• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الرابع: المتخلفون والمعذرون والبكاؤون واللاحقون

أبو ذر يلحق بالنبي :

عن ابن مسعود قال: لما سار رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى تبوك جعل يتخلف عنه الرجل، فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان.
فيقول: «دعوه، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله تعالى منه».
حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله تعالى منه»([1]).
وتلوَّم أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله «صلى الله عليه وآله» ماشياً.
قال محمد بن عمر: قالوا: وكان أبو ذر الغفاري يقول: أبطأت على رسول الله «صلى الله عليه وآله» في غزوة تبوك من أجل بعيري. وكان نضوا أعجف، فقلت: أعلفه أياماً ثم ألحق برسول الله «صلى الله عليه وآله»، فعلفته أياماً، ثم خرجت، فلما كنت بذي المروة أَذَمَّ بي، فتلومت عليه يوماً فلم أر به حركة، فأخذت متاعي فحملته.
قال ابن مسعود: وأدرك رسول الله «صلى الله عليه وآله» في بعض منازله، قال محمد بن عمر: قال أبو ذر: فطلعت على رسول الله «صلى الله عليه وآله» نصف النهار وقد أخذ مني العطش، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «كن أبا ذر».
فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو ـ والله ـ أبو ذر.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده»، فكان كذلك.
فلما قدم أبو ذر على رسول الله «صلى الله عليه وآله» أخبره خبره، فقال: «قد غفر الله لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنباً إلى أن بلغتني».
ووضع متاعه عن ظهره، ثم استقى، فأتي بإناء من ماء فشربه([2]).
ونقول:

لا فرق بين أبي ذر وغيره:

ومبدأ الإسلام في التعامل صريح وصحيح، وهو لا يستثني قريباً حبيباً ولا نائياً غريباً.. ولذلك اطلق النبي «صلى الله عليه وآله» نفس المعيار، وطبقه على أبي ذر، ولم يظهر أي ليونة تجاهه.. وهو قوله: «دعوه، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله تعالى منه».
لأن المفروض: أن ما حصل عليه أبو ذر من مقام في الإسلام، ومن أوسمة على لسان الرسول «صلى الله عليه وآله» لم يحصل عليه باقتراح ومحاباة منه «صلى الله عليه وآله»، بل حصل عليه بجهد وجهاد، رسم حدوده، وبين معالمه رسول الله «صلى الله عليه وآله» لأبي ذر وللناس كلهم، فاستفاد أبو ذر منه فربح، وتقاعس عنه آخرون وفرطوا فيه، فخسروا.
ومن جهة أخرى، فإنه لا بد لرسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يراعي جانب العدل والإنصاف في كل مفردات تعامله، فإذا كان من الجائز على كل أحد سوى الأنبياء وأوصيائهم أن يحدث لهم تراجع أو اختلال في سلوكهم، نتيجة لسوء اختيارهم أو تقصيرهم، أو لغير ذلك من أمور، فإنه لا بد أن يلتزم بذلك أيضاً بالنسبة لأبي ذر، لأنه هو الآخر من الناس الذين يملكون اختياراً، ويتعرضون للخطأ، والتقصير لوسوسات الشيطان.
وهذا بالذات هو ما التزم به النبي «صلى الله عليه وآله» حين أطلق نفس القول بحق أبي ذر الإنسان.. كما كان أطلقه في حق كل من يحمل صفة الإنسانية..

فسيلحقه الله:

وقول النبي «صلى الله عليه وآله»: إن يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم.. لا يريد أن يؤكد به مبدأ الجبر، والتصرف التكويني في البشر إلى حد سلب اختيارهم.. بل هو يريد أن الله تعالى سيمنحه توفيقاته، وسيفتح له أبواب الهداية، ليختار هو لنفسه ما ينجيها، ويعينه عليها لتذليل جماحها، والرضا بما فيه صلاحها، ونجاحها، وفلاحها.

مقايسة بين نوعين من الناس:

ولا أدري كيف تمكن المقارنة بين أولئك الباحثين عن المسارب، والمهارب للتملص من هذا المسير الجهادي، وهم أهل الأموال الكثيرة، التي تمكنهم من تذليل صعاب ذلك السفر، وتهوين مشاقه، ويطمعون بدلاً عن ذلك ـ بالتنعم بنسمة عليلة، أو ثمرة يانعة.. وبين هذا الذي يجهد ليمنح بعيره شيئاً من القوة ليستفيد منه في طريق الجهاد، ولكنه حين يعجز عن ذلك، فإنه يتركه في أوائل ذلك الطريق الطويل جداً، ويحمل ثقله على ظهره، ويسير في تلك الصحراء القاحلة في أيام القيظ والحر، يواجه بوجهه لفحات الهجير، ويعرض نفسه لمخاطر الموت جوعاً أو عطشاً، أو لأخطار الإفتراس، من حيواناتها الكاسرة، أو لأخطار نهشات أفاعيها وحيَّاتها، التي عادة ما تكون في أيام القيظ هائجة.
فبأي شيء كان يطمع أولئك إلا بحطام الدنيا وزخرفها الزائل؟! وبأي شيء كان يطمع أبو ذر إلا بالثواب والأجر، وبالشهادة في سبيل الله تعالى؟!

كن أبا ذر:

وقد ظهر من قول رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن ذلك الذي جاء وحده إلى تبوك: «كن أبا ذر»: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد فصل بين موقفه في تعامله المباشر مع الحالة العامة للناس، ووضع الأسس الصحيحة لهذا التعامل، وبين تعامل آخر، صحيح وسليم أيضاً، وهو حقه في أن يعبر عما يحتفظ به من قناعات عن الأشخاص فيما يرتبط بملكاتهم وخصائصهم، وطبيعة تكوينهم الروحي، وسلوكهم الشخصي. فتوقع!! أن يكون ذلك القادم وحده من قلب الصحراء أبا ذر الذي عرف أخلاقه، وما يحمله من مبادئ، وطبيعة سلوكه ومواقفه..

يموت وحده، ويبعث وحده:

وكما كان إبراهيم أمة عابداً وخاضعاً وقانتاً لله، فإن أبا ذر كان أمة قانتاً لله وخاشعاً له، ويعيش الإستقلالية والغنى عن الإرتباط بأي شيء آخر سوى الله تعالى، فهو يعيش وحده، ويموت وحده، ويبعث يوم القيامة وحده، لم يجعل أي شيء في وجوده مرتهناً ولا مقيداً بأي شيء آخر.
ولا يعبد شيئاً غير الله، ولا يقيم وزناً لأي شيء سواه.
وهذه مرتبة جليلة لا يصل إليها إلا الصفوة من أهل التقوى، الذين حرروا أنفسهم من أي ارتباط بما في هذه الحياة الدنيا..
وما يؤكد ذلك ويوضحه: أن الروايات قد جاءت لتؤكد على غربة الدين وأهله عن هذه الدنيا وعن أهلها، ليكون أبو ذر «رضوان الله عليه» مصداقاً لقول النبي «صلى الله عليه وآله»: «إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء»([3]).
وزاد في نص آخر: فقيل: ومن هم يا رسول الله؟
قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، إنه لا وحشة ولا غربة على مؤمن، وما من مؤمن يموت في غربته إلا بكت عليه الملائكة رحمة له، حيث قلت بواكيه، وفسح له في قبره بنور يتلألأ من حيث دفن إلى مسقط رأسه([4]).
وعن الإمام الباقر «عليه السلام»: «المؤمن غريب، وطوبى للغرباء»([5]).
وروي أيضاً عن أمير المؤمنين «عليه السلام»: «العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم»([6]).

أبو خيثمة وعمير بن وهب أيضاً:

قالوا: لما سار رسول الله «صلى الله عليه وآله» أياماً دخل أبو خيثمة على أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه، وقد رشت كل منهما عريشها وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاماً، فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال: سبحان الله! رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر في الضح والريح والحر، يحمل سلاحه على عنقه، وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ، وامرأة حسنة، في ماله مقيم؟!! ما هذا بالنصف!
ثم قال: والله، لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله «صلى الله عليه وآله»، فهيئا لي زاداً.
ففعلتا، ثم قدَّم ناضحه فارتحله، ثم خرج في طلب رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى أدركه حين نزل تبوك، وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب: إن لي ذنباً، فلا عليك أن تَخَلَّفَ عنى حتى آتي رسول الله «صلى الله عليه وآله». ففعل.
حتى إذا دنا من رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «كن أبا خيثمة».
فقال رجل: هو والله، يا رسول الله أبو خيثمة.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أولى لك يا أبا خيثمة».
ثم أخبر رسول الله «صلى الله عليه وآله» الخبر.
فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: خيراً، ودعا له بخير.
قال ابن هشام: وقال أبو خيثمة في ذلك:
ولما رأيـت الناس في الـدين نافقوا             أتـيـت التي كانـت أعـف وأكرما
وبايـعـت بالـيـمـنى يدي  لمحمد                 فـلـم أكتـسب إثماً ولم أغْشَ محرما
تركت خضيباً في العريش وصرمة             صـفـايـا كـرامـاً بسرهـا قد تحمما
وكـنـت إذا شك المنافق أسمحت                إلى الدين نفسي شطره حيث يمما([7])
ونقول:
إننا لا ندري مدى صحة هذا الحديث، الذي يبدو لنا أنه ينتهي إلى ابن إسحاق، غير أن من الواضح: أن أبا خيثمة ـ كما أظهره النص المنقول عن ابن إسحاق ـ قد تعمد في بادئ الأمر التخلف عن المسير مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى تبوك، رغم قدرته المالية على ذلك، فلا معنى لجعله في مصاف أبي ذر الذي حاول جهده أن يهيئ بعيره لحمله. فلم يفلح فبادر إلى السير على قدميه حاملاً ثقله على ظهره في ذلك الجو القائظ، وذلك السفر الطويل، الذي هو أطول أسفار رسول الله «صلى الله عليه وآله» في غزواته.
فإن لم يكن الهدف هو إيجاد شركاء لأبي ذر في هذا الفضل العظيم الذي حازه كما ربما يوحي به التشابه بين ما نسب لرسول الله «صلى الله عليه وآله» من أنه قال: «كن أبا خيثمة». كقوله: «كن أبا ذر». فإننا لا نمنع من ان يكون شخص أو شخصان كأبي خيثمة وعمير بن وهب قد راجعا حساباتهما، فوجدا أن من الخير أن لا يحسبا في معسكر النفاق، وفي موقع المعلن بالعصيان لأوامر رسول الله «صلى الله عليه وآله».. لا سيما وهما يريان أن الإسلام يزداد انتشاراً، وقوة وشوكة، وعظمة ونفوذاً..
غير أن الغريب في الأمر هو: أن حديث أبي خيثمة قد تضمن إشارة تتناقض مع ما يسعى إليه الراوي من تلميع لصورة أبي خيثمة، وذلك انه «صلى الله عليه وآله» قال: «أولى لك يا أبا خيثمة».
وهذه الكلمة ـ كما ذكره العلماء ـ لعلها أكثر ظهوراً في التعبير عن عدم الرضا.
وقد ذكروا: أنها تستعمل في مقام التهديد كما قاله الأصمعي.
وقيل: أولى لك، اسم فعل مبني، ومعناه: وليك شر، أو المراد: الهلاك أولى لك، أو أولى لك ما تكرهه. وقد كثر استعماله في مثل هذه المعاني، حتى صار بمنزلة: الويل لك([8]).

البكاؤون الذين لا يجد ما يحملهم عليه:

قال الصالحي الشامي:
وروى ابن جرير، وابن مردويه، عن ابن عباس وابن جرير عن محمد بن كعب القرظي، وابن إسحاق، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن الزهري، ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن محمد بن عمر بن قتادة وغيرهم: أن عصابة من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» جاؤوه يستحملونه، وكلهم معسر ذو حاجة لا يحب التخلف عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}([9])، وهم سبعة.
واختلفوا في أسمائهم، فالذي اتفقوا عليه: سالم بن عمير، من بني عمرو بن عوف الأوسي، وعلبة بن زيد، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب. وهرمي بن عبد الله.
والذي اتفق عليه القرظي، وابن إسحاق، وتبعهم ابن سعد، وابن حزم، وأبو عمرو، والسهيلي ولم يذكر الأخير، والواقدي: عرباض بن سارية، وجزم بذلك ابن حزم، وأبو عمرو، ورواه أبو نعيم عن ابن عباس.
والذي اتفق عليه القرظي، وابن عقبة، وابن إسحاق: عبد الله بن مغفل المزني، وفي حديث ابن عباس: عبد الله بن مغفل فيهم.
وروى ابن سعد، ويعقوب بن سفيان، وابن أبي حاتم، عن ابن مغفل قال: إني لأجد الرهط الذين ذكر الله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} الآية.
والذين اتفق عليهم القرظي وابن عمر: سلمة بن صخر، ولفظ القرظي: سلمان.
والذي اتفق عليه القرظي وابن عقبة: عمرو بن عَنمة بن عدي، وعبد الله بن عمرو المزني. حكاه ابن إسحاق قولاً بدلاً عن ابن مغفل، وانفرد القرظي بذكر: عبد الرحمن بن زيد أبي عبلة من بني حارثة، وبذكر: هرمي بن عمرو من بني مازن.
قال محمد بن عمر: ويقال: إن عمرو بن عوف منهم.
قال ابن سعد: وفي بعض الروايات من يقول فيهم: معقل بن يسار، وذكر فيهم الحاكم حرمي بن مبارك بن النجار، كذا في المورد.
ولم أر له ذكراً في كتب الصحابة التي وقفت عليها.
وذكر ابن عائذ فيهم: مهدي بن عبد الرحمن، كذا في العيون، ولم أر له ذكراً فيما وقفت عليه من كتب الصحابة.
وذكر فيهم محمد بن كعب: سالم بن عمرو الواقفي.
قال ابن سعد: وبعضهم يقول: البكاؤون بنو مقرن السبعة، وهم من مزينة انتهى، وهم: النعمان، وسويد، ومعقل، وعقيل، وسنان، وعبد الرحمن والسابع لم يسم، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: النعمان، وقيل: ضرار، وقيل: [...] وحكى ابن فتحون ـ قولاً ـ أن بني مقرن عشرة، فيتعين ذكر السبعة منهم.
وذكر ابن إسحاق في رواية يونس وابن عمر: أن عبلة بن زيد لما فقد ما يحمله، ولم يجد عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» ما يحمله، خرج من الليل فصلى من ليلته ما شاء الله تعالى، ثم بكى وقال: اللهم إنك أمرتنا بالجهاد ورغبت فيه، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في مال أو جسد أو عرض.
ثم أصبح مع الناس، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أين المتصدق هذه الليلة»؟ فلم يقم أحد.
ثم قال: «أين المتصدق فليقم»؟! فقام إليه فأخبره.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أبشر، فوالذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة».
قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر: لما خرج البكاؤون من عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» وقد أعلمهم أنه لا يجد ما يحملهم عليه لقي يامين بن عمرو النضري أبا ليلى وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان. فقال: ما يبكيكما؟
قالا: جئنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» ليحملنا، فلم نجد عنده ما يحملنا عليه، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج، ونحن نكره أن تفوتنا غزوة مع رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فأعطاهما ناضحاً له، وزود كل واحد منهما صاعين من تمر.
زاد محمد بن عمر: وحمل العباس بن عبد المطلب منهم رجلين، وحمل عثمان بن عفان منهم ثلاثة نفر بعد الذي جهز من الجيش([10]). انتهى.
ونقول:
قد سقنا كلام هذا الرجل لنبين مدى الإختلاف في أسماء هؤلاء وقد اقتصرنا على هذا المقدار، والمراجعة إلى سائر المصادر، ومقارنة نصوصها، سوف تزيد من حدة وسعة هذه الإختلافات. وليس المقصود هو التحقيق حول هذا الأمر، بل المقصود هو لفت نظر القارئ إلى حرص الرواة على تخصيص هذه الفضيلة أو تلك بمن لهم فيه هوى، أو مصلحة..
وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أنهم يتعاملون مع روايات السيرة بمنطق المنتفع والمستفيد، لا بمنطق الأمانة على الحق والحقيقة.. فإنا لله وأنا إليه راجعون..

النبي لا يجد ما يحمل عليه أبا موسى، ثم يجد:

عن أبي موسى الأشعري قال: أتيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» في نفر من الأشعريين ليحملنا، وفي رواية: أرسلني أصحابي إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» أساله لهم الحملان، فقلت: يا رسول الله إن أصحابي أرسلوني لتحملهم.
فقال: «والله لا أحملكم على شيء، وما عندي ما أحملكم عليه».
ووافقته وهو غضبان ولا أشعر.
فرجعت حزينا من منع رسول الله «صلى الله عليه وآله» ومن مخافة أن يكون رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وجد في نفسه، فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم بالذي قال رسول الله «صلى الله عليه وآله».
ثم جيء رسول الله «صلى الله عليه وآله» بنهب إبل فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالاً ينادي: أين عبد الله بن قيس؟
فأجبته، فقال: أجب رسول الله «صلى الله عليه وآله» يدعوك.
فلما أتيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: «خذ هذين القرينين، وهذين القرينين، وهذين القرينين»، لستة أبعرة ابتاعهن حينئذٍ من سعد.
وفي رواية: فأمر لنا بخمس ذود غر الذرى، فقال: «انطلق بهن إلى أصحابك، فقل: إن الله ـ أو قال: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ـ يحملكم على هؤلاء، فاركبوا».
قال أبو موسى: فانطلقت إلى أصحابي فقلت: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يحملكم على هؤلاء، ولكن والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله «صلى الله عليه وآله» حين سألته لكم، ومنعه في أول مرة، ثم إعطائه إياي بعد ذلك، لا تظنوا إني حدثتكم شيئاً لم يقله.
فقالوا لي: والله إنك عندنا لمصدق، ولنفعلن ما أحببت، فانطلق أبو موسى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا مقالة رسول الله «صلى الله عليه وآله» من منعه إياهم، ثم إعطائه بعد ذلك، فحدثوهم بمثل ما حدثهم به أبو موسى.
قال أبو موسى، ثم قلنا: تغفلنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» يمينه، والله لا يبارك لنا، فرجعنا فقلنا له.
فقال: «ما أنا حملتكم، ولكن الله حملكم».
قال: «إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت التي هي خير وتحللتها».
فقال: «كفَّرت عن يميني»([11]).
ونقول:
إننا لا نريد أن نقول هنا: في كل واد أثر من ثعلبة، إذ قد ينسبنا البعض إلى التعسف في إطلاق التهمة، واللجوء إلى التجني، والإمعان في ذلك بلا مبرر أو داع إلى ذلك.
غير أننا نسجل من تحفظاتنا الكثيرة على النص المتقدم ما يلي:

لا حافظة لكذوب:

وقد اختلفت الروايـات هنا بصورة لافتـة، ونحن نكتفي بـما قاله المتحذلقون لدفع غائلة هذه الإختلافات، وسيرى القارئ الكريم كم هي تعسفية وممجوجة، لا تليق بمن ينسب نفسه إلى العلم، أو يدَّعي لنفسه اليسير من الإنصاف.
قال الصالحي الشامي:
قول أبي موسى: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: «خذ هذين القرينين، وهذين القرينين، أي الجملين المشدودين أحدهما إلى الآخر» لستة أبعرة، لعله قال: هذين القرينين ثلاثاً، فذكر الرواة مرتين اختصاراً.
ولأبي ذر، عن الحموي، والمستملي: وهاتين القرينتين وهاتين القريتنين، أي الناقتين.
وفي رواية في باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن في الصحيح: فأمر لنا بخمس ذود.
وفي باب الإستثناء في الأيمان: بثلاثة ذود.
والرواية الأولى تجمع بين الروايات، فلعل رواية الثلاثة باعتبار ثلاثة أزواج، ورواية الخمس باعتبار أن أحد الأزواج كان قرينه تبعاً، فاعتد به تارة ولم يعتد به أخرى.
ويمكن أن يجمع بينهما: بأنه أمر لهم بثلاثة ذود أولاً، ثم زادهم اثنين، فإن لفظ زهدم أحد رواة الحديث: ثم أتي بنهب، ذود، غر الذرى، فأعطانا خمس ذود، فوقعت في رواية زهدم جملة ما أعطاهم، ورواية غيلان: مبدأ ما أمر لهم به، ولم يذكر الزيادة.
وأما رواية: خذ هذين القرينين، ثلاث مرار، وفي رواية: ستة أبعرة، فعلى ما تقدم أن تكون السادسة كانت تبعاً، فلم تكن ذودتها موصوفة بذلك.
قال الحافظ في رواية: ستة أبعرة، إما أن يحمله على تعدد القصة، أو زادهم على الخمس واحدا.
وقال: في رواية أبي موسى قال: أتي رسول الله «صلى الله عليه وآله» بنهب إبل، فأمر لنا بخمس ذود.
وفي رواية بعد قوله: «خذ هذين القرينين» ابتاعهن من سعد.
ولم ينبه الحافظ على الجمع بين الروايتين فيحتمل ـ والله أعلم ـ أن يكون ما جاء من النهب أعطاه لسعد، ثم اشتراه منه لأجل الأشعريين، ويحتمل على التعدد([12]). انتهى.

والله لا أحملكم على شيء:

ثم إننا لا نرى أن ثمة تناقضاً في قوله: «والله لا احملكم على شيء، ولا عندي ما أحملكم عليه»، حيث أراد بقوله هذا «لا أحملكم على شيء» أنه يرفض معونته بشيء حتى لو كان عنده ما يحملهم عليه، فكيف إذا لم يكن عنده شيء يعينهم به ويحملهم عليه، كما هو حاله في تلك الساعة؟!

المتخلفون والْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ:

قال محمد بن عمر وابن سعد عن المعذرين من الأعراب والمتخلفين: «وهما اثنان وثمانون رجلاً من بني غفار، وأنزل الله: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَجَاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى المُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}([13])»([14]).
قال ابن عقبة: وتخلَّف المنافقون، وحدَّثوا أنفسهم أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يرجع إليهم أبداً، فاعتذروا. وتخلف رجال من المسلمين بأمر كان لهم فيه عذر، منهم السقيم والمعسر([15]).
قال محمد بن عمر: وجاء ناس من المنافقين إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ليستأذنوه في القعود من غير علة، فأذن لهم، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً([16]).
وعن جابر بن عبد الله: استدار برسول الله «صلى الله عليه وآله» رجال من المنافقين حين أذن للجد بن قيس يستأذنون يقولون: يا رسول الله، ائذن لنا فإنَّا لا نستطيع أن نغزو في الحر، فأذن لهم، وأعرض عنهم([17]).
وجاء المُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ، فاعتذروا إليه، فلم يعذرهم الله.
قال ابن إسحاق: وهم نفر من بني غفار.
قال محمد بن عمر: كانوا اثنين وثمانين رجلاً، منهم، خفاف بن أيماء([18]).

بنو غفار هم المنافقون الْمُعَذِّرُونَ:

بالنسبة للْمُعَذِّرينَ من بني غفار نقول:
1 ـ إذا كان المنافقون من أهل المدينة لم يكونوا من قبيلة بعينها، بل كانوا منتشرين في جميع القبائل، وإذا كان النفاق منتشراً أيضاً في الأعراب حول المدينة في قبائل مختلفة مثل: غفار، وأسلم، وجهينة، ومزينة.. فلا نرى ما يبرر كون الْمُعَذِّرينَ مِنَ الْأَعْرَابِ وهم اثنان وثمانون رجلاً من خصوص قبيلة غفار.
2 ـ إن الآيات الكريمة قد صرحت: بأن المُعَذِّرينَ مِنَ الْأَعْرَابِ كانوا من الأغنياء، فما هذا الغنى الواسع الذي كان في بني غفار؟!
وأين كان سائر الأغنياء من المنافقين في سائر القبائل؟!
3 ـ وهل تخلف هؤلاء الثمانين كان سيؤثر على جيش يبلغ عدده ثلاثين ألفاً، حتى ينزل القرآن في حقهم بهذه الحدة والشدة؟! وأية خطورة يشكلها هذا العدد القليل على المسلمين، وهم بهذه الكثرة والقوة؟!
إننا نظن أن ثمة تعمداً لإلقاء التهمة على فريق بعينه، لعله كان هو الأضعف سياسياً، ولم يكن فيهم أحد يؤسف عليه من صناع السياسة، وبذلك يمكنهم حفظ فرقاء آخرين من أن تحوم حولهم الشبهات، لو تركت الأمور على طبيعتها..

التزوير في حديث المخذِّلين:

قالوا: كان رهط من المنافقين يسيرون مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يخرجوا إلا رجاء الغنيمة، منهم:
وديعة بن ثابت، أخو بني عمرو بن عوف.
والجلاس بن سويد بن الصامت.
ومُخَشَّن بالنون ـ قال أبو عمرو وابن هشام مَخْشِي بالتحتية ـ ابن حمير من أشجع، حليف لبني سلمة.
زاد محمد بن عمر: ثعلبة بن حاطب([19]).
فقال بعضهم لبعض، عند محمد بن عمر: فقال ثعلبة بن حاطب: أتحسبون جلاد بني الأصفر كجلاد العرب بعضهم بعضاً، لكأني بكم غداً مقرنين في الحبال، إرجافاً برسول الله «صلى الله عليه وآله» وإرهاباً للمؤمنين.
وقال الجُلَاس بن عمرو ـ وكان زوج أم عمير، وكان ابنها عمير يتيماً في حجره ـ: والله لئن كان محمد صادقاً لنحن شر من الحمير.
فقال عمير: فأنت شر من الحمير، ورسول الله «صلى الله عليه وآله» صادق وأنت الكاذب.
فقال مخشن بن حمير: والله لوددت أن أقاضي على أن يُضرب كل رجل منا مائة جلدة، وأننا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه!!.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» لعمار بن ياسر: «أدرك القوم فإنهم قد اخترقوا، فاسألهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى، قلتم كذا وكذا»([20]).
«فانطلق عمار إليهم فقال لهم ذلك، فأتوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت ورسول الله «صلى الله عليه وآله» على ناقته، وقد أخذ وديعة بن ثابت بحقبها، ورجلاه تسفيان الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}([21]).
وحلف الجلاس ما قال من ذلك شيئاً، فأنزل الله سبحانه وتعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}([22])»([23]).
وقال مُخَشَّن: يا رسول الله، قعد بي اسمي واسم أبي، فسماه رسول الله «صلى الله عليه وآله» عبد الرحمن أو عبد الله، وكان الذي عُفِيَ عنه في هذه الآية، وسأل الله تعالى أن يُقتل شهيداً ولا يعلم بمكانه، فقتل يوم اليمامة، ولم يعرف له أثر([24]).
ونقول:

إن لنا مع ما تقدم العديد من الوقفات:

تضخيم القضية لماذا؟!:
قد ذكرت النصوص المتقدمة: أن من الذين خرجوا رجاء الغنيمة أربعة نفر،ٍ تكلموا فيما بينهم بكلام بعينه، فأخبر الله تعالى نبيه بمقالتهم، وبما سيعتذرون به عنها.
غير أننا نقول:
ألف: إن ذلك غير مقبول ولا معقول، إذ إن أحداً لا يتوقع، أو فقل: لا يستطيع أن يرى رسول الله «صلى الله عليه وآله» يتابع كلمة صدرت أو حواراً دار بين أربعة أشخاص فقط، من بين ثلاثين ألفاً، ثم تنزل في ذلك الآيات بالتوبيخ والتقريع، فإن المتابع للأمور يرى في هذا الأمر اهتماماً غير مبرر بالأمور الصغيرة، وإنه لا معنى لإشغال النفس بها وهي غير ذات قيمة، وهذا معناه: أن الأمر كان أعظم خطراً، وأشد ضرراً، إن لم نقل: إن ذلك الخطر كان شاملاً وهائلاً حتى أوجب هذا المستوى من التصدي والتحدي من الله ورسوله.
وأما لو كان الأمر محصوراً بأربعة أشخاص، أو حتى بعشرات، فلا مبرر لشيء من ذلك إلا أن يكون هؤلاء الأشخاص من ذوي التأثير القوي في النـاس، وقد جـاء كلامهم المثير في سياق التآمـر، والكيد الخطير على الإسلام وأهله.
ب: إن الآيات نفسها قد تضمنت ما يدحض مزاعم هذه الروايات، لأنها تقول: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً}([25]). الظاهر في وجود جماعات وطوائف شاركت في هذا الأمر.
مع أن الرواية تقول: إن رجلاً واحداً فقط هو الذي لم يشارك في مقالة رفاقه الثلاثة.. والشخص الواحد لا يقال له طائفة..
وقول الفقهاء والمفسرين عند تفسير قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ}([26]) بأن أقله واحد([27]).
ويشهد له: ما روي عن غياث بن إبراهيم في ذلك([28]). لا يصلح نفضاً لما نقول، لأننا لو عملنا بهذا الخبر فإنه يقتصر منه على مورد النص، فيكون تعبداً شرعياً لاستقرار الفهم العرفي لكلمة طائفة في المورد على خلافه.
وقد اختلفت رواياتهم فيه، هل هو مخشي بن عمرو([29]). أم هو يزيد بن وديعة([30]).
وحين أحرجتهم كلمة: «طائفة» الدالة على أن ثمة جماعة تجرأت، وجماعة أخرى تحرجت، وتراجعت حتى استحقت العفو، بادروا إلى التصرف في لغة العرب..
فنسبوا إلى الكلبي أنه قال: إنه تعالى «سمى طائفة وهو واحد»([31]).
ونسبوا إلى ابن عباس قوله: «الطائفة الرجل والنفر»([32]).
وإلى مجاهد قوله: «الطائفة الواحد إلى الألف»([33]).
وإلى ابن عباس قوله: «الطائفة رجل فصاعداً»([34]).
ج: إن الروايات قد صرحت: بأن الذين يحلفون ما قالوا، هم نفس هؤلاء الثلاثة. والآيات قد صرحت أيضاً بأن الذين يحلفون هم الذين هموا بما لم ينالوا.
وقد ذكرت الروايات: أن المراد بهم هم الاثنا عشر الذين نفَّروا الناقة بالنبي «صلى الله عليه وآله» ليلة العقبة. وقد وردت أسماؤهم في بعض تلك الروايات.
فما معنى حصر القضية برمتها في هؤلاء الثلاثة، بل في واحد منهم، مع العلم بأنهم أشخاص لا يعرف عنهم إلا النزر اليسير، بل لعل بعضهم شخصية وهمية.

حقيقة القضية:

ولأجل ذلك نقول:
إن هذه القضية قد تعرضت لتزوير هائل وعجيب، وقد ذكرت الآية نفسها دقائق وتفاصيل حاسمة، تمنع من تصديق هؤلاء المزورين ومن الإصغاء لهذه الترهات، وتدل الناس على حقيقة هؤلاء الناس، وتشي بأن ثمة مؤامرة عظيمة وهائلة قد فشلت، وأن الإعتذار بالخوض وباللعب كان يقصد به التملص من تبعات فشل هذه المؤامرة، وأن طائفة منهم قد ارتكبوا جريمة تستحق العذاب.
فقد عبرت الآيات بالخوض، الذي يعبر به عن الكلام في الأمور الباطلة، وباللعب، الذي هو تعبير عن حركة عملية، لا تهدف إلى تحقيق أمر عقلائي، بل هدفها مجرد اللعب، وهذا معناه: أن الأمر لم يقتصر على الكلام الباطل، بل تعداه إلى فعلٍ باطلٍ زعموا أنهم قصدوا به اللعب، ليبعدوا الشبهة عن حقيقة نواياهم ومقاصدهم به..
ثم بينت الآية الأخرى، وهي آية يحلفون بالله ما قالوا: أن هؤلاء قد هموا بما لم ينالوا. فما هو هذا الشيء الذي هموا به ولم ينالوه.. ثم إنه ولا شك شيء خطير وكبير، لأن الله تعالى يتوعدهم عليه بعذاب دنيوي وأخروي..
وهذا التوعد بالعذاب يدل على: أن هذا الذي هموا به قد صاحبته حركة وفعل استحقوا العقوبة عليه.
ولا شك في أن دعواهم اللهو واللعب لو كانت للتستر على الأقوال فقط لكانت تكفي لدفع الشبهة، ودرء العقوبة الدنيوية، فإن الحدود تدرأ بالشبهات.
فالإصرار على ثبوت العقوبة، وعدم الإلتفات لهذه التعليلات يدل على أن ما ادَّعوه لا يكفي لدفع الشبهة عن الفعل الذي قاموا به..
فمن خلال ذلك كله نصل إلى نتيجة مفادها: أن هذه الآيات لم تنزل في قصة الجلاس، ووديعة، ومخشن، وثعلبة.. بل نزلت في قضية محاولتهم قتل رسول الله «صلى الله عليه وآله» حين نفَّروا ناقته به ليلة العقبة لكي تلقي به في الوادي، ويقتل رسول الله «صلى الله عليه وآله».. ولكنهم لم ينالوا ما أملوه..
وقد أظهرت طائفة من النصوص: أن الذين فعلوا ذلك هم من الأعيان المعروفين، والمؤثرين الذين تعلق عليهم قريش آمالها في كل ما اهمها.. وقد كانوا عند حسن ظنها، وسعوا في تلبية رغباتها، وحفظ مصالحها في الحالات الصعبة، التي مرت بقريش في مواجهاتها مع النبي «صلى الله عليه وآله»..
وقد ذكرت الروايات أسماء هؤلاء بالتفصيل، وكان حذيفة بن اليمان يعرفهم بأسمائهم، ولطالما سأله بعض أعيان الصحابة عن نفسه، إن كان يعرف أنه كان منهم، كما سنشير إليه إن شاء الله..
كما أن الروايات قد صرحت بما ذكرناه، وبينت أن هذا هو المقصود بالآيات المتقدمة، وليس المقصود الأشخاص الأربعة الذين زعموا أن الآيات تقصدهم، وكمثال على ذلك نذكر:
1 ـ عن جابر، عن أبي جعفر «عليه السلام»: نزلت هذه الآية: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}([35]). نزلت في بني أمية والعشرة معها: أنهم اجتمعوا اثنا عشر، فكمنوا لرسول الله «صلى الله عليه وآله» في العقبة، وائتمروا بينهم ليقتلوه، فقال بعضهم لبعض: إن فطن نقول: إنما كنا نخوض ونلعب، وإن لم يفطن لنقتلنه، فأنزل الله هذه الآية..([36]).
2 ـ قال الطبرسي في قوله تعالى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} «نزلت في اثني عشر رجلاً، وقفوا على العقبة، ليفتكوا برسول الله «صلى الله عليه وآله» عند رجوعه من تبوك، فأخبر جبريل رسول الله «صلى الله عليه وآله» بذلك، وأمره أن يرسل إليهم، ويضرب وجوه رواحلهم، وعمَّار كان يقود دابة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وحذيفة يسوقها، فقال لحذيفة: اضرب وجوه رواحلهم، فضربها حتى نحاهم.
فلما نزل قال لحذيفة: من عرفت من القوم؟
قال: لم أعرف منهم أحداً.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إنهم فلان وفلان، حتى عدهم كلهم.
فقال حذيفة: ألا تبعث إليهم فتقتلهم؟
فقال: أكره أن تقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم»([37]).
3 ـ ورويت القصة عن الإمام الحسن العسكري «عليه السلام» بنحو أبسط، وفيها: أنهم دحرجوا دباباً من فوق الجبل لينفروا به «صلى الله عليه وآله» ناقته، فارتفعت الدباب عن الناقة، ووقعت في الجانب الآخر فراجع([38]).
4 ـ وقد ذكر حذيفة أسماء الذين نفَّروا برسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهم أربعة عشر: أبو الشرور، وأبو الدواهي، وأبو المعازف، وأبوه، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة، وأبو الأعور، والمغيرة، وسالم مولى أبي حذيفة، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وأبو موسى الأشعري، وعبد الرحمن بن عوف. وهم الذين أنزل الله عز وجل فيهم: {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا}»([39]).
ويلاحظ: أن عبد الله بن أُبي الذي يزعمون أنه كان رأس المنافقين لم يكن من بين هؤلاء. وذلك لأنه كان في المدينة، ولم يشارك في المسير إلى تبوك.
5 ـ وروى حديث ليلة العقبة: ابن جريج وقال: إنهم اثنا عشر رجلاً([40]).
وذكر الزمخشري: أنهم كانوا خمسة عشر رجلاً([41]).
6 ـ وراجع ما روي عن الإمام الصادق «عليه السلام»، وفيه: {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} من قتل محمد يوم العقبة، وإخراج ضعفاء الشيعة من المدينة، بغضاً لعلي([42]).
وأما روايات غير أهل البيت وشيعتهم، فقد اختلفت في المراد من الآيات المشار إليها:
1 ـ فذكرت طائفة منها أن المراد هم الأربعة الذين تقدمت أسماؤهم.
2 ـ ولكن رواية جابر تدل على أنها نزلت في وداعة بن ثابت، حيث تخلف في المدينة، فقيل له: ما خلفك عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟
فقال: الخوض واللعب.
فأنزل الله فيه وفي أصحابه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}([43])»([44]).
3 ـ هناك روايات أخرى عن شريح بن عبد الله، وعن عبد الله بن عمر تقول: إن رجلاً تكلم في حق القراء، فجاء به عمر إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فقال ذلك الرجل: إنما كنا نخوض ونلعب.
فأوحى الله تعالى إلى نبيه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}([45])»([46]).
وقد صرحت رواية ابن عمر: أن قائل ذلك هو ابن أُبي فراجع([47]).
4 ـ عن مجاهد في قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ..} قال: قال رجل من المنافقين: يحدثنا محمد أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا، في يوم كذا وكذا، وما يدريه بالغيب([48]). فنزلت الآية.
وهذا يدل على: أن الآية قد نزلت بعد قصة ضياع الناقة، وهو إنما يناسب قضية العقبة.

الجد بن قيس يرفض المشاركة في تبوك:

عن ابن عباس: أنه «صلى الله عليه وآله» قال: اغزوا تغنموا بنات بني الأصفر، فقال ناس من المنافقين: إنه ليفتنكم بالنساء، فأنزل الله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي}([49])»([50]).
وفي نص آخر أنه قال: نغزو الروم إن شاء الله، ونصيب من بنات بني الأصفر، كان يذكر من حسنهن ليرغب المسلمون في الجهاد، فقام رجل من المنافقين، فقال: يا رسول الله، قد علمت حبي للنساء، فائذن لي ولا تخرجني، فنزلت الآية([51]).
وعن ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وآخرين: أن الجد بن قيس أتى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو في المسجد معه نفر، فقال: يا رسول الله ائذن لي في القعود، فإني ذو ضيعة وعلة فيها عذر لي.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «تجهز تجهز فإنك موسر، لعلك تحقب من بنات بني الأصفر»!
قال الجد: أوتأذن لي ولا تفتني، فوالله لقد عرف قومي ما أحد أشد عجباً بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألَّا أصبر عنهن.
فأعرض عنه رسول الله «صلى الله عليه وآله» وقال: «قد أذنا لك».
زاد محمد بن عمر فجاءه ابنه عبد الله بن الجد ـ وكان بدرياً ـ وهو أخو معاذ بن جبل لأمه، فقال لأبيه: لم ترد على رسول الله «صلى الله عليه وآله» مقالته؟! فوالله ما في بني سلمة أحد أكثر مالاً منك، فلا تخرج ولا تحمل؟!
فقال: يا بني، ما لي وللخروج في الريح، والحر الشديد، والعسرة إلى بني الأصفر، فوالله ما آمن ـ خوفاً ـ من بني الأصفر وأنا في منزلي، أفأذهب إليهم أغزوهم؟! إني والله يا بني عالم بالدوائر.
فأغلظ له ابنه وقال: لا والله ولكنه النفاق، والله لينزلن على رسول الله «صلى الله عليه وآله» فيك قرآن يقرأ به.
فرفع نعله فضرب به وجه ولده، فانصرف ابنه ولم يكلمه.
وأنزل الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}([52]).
 أي إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر، وليس ذلك به، فما سقط فيه من الفتنة أكبر بتخلفه عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» والرغبة بنفسه عن نفسه، يقول: وإن جهنم لمن ورائه([53]).
وجعل الجد وغيره من المنافقين يثبطون المسلمين عن الخروج، قال الجد لجبار بن صخر ومن معه من بني سلمة: «لا تنفروا في الحر، زهادة في الجهاد، وشكا في الحق، وإرجافاً برسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم: {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}([54])»([55]).
ونقول:
في النص المتقدم عدة موارد تحتاج إلى توضيح، أو تقتضي التصحيح، فمن ذلك:

لعلك تحقب من بني الأصفر:

زعموا: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد حاول أن يشجع الجد بن قيس على المسير إلى تبوك بقوله: «لعلك تحقب من بني الأصفر»..
ونقول:
أولاً: إننا لا نستسيغ هذا التصرف فيما عرفناه من أخلاق رسول الله «صلى الله عليه وآله»، الذي يهتم بتوجيه الناس إلى الإخلاص في الجهاد، والتماس ثواب الله فيه. لا أن يكون جهادهم من أجل الدنيا، فإن ذلك مما لا يدعو إليه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهو يناقض ما جاؤوا به فلاحظ:
ألف: قال أمير المؤمنين «عليه السلام» في بعض خطبه: «يقول الرجل جاهدت ولم يجاهد، إنما الجهاد اجتناب المحارم، ومجاهدة العدو، وقد تقاتل أقوام فيحبون القتال لا يريدون إلا الذكر والأجر، وإن الرجل ليقاتل بطبعه من الشجاعة، فيحمي من يعرف ومن لا يعرف، ويجبن بطبيعته من الجبن، فيسلم أباه وأمه إلى العدو، وإنما المثال حتف من الحتوف، وكل امرئ على ما قاتل عليه، وإن الكلب ليقاتل دون أهله([56]).
ب: وعن كعب بن عجرة قال: مر عليَّ النبي «صلى الله عليه وآله» فرأى أصحاب النبي «صلى الله عليه وآله» فيَّ جلدة ونشاطة، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله!!
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان([57]).
ثانياً: إنه إذا كان الجدّ بن قيس لا يصبر عن بنات بني الأصفر، فإن ذلك لا يمنع من خروجه، إذ إنهن إذا وقعن في السبي، يصبح الوصول إليهن سهل المؤونة، حيث إن النبي «صلى الله عليه وآله» سوف يقسم ذلك السبي على مستحقيه، ويزيل العلة، وتنحل بذلك عقدة الجد بن قيس وغيره ممن هم على شاكلته، ولا يتضمن ذلك أية فتنة له ولا لغيره.. فما معنى أن يتعلل بأنه إن رآهن لا يصبر عنهن؟! فإنهن إذا كن في حماية جيش العدو، فلا سبيل إليهن، وإن أصبحن في حوزة المسلمين، فإن العقدة تنحل، وتزول الموانع بأسهل طريق.
ثالثاً: إننا لا نرى مبرراً لقسوة الابن على أبيه إلى حد مواجهته بتهمة النفاق، كما جرى بين عبد الله بن الجد بن قيس مع ابيه، فإن ذلك مما لا يرضى به رسول الله «صلى الله عليه وآله»، إن كان ذلك قد حصل بمرأى منه ومسمع، كما أنه مما لا تسمح به آداب الإسلام.

النبذ الإجتماعي للمتخلفين:

لما دنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» من المدينة تلقاه عامة الذين تخلفوا عنه، وقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: لأصحابه «لا تكلموا رجلاً منهم، ولا تجالسوهم، حتى آذن لكم»([58]).
فأعرض عنهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» والمؤمنون حتى إن الرجل ليعرض عن أبيه وأخيه، وحتى إن المرأة لتعرض عن زوجها، فمكثوا كذلك أياماً حتى ركب الذين تخلفوا، وجعلوا يعتذرون إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالجهد والأسقام، ويحلفون له، فرحمهم، وبايعهم، واستغفر لهم([59]).
ونقول:
إن أسلوب المقاطعة الذي أريد به تعريف الناس بحقيقة ما يجري، وإيقافهم على مدى خطورة ما صدر عن هؤلاء، ودلالتهم على مناشئ الخطر، والمتسببين به، قد سبق ومورس مع من ارتكبوا خطأً فادحاً، تسبب في إضعاف روح المسلمين، وأدخل عليهم شيئاً من المهانة والذل والإنهزام في غزوة مؤتة..
وها هو رسول الله «صلى الله عليه وآله» يأمر أصحابه بمقاطعة هؤلاء الذين أرادوا أن يسقطوا الهيكل كله على رأس الجميع، فخيب الله مسعاهم، وباؤوا بغضب من الله، بالفضيحة والخزي والمهانة في الحياة الدنيا.
وقد أظهر هذا الأسلوب لهم ولكل أحد أن الدين والإيمان هو الأقوى، وأن لا شيء يستطيع أن يقف في وجهه، وأن يحد من مده، وأن يفل من حده. وقد لقنهم درساً لن ينسوه، وعرفهم بحجمهم الحقيقي، ودل الناس عليهم، وبين لمن كان له فيهم رغبة وهوى أن ثمن ذلك سيكون باهظاً قد لا يقدر على تحمله، فالارتداع عنهم أصوب، والحياة مع غيرهم أطيب، ونمير سواهم أعذب.

النبي يحرق بيت سويلم على المنافقين:

عن عبد الله بن حارثة قال: بلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن ناساً من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي، يثبطون الناس عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» في غزوة تبوك، فبعث إليهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم اليهودي.
ففعل طلحة، واقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت، فانكسرت رجله، واقتحم أصحابه فأفلتوا([60]).
ونقول:

أسئلة هامة وأجوبتها:

وأول سؤال يطرح نفسه هنا هو:
لماذا أمر النبي «صلى الله عليه وآله» بإحراق البيت على أولئك المجتمعين؟! ألم يكن يكفي أن يأمره بأن يأتيه بهم ليعاقبهم على رؤوس الأشهاد؟!
وألا يتنافى ذلك مع ما أعلنه «صلى الله عليه وآله» أكثر من مرة بقوله: لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؟!
وألا يعتبر إحراق البيت عليهم إتلافاً لمال يمكن أن يتحقق الغرض بدون إتلافه؟!
ولماذا لم يتثبت الأمر من المتهمين أنفسهم، ولم يفسح المجال لهم للدفاع عن أنفسهم؟!
وللإجابة على هذه الأسئلة نقول:
أولاً: البيت ليهودي قد نقض عهده، فلم يبق له ولا لبيته حرمة..
ثانياً: إن إبقاء البيت، والإكتفاء بالإستيلاء عليه سوف يبقي أطماع المنافقين تحوم حوله، وسيكون ذريعةً لإثارة الشعور، ولو بصورة الوسوسة الخفية للناس، بأنه قد أُخِذَ ظلماً، أو أن الأمر لم يكن يستوجب مصادرة البيت.
وفي ذلك تشكيك بصوابية فعل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ويتضمن خدشاً في هيبته، وفي عدله وقداسته..
ثالثاً: سيأتي أن النبي «صلى الله عليه وآله» هدم مسجد ضرار، ولم يكتف بالإعلان عن إدانة النفاق وأهله، أو نحو ذلك، كما أن الله سبحانه قد خسف بقارون وبداره، وأتى على قرية لوط فجعل عاليها سافلها.
ولعل سبب اختيار النبي «صلى الله عليه وآله» أسلوب الإحراق هنا هو: أن ذلك كان أرهب للعدو، وأبعد للسمع، وأثبت في الذاكرة، وأوقع في النفوس.
ولعله لم يكن «صلى الله عليه وآله» يريد أن يلحق بالمجتمعين في ذلك البيت أذى جسدياً مباشراً، نظير ما جرى في قصة مأبور، حيث أمر «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» بقتله، فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: يا رسول الله إنك تبعثني في الأمر أكون فيها كالسكة المحماة، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟
قال: بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب([61]).
فلحقه بالسيف حتى كشف أمره، وأظهر كذب المفترين.
أي أنه «صلى الله عليه وآله» إنما كان يريد أن يفسح لهم المجال للفرار والتفرق، دون أن يفضحهم بين الناس، ويكونون هم الذين يفضحون أنفسهم إن شاؤوا، أو يتلكؤون في الفرار، فيفتضح أمرهم. ويكون احتراق البيت هو الأقل مؤونة، وهو الأقرب إلى تحقيق الهدف ودفع السوء بأقل تكلفة ممكنة.
ولعل مما يشهد على أن هذا هو غرض الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنه بالرغم من أن أحداً من المنافقين لم يصب بأذى، وأن أحدهم، وهو الضحاك بن خليفة قد كسرت فخذه، فإنه «صلى الله عليه وآله» لم يطلب إحضار أحد منهم، ولم نسمع أنه «صلى الله عليه وآله» سأل أو طالب أو عاتب الضحاك بشيء، أو على شيء، فضلاً عن ان يكون قد عاقبه.

أهل مسجد الضرار:

وجاء أهل مسجد الضرار إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله، قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة، والليلة المطيرة، ونحب أن تأتينا فتصلي فيه.
فقال لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إنَّا في شغل السفر، وإذا انصرفت سيكون»([62]).
ونقول:
إن من الواضح: أن هذه محاولة من هؤلاء المنافقين لتعمية أمرهم على الناس، واكتساب مشروعية لنشاطهم بصلاة النبي «صلى الله عليه وآله» في مسجدهم. مع أن أمرهم لم يكن ليخفى على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فإنه كان قد عود الناس أن يكون هو البادئ بوضع الحجر الأساس لمساجدهم، وهو الذي يختط لهم الدور والأسواق، وسائر المرافق الحيوية في المدينة كلها.. فما معنى أن يستقل هؤلاء الناس باستحداث مسجد، دون أن يعلموه به، ودون أن يطلبوا منه أن يختطه لهم؟!
على أنهم قد صرحوا في كلامهم بأنهم قد قصدوا بمسجدهم أن يصلي فيه من لا يريد الحضور في مسجد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، من ذوي العلل والحاجات حسب زعمهم، وهذا يزيد الشبهة في مقاصدهم، ونواياهم الحقيقية.
ولكن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يظهر لهم أي شيء غير عادي، بل ذكر لهم أن شغل السفر يمنعه من تلبية طلبهم.. وهذا التأجيل يمنحه الفرصة لاستخراج دخائلهم، ولكي تكشف تقلبات الأحوال باطنهم للناس، وقد حدث ذلك فعلاً كما سنرى.
وهذ معناه: أن ثمة ما يبرر هذا الموقف السلبي النبوي منهم، إذ لا يمكن أن يواجههم «صلى الله عليه وآله» بمثل هذا الكلام من دون مبرر ولا سبب، فإنه نبي معصوم، بل إن قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}([63])، يعطي: أن الله سبحانه هو الذي يريد من نبيه أن يواجههم بهذه الحدة والشدة، التي تحمل معها المهانة لهم، والخزي في الدنيا، ولا بد أن يكون العذاب الأليم هو الذي ينتظرهم في الآخرة.
وقد كان يمكن أن نتحمل أن ثمة خطأً من الرواة، أو من أبي موسى في حفظه لكلام رسول الله «صلى الله عليه وآله».. ولكنه حين شفع ذلك بقوله: «وافقته وهو غضبان ولا أشعر»، وبقوله: «مخافة أن يكون رسول الله «صلى الله عليه وآله» وجد في نفسه»، قد دلنا على أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد قال ذلك، وقصد معناه فعلاً.

طعن أبي موسى برسول الله :

وقد حاول أبو موسى أن يطعن برسول الله «صلى الله عليه وآله» ليبرئ نفسه، ويبرئ أصحابه من إساءتهم للرسول «صلى الله عليه وآله» التي استوجبت هذا الموقف النبوي الصارم منهم، الذي ألحق بهم المهانة والخزي، فاتهم النبي بأنه «صلى الله عليه وآله» قد قال ما قال وهو في حالة الغضب، فلا قيمة لكلامه، لأن الإنسان قد يصدر عنه في هذه الحال ما لا يرضى بصدوره منه في الحالات العادية، فلا ضير إذن في أن يندم النبي «صلى الله عليه وآله» ويلوم نفسه، وربما يعتذر أو يتوب، إذا كان قد بلغ حد الخطيئة.. وقد اخترعوا على لسان الرسول «صلى الله عليه وآله» أحاديث تشير إلى أنه مبتلى بهذا الأمر، وأنه قد أعلن أنه يطلب من الله تعالى أن يجعل سبه ولعنه وجلده لأي رجل من المسلمين في حال الغضب زكاة ورحمة لذلك الرجل([64]).
فأبو موسى إذن يؤثر أن ينسب إلى النبي «صلى الله عليه وآله» الخطأ، وأن ينفي العصمة عنه، وأن يكذِّب الله تبارك وتعالى في قوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}([65]).
على أن يلحقه هو وأصحابه أدنى مهانة بسبب أعمالهم الشريرة، ونفوسهم المريضة!!

إذا كان قد ابتاعهن من سعد:

ولعلك تقول: إذ اكان «صلى الله عليه وآله» قد ابتاع ستة أبعرة من سعد، فذلك يعني: أنه كان لديه مال يبتاع به ستة أبعرة، فلماذا قال قبل ساعة لأبي موسى: ما عندي ما أحملكم عليه؟!
والجواب: لعله كان يقصد أنه لا يملك إبلاً تحملهم، أو أنه قد اشترى تلك الإبل بثمن مؤجل..

كاد المريب أن يقول خذوني:

إن الرواية المتقدمة: قد أوضحت أن أبا موسى كان مهتماً بإثبات صدقه أمام أصحابه حتى لقد أقسم أن لا يدعهم حتى ينطلق بعضهم معه ليسمعه ممن حضر ما جرى بينه وبين النبي «صلى الله عليه وآله» في المرة الأولى حين لم يعطه لهم شيئاً.
فإن هذا الإصرار منه يدل على أنه كان يرى نفسه في موضع الإتهام بنظرهم، وذلك يدل على أن ما يزعمونه له من مكانة وعزة بين الصحابة موضع شك وريب، حتى من أقرب الناس إليه، فإنهم لا يثقون به، وهو يعرف ذلك منهم، فكيف بمن سواهم؟!

هل منعهم النبي ؟!:

إن تعبير أبي موسى بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد منعهم أول مرة يشير إلى أنه «صلى الله عليه وآله» كان لديه ما طلبوه، ولكنه منعهم منه..
وهذا هو مفاد قوله لأبي موسى: «والله لا أحملكم على شيء». فلماذا منعهم؟! ولماذا احتاج أبو موسى إلى أن يثبت ذلك لأصحابه..

النبي يحنث في يمينه:

ولا يبالي أبو موسى أن ينسب إلى النبي «صلى الله عليه وآله» الحنث في يمينه، إذا كان ذلك يثبت فضيلة له ولأصحابه..
وهذا ما حدث هنا فعلاً، فقد نسب إلى النبي «صلى الله عليه وآله» أنه يخطئ في تشخيص ما هو مصلحة، وأنه إذا حلف اليمين قد يظهر له أن غيرها خيراً منها، فلا يعمل بمقتضاها، ويفعل ما يخالفها، ثم يكفِّر عنها..
فما هذا النبي الذي يخالف اليمين، ويحتاج إلى التكفير عنها؟!
وما معنى أن يتقلب هذا النبي «صلى الله عليه وآله» في آرائه؟!
وكيف يمكن الوثوق بصحة ما يصدر عنه، وهو يعلن للناس أنه قد يخطئ فيما يختاره، فقد يختار غير الأصلح، فإذا عرف الأصلح تراجع عما اختاره أولاً، وانتقل إليه؟!



([1]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص443 عن ابن إسحاق. وقال في هامشه: أخرجه البيهقي في الدلائل ج5 ص221، والمستدرك للحاكم ج3 ص50، والثقات لابن حبان ج2 ص94، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص371، وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص632، وغيرهم.
([2]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص443 و 444 وقال في هامشه: أخرجه مسلم في التوبة باب 9 (53) والطبراني في الكبير ج6 ص38 وج19 ص43 و 85 والبيهقي في الدلائل ج5 ص223 و 226 وانظر البداية لابن كثير ج5 ص8 وتاريخ الأمم والملوك ج11 ص43. وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج66 ص186 وإمتاع الأسماع ج14 ص38.
([3]) البحار ج8 ص12 وج52 ص367 و 191 وج25 ص136 وج24 ص328 وج74 ص97. وعيون أخبار الرضا «عليه السلام» ج1 ص218، وإكمال الدين ص66و201، وكتاب الغيبة للنعماني ص336، وغيرهم.
([4]) البحار ج64 ص200. ومستدرك الوسائل ج11 ص323، والنوادر للراوندي ص102ـ103، وغيرهم.
([5]) المحاسن للبرقي ج1 ص272. والكافي ج1 ص391.
([6]) البحار ج75 ص81 وكشف الغمة للأربلي ج3 ص139 و 141. وعيون الحكم والمواعظ للواسطي ص52،، والفصول المهمة لابن الصباغ ج2 ص1055.
([7]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص444 و 445 عن الطبراني، وابن إسحاق، والواقدي، والبداية والنهاية ج5 ص12 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص948 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص14.
([8]) راجع: تفسير الميزان ج20 ص114 و 115 وج18 ص239.
([9]) الآية 92 من سورة التوبة.
([10]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص438 ـ 440 والدر المنثور ج3 ص248 وراجع: إمتاع الأسماع ج2 ص49.
([11]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص440 عن البخاري ومسلم، وقال في هامشه: أخرجه البخاري ج11 ص601 (6718) ومسلم ج3 ص1269 (7/1649)، والمجموع للنووي ج18 ص11والمدونة الكبرى ج2 ص102 وراجع: الشرح الكبير لابن قدامه ج11 ص199 ونيل الأوطار للشوكاني ج9 ص135 وصحيح البخاري ج7 ص217 وصحيح مسلم ج5 ص82 وسنن ابن ماجة ج1 ص681 وسنن أبي داود ج2 ص96 وسنن النسائي ج7 ص10 والمستدرك للحاكم ج4 ص301.
([12]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص440 و480 وراجع: صحيح البخاري ج5 ص129 وصحيح مسلم ج5 ص83 وفتح الباري ج8 ص85 ومسند أبي يعلى ج13 ص242 و 283 والبداية والنهاية ج5 ص9 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص10.
([13]) الآيات 68 ـ 93 من سورة التوبة.
([14]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص440 و 441 عن الواقدي وابن سعد.
([15]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص438 عن ابن عقبة، والدر المنثور ج3 ص248.
([16]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص438 عن الواقدي، وراجع: مسند أحمد ج3 ص457 وصحيح البخاري ج5 ص131وصحيح مسلم ج8 ص107 و السنن الكبرى للبيهقي ج9 ص34 وفتح الباري ج8 ص89 وعمدة القاري ج18 ص49 والسنن الكبرى للنسائي ج1 ص266 والمعجم الكبير ج19 ص48 والدرر لابن عبد البر ص244.
([17]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص438 عن ابن مردويه، وفي هامشه عن: البيهقي في الدلائل ج5 ص318 وعن الدر المنثور ج3 ص265.
([18]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص438.
([19]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص445 وراجع ص443 عن الواقدي وابن إسحاق.
([20]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص445 وقال في هامشه: أنظر المغازي للواقدي ج3 ص1003.وراجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص372 والدر المنثور ج3 ص254 و 255 عن ابن إسحاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وراجع ما عن أبي الشيخ، والفريابي، وابن مردويه.
([21]) الآيتان 65 و 66 من سورة التوبة.
([22]) الآية 74 من سورة التوبة.
([23]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص445 وراجع: البرهان (تفسير) ج2 ص140 عن تفسير القمي، وراجع: الدر المنثور ج3 ص254 و 255 عن ابن مردويه، وعبد الرزاق، وابن المنذر، وابي الشيخ.
([24]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص446 والبرهان ج2 ص141 والدر المنثور ج3 ص254 عن ابن إسحاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وراجع: كتاب التوابين لابن قدامه ص93 وتفسير ابن أبي حاتم ج6 ص1831 وتفسير ابن كثير ج2 ص381 وتاريخ الطبري ج2 ص372 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص642 وإمتاع الأسماع ج2 ص54 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص952.
([25]) الآية 66 من سورة التوبة.
([26]) الآية 2 من سورة النور.
([27]) المبسوط للشيخ الطوسي ج5 ص223 والخلاف ج5 ص374 والسرائر لابن إدريس ج3 ص453 وجامع الخلاف والوفاق ص585 وعمدة القاري ج24 ص13 والتبيان ج7 ص406 وتفسير مجمع البيان ج7 ص219 وجامع البيان للطبري ج18 ص91 وتفسير الثعلبي ج7 ص64 وتفسير البغوي ج3 ص321 والفصول في الأصول للجصاص ج3 ص95.
([28]) التهذيب ج10 ص150 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج18 ص37 والوسائل= = (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص93 وجامع المدارك ج7 ص53 وتفسير نور الثقلين ج3 ص571.
([29]) الدر المنثور ج3 ص254 و 255 عن ابن إسحاق، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، وابن إسحاق.
([30]) الدر المنثور ج3 ص255 عن عبد الرزاق، وابن المنذر، وأبي الشيخ.
([31]) الدر المنثور ج3 ص255 عن عبد الرزاق، وابن المنذر، وأبي الشيخ، وراجع: تفسير القرآن للصنعاني ج2 ص283 وتفسير الميزان ج9 ص345 وراجع: جامع البيان للطبري ج10 ص222 .
([32]) الدر المنثور ج3 ص255 عن ابن أبي حاتم، وفتح القدير ج2 ص378 وتفسير ابن أبي حاتم ج6 ص1831.
([33]) الدر المنثور ج3 ص255 عن عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وعمدة القاري ج1 ص209 وج6 ص35 وجامع البيان للطبري ج18 ص91 والمحرر = = الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج4 ص162 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص272 والدر المنثور ج3 ص255 وج6 ص90 ولسان العرب ج9 ص226.
([34]) الدر المنثور ج3 ص255 عن عبد بن حميد، وتفسير ابن زمنين ج3 ص221.
([35]) الآيتان 65 و 66 من سورة التوبة.
([36]) البرهان (تفسير) ج2 ص140 والبحار ج21 ص236 وتفسير نور الثقلين ج2 ص238.
([37]) تفسير مجمع البيان ج5 ص81 والبحار ج21 ص196 والتفسير الصافي ج2 ص354 وتفسير نور الثقلين ج2 ص237 وتفسير الميزان ج9 ص342 والبرهان (تفسير) ج2 ص140 و 141 عن مجمع البيان.
([38]) البرهان (تفسير) ج2 ص141 ـ 144 والبحار ج28 ص99 و الدرجات الرفيعة للسيد على خان ص298.
([39]) البرهان (تفسير) ج2 ص147 والخصال ص499 والبحار ج21 ص222 وج31 ص631 ومكاتيب الرسول ج1 ص602.
([40]) البرهان (تفسير) ج2 ص147 و 148 وتفسير البحر المحيط ج5 ص51 وتفسير أبي السعود ج4 ص71 وتفسير الآلوسي ج10 ص113.
([41]) الطرائف لابن طاووس ص 389 وسعد السعود ص135 والبرهان (تفسير) ج2 ص148 وإقبال الأعمال لابن طاووس ج2 ص250.
([42]) البرهان (تفسير) ج2 ص147 عن الطبرسي.
([43]) الآيتان 65 و 66 من سورة التوبة.
([44]) الدر المنثور ج3 ص255 عن ابن مردويه، والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص33.
([45]) الآية 65 من سورة التوبة.
([46]) الدر المنثور ج3 ص254 عن حلية الأولياء، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وفتح القدير ج2 ص378 وتاريخ مدينة دمشق ج47 ص119.
([47]) الدر المنثور ج3 ص254 عن ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والعقيلي، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والخطيب في رواة مالك، وفتح القدير ج2 ص378.
([48]) الدر المنثور ج3 ص254 عن ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، والبحار ج21 ص197 وتفسير مجمع البيان للطبرسي ج5 ص82 وتفسير مجاهد ج1 ص283 وامع البيان للطبري ج10 ص221 وتفسير ابن أبي حاتم ج6 ص1830 وتفسير الثعلبي ج5 ص65 وزاد المسير لابن الجوزي ج3 ص315 والدر المنثور للسيوطي ج3 ص254.
([49]) الآية 49 من سورة التوبة.
([50]) الدر المنثور ج3 ص247 و 248 عن الطبراني، وابن مردويه، وابن ابي شيبة، وابن المنذر، وأبي الشيخ، ومجمع الزوائد ج7 ص30 ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص118 و (ط دار الكتب العلمية) ص105 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص103.
([51]) الدر المنثور ج3 ص248 عن أبي الشيخ عن الضحاك.
([52]) الآية 49 من سورة التوبة.
([53]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص437 عن ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، وأبي نعيم في المعرفة، وابن أبي حاتم، وابن عقبة، ومحمد بن إسحاق، والواقدي، وقال في هامشه: أخرجه البيهقي في السنن ج9 ص33 وفي الدلائل ج5 ص225.
وانظر: الدر المنثور ج3 ص247 و 248 عن ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، وابن أبي نعيم في معرفة الصحابة، وابن أبي حاتم، وابن إسحاق، والبيهقي في الدلائل، وتفسير القمي ج1 ص292.
([54]) الآيتان 81 و 82 من سورة التوبة.
([55]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص437 وراجع: تفسير القمي ج1 ص292 وتاريخ الطبري ج2 ص367 والبداية والنهاية ج5 ص6 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص944 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص5.
([56]) البحار ج97 ص42 وج65 ص233 عن الغارات للثقفي، ومستدرك الوسائل ج11 ص18 والغارات للثقفي ج2 ص502 و 503 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص121 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» ج1 ص103.
([57]) مجمع الزوائد ج4 ص325 وميزان الحكمة ج4 ص3415 عن الترغيب والترهيب ج3 ص63 والمعجم الأوسط ج7 ص56 والمعجم الصغير ج2 ص60 والمعجم الكبير ج19 ص129 والعهود المحمدية للشعراني ص292 وفيض القدير للمناوي ج3 ص41 والدر المنثور ج1 ص337.
([58])الدر المنثور ج3 ص286 عن ابن مردويه، وسبل الهدى والرشاد ج5 ص472 عن ابن عقبة، وعن دلائل النبوة للبيهقي ج5 ص280، والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص123 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص81 وإمتاع الأسماع ج2 ص80.
([59]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص472 و 473 والدر المنثور ج3 ص286 .
([60]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص437 عن ابن هشام، والبداية والنهاية ج5 ص7 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص6.
([61]) مسند أحمد ج1 ص83 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج4 ص1912 وكنز العمال ج5 ص454 و 773 و 803 وكشف الخفاء ج2 ص3 وفيض القدير ج4 ص226 وشرح نهج للمعتزلي ج10 ص262 وأمالي المرتضى ج1 ص54 و 55 وأمالي الطوسي ص338 والبحار ج21 ص70 وج22 ص53 و 167 وج38 ص302 وج42 ص186 ومكارم الأخلاق ص252 والكافي ج8 ص349 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص297 و والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج11 ص441 و (ط دار الإسلامية) ج8 ص324 ودلائل الإمامة للطبري ص387.
([62]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص438. وراجع: البحار ج21 ص253 وجامع أحاديث الشيعة ج4 ص458 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص100 و 101 وجامع البيان للطبري ج11 ص32 وتفسير الثعلبي ج5 ص92 وأسباب نزول الآيات ص175 وتفسير البغوي ج2 ص326 وتفسير النسفي ج2 ص109 وأحكام القرآن لابن العربي ج2 ص581 والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج3 ص81.
([63]) الآيتان 3 و 4 من سورة النجم.
([64]) راجع: مسند أحمد ج2 ص493 و 496 وصحيح مسلم ج8 ص25 و 26 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص61 وشرح مسلم للنووي ج16 ص150 ومجمع الزوائد ج8 ص267 وعمدة القاري ج22 ص310 وعون المعبود ج12 ص270 وكنز العمال ج3 ص611 و 612 وتاريخ مدينة دمشق ج4 ص89 وتذكرة الحفاظ للذهبي ج3 ص1169 وسير أعلام النبلاء ج18 ص354 وذكر أخبار إصبهان ج2 ص2 وإمتاع الأسماع ج2 ص251 والجامع لأحكام القرآن ج10 ص227 وأبو هريرة للسيد شرف الدين ص91 والبداية والنهاية ج8 ص128 والشفا بتعريف حقوق المصطفى ج2 ص195.
([65]) الآيتان 3 و 4 من سورة النجم.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page