبلغه إلى أهدافه التي رسمها الله سبحانه له، فإن بني أمية سوف يرونه فاقداً للعنصر الأهم الذي يكون به المجد الباذخ، والكرامة والسؤدد بنظرهم، ويصبح من الطبيعي أن يعيروه بكنية من هذا القبيل، فإن ذلك هو الذي ينسجم كل الانسجام مع غاياتهم ونظرتهم تلك التي تخالف الدين والقرآن، ولا تنسجم مع الفطرة السليمة والمستقيمة.

2 ـ لماذا السرايا؟!

لقد عرفنا فيما سبق أن بعض تلك السرايا كان هدفه الاستطلاع، ومراقبة تحركات قريش في المنطقة.
وبعض آخر كان هدفه تعقب المغيرين على سرح المدينة، كتعقبهم لكرز بن جابر.
وعرفنا أيضاً: أن تلك السرايا، التي لم يلق المسلمون فيها كيداً، قد جرأت المسلمين، وأعادت لهم الثقة بأنفسهم، وأعدتهم ليواجهوا ـ على قلة العدد والعدة ـ ألف فارس من قريش، وهي في أوج خيلائها وعزتها، ولم يعد ذلك مفاجأة للمسلمين، ولا مرهباً لهم.
ولكننا مع ذلك نرى أن علينا أن لا نقنع بما ذكر؛ وأن علينا أن نعيد النظر بدءاً وعوداً لنعرف الجديد مما كانت تهدف إليه تلك السرايا التي كان الهدف المعلن لها هو اعتراض عير قريش، والذي يلفت نظرنا هنا هو الأمران التاليان:

الأول: الموادعات والتحالفات:

فقد نتج عن تلك السرايا مهادنات وموادعات، وتحالفات على النصر ضد العدو، بين المسلمين وبين كثير من القبائل المتواجدة في المنطقة، حينما شعرت تلك القبائل بقوة المسلمين، وقدرتهم على التحرك، وبتصميمهم على مواجهة حتى قريش بالحرب.
ومن الطبيعي أن ينتج عن هذه المعاهدات والتحالفات تخوف ورعب في قلوب سائر القبائل القريبة من المدينة، بحيث لا بد لتلك القبائل من التفكير ملياً قبل أن تقدم على أي عمل ضد المدينة مباشرة، أو بواسطة التحالف مع أعداء المسلمين.
وذلك لأنها ترى بالفعل: أن ثمة قوة ضاربة، لا بد من صياغة التعامل معها بحيث لا يضر بمستقبل مصالحها في المنطقة.
وبهذا يتحقق للمدينة نوع من الشعور بالأمن والاستقرار، ويمكن المسلمين ـ من ثم ـ من أن يتحركوا بحرية أكثر، في مواجهاتهم لقريش، ومناهضاتهم لها، وهو ما ظهر في حرب بدر، وبعدها.
كما أن هذه الموادعات والتحالفات كانت بمثابة صدمات نفسية، بل هي صفعات مؤلمة لقريش، التي ترى الآن كيف أن المسلمين قد أصبحوا قوة يرهب جانبها، ويسعى الكثيرون إلى عقد التحالفات الدفاعية معها، وعلى الأخص من القبائل التي تقع على طريق تجارة مكة، وكانت تعتبرها قريش سنداً وعوناً لها، كلما أهمها أمر، أو تعرضت لخطر.
أضف إلى ذلك كله، أنه لم يعد باستطاعة قريش أن تعقد تحالفات مع تلكم القبائل القريبة من المدينة، وتتخذ منها قوة ضاغطة على المدينة، ووسيلة لمضايقتها.

الثاني: مضايقة قريش:

إن هذه السرايا كانت تهدف إلى الضغط على قريش اقتصادياً، وكذلك نفسياً أيضاً، وتعريفها: أن المسلمين سوف لن يتركوها حرة في المنطقة، ما دامت قد شردتهم، وآذتهم وسلبتهم أموالهم، وقتلت منهم.
وقد شرط النبي «صلى الله عليه وآله» على المشركين في وثيقة العهد المتقدمة، أن يقطعوا صلاتهم بالمشركين الآخرين.
ويلاحظ: أنه لم يكن ثمة إصرار على قتال قريش، ومناجزتها الحرب، ولذلك قبل حمزة بوساطة الجهني، وتقدم أن عبيدة بن الحارث لم يتعقب القافلة التي تجاوزته.
كما أن ثمة ثلاث خرجات أخرى تمر عير قريش فيها بسلام، ولم يصل إليها المسلمون في الوقت المناسب، بل وحتى في وقعة بدر نفسها لم يفز المسلمون بعير قريش، وإنما كانت قريش هي التي تصدت لقتال المسلمين كما سنرى إن شاء الله تعالى.
وهذا يعزز الاستنتاج القائل: إن المقصود من تلك السرايا هو تعريف قريش: أنها لم تعد تملك حرية الحركة في المنطقة، ولا هي سيدة الموقف، ولا تستطيع بعد الآن أن تأمن على قوافلها التجارية إلى الشام، إلا بالعودة إلى منطق التعقل، والروية، والحكمة، والتخلي عن منطق الظلم والغطرسة والتجبر، وأن عليها مراجعة حساباتها، لتقتنع بأنه إذا كان حسم الموقف عسكرياً صعباً جداً بالنسبة إليها، فما عليها إلا أن ترضخ للأمر الواقع، وتعترف بما لا بد لها من الاعتراف به، إن عاجلاً، وإن آجلا.
وإلا، فلتأذن بحرب من الله ورسوله لا تنتهي إلا بتدمير عنفوانها، وتحطيم كبريائها، وهكذا كان.
وإنما اكتفى المسلمون بالتعرض إلى قوافل قريش، دون أن يصروا على أخذها، ومصادرتها، وإن كان من حقهم ذلك، لأنه قصاص عادل لقريش، التي بدأت بالعدوان، وتمادت في الظلم والطغيان، ولا مانع من ممارسة هذا الحق إذا لم يكلف ذلك المسلمين غالياً ـ إنما اكتفى المسلمون بذلك ـ من أجل أن يبقوا الباب مفتوحاًَ أمام قريش، ويعطوها الفرصة للتأمل والتدبر في الأمر.
وأما ما ذكره البعض من أن المقصود من تلك السرايا لم يكن هو الحرب، بدليل قلة عدد المقاتلين المسلمين المرسلين.
فلا نراه مقنعاً ولا كافياً في فهم حقيقة الدوافع لإرسال تلك السرايا؛ لأن الإغارة على قافلة تجارية لم يكن يحتاج إلى عدد كبير من المقاتلين.
ويكفي أن نذكر هنا: أن أكبر قافلة تجارية ترسلها قريش بعد تحرشات المسلمين بتجاراتها (وذلك يدفعها طبعاً لزيادة عدد المحافظين عليها)، هي القافلة التي سببت حرب بدر، وكانت بقيادة أبي سفيان، وهي لم يكن معها إلا بضعة وعشرون رجلاً فقط، مع أن فيها أكثر من ألفي بعير، وفيها أموال قريش.

3 ـ وصايا ه لبعوثه:

وأما ما تقدم مما كان يوصي به البعوث والسرايا، فإنه يؤكد على أن هذا النبي لم يبعث إلا ليعمر الأرض، وليقطع دابر الفساد فيها؛ وليس جهاده للمنحرفين والظالمين إلا من هذا المنطلق، وفي هذا السبيل، على اعتبار أن: آخر الدواء الكي.
وعليه فكل تصرف لا يأخذ بنظر الاعتبار ذلك الهدف؛ فهو مرفوض عنده حتى وإن كان من أصحابه، ومن أقرب الناس إليه.
وإن وصاياه «صلى الله عليه وآله» تلك تحتاج إلى دراسة معمقة، للتعرف على الكثير من الحقائق التي يهم الإنسان المنصف ذا الضمير الحي، والوجدان المتيقظ، أن يتعرف عليها، ويستفيد منها منهاجاً ونبراساً له في سلوكه، وأعماله، ومواقفه.
وقد سار علي «عليه السلام» في وصاياه لجيوشه على هذا النهج أيضاً فليراجع([28]).

4 ـ لماذا المهاجرون فقط؟!

ويلاحظ: أنه «صلى الله عليه وآله» كان قبل بدر لا يخرج في غزواته، ولا يرسل في سراياه إلا المهاجرين.
وهنا يرد سؤال: لماذا يتعمد النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ذلك؟ وما هي الحكمة فيه؟!.
لربما يقال في مقام الإجابة على ذلك: إنه «صلى الله عليه وآله» يريد أن يفهم الأنصار: أنه مصمم على الوصول إلى أهدافه، ولو لم يعاونوه؛ فلا يجب أن يظنوا: أنه يريد أن يجعلهم وسيلة لمآربه وغاياته، مع احتفاظه بأصحابه المهاجرين؛ الأمر الذي يولّد عند الأنصار الشعور بالمظلومية والغبن.
ولكننا نرى أنه لا بد من نظرة أعمق إلى هذا الأمر، وذلك يحتم علينا أن لا نقنع بهذه الإجابة، ولذا فنحن نجمل ملاحظاتنا هنا على النحو التالي:

أ ـ على الأنصار نصره في دارهم:

إنه يبدو أن الأنصار كانوا يرون: أن عليهم نصر النبي «صلى الله عليه وآله» في دارهم، إن دهمه أمر، فيمنعونه مما يمنعون منه أنفسهم.
أما إذا كان هو نفسه المهاجم لغيره، أو كانت الحرب في غير بلدهم، فلا نصرة له عليهم، وذلك هو ظاهر ما تم الاتفاق عليه في بيعة العقبة، كما تقدم.
ويدل على ذلك: أن المؤرخين يصرحون في غزوة بدر: أنه «صلى الله عليه وآله»: «كان يخشى ألا تكون الأنصار ترى عليهم نصرته إلا ممن دهمه في المدينة، وليس عليهم أن يسير بهم».
وسيأتي ذلك حين الحديث عن غزوة بدر في الفصل الأول إن شاء الله تعالى.

ب ـ مسألة الحرب والسلم:

إن مسألة الحرب ليست سهلة بالنسبة إلى المدنيين، وقد كانوا يدركون أنهم هم الذين سوف يتحملون مسؤولياتها، ويضحون فيها بأموالهم وأنفسهم، وهم الذين سوف يواجهون نتائجها وعواقبها على صعيد علاقاتهم، وروابطهم الاجتماعية والاقتصادية، وحالتهم السياسية وغيرها، وهي أخطر وأهم مسألة لدى الإنسان العربي، لأنها مسالة الدم والثأر، والموت والحياة، والسعادة والشقاء.
إذاً.. فلا بد فيها من توفر القناعات الكاملة بها من قبلهم أنفسهم، ولا بد أن يقرروا هم الدخول فيها وعدمه.
وأما إذا فرضت عليهم فرضاً، فلربما يؤدي دخولهم فيها إلى نتائج عكسية، وربما خطيرة جداً، تجر على المسلمين، وعلى مستقبل الإسلام الكثير من الرزايا والبلايا، التي قد تعسر معالجتها، والخروج منها على النحو المرضي والمشرف، والمنسجم مع الهدف الأسمى، والغاية الفضلى.
وهذا هو السر في استشارته «صلى الله عليه وآله» أصحابه في الحرب وشؤونها في بدر وفي أحد، كما سنشير إليه ثمة إن شاء الله تعالى.

ج ـ ظروف الأنصار الخاصة:

وإذا كان الأنصار في بلدهم، ويعيشون حياة الأمن والدعة ـ على صعيد علاقاتهم بمن يحيط بهم طبعاً ـ ويشرفون على زراعتهم، وأمور معاشهم، ويستفيدون من أرضهم؛ فإن ذلك يجعلهم أكثر تعلقاً بالحياة، وحباً لها، ولا بد من توفر دافع نفسي أقوى يسهل عليهم الخروج إلى جو آخر، فيه الكثير من المشاكل والأخطار الجسام، إن حاضراً، وإن مستقبلاً.
وأيضاً: إذا كان الأنصار سوف يحاربون قريشاً، أعظم قبائل العرب خطراً ونفوذاً، وحتى قدسية، فإن عليهم أن يعدوا إلى العشرة قبل أن يقدموا على أي إجراء من شأنه أن يعرض علاقتهم بمكة إلى الخطر، ولا سيما إذا كان من الممكن أن يجر ذلك عليهم خطر عداء العرب قاطبة، فضلاً عن غيرهم، وعلى الأخص إذا كان المدنيون في موقع المعتدي في نظر الناس.
وهذا هو ما حدث بالفعل، فإن التاريخ يحدثنا: «عن أبي بن كعب قال: لما قدم النبي «صلى الله عليه وآله» وأصحابه إلى المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة، فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا فيه»([29]).
فأذن الله تعالى لهم بالقتال دفاعاً عن أنفسهم، ولرد كيد أعدائهم، كما قال تعالى: {أذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}([30]).
أما ظروف المهاجرين، فكانت مختلفة تماماً عن ظروف الأنصار من هذه الجهة؛ لأن اتخاذهم قرار الحرب ضد قريش كان أسهل وأيسر، لأن وقوفهم ضدها له مبرراته النفسية والاجتماعية كاملة، فإن الكل يعلم: أنها كانت تلك القوة الغاشمة التي أهانتهم، وعذبتهم وأخرجتهم من ديارهم، وسلبتهم أموالهم، ولأن المهاجرين الذين كانوا مشردين، مقهورين، كانوا يشعرون بظلم قريش وخروجها على كل النواميس الأخلاقية والأعراف الاجتماعية، والأحكام العقلية والدينية والفطرية. فاندفاعهم إلى محاربتها، والوقوف في وجهها يكون أعظم وأشد.
كما أن تحريكهم إلى مضايقة قوافلها، التي تمثل إغراء لهؤلاء الذين فقدوا أموالهم، وكل ما لديهم على أيدي أصحاب هذه القوافل نفسها، يكون أسهل وأيسر.
وخلاصة الأمر: لا يمكن أن ينظر إلى وقوفهم في وجه قريش على أنه تجنٍ واعتداء عليها، بل هي حرب محقة وعادلة لمن هذه معاملتهم، وتلك هي حالتهم وسلوكهم، ومع من؟!. مع أحب الناس وأقربهم نسباً إليهم، فكيف تكون الحال لو كان الأمر مع غيرهم ممن لا تربطهم بهم رابطة قربى، ولا وشائج رحم؟!.

د ـ الحالة النفسية للمهاجرين:

وبعد ما تقدم، فقد كان اتخاذ المهاجرين قرار الحرب أيسر من اتخاذ الأنصار قراراً كهذا، حيث لا يعتبر ذلك اعتداء، بقدر ما هو رد للاعتداء، فهو إذاً قرار له مبرراته السياسية والاجتماعية والنفسية، وكان لا بد من حصول هذا الأمر، حيث يوجد المناخ العام الملائم حينئذٍ لدخول الأنصار للحرب ليكونوا الدرع الواقي، والسيف القاطع.
فبدأ المهاجرون في تحركاتهم، وقد أعطتهم هذه التحركات التدريجية، وهم الغرباء عن المنطقة فرصة للتعرف عليها جغرافياً، ولو بشكل محدود؛ فقد كان المهاجرون المصدومون نفسياً، يشعرون بالغربة عن المنطقة، فهم بحاجة إلى حركة تعيد لهم الثقة بأنفسهم، وترفع معنوياتهم، وتركز فيهم الشعور بالقوة، وبالاستقلالية والحرية، فأعطتهم هذه التحركات شعوراً بأن باستطاعتهم ـ الآن ـ مضايقة قريش، والضغط عليها، وأنهم يملكون أنفسهم بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
وقد عزز ذلك فيهم موادعات رسول الله لكثير من القبائل التي كانت تعيش في المنطقة، أما الأنصار فقد كانوا في غنى عن كل ذلك بملاحظة ظروفهم وأحوالهم.
يضاف إلى ذلك: أنه إذا كان بين هؤلاء المهاجرين من أثرت فيه المحنة وزعزعت يقينه الصدمة، فإن تكليفه بالقيام بأعمال وتقديم تضحيات في سبيل هذا الدين، لسوف يحصنه من الوقوع ـ بسبب ضعف نفسه ـ بين براثن الشيطان.
فإنه إذا رأى نفسه يعمل في سبيل هذا الدين، وهذه العقيدة، ويضحي من أجلها وفي سبيلها، وأن عمله هذا يؤثر وينتج ويتقدم من حسن إلى أحسن، فسوف يعود إليه ثباته، وتطمئن نفسه، ويصير تأثير المحنة عليه أقل، والتفاعل معها أندر.
وسوف يصبح تعلقه بما ضحى من أجله، وتعب وشقي في سبيله، أشد وأوثق، وتنفذ بصيرته في الدين وفي الإسلام بشكل أعظم وأعمق.

هـ ـ العربي وقضية الدم:

ولقد كان العربي لا يغفر قضية الدم، ولا يتجاوزها، وعلى أساس الثأر للدم يتقرر مصير العلاقـات بين القبائل والفئات سياسيـاً، واقتصاديـاً، واجتماعياً، وغير ذلك، ولربما يستمر العداء الثأري بين القبائل أجيالاً عديدة.
وإذا كان لا بد من قيام مجتمع إسلامي متكافل، متماسك كالجسد الواحد، فلا بد من حصر قضايا الدم والثأر في أضيق دائرة ممكنة، تفادياً للأحقاد التي تتأصل في النفوس، ويظهر أثرها ولو بعد أجيال، وعشرات، بل مئات السنين.
ولذا نلاحظ: أن حرب بدر رغم أن الكثرة فيها كانت للأنصار بنسبة واحد إلى أربعة أو خمسة من المهاجرين، إلا أن أكثر قتلى المشركين كانت نهايتهم على يد علي «عليه السلام» وحمزة، وهما من المهاجرين القرشيين، كما سنرى إن شاء الله تعالى.
ولأجل هذا بعينه، ثم من أجل تقليل القتلى ما أمكن، نجد أمير المؤمنين «عليه السلام» يقول للأزد في صفين: أكفوني الأزد، والخثعم: أكفوني خثعماً، وأمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام إلا قبيلة ليس منهم بالشام أحد مثل بجيلة، لم يكن بالشام منهم إلا عدد يسير؛ فصرفهم إلى لخم([31]).
وكذلك جرى أيضاً في حرب الجمل([32]).
وقد خرج صائح في حرب الجمل من قبل علي «عليه السلام» يحذر جيش عائشة من الأشتر، وجندب بن زهير([33]).
ثم هو يرسل مصحفاً إليهم يدعوهم إلى ما فيه، فيقتلون الرجل الحامل له.
هذا بالإضافة إلى المحاولات المتكررة التي بذلها لإقناع طلحة والزبير وعائشة بالتخلي عن قرار الحرب، ثم هو يعلن انتهاء الحرب بمجرد عقر جمل عائشة، ويظهر أسفه على من قتل.
وأما في صفين، فكم حاول إقناع معاوية ومن معه بالكف عن غيهم، والقبول بحكم الله سبحانه، وقد استمرت محاولاته تلك وطالت أسابيع كثيرة. وما ذلك إلا لأن علياً لا يريد أن يقتل الناس، وإنما يريد قمع الفتنة، وإقامة الدين الذى تحيا به الأمم، بأقل قدر ممكن من الخسائر.
شاهدنا على ذلك أنه عندما أمر المختار إبراهيم بن الأشتر أن يسير إما إلى مضر، أو إلى أهل اليمن، عاد فرجح له أن يسير إلى مضر.
قال الطبري: « فنظر المختار ـ وكان ذا رأي ـ فكره أن يسير إلى قومه، فلا يبالغ في قتالهم، فقال: سر إلى مضر بالكناسة الخ..»([34]).
خلاصة الأمر: أنه إذا كانت الحرب بين أفراد أو فئات القبيلة الواحدة؛ فلربما تكون أقل ضراوة من جهة، ولأن العاطفة النسبية، والقربى القبلية تسهل على الناس تناسي الأحقاد وتجاوزها، حيث يتهيأ الجو للعودة إلى الحياة الهادئة، والمحبة والتصافي بسرعة من جهة أخرى.
والشاهد على صحة ما نقول: أن قريشاً ليس فقط كانت تحقد على بني هاشم بسبب نكاية علي «عليه السلام» فيها، حتى إن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يبكي على ما سيحل بأهل بيته بعده، نتيجة لتلك الأحقاد([35]).
كما أن قريشاً لن تنسى ـ رغم طول العهد ـ جراحاتها من الأنصار أيضاً، ولم تأل وسعاً ولم تدخر جهداً في الثأر لنفسها كما سنرى في الفقرات التالية.
هذا كله عدا عما في هذا من الامتحان لهم، فإن القبول بقتل الأقارب يحتاج إلى إيمان عميق، وإخلاص تام، وقد امتحن الله سبحانه بني إسرائيل بذلك أيضاً، بل لقد امتحن الله تعالى نبيه إبراهيم بما يشبه هذا في ولده إسماعيل، حسبما

و ـ قريش والأنصار:

وأول ما يطالعنا في مجال استكشاف مشاعر قريش، ونواياها تجاه الأنصار، ما قاله أبو سفيان بعد حرب بدر:
آلـيـت، لا أقـرب  الـنــســـاء             ولا يمس  رأسي وجـلـدي الغسل
حـتـى تـبـيـروا قـبـائل الأوس            والـخـزرج، إن الـفـؤاد  يـشـتعل
وقد كان الأنصار أنفسهم يشعرون بهذا الأمر، فإنهم عندما مات النبي «صلى الله عليه وآله» كانوا يبكون؛ لأنهم لا يدرون ما يلقون من الناس بعده «صلى الله عليه وآله»([36]).
ولم تكن مبادرتهم إلى محاولة مبايعة سعد بن عبادة إلا انطلاقاً من هذا الشعور، الذي عبر عنه الحباب بن المنذر بقوله يوم السقيفة: «ولكنا نخاف أن يليها بعدكم من قتلنا أبناءهم وآباءهم، وإخوانهم»([37]).
وقد بين أمير المؤمنين «عليه السلام» دوافع سعد بن عبادة إلى طلب البيعة له، فكتب «عليه السلام» إلى أصحابه يقول:
«ولقد كان سعد لما رأى الناس يبايعون أبا بكر نادى: أيها الناس، إني والله ما أردتها حتى رأيتكم تصرفونها عن علي، ولا أبايعكم حتى يبايع علي. ولعلي، لا أفعل وإن بايع الخ..».
وفي مورد آخر من نفس الرسالة: يقول: «إن الأنصار قالوا: أما إذا لم تسلموها لعلي فصاحبنا أحق بها من غيره الخ..»([38]).
فذلك يوضح: أن الأنصار بادروا إلى ذلك بعد أن عرفوا أن العرب وقريشاً لن تمكن علياً «عليه السلام» من الوصول إلى الحكم، وقد تأكد لديهم ذلك حينما شهدوا كيف منع النبي «صلى الله عليه وآله» عن كتابة «الكتاب»، بذلك الأسلوب الجاف والمهين والقاسي، ثم تأخير بعث جيش أسامة، وغير ذلك من قرائن وأحوال لا تخفى.
وبعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» حاق بالأنصار البلاء، وحلت بهم الرزايا، واستأثر المهاجرون بكل الامتيازات، وكان في ذلك تصديق لما أخبرهم به النبي «صلى الله عليه وآله» من أنهم سيلقون بعده إثرة، ثم أمرهم بالصبر حتى يلقوه على الحوض([39]).

ومما يدل على ما ذكرناه:

1 ـ أن محمد بن مسلمة حين رأى القرشيين وهم يرفلون بالحلل، أعلن بالتكبير في المسجد، فطالبه بذلك عمر، فأخبره بما رأى من الأثرة، ثم قال: أستغفر الله، ولا أعود([40]).
ويلاحظ هنا: أن محمد بن مسلمة كان من المقربين للهيئة الحاكمة، ومن أعوانها الأوفياء الذين كانت تطمئن إليهم، وتعتمد عليهم.
2 ـ لقد هم عمر في أواخر خلافته: أن يأخذ فضول أموال الأغنياء ويقسمها بين فقراء المهاجرين([41]).
3 ـ وكان عمر يركب كل جمعة ركبتين: أحدهما: ينظر في أموال يتامى أبناء المهاجرين.
والثانية: ينظر أرقاء الناس ما يبلغ منهم([42]).
4 ـ ونجد عمر بن الخطاب يمتنع عن قضاء حاجة للأنصار كانوا قد جاؤوه من أجلها، حتى توسط ابن عباس لهم عنده([43]).
5 ـ لم يكن يبر الأنصار أحد إلا بنو هاشم كما قال البعض. وقد اشتد البلاء بعد ذلك العهد على الأنصار، حتى لقد ورد:
6 ـ أن يزيد لعنه الله طلب من كعب بن جعيل أن يهجو الأنصار، فقال له كعب: أرادي أنت إلى الشرك؟!. أهجو قوماً نصروا رسول الله «صلى الله عليه وآله» وآووه؟ ثم دلّه على الأخطل النصراني، الذي قال فيهم:
ذهـبـت قريش بالسماحة والنـدى               والـلـؤم تحت عمـائـم  الأنصار([44])
7 ـ ثم توج يزيد لعنه الله جناياته ومخازيه بوقعة الحرة، التي أذل فيها عزيز الأنصار، وهتك فيها حرماتهم، وأباح أعراضهم، وقتل رجالهم، ولم تزل ولا تزال وصمة عار على جبين الحكم الأموي، تؤذن بالخزي والعار لذلك الحكم البغيض، ولكل من يسير على نهجه، وينسج على منواله.

ز ـ تزوير التاريخ:

«قال المدائني في خبره: وأخبرني ابن شهاب، قال: قال لي خالد بن عبد الله القسري: اكتب لي النسب؛ فبدأت بنسب مضر، وما أتممته فقال: اقطعه، اقطعه، قطعه الله مع أصولهم، واكتب لي السيرة.
فقلت له: فإنه يمر بي الشيء من سير علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، فأذكره؟
فقال: لا، إلا أن تراه في قعر الجحيم»([45]).
لعن الله خالداً ومن ولاه، وقبحهم، وصلوات الله على أمير المؤمنين.
وحينما وصل كتاب علي «عليه السلام»، الذي يذكر فيه ما له من مناقب وفضائل إلى معاوية، قال معاوية: «اخفوا هذا الكتاب لا يقرأه أهل الشام، فيميلوا إلى ابن أبي طالب»([46]).
وقد كتب هشام بن عبد الملك إلى الأعمش يطلب منه أن يكتب له فضائل عثمان، ومساوئ علي «عليه السلام» فرفض([47]).
ويقول الشعبي: «لو أردت أن يعطوني رقابهم عبيداً، أو يملأوا لي بيتاً ذهباً، على أن أكذب لهم على علي رضوان الله عليه لفعلوا»([48]).
وقال أبو أحمد العسكري: «يقال: إن الأوزاعي لم يروِ في الفضائل حديثاً (أي غير حديث الكساء) والله أعلم، وكذلك الزهري لم يروِ فيها إلا حديثاً واحداً، كانا يخافان بني أمية»([49]).
وحسبك دليلاً على تزوير التاريخ: أن المؤرخين يذكرون: أنه قد كان مع علي «عليه السلام» سبعمائة من المهاجرين والأنصار، وسبعون بدرياً أو ثمانون، وماءتان من أهل بيعة الشجرة([50]).
ولكن أعداء علي ومزوري التاريخ قد بلغت بهم الوقاحة حداً ـ كما عن الشعبي ـ : أن قالوا: من زعم أنه شهد الجمل من أهل بدر إلا أربعة، فكذبه، كان علي وعمار في ناحية، وطلحة والزبير في ناحية([51]).
وقد ذكر الإسكافي: «أن معاوية وضع قوماً من الصحابة، وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي «عليه السلام» تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم: أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير»([52]).
وقد استطاع معاوية أن يزين لأهل الشام أن علياً وأصحابه لا يصلون([53]).
وهكذا جرى أيضاً للأنصار، قال الزبير بن بكار ما ملخصه: إن سليمان بن عبد الملك قدم حاجاً، وهو ولي عهد؛ فمر بالمدينة، فأمر أبان بن عثمان أن يكتب له سيرة النبي «صلى الله عليه وآله» ومغازيه، فقال له أبان: هي عندي، قد أخذتها مصححة ممن أثق به، فأمر بنسخها فنسخت له، فلما صارت إليه نظر؛ فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين، وذكر الأنصار في بدر، فقال: ما كنت أرى لهؤلاء هذا الفضل، فإما أن يكون أهل بيتي غمصوا([54]) عليهم، وإما أن يكونوا ليس هكذا.
فقال أبان بن عثمان: أيها الأمير، لا يمنعنا ما صنعوا بالشهيد المظلوم من خذلانه، لأن نقول بالحق: هم على ما وصفنا لك في كتابنا هذا.
قال: ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتى أذكره لأمير المؤمنين، لعله يخالفه، فأمر بذلك الكتاب فحرق.
فلما رجع، وأخبر أباه، قال عبد الملك: وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل؟ تعرف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها؟!
فأخبره بتحريق ما كان نسخ، فصوب رأيه، وكان عبد الملك يثقل عليه ذلك.
وبعد أن ذكر الراوي: أن سليمان أخبر قبيصة بن ذؤيب بما جرى، وجواب قبيصة له، قال:
فقال سليمان: يا أبا إسحاق، ألا تخبرني هذا البغض من أمير المؤمنين وأهل بيته لهذا الحي من الأنصار، وحرمانهم إياهم، لم كان؟!.
فقال: يا ابن أخي، أول من أحدث ذلك معاوية بن أبي سفيان، ثم أحدثه أبو عبد الملك، ثم أحدثه أبوك.
فقال: علام ذلك؟!
قال: فوالله ما أريد إلا لأعلمه وأعرفه.
فقال: لأنهم قتلوا قوماً من قومهم، وما كان من خذلانهم عثمان «رض»، فحقدوه عليهم، وحنقوه، وتوارثوه، وكنت أحسب لأمير المؤمنين أن يكون على غير ذلك لهم، وأن أخرج من مالي فكلمه.
فقال سليمان: أفعل والله، فكلمه، وقبيصة حاضر، فأخبره قبيصة بما كان من محاورتهم.
فقال عبد الملك: والله ما أقدر على غير ذلك، فدعونا من ذكرهم، فأسكت القوم([55]).
ولكن ما ذكره قبيصة من أن أول من حرمهم هو معاوية في غير محله، فقد بدأ حرمانهم من زمن عمر بن الخطاب كما يظهر مما تقدم، بل ومن زمن أبي بكر، وليس تحقيق ذلك محط نظرنا الآن.
وعلى كل حال، فقد قال رجل من الأنصار:
ويـل أمهـا أمـة لـو أن  قـائـدهــا        يتلو الكتاب، ويخشى العار والنارا
أمـا قـريـش فـلـم نسمع  بمثلهم        غـدراً وأقبح فـي الإسـلام آثــارا
ضـلـوا سوى عصبة حاطوا نبيهم      بـالعرف عرفاً وبالإنكار إنكـارا([56])
وقال بعض الأنصار أيضاً:
دعـاهـا إلـى حـرمـاننـا وجفـائنا                 تـذكـر قتـلى في القـلـيب تكبكبوا
فإن يغضب الأبناء من قتل من مضى          فـوالله مـا جـئـنـا قبيحـاً فتعتبوا([57])
ويقول آخر:
وخـبـرتـمـونـا: أنـما الأمـر بينـنا               خـلاف رسـول الله يـوم التـشاجر
فـهـلا وزيــراً واحــداً تحسـبـونه        إذا مـا عـددنـا منـكم ألف آمـر([58])

ح: تأكيد النبي على بر الأنصار:

ولم يكن بغض الأمويين وقريش للأنصار فقط لأجل الدماء والترات، وإنما لأنهم نصروا الله ورسوله، ومحق الله الشرك، وذل المشركون بمساعدة منهم.
بل إن بغضهم لهم إنما كان انطلاقاً من بغضهم للإسلام.
ولربما يكون هذا هو السر في تأكيدات النبي «صلى الله عليه وآله» المتكررة على لزوم حب الأنصار، واحترامهم وتقديرهم.
فنراه «صلى الله عليه وآله» يعتبر حب الأنصار إيماناً وبغضهم نفاقاً([59]).
وقال: من أحب الأنصار فبحبي أحبهم، ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم([60]).
وبذلك يكون قد حفظ لهم هذا الجهاد الخالص في سبيل الله، ودفاعهم عن هذا الدين، ولأنهم آووا ونصروا وبذلوا كل غال ونفيس؛ فجزاهم الله عن الإسلام وعن المسلمين خير جزاء وأوفاه.
كما أننا يجب أن لا ننسى التزام الأنصار في الأكثر بخط أهل البيت «عليهم السلام»، وتعظيمهم لحق أمير المؤمنين «عليه السلام» ونصرتهم له في الجمل وصفين والنهروان، على خلاف كثير من المهاجرين.
ومما يدل على مكانة علي «عليه السلام» لدى الأنصار ما رواه الزبير بن بكار عن عمرو بن العاص حينما تكلم في المسجد كلاماً قاسياً ضد الأنصار، لأجل محاولتهم البيعة لسعد بن عبادة، قال الزبير: «ثم التفت فرأى الفضل بن العباس بن عبد المطلب، وندم على قوله للخؤولة التي بين ولد عبد المطلب وبين الأنصار، ولأن الأنصار كانت تعظم علياً وتهتف باسمه حينئذٍ».
ثم تذكر الرواية كيف أن علياً «عليه السلام» جاء إلى المسجد ودافع عن الأنصار، والقصة طويلة([61]).
والتزام الهاشميين ببرهم، تنفيذاً لوصية النبي «صلى الله عليه وآله» ثم قولهم يوم السقيفة ـ بعد أن فشلت محاولة البيعة لسعد بن عبادة ـ : «لا نبايع إلا علياً»([62]).
وعلي «عليه السلام» هو قاتل صناديد قريش وجبابرتها كما هو معلوم ربما يكون كل ذلك، ومعه عمق إيمانهم، والتزامهم القوي بالدين، والتفقه فيه حتى من نسائهم، هو السبب في ذلك.
بقي أن نذكر: أن علم أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد كان عند الأنصار، كما قالوا([63]).
وعن نساء الأنصار قالت عائشة: «إن لنساء قريش لفضلاً، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، ولا أشد تصديقاً لكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور، وليضربن بخمرهن..»([64]).
وعنها أيضاً قالت: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين([65]).

ط ـ لا غنى في الحرب عن الأنصار:

ولكن كل ما قدمناه لا يعني: أن لا يشترك الأنصار في حرب أبداً؛ فإن قضية الإسلام، التي هي قضية الأمم والإنسانية جمعاء على مدى التاريخ، تفوق في أهميتها وخطرها أهمية وخطر ما سيواجهه الأنصار من قريش فيما بعد، وعلى الأخص إذا كان الإسلام قد وضع الضمانات اللازمة لتفادي أي رد فعل من هذا النوع.
وإنما حدث ما حدث بسبب عدم رعاية الأمة لقوانين الإسلام، وعدم أخذها تلك الضمانات بنظر الاعتبار.
نعم.. لم يكن ثمة محيص عن اشتراك الأنصار في الحرب، كما أنه لم يكن مفر من العمل على تخفيف حدة حقد قريش، والموتورين من قبل الإسلام؛ لتكون المشاكل المستقبلية، التي سوف يواجهها الأنصار أقل، ووقعها أخف نسبياً، وهكذا كان.
وسيأتي إن شاء الله بعض الكلام أيضاً عن قريش والأنصار في غزوة بدر العظمى، فلا بد من ملاحظة ذلك.



([1]) الجامع لأحكام القرآن ج8 ص44، وجامع البيان ج10 ص27، وتفسير المنار ج10 ص77.
([2]) الآيتان 65 و66 من سورة الأنفال.
([3]) الكافي ج1 ص334 و335، والبحار ج19 ص177 ـ 179، وراجع: مسند أحمد ج1 ص300 وغيره، والتهذيب للطوسي ج6 ص138 و139، والأموال ص35.
([4]) النظم الإسلامية لصبحي الصالح ص514.
([5]) التهذيب للطوسي ج6 ص174، والكافي ج1 ص334 و335، والبحار ج19 ص177 ـ 179.
([6]) التراتيب الإدارية ج2 ص22، والجامع الصحيح ج3 ص517.
([7]) تاريخ الخميس ج1 ص356، والسيرة الحلبية ج3 ص152، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص245.
([8]) السيرة النبوية لدحلان مطبوع بهامش السيرة الحلبية ج1 ص360 و359، وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص359.
([9]) تاريخ الخميس ج1 ص359.
([10]) تاريخ الخميس ج1 ص363، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص241، والسيرة النبوية لدحلان بهامش الحلبية ج1 ص361.
([11]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص363، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص361، والسيرة الحلبية ج2 ص126، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص249.
([12]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص463 والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية) ج1 ص361 والسيرة الحلبية ج2 ص126 وسيرة ابن هشام ج2 ص249.
([13]) الأوائل ج1 ص176، والسيرة الحلبية ج3 ص157، والإستيعاب ترجمة عبد الله بن جحش، وراجع أيضاً: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص252 و253، والمغازي للواقدي ج1 ص13، والطبقات الكبرى ج2 ص10 ط سنة1405 ه‍. وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص410 ـ413، والسنن الكبرى ج9 ص12، ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص307 و308، وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص29، وأسباب النزول ص36، والبحار ج20 ص189 و190 وراجع: رجال المامقاني ج2 ص173، وقصص الأنبياء للراوندي ص339، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص366، والكامل في التاريخ ج2 ص113، وتاريخ الخميس ج1 ص365، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص69، والدر المنثور للسيوطي ج1 ص251، ومجمع الزوائد ج6 ص198، والسيرة النبوية لدحلان هامش الحلبية ج1 ص362، وغير ذلك.
([14]) الآية217 من سورة البقرة.
([15]) راجع ذلك في: تاريخ الخميس ج1 ص366، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج1 ص363، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص254 و255.
([16]) السيرة الحلبية ج2 ص128، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص251.
([17]) البداية والنهاية ج3 ص247، والآحاد والمثاني مخطوط في كوبرلي رقم235، وصحيح ابن حبان مخطوط، والبحار ج19 ص188، ومسند أحمد ج4 ص263 و264، وتاريخ الطبري ج2 ص123 و124، والكامل لابن الأثير ج2 ص12 ط صادر، وسيرة ابن هشام ج2 ص249 و250، ومستدرك الحاكم ج3 ص140، وكنز العمال ج15 ص123 و124 عن المصنف، والبغوي، والطبراني في الكبير، وابن مردويه، وأبي نعيم في معرفة الصحابة، وابن النجار، وغيرهم، وعن ابن عساكر، وشواهد التنزيل ج2 ص342، ومجمع الزوائد ج9 ص136 و100 عن الطبراني في الأوسط والكبير، والبزار وأحمد، ووثق رجال عدد منهم، وتاريخ الخميس ج1 ص364، وترجمة الإمام علي >عليه السلام< من تاريخ ابن عسـاكـر ج3 ص86 بتحقيق المحمودي، وأنسـاب الأشـراف ج2 ص90،  والسيرة الحلبية ج2 ص126، وطبقات ابن سعد، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص363، ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص303، ونقل أيضاً عن كتاب الفضائل = = لأحمد بن حنبل رقم295، والغدير ج6 ص334، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج1 ص226، والإمتاع للمقريزي ص55، وعلى كل حال، فإن من يراجع غزوة العشيرة في كتب التاريخ والحديث، يجد هذا الحديث مثبتاً في أكثر تلك المصادر.
([18]) السيرة الحلبية ج2 ص127، وأنساب الأشراف ج2 ص90.
([19]) البداية والنهاية ج3 ص347، والغدير ج6 ص336 عن سيرة ابن هشام ج2 ص237، وعمدة القاري ج7 ص630، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص363 عن صحيح البخاري، والمناقب للخوارزمي ص7، وأنساب الأشراف ج2 ص90، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص211.
([20]) طبقات ابن سعد ط ليدن ج8 ص16.
([21]) المصدر السابق.
([22]) مناقب الخوارزمي ص256، وكشف الغمة ج1 ص363، البحار ج43 ص134.
([23]) البخاري ط مشكول ج5 ص36، والبحار ج28 ص76، وراجع: إحقاق الحق ج10 ص190، وحلية الأولياء ج2 ص40، وينابيع المودة ص360، 171، 173، والسنن الكبرى ج10 ص201 و64، ومستدرك الحاكم ج3 ص159، وتلخيصه بهامشه، وأعلام النساء ج4 ص125، وكنز العمال ج13 ص93، والإصابة ج4 ص378، وتهذيب التهذيب ج12 ص441، وثمة مصادر أخرى ذكرت ذلك تعقيباً على قصة مكذوبة هي قصة خطبة علي >عليه السلام< لبنت أبي جهل فراجع: ذخائر العقبى ص37 و38، وكفاية الطالب ص365، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص53، ونظم درر السمطين ص176، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش السيرة الحلبية) ج2 ص10، والخصائص للنسائي ص120، وصفة الصفوة ج2 ص13، والجامع الصحيح ج5 ص698، ومسند أحمد ج4 ص328 والبداية والنهاية ج6 ص333 والصواعق المحرقة ص188.
([24]) راجع: فرائد السمطين ج2 ص46، ومجمع الزوائد ج9 ص203، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص52، وكفاية الطالب ص364، وذخائر العقبى ص39،  =  = وأسد الغابة ج5 ص522، وتهذيب التهذيب ج12 ص442، وينابيع المودة ص173 و174 و179 و198، ونظم درر السمطين ص177، ومستدرك الحاكم ج3 ص154 و158، وتلخيصه للذهبي مطبوع بهامشه، وكنز العمال ج13 ص96، وج6 ص219، وج7 ص111 والغدير ج7 ص231 ـ 236، وإحقاق الحق ج10 ص116، وراجع: السنن الكبرى ج7 ص64، والصواعق المحرقة ص186، وسير أعلام النبلاء ج2 ص132.
([25]) روضة الواعظين ص151.
([26]) أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص93، وترجمة الإمام علي بن أبي طالب >عليه السلام< لابن عساكر بتحقيق المحمودي ج1 ص159، وصحيح ابن حبان ترجمة علي (مخطوط في مكتبة قبوسراي في استانبول)، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص200، والغدير ج10 ص202.
([27]) سفينة البحار ج1 ص121.
([28]) راجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص182 و183 وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص23 والفتوح لابن أكتم ج3 ص45 و135 وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص262 و240 و302 و331 و479.
([29]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص123، وراجع: البحار ج19 ص8، وإعلام الورى ص55، ومنتخب كنز العمال ج1 ص465 بهامش مسند أحمد عن البيهقي في الدلائل، وابن مردويه، وابن المنذر، وعن كنز العمال ج1 ص295 عن هؤلاء وعن الطبراني، والحاكم، وسعيد بن منصور، وعن روح المعاني ج6 ص98.
([30]) الآية 39 من سورة الحج.
([31]) وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص229، وراجع: أنساب الأشراف ج2 ص305، والفتوح لابن أعثم ج3 ص141، وراجع: ج2 ص299، وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص9 وفيه: أن علياً >عليه السلام< سأل أولاً عن قبائل الشام، فلما أخبروه اتخذ قراره ذاك.
([32]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص299.
([33]) لباب الآداب ص187، والإصابة ج1 ص248، والجمل للمفيد ص194.
([34]) تاريخ الطبري ط مطبعة الاستقامة ج4 ص521.
([35]) راجع: الأمالي للصدوق ص102 وفرائد السمطين ج2 ص36 وراجع: البحار ج28 ص37 و38 و41 و51 و81 وج43 ص172 و156 والعوالم ص216 و217 و218 وكشف الغمة للأربلي ج2 ص36 وأنساب الأشراف للبلاذري ومسند أبي يعلى ج1 ص427 ومجمع الزوائد ج9 ص118 ومستدرك الحاكم ج3 ص139 والمطالب العالية ج4 ص61 ط دار المعرفة.
([36]) مسند أحمد ج6 ص339، ومجمع الزوائد ج9 ص34 عنه.
([37]) حياة الصحابة ج1 ص420.
([38]) معادن الحكمة ص154 و153 وراجع تعليقات العلامة الأحمدي على معادن الحكمة ص470 ـ 473 لتقف على مصادر كثيرة.
([39]) راجع: حياة الصحابة ج1 ص411 ـ 414 و409.
([40]) حياة الصحابة ج1 ص413، عن كنز العمال ج1 ص329 عن ابن عساكر.
([41]) راجع أواخر مقالنا: أبو ذر في كتابنا دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.
([42]) المصنف ج2 ص349 وفي هامشه عن مالك ج1 ص69 مختصراً.
([43]) راجع: حياة الصحابة ج1 ص414 و415 و416.
([44]) الشعر والشعراء لابن قتيبة ص302.
([45]) الأغاني ج19 ص59.
([46]) معجم الأدباء ج5 ص266.
([47]) راجع: شذرات الذهب ج1 ص221.
([48]) تاريخ واسط ص173.
([49]) أسد الغابة ج2 ص20.
([50]) المعيار والموازنة ص22. مستدرك الحاكم ج3 ص104 والغدير ج10 ص163 عن صفين و268 و266 وعن شرح النهج ج1 ص483 وجمهرة خطب العرب ج1 ص179 و183.
([51]) راجع العقد الفريد لابن عبد ربه ج4 ص328.
([52]) راجع شرح النهج للمعتزلي ج4 ص64.
([53]) الغدير ج9 ص122 عن صفين للمنقري ص402 وعن تاريخ الطبري ج6 ص23 وعن شرح النهج للمعتزلي ج2 ص278 وعن الكامل في التاريخ ج3 ص135.
([54]) غمص على فلان: كذب عليه، وغمص على فلان كلامه: أي عابه عليه.
([55]) أخبار الموفقيات ص332 ـ 334.
([56]) الحور العين ص215.
([57]) الحور العين ص215 للأمير نشوان الحميري.
([58]) المصدر السابق.
([59]) مسند أحمد ج5 ص285 وج6 ص7 وج4 ص283 و292 وج3 ص130 و249 وراجع حول فضل الأنصار مسند أحمد ج4 ص70 وج6 ص382 ومسند أبي يعلى ج7 ص191 و285 و286 ومنحة المعبود ج2 ص137 و138 وصحيح مسلم ج1 ص60 وسنن ابن ماجة ج1 ص140 و57 و58 وصحيح البخاري ج2 ص198 و199 ومجمع الزوائد ج10 ص39 و40.
([60]) راجع مجمع الزوائد ج9 ص376 عن الطبراني في الصغير والكبير، والبداية والنهاية ج3 ص203، وفتح الباري ج1 ص59،60 وليراجع باب حب الأنصار في مجمع الزوائد ج10 ص28 ـ 42 وسائر كتب الحديث فإن كثيراً منها قد عقدت فصلاً لفضائل الأنصار.
([61]) الموفقيات ص595 و596 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج6 ص33.
([62]) تاريخ ابن الأثير ج2 ص325.
([63]) التراتيب الإدارية ج2 ص325.
([64]) الدر المنثور ج5 ص42 عن ابن أبي حاتم، وأبي داود، وابن مردويه، وتفسير ابن كثير ج3 ص284 وراجع: مسند أبي عوانة ج1 ص317 وحياة الصحابة ج3 ص87.
([65]) راجع صحيح البخاري ج1 ص24 والمصنف لعبد الرزاق ج1 ص314 وفي الهامش عن البخاري ومسلم، وابن أبي شيبة، وعن كنز العمال ج5 رقم3145، وعن اهتمام نساء الأنصار بالفقه راجع: التراتيب الإدارية ج2 ص321.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page