• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الأول: أبو بكر وسورة براءة: هكذا يزوّرون الحقائق

أبو بكر يحج بالناس:

قالوا: وفي سنة تسع في ذي القعدة حج أبو بكر بالناس، بأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله». فخرج من المدينة في ثلاث مائة رجل. وبعث معه «صلى الله عليه وآله» عشرين بدنة، قلّدها، وأشعرها بيده، وعليها ناجية بن جندب الأسلمي، وساق أبو بكر خمس بدنات.
وحج عبد الرحمن بن عوف أيضاً، وساق هدياً([1]).

إرجاع أبي بكر وبعث علي :

قالوا: وبعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» على أثر أبي بكر ليقرأ على الناس سورة براءة، فأدركه بالعرج في قول ابن سعد، أو في ضجنان([2]) كما قاله ابن عائذ. وكان علي «عليه السلام» على العضباء ناقة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلما رآه أبو بكر قال: أميراً أو مأموراً؟!
قال: لا بل مأمور. ثم مضيا([3]).
وحسب نص آخر: بعث أبا بكر على إقامة الحج سنة تسع، وبعث في أثره علياً يقرأ على الناس سورة براءة.
فقيل: لأن أولها نزل بعد أن خرج أبو بكر إلى الحج([4]).
وقيل: بل لأن عادة العرب كانت أنه لا تحل العقود والعهود ويعقدها إلا المطاع، أو رجل من أهل بيته، فلهذا بعث علياً «عليها السلام» في أثره([5]).
وقيل: أردفه به عوناً له ومساعداً، ولهذا قال له الصديق: أأميراً أو مأموراً؟
قال: بل مأموراً.
وأما أعداء الله الرافضة، فيقولون: عزله بعلي، وليس هذا ببدع من بهتهم وافترائهم([6]).
وقيل: كان في سورة براءة الثناء على الصديق، فأحب أن يكون على لسان غيره، قال في الهدي: لأن السورة نزلت بعد ذهاب أبي بكر إلى الحج([7]).

وإن مكرهم لتزول منه الجبال:

إن هذا العرض لما جرى لأبي بكر في تبليغ مضامين سورة براءة في موسم الحج يمثل أنموذجاً لمكر الماكرين، وجحود الجاحدين، {وَعِنْدَ اللَهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}([8]).. مع أن أحداث هذه القضية كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار، ولم يزل العلماء يتداولونها، ويستدلون بها في قضايا الإمامة، ولا يجد الآخرون مناصاً عن البخوع لمقتضيات مضامينها، والتسليم بدلالاتها، ولو وجدوا أي مجال للتأويل أو التحوير.. لما ترددوا في اللجوء إليه، والتعويل عليه.
ونحن نوضح الحقيقة في هذه القضية هنا، فنقول:

أساس القضية:

عن الحارث بن مالك: أنه سأل سعد بن أبي وقاص (سعد بن مالك): هل سمعت لعلي منقبة؟!
قال: قد شهدت له أربعاً، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا، أُعمّر فيها مثل عمر نوح: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش، فسار بها يوماً وليلة. ثم قال لعلي: اتبع أبا بكر فخذها وبلغها. فَرَدَّ عليٌّ أبا بكر، فرجع يبكي، فقال: يا رسول الله، أنزل فيَّ شيء؟
قال: لا، إلا خيراً، إنه ليس يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني.
أو قال: من أهل بيتي الخ..»([9]).
وكان مع أبي بكر، قبل أن يرجع ثلاث مائة رجل([10]).
ويظهر من النصوص المتوافرة لدينا: أنه «صلى الله عليه وآله» أمر أبا بكر أن يسير إلى مكة ليقيم للناس حجهم في سنة تسع، وليبلغ عنه إلى الناس صدر سورة براءة، بالإضافة إلى قرارات يريد أن يلزم الناس بمراعاتها.
ويستفاد من مجموع الروايات: أنه «صلى الله عليه وآله» كتب عشر آيات، أو ثلاثين أو أربعين آية من سورة براءة، وكتب أيضاً:
1 ـ أن لا يطوفنَّ بالبيت عريان.
2 ـ ولا يجتمع المسلمون والمشركون.
3 ـ ومن كان بينه وبين رسول الله «صلى الله عليه وآله» عهد، فأجله إلى مدته ومن لم يكن بينه وبينه عهد فأجَّله إلى أربعة أشهر.
4 ـ وإن الله ورسوله بريء من المشركين.
5 ـ ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة (أو إلا من كان مسلماً).
6 ـ ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا.
7 ـ وأن هذه أيام أكل وشرب.
8 ـ وأن يرفع الخمس من قريش، وكنانة وخزاعة إلى عرفات([11]).
والخمس أحكام كانوا قد قرروها لأنفسهم ترك الوقوف بعرفات والإفاضة منها([12]).
فلما كان أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وإذا هو علي «عليه السلام»، فأخذ الكتاب من أبي بكر ومضى.
ويبدو أن الكتب كانت ثلاثة:
أحدها: ما أشير إليه آنفاً.
والثاني: كتاب يشتمل على سنن الحج، كما روي عن عروة.
والكتاب الثالث: كتبه النبي«صلى الله عليه وآله» الى أبي بكر وفيه: أنه استبدله بعلي «عليه السلام» لينادي بهذه الكلمات في الموسم، ويقيم للناس حجهم.
وعند المفيد: أنه «صلى الله عليه وآله» قال لعلي: «وخيِّر أبا بكر أن يسير مع ركابك أو يرجع إليَّ»، فاختار أبو بكر أن يرجع إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلما دخل عليه قال: «يا رسول الله، إنك أهلتني لأمر طالت الأعناق فيه إليَّ، فلما توجهت له رددتني عنه؟ ما لي؟ أنزل فيَّ قرآن؟
فقال «صلى الله عليه وآله»: لا، الخ..»([13]).
رجع أبو بكر إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» منزعجاً قلقاً قائلاً: يا رسول الله هل نزل فيَّ شيء. فأخبره النبي «صلى الله عليه وآله» بأن جبرئيل جاءه وقال له: إنه لا يبلغ عنه إلا هو أو رجل منه، وهو علي «عليه السلام».
فقرأ علي «عليه السلام» في موقف الحج سورة براءة حتى ختمها كما عن جابر.
وعن عروة: أنه «صلى الله عليه وآله» أمر علياً «عليه السلام» أن يؤذّن بمكة وبمنى، وعرفة، وبالمشاعر كلها: بأن برئت ذمة رسول الله «صلى الله عليه وآله» من كل مشرك حج بعد العام، أو طاف بالبيت عريان الخ..
ولهذا الحديث مصادر كثيرة جداً، فراجعه في مظانه([14]).
وقد نظم الشعراء هذه المنقبة شعراً فقال شمس الدين المالكي المتوفي سنة 780هـ:
وأرسله عنه الـرسـول مبـلغــاً          وخُص بهذا الأمـر تخصيص مفـرد
وقال هل التبليغ عني ينبغي لمن                ليس من بـيـتـي مـن القوم فاقتد([15])

الثناء على أبي بكر في سورة «براءة»:

وبعد، فإننا بالنسبة لقولهم: إن أخذ آيات براءة من أبي بكر، إنما هو لأن السورة تضمنت مدحاً لأبي بكر، فأحب أن يكون على لسان غيره..
نقول:
إن هذا القائل يشير إلى آية الغار، فإن أبا بكر مقصود فيها، وهذا الكلام باطل.
أولاً: قد ذكرنا في هذا الكتاب حديث الغار، وقلنا: إن الآية التي ذكرت صحبة أبي بكر للنبي «صلى الله عليه وآله» في الغار، قد تضمنت ما يدل على التعريض بذم أبي بكر لأكثر من سبب، ومن ذلك: أنها ذكرت: حزن أبي بكر وهو في الغار، رغم أنه يرى الكرامات والمعجزات الدالة على حفظ الله تعالى لنبيه «صلى الله عليه وآله»، وهو معه، والحال أنه «صلى الله عليه وآله» يطمئنه ولا يلتفت إلى ذلك، وهذا يدل على أنه كان يحتاج إلى المزيد من تأكيد يقينه، وبلورة إيمانه، ولا يكتفي بهذا القدر، الذي لم تكن نتائجه مرضية ومقبولة.
يضاف إلى ذلك: أن الله تعالى سبحانه قد أخبر أنه أنزل سكينتة على نبيه «صلى الله عليه وآله» دون أبي بكر، مع أن أبا بكر كان هو الخائف الحزين، وليس النبي «صلى الله عليه وآله».
ثانياً: إنه إذا كان «صلى الله عليه وآله» قد كتب إلى أهل مكة بعشر آيات، أو بعشرين، أو بثلاثين آية من سورة براءة، فليس من بينها أية آية تشير إلى أبي بكر، لأن آية الغار هي الآية الأربعون في سورة براءة..
إننا نسجل ملاحظة هامة هنا، وهي: السؤال عن سبب تأخر الحديث عن الغار، إلى ما بعد عشر سنوات، وعدم الحديث عن مبيت علي «عليها السلام» في فراش النبي «صلى الله عليه وآله» حين الهجرة. فهل يراد بذكر الغار الإلماح إلى أن المصائب والبلايا والشدائد قد لاحقت النبي «صلى الله عليه وآله» إلى تلك اللحظات، وأنها كانت تأتيه من الداخل والخارج. وقد نصره الله في المواطن كلها حتى في هذه المواطن؟!
فلييأس المتآمرون، وليكفّ أعداء الله عن تقصُّده بالكيد والتآمر، فإن الله الذي كان معه في تلك المواطن الخطيرة والصعبة لن يتخلى عنه بعد أن ضرب الإسلام بجرانه، وعزَّ الدين وأهل الدين.
نعم، هل يراد بالحديث عن الغار بيان هذه الحقيقة؟! أم أن هناك ما هو أبعد من ذلك؟!

من بدع الرافضة!!:

تقدم: أن بعض أهل الأهواء زعم: أن حديث عزل أبي بكر عن إمارة الحج من بدع الرافضة..
وسنرى: أن هذا الذي ادُّعي أنه من بدع الرافضة هو الذي تؤيده أكثر الروايات. باستثناء رواية واحدة رواها محبو أبي بكر، وبقية الروايات وهي تؤكد على رجوع أبي بكر إلى النبي «صلى الله عليه وآله» من الطريق وهي الأخرى لم يروها الرافضة، بل رواها أعداؤهم، ومناوؤوهم الذين لا يتورعون عن كيل الإتهامات الباطلة لهم، بسبب، وبدون سبب..
وليكن ظهور زيف هذه التهمة، دليلاً وشاهداً على قيمة سائر اتهاماتهم للرافضة، ومدى تجنّيهم عليهم!.. فإنا لله وإنا إليه راجعون.. ويا ساعد الله هذه الأمة التي يكون رعاتها وعلماؤها بهذا المستوى من الجرأة على الباطل، وعدم الإلتزام بالصدق، بل وتعمد التجني، والإصرار على التسويق للباطل..
وسيتضح مدى جرأة هؤلاء الناس بملاحظة المطالب التالية:

رجوع إلى روايات غير الشيعة:

قد اختلفوا في هل أن أبا بكر رجع إلى المدينة، أم واصل سيره إلى مكة مع علي «عليه السلام»؟!.
وإذا كان قد سار إلى مكة، هل كان هو أمير الحج، وعلي «عليه السلام» تحت إمارته ورئاسته، أم العكس؟!.
والجواب: أن الروايات التي رواها غير الشيعة على ثلاثة أقسام:
الأول: ما لم يتعرض لهذا الأمر.
الثاني: ما صرح بمواصلة أبي بكر سيره إلى مكة، وحج مع علي «عليه السلام». وهذه الروايات عن أبي هريرة، وابن عباس، وينسب ذلك إلى أبي جعفر أيضاً والسدي.
الثالث: تلك الروايات التي تحدثت عن رجوع أبي بكر إلى المدينة، وهي منقولة عن علي «عليه السلام»، وابن عباس، وأبي هريرة، والسدي([16])، وأبي بكر نفسه، وعن زيد بن بثيع..
وقد صرحت بعض روايات هؤلاء: بأنه «صلى الله عليه وآله» بعث «براءة» أولاً مع أبي بكر، ثم دعاه، فبعث بها علياً «عليه السلام»([17]).
فيلاحظ: أن الذين يقال: إنهم رووا أن أبا بكر واصل سفره إلى مكة، وإنه أقام الحج للناس. هم ثلاثة أشخاص فقط وهؤلاء هم أنفسهم باستثناء ما نسبوه إلى أبي جعفر، قد رووا: أن أبا بكر رجع إلى المدينة..
وبذلك تصبح روايتهم لرجوع أبي بكر إلى المدينة هي المجمع عليها تقريباً.
وبذلك يتضح عدم صحة ما ادَّعاه هؤلاء من تواتر الأخبار في حج أبي بكر بالناس في سنة تسع، قال فضل بن روزبهان في رده على العلامة الحلي: «من الذي حج تلك السنة، إن رجع أبو بكر؟ أتدَّعي أن علياً كان أمير الحاج تلك السنة، وتخالف المتواتر؟! أم تدَّعي أنه لم يحج في سنة تسع أحد»؟([18]).
كما أن القاضي عبد الجبار قد ادَّعى: أن ولاية أبي بكر على الموسم والحج قد ثبت بلا خلاف بين أهل الأخبار، ولم يصح أنه عزله، ولا يدل رجوع أبي بكر إلى النبي «صلى الله عليه وآله» مستفهماً عن القصة على العزل([19]).
ونقول:
أولاً: إن الأخبار متواترة في أن أبا بكر قد رجع إلى المدينة، ومضى علي «عليه السلام» في طريقه إلى مكة. ولم يروَ ـ عندهم ـ مضي أبي بكر إلى مكة سوى ما نسبوه إلى أبي جعفر «عليه السلام».
وأما أبو هريرة، وابن عباس، والسدي، فرووا كلا الأمرين.. فإذا أيدنا رواية الرجوع بما رواه كثيرون غيرهم، فإن روايتهم لغيرها تسقط عن الإعتبار.
ثانياً: إننا نقول لابن روزبهان: إن الذي حج بالناس في تلك السنة هو علي «عليه السلام»، كما صرحت به الروايات أيضاً.
وتبليغ رسالة النبي «صلى الله عليه وآله» للناس، لا يمنع علياً «عليه السلام» من إقامة الحج لهم. كما لم يكن مانعاً لأبي بكر من المضي في نفس هذين الغرضين، وكان سيؤديهما معاً، لو أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يرجعه، ويرسل علياً «عليه السلام» مكانه..
ثالثاً: بالنسبة لكلام القاضي عبد الجبار، نقول:
ليس هناك إجماع على تولية أبي بكر للموسم، فقد قال الطبرسي بالنسبة لعلي «عليه السلام»: «روى أصحابنا: أن النبي «صلى الله عليه وآله» ولاه أيضاً الموسم، وأنه حين أخذ البراءة من أبي بكر رجع أبو بكر»([20]).
وقد قلنا أيضاً: إن أكثر الأخبار خالية عن ذكر مسير أبي بكر إلى مكة.
وإن جميع الروايات، وجميع الرواة الذين تعرضوا لهذا الأمر قد صرحوا برجوعه إلى المدينة، باستثناء راو واحد ورواية واحدة.
وإن ثلاثة من الرواة قد ناقضوا أنفسهم في ذلك.. فلا اعتداد بروايتهم هذه، لأن روايتهم الأخرى مؤيدة بسواها..
رابعاً: لنفترض: أن أهل الأخبار ـ كما قال القاضي عبد الجبار ـ قد ذكروا تولية أبي بكر للموسم. فإذا كانوا كلهم من محبي أبي بكر، ومن المدافعين عنه، بكل قوة وحول ويسعون لتبرئته، ولدفع الطعون عنه.
وإذا كانت جميع الروايات التي رووها هم لنا تخالف قولهم هذا، مع تناقض باقيها فيما ينقله سوى رواية واحدة ـ وإذا كان الأمر كذلك ـ فإننا نفقد ثقتنا بهم، ونشك في اعتمادهم سبيل الإنصاف، وسنرى: أنهم متحيزون بلا حجة ولا دليل، بل الدليل والحجة والرشد في خلافهم..
خامساً: ويرد على القول: بأن رجوع أبي بكر لا يدل على العزل: أن المدعي لبقائه أميراً على الموسم هو الذي ربط بين الأمرين، واعتبر أن قبوله برجوع أبي بكر معناه إسقاط أبي بكر عن ولاية الموسم..
وهو محق في ربطه هذا، لأن الرواية التي اعتمد عليها، وهي رواية أبي جعفر. ورواية ابن عباس المتناقضة تقولان: إن علياً «عليه السلام» وأبا بكر مضيا إلى مكة، ولم يرجع أبو بكر إلى المدينة، فإن ثبت رجوعه، فذلك يكون دليلاً آخر على عدم سقوط هاتين الروايتين عن الإعتبار، يضاف إلى سائر الأدلة على ذلك.

هل نقض النبي العهد؟!:

تقول بعض الروايات: «نزلت سورة «براءة» لكي تنقض العهد الذي كان بين رسول الله «صلى الله عليه وآله» وبين المشركين.
ثم بينت: أن المقصود هو العهد العام الذي كان بينه وبين أهل الشرك، وهو: أن لا يصد عن البيت أحد جاءه، وأن لا يخاف أحد في الشهر الحرام.. وكان بين ذلك عهود بين رسول الله «صلى الله عليه وآله» وبين قبائل من العرب إلى أجل مسمى.
فنزلت «براءة» لتنقض العهد العام منها([21])..
ونقول:
إن هذا كلام باطل، إذ لم يكن عهد بين النبي «صلى الله عليه وآله» وبين أحد، بل فتحت مكة في سنة ثمان، وبقيت الأمور على حالها هذه المدة القصيرة، ثم جاء هذا الحكم الإلهي الصريح، وكان لا بد من إبلاغه وتطبيقه.. وحاشا رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن ينقض عهداً مع أحد، عامَّاً كان أو خاصَّاً.
بل لقد صرحت الروايات والآيات: بأن من كان بين النبي «صلى الله عليه وآله» وبينهم عهد فعهدهم باق إلى انتهاء مدتهم، لكنه منع من تجديد العهد معهم، وهذا ليس نقضاً، كما هو ظاهر. ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر.
ولعل الهدف من إعطاء هذه المهلة للمشركين هو إفساح المجال لهم للسؤال عن هذا الدين، والعيش مع أهله لكي يحسموا خياراتهم بروية وهدوء، بعيداً عن أي ضغط أو إكراه.

ليس للمشرك أن يأتي بيت الله:

وقد كان المشركون يرفضون الإعتراف بالحق، والقبول بعبادة الله الواحد الأحد، فتحققت بذلك المنافرة والمناقضة بينهم وبين التوحيد، وكل ما يمت إليه بصلة، وهذا يفرض إقصاءهم ومنعهم من دخول حرم الله تعالى وبيته، وسيكون دخولهم إليه دخول المبغض الحانق، الذي لا يطيق رؤية أي من مظاهر هذا التوحيد وتجلياته، ولولا أنهم يريدون الحصول على منافع دنيوية، أو أنهم يريدون الكيد للإسلام وأهله، لما راق لهم المجيء إلى حرم الله تعالى، ولما استساغوا التعامل مع أهله..
والخلاصة: أنه لا يحق لهم المطالبة أو التفكير بدخول الحرم والمسجد، إذ لا شيء يربطهم به، أو يشدهم أو يخولهم الدخول إليه، بل إن دخولهم هذا يمثل عدواناً، وأذى، وربما يصاحبه استهزاء، وإظهار حنق وبغض لبيت الله وحرمه.
يضاف إلى ذلك: أنهم إنما كانوا يدخلونه لعبادة أصناهم، لا لعبادة الله، وقد أزيلت تلك الأصنام فيه، وأصبح موضعاً لعبادة الله وتوحيده، وليس لهم في هذا الأمر نصيب.

كيف يتبدل رأي النبي ؟!:

وقد يعترض بعض قاصري النظر، فيقول: إذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» معصوماً فما معنى أن يتبنى رأياً، ويبدأ بتنفيذه، ثم يبدل رأيه هذا بغيره، ويلغي ما كان قام به، ويستبدله بما يتوافق مع هذا الرأي المستجد؟!. فيرسل أبا بكر أولاً، حتى إذا قطع مسافة لا يستهان بها، أرسل إليه من يكون بديلاً عنه..
ثم ألا يُضعِف ذلك ثقة الناس بالنبي «صلى الله عليه وآله»، ويخل بمكانته في نفوسهم؟!.
والجواب:
إن القضية لم تكن قضية رأي ظهر خطؤه، وبان أن غيره هو الصواب، أو الأصوب، أو حتى الأفضل منه.. وإنما كان المطلوب أمران:
أحدهما: إرسال أبي بكر إلى المكان الذي وصل إليه، ثم إرسال علي «عليه السلام» ليأخذ منه كتاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فإن في هذا الأمر مصلحة يراد تحقيقها. وقد كان بوحي من الله، لا برأي ظهر خطؤه من رسول الله «صلى الله عليه وآله».
وذلك لأنه «صلى الله عليه وآله»: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى}([22])،
الثاني: إرجاع أبي بكر وإرسال علي «عليه السلام» دونه، وكان هذا بوحي من الله تعالى أيضاً..

لا ينقض العهد إلا العاقد أو رجل منه:

وقد حاول المشفقون على أبي بكر تبرير ما جرى، فادَّعوا ـ كما تقدم ـ: أن العقود والعهود لا يحلها إلا المطاع والعاقد لها، أو رجل من أهل بيته([23]).

وهذا كلام مرفوض:

أولاً: إن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يرسل أبا بكر ولا علياً «عليه السلام» لحل عقد، أو نقض عهد، كما أوضحناه تحت عنوان: «هل نقض النبي «صلى الله عليه وآله» العهد؟».
ثانياً: لو سلمنا: أن الأمر كان كذلك، فلماذا أرسل أبا بكر من أول الأمر؟! فإنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن جاهلاً برسوم المجتمعات في زمانه، وبين قومه، وبالأعراف القائمة التي يفترض فيه أن يراعيها. ولا كان هناك من هو أعرف منه بها.
ثالثاً: إن دعوى أن من عادات العرب أن العهد لا ينقضه إلا العاقد أو رجل من أهل بيته، دعوى كاذبة على أهل الجاهلية، ولم نجد لها شاهداً، ولا مؤيداً ولا دليلاً، إلا نفس دعواهم لها في هذا المورد.
قال ابن أبي الحديد المعتزلي: ذلك غير معروف من عادة العرب، وإنما هو تأويل تأوله المتعصبون لأبي بكر، لانتزاع سورة براءة منه، وليس بشيء([24]).
فالذي قاله المرتضى أصح وأظهر، وما نسب إلى عادة العرب غير معروف، وإنما هو تأويل تأول به متعصبو أبى بكر لانتزاع براءة منه، وليس بشئ.
ولم نسمع أن أحداً توقف في نقض عقد أو عهد حتى يبلغه إياه عاقده أو أحد أقاربه([25])، بل المطلوب هو الوثوق بأن صاحب العلاقة قد نقض العهد، وحل العقد.
رابعاً: لو كان الأمر كذلك، فلماذا يخاف أبو بكر من أن يكون قد نزل فيه شيء؟!.
خامساً: لماذا لا يعترض أبو بكر على رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو في المدينة، ويقول له: أرسل أحد أقاربك، فإن أعراف العرب تمنع من إرسالي.. وقد عهدناه هو وعمر يكثران من الإعتراض على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، والإقتراح عليه..
أو لماذا لم يعترض أحد من الصحابة عليه في ذلك؟!.
سادساً: هناك ما يدل على: أن تبليغ براءة لا يمكن أن يقوم به حتى جميع أقارب النبي «صلى الله عليه وآله»، بل هو خاص بعلي «عليه السلام»، فقد رووا عنه «صلى الله عليه وآله» أنه قال: «لا يؤدي عني إلا أنا أو علي». روي ذلك عن يحي بن آدم السلولي، وعن حبشي بن جنادة، وعن حنش، وعمران، وأبي ذر الغفاري([26])، وروي أيضاً عن ابن عباس([27]) فراجع.

لماذا أرجع أبا بكر؟:

وعن سبب إرجاع أبي بكر عن تبليغ سورة «براءة»، وسائر الأحكام التي أرسلها رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى المشركين، وأهل مكة نقول:
لعل سبب ذلك يعود إلى بعض أو كل الإحتمالات التالية:
1 ـ قد يقال: إن المقصود هنا هو إظهار أن أبا بكر لا يؤتمن على إبلاغ الرسالة التي وكل بإبلاغها، ولذلك قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني»، ولم يقل: إنك لا تقدر على التبليغ..
غير أننا نقول:
إن كلمة النبي «صلى الله عليه وآله»: «لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني» لا تحتم أن يكون سبب عدم تبليغ غيره عنه هو عدم أمانته، لاحتمال أن يكون المقصود: هو النهي عن تولية غير علي «عليها السلام» لتبليغ شيء عن رسول الله «صلى الله عليه وآله».
غير أن هذا الإحتمال يبقى موضع جدال ونقاش.
فإنه ـ كما أوضحه بعض الإخوة ـ إذا كان الرسول «صلى الله عليه وآله» هو المبلغ عن الله تعالى إلى الناس كتابه وشرائعه، وقال: «لا يبلغ عني إلا علي» كان من المحتمل جداً ـ إن لم يكن هو الظاهر ـ إرادة أنه لا يقوم مقامي في التبليغ عني ـ الذي هو تبليغ بالواسطة عن الله تعالى ـ إلا علي، وهذا دليل إمامته «عليه السلام» وعدم صلاح غيره لهذا المقام.
وأما الرواة والفقهاء وحفظة القرآن بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» فإنهم وإن كانوا يبلغون عنه إلا أن المرجعية العليا في ذلك هي للإمام بعده «صلى الله عليه وآله»، لأنه هو الحافظ للشريعة وأحكامها والكتاب وآياته. وكل ما يتداولونه حينذاك إنما يصح الإعتماد عليه لأنه تحت إشرافه وبإمضائه «عليه السلام» وهذا غير ما سيأتي تحت رقم (5) فإن المذكور هناك هو الإستدلال بالأولوية، فإذا كان لا يصلح للنيابة في تبليغ رسالة فكيف يصلح للنيابة في الرياسة العامة، وأما هنا فإنه استدلال مباشر على أصل المسألة التي هي مقام النيابة عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» في حفظ الشريعة وتبليغها، ويكون المورد ـ أي تبليغ براءة ـ من مصاديقها.
2 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» خاف أن يضعف أبو بكر في أداء مهمته، وربما ينكل عن مواجهة المشركين بهذا الإعلان القوي. حيث إنه قد يخشى من المشركين أن يغتالوه أو أن يؤذوه، ولا يثق بنصرة أهل مكة له، لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام.
وقد أشار المعتزلي إلى ذلك فقال: لعل السبب في ذلك، أن علياً «عليه السلام»، من بني عبد مناف، وهم جمرة قريش في مكة، وعلي «عليه السلام» أيضاً شجاع لا يقام له، وقد حصل في صدور قريش منه الهيبة الشديدة، والمهابة العظيمة، فإذا حصل مثل هذا البطل وحوله من بني عمه من هم أهل العزة والقوة والحمية، كان أدعى إلى نجاته من قريش، وسلامة نفسه الخ..([28]).
ولكنّ علماءنا([29]) ناقشوا في ذلك، فقالوا: لو كان الغرض من استبدال أبي بكر بعلي «عليه السلام» هو سلامة من أرسله رسول الله «صلى الله عليه وآله» من الأذى كان الأحرى أن يرسل «صلى الله عليه وآله» العباس، أو عقيلاً، أو غيرهما ممن لم يكن لدى قريش حقد عليهم، لأنهم لم يشاركوا في قتل آباءهم، وإخوانهم.
وحديث الخوف من شجاعة علي «عليه السلام» لا ينفع هنا، فإن قريشاً كانت تجترئ على علي «عليه السلام» وتسعى لقتله في الحروب، وإن كانت تُمنى دائماً بالخزي والخيبة، فهل تكف عنه إذا وجدته وحده في مكة بالذات وكان معها ألوف من أهل الشرك؟!
على أنهم قد زعموا: أن أبا بكر قد ذهب إلى مكة أميراً على الحاج([30])، فلماذا لم يخف من قريش ومن المشركين أن يغتالوه إذا كان قد خاف من القتل، بسبب حمله لرسالة النبي «صلى الله عليه وآله» إليهم؟!.
3 ـ ولا نريد أن نوافق بعضهم حتى على إبداء احتمال أن يؤدي ضعف أبي بكر به إلى مصانعة الأعداء، وممالأتهم، والتآمر معهم.. فإن أبا بكر كان يعلم: أن النبي والمسلمين كانوا هم الأقوى، كما أظهرته الوقائع وكما ظهر من غزوة مؤتة، وتبوك، والفتح، وحنين، وخيبر، وأحد، وبدر، والخندق.. وما إلى ذلك.. وهو لن يجازف بالغدر بهم، ويعرض نفسه لأخطار سيكون علي «عليه السلام» هو مصدرها، وربما يهدر النبي «صلى الله عليه وآله» دمه.. ولا يجد بعد هذا ملاذاً له في أي مكان.
4 ـ هناك من يطرح احتمال أن يكون أبو بكر غير قادر على الإجابة على أسئلة الناس، وعن أحكام حجهم، ودينهم، وسياساته، وحقائقه، وشرائعه..
5 ـ لعل الهدف من إرجاع أبي بكر: هو تجسيد حقيقة حاله، وأنه لا يصلح لأن ينوب عن النبي «صلى الله عليه وآله» أو غير قادرٍ حتى في إبلاغ رسالة له إلى أهل مكة، فهل يصلح للرياسة العامة التي يرشح نفسه لها، أو يقدر على القيام بمقتضياتها، ولا سيما مع وجود علي أمير المؤمنين «عليه السلام»..
وهذا ما صرحت به الرواية التي وردت في التفسير المنسوب إلي الإمام العسكري «عليه السلام»، حيث تقول: إن جبرئيل قال لرسول الله «صلى الله عليه وآله» عن «براءة»: «ما أمرك ربك بدفعها إلى علي، ونزعها من أبي بكر سهواً، ولا شكاً، ولا استدراكاً على نفسه غلطاً، ولكن أراد أن يبين لضعفاء المسلمين: أن المقام الذي يقومه أخوك علي «عليه السلام» لن يقومه غيره سواك يا محمد، وإن جلَّت في عيون هؤلاء الضعفاء من أمتك مرتبته، وشرفت عندهم منزلته»([31]).
الله لا يؤاخذ على النوايا:
وهنا سؤال يقول:
إننا نعلم: أن الله تبارك وتعالى لا يؤاخذ الناس على نواياهم، فإذا كان أبو بكر لم يقترف ذنباً، فلماذا يعرضه لهذا الإمتحان العسير، ويفضحه أمام الناس، ويظهر ضعفه، أو يظهر عدم أمانته، أو نحو ذلك؟..

وهل تصح العقوبة بالفضيحة قبل الجناية؟!.

ويمكن أن يقال في الجواب: إنه لا شك في أن أبا بكر، قد هيّأ مقدمات كثيرة، وقام باتصالات مختلفة، وتعددت مساعيه لمنع تحقق ما يريده الله ورسوله «صلى الله عليه وآله»، من أن يكون علي «عليه السلام» هو الإمام والخليفة بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وكفى بذلك ذنباً يستحق العقوبة عليه بفضح نواياه، وابتلائه بهذا الإمتحان العسير..
غير أننا نقول:
إن ذلك قد لا يقنع أولئك الذين يهتمون بالذب عن أبي بكر، وابتغاء الأعذار له، ولذلك نقول:
لعل الأقرب إلى الإعتبار أن يقال هناك جوابان آخران:
أحدهما: أن هذا الذي جرى قد كان امتحاناً لأبي بكر، ولله ورسوله الحق في امتحان الناس، وإظهار قدراتهم، واستعداداتهم، حتى لا يحمِّلهم ما لا طاقة لهم به، ولكن أبا بكر قد فشل في تحقيق أدنى درجات النجاح في هذا الإمتحان، حيث إنه حين أرجعه النبي «صلى الله عليه وآله» في قضية براءة بكى، وانزعج، واغتم واهتم، وعاتب واشتكى، وأكثر على رسول الله «صلى الله عليه وآله» الكلام.
ولم يرض بما رضيه الله ورسوله «صلى الله عليه وآله»، ولم نره سلم لرسول الله «صلى الله عليه وآله» تسليماً. وكان أبعد ما يكون عن القاعدة التي أطلقتها زينب «عليه السلام»: «رضا الله رضانا أهل البيت»([32]).
ويدل على ذلك خوف أبي بكر من أن يكون قد نزل في حقه شيء من القرآن، مع أنه يعلم أن الله تعالى أعدل العادلين وأكرم الأكرمين، فلو لم يكن قد صدر منه شيء خشي المؤاخذة عليه، أو أضمر شيئاً خشي افتضاحه، لم يكن معنى لخوفه، ولا لسؤاله عن ذلك..
ولعل مما يدل على ذلك ما صرحت به الرواية عن علي «عليه السلام»: من أن أبا بكر كان قد تثاقل عن حمل الكتاب كما تثاقل غيره، حتى لجأ النبي «صلى الله عليه وآله» إلى فرض ذلك عليه، وإلزامه به([33]).
الثاني: إن أبا بكر كان يرشح نفسه لأخطر موقع، وأسمى مقام، فإذا لم يكن أهلاً لما يرشح نفسه له، بل كان من موجبات الهلاك والدمار، والفساد والبوار، وسيلحق بالإسلام وأهله ضرراً عظيماً، وهائلاً، فإنه يجب تعريف الناس بعدم أهليته لهذا المقام، وإفهامهم أنه فاقد للمواصفات التي تؤهله لما هو أدنى من ذلك بدرجات، ويكون نفس طموحه وسعيه لهذا الأمر ذنباً عظيماً وخطأً جسيماً يصحح إجراء العقوبة عليه، ولا أقل من أنه يوجب سقوط حقه في كل ما تكون مراعاته من أسباب تقويته على الوصول إليه..
وبعد أن يتم هذا البيان، وتقوم به الحجة، يتحمل الناس أنفسهم مسؤولية أي عمل يقدمون عليه، وإلى الله يكون إيابهم، وعليه حسابهم..

لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك:

قد صرحت الروايات: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أخبر أبا بكر، بأن جبرئيل قال له: لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك..
وصرحت نصوص أخرى: بأنه لا يؤدي عن النبي «صلى الله عليه وآله» إلا هو أو علي..
مع أنه «صلى الله عليه وآله» قد أرسل عشرات، أو مئات الرسائل مع مختلف الأشخاص إلى الملوك، وإلى القبائل، والبلاد، والفئات والجماعات. وهذا تبليغ عنه. ولم يكن هو المبلغ ولا رجل منه..

ويمكن أن يجاب:

أولاً: بأن المقصود حينئذ التبليغ عنه فيما هو من شأنه كمبلغ عن الله، وهذا يرتبط بالشريعة والكتاب، وليس ما كان «صلى الله عليه وآله» يبعث الرسل فيه من هذا القبيل.
ثانياً: بأن الذين كان يرسلهم إلى الملوك والجماعات برسائله لم يكونوا هم الذين يبلغون عنه، بل كانت الرسالة هي التي توصل مرادات رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى الأشخاص أو الجماعات..
وأما في تبليغ سورة «براءة»، فالمطلوب من حامل الآيات أن يتولى هو مهمة التبليغ عن رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وأن يعلن الحرب على من يصر على انتهاك حرمة المسجد الحرام بعد ذلك العام، وإبلاغ أحكام وقرارات حازمة، وحاسمة، ترتبط بالتدبير للشأن العام.. وقطع دابر الخلاف والمخالفة فيه، بما في ذلك: أن لا يطوف بالبيت عريان. وإبطال عادات الجاهلية فيما يرتبط بعرفات، وإنذار المشركين وإعطائهم مهلة إلى أربعة أشهر، والإعلان عن عدم تجديد عهد مع مشرك..
وذلك كله يحتاج إلى حزم وحسم، وتصميم، واعتبار هذه القرارات نهائية، لا مجال للمساومة ولا للماطلة فيها..
ومن جهة أخرى لا بد من أن ينقطع أمل كل أهل الشرك ومن يعنيهم هذا الإعلان من أن يجدوا في القائم بعد النبي «صلى الله عليه وآله» أدنى تعاطف معهم، بعد وفاته «صلى الله عليه وآله»، بنقض هذه القرارات، أو بأن يخفف من حدتها..
فإذا كان علي «عليه السلام» الذي لم يشرك بالله طرفة عين، وكان هو حامل راية التوحيد الخالص منذ خلقه الله تعالى، والذي هو نفس الرسول «صلى الله عليه وآله» بنص القرآن، وهو أخوه، وهو منه بمنزلة هارون من موسى، فإذا كان علي هو المبلغ عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فإنه يكون هو الأعمق أثراً، وهو الأولى بإعلان براءة الله ورسوله من الشرك والمشركين.
أما أبو بكر الذي عاش أجواء الشرك طيلة عشرات السنين من حياته، فلن يكون قادراً على إعلان البراءة الحقيقية من الشرك والمشركين بنفس القوة والحزم والفاعلية، أو هذا ما سيفكر به المشركون على أقل تقدير.
ويؤكد هذه الحقيقة الشواهد التالية:
ألف: قد تقدم: أن بعض الروايات عن علي «عليه السلام» تقول: إنه «صلى الله عليه وآله» كتب الكتاب، وعرض على جميع أصحابه المضي به إلى المشركين، فكلهم يرى التثاقل فيهم، فلما رأى ذلك ندب منهم رجلاً، فوجهه به، فأتاه جبرئيل «عليه السلام»، فقال: يا محمد، لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، فأنبأني رسول الله «صلى الله عليه وآله» بذلك، ووجهني بكتابه ورسالته إلى مكة الخ..([34]).
ب: قد صرحت بعض نصوص الرواية بأكثر من ذلك، فعن الإمام الباقر «عليه السلام» قال: لما سرح رسول الله «صلى الله عليه وآله» أبا بكر بأول سورة «براءة» إلى أهل مكة أتاه جبرئيل «عليه السلام»، فقال: يا محمد، إن الله تعالى يأمرك أن لا تبعث هذا، وأن تبعث علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وإنه لا يؤديها عنك غيره..
فأمر النبي «صلى الله عليه وآله» علي بن أبي طالب «عليه السلام»، فلحقه، فأخذ منه الصحيفة، وقال: ارجع إلى النبي.
فقال أبو بكر: هل حدث في شيء؟!.
فقال: سيخبرك رسول الله.
فرجع أبو بكر إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، فقال: يا رسول الله، ما كنت ترى أني مؤد عنك هذه الرسالة؟!.
فقال له النبي «صلى الله عليه وآله»، أبى الله أن يؤديها إلا علي بن أبي طالب «عليه السلام».
فأكثر أبو بكر عليه من الكلام، فقال له النبي «صلى الله عليه وآله»: كيف تؤديها وأنت صاحبي في الغار؟!([35]).
فإن قوله الأخير: «كيف تؤديها وأنت صاحبي في الغار»، قد جاء على سبيل التقريع والتشنيع والذم، وبيان السبب والمبرر لهذا الإجراء.
ولعل الوجه في ذلك: أن أبا بكر كان في الغار خائفاً فزعاً، مع أنه كان يرى الآيات الدالة على حفظ الله تعالى لنبيه «صلى الله عليه وآله»، مثل نسج العنكبوت، ونبات شجرة السدر، ووضع الحمامة الوحشية بيضها، ووقوفها على باب الغار.
ومع وجوده إلى جانب النبي «صلى الله عليه وآله».
ومع تطمينات نبي الرحمة له.
ومع عدم علم أحد من المشركين بمكانهما. و.. و..
فإذا كان أبو بكر في الغار، مرعوباً خائفاً إلى هذا الحد، وكل الشواهد تشير إلى أنه في مأمن، فكيف سيكون حاله إذاً أمام مئات أو ألوف المشركين، وهم يرونه ويعرفون مكانه، وهو في بلدهم وفي قبضتهم، وجموعهم تحيط به، وليس النبي «صلى الله عليه وآله» إلى جانبه، ليهدئ من روعه، ولا تظهر الآيات والمعجزات المطمئنة له. مع العلم: بأن أهل الشرك قد أصبحوا موتورين من الإسلام، الذي قتل صناديدهم، وآباءهم، وإخوانهم، وأبناء عشائرهم، وفتح بلادهم، وغنم أموالهم..
ج: ثم إن هذه الكلمة من رسول الله «صلى الله عليه وآله» توضح: أن الأمر بالنسبة إلى علي «عليه السلام» كان هو الأصعب، وأن إرساله هو الأشد خطراً على شخصه، فإن أبا بكر لم يكن له أثر يذكر في ساحات الحرب، وفي مواقع الطعن والضرب، بل كان مقامه مقام أهل الفرار، والذين كانوا بكلماتهم وبآرائهم يخذِّلون الناس عن الدخول في حرب مع المشركين ـ كما كان الحال في بدر والفتح، وسواهما، وقد سعى لحفظ حياة أسارى المشركين في بدر، ولم يعرف له قتيل ولا جريح في أي من الحروب التي شهدها طيلة حياة رسول الله«صلى الله عليه وآله» كما أن دأبه كان الفرار من الزحف في مواقع الشدة والحدة، كما جرى في أحد وفي حنين، وفي قريظة، وخيبر، ولم يجرؤ على الظهور في الخندق.. وفي سائر المقامات..
أما علي«عليه السلام» فهو لم يزل يقمعهم، ويفتك فيهم، طيلة عشر سنين حتى أباد خضراءهم، وقتل صناديدهم، وأذل عزيزهم، وأكذب أحدوثتهم، وكانوا يتربصون به الدوائر، وكان حقدهم عليه لا يقل عن حقدهم على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكان نومه على فراش النبي «صلى الله عليه وآله»، ومواجهتهم بالقتال هو السبب في نجاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وفي تمكنه من الهجرة الى المدينة..
واذا واجههم علي «عليه السلام» بهذا القرار الحاد، المتضمن لهذا التهديد والوعيد الشديد بالقتل، وبإعلان الحرب على الشرك وأهله، ووجدوه وحيداً فريداً بينهم، وفي عقر دارهم، وموضع قوتهم، ومحل اجتماعهم، فسوف لن يدخروا وسعاً في الإنتقام منه لو أمكنهم ذلك، ولن يجرؤ أحد من بني هاشم على إظهار نفسه في هذه المعمعة الهائلة، لأن مصيرهم سيكون الدمار والبوار.
د: على أنهم قد زعموا: أن أبا بكر لم يتعرض إلى التعذيب في مكة، لأنه كان محبباً في المشركين، مقرباً إليهم.
بل يزعمون: أنه كان أول من بنى مسجداً في الإسلام في بني جمح، ولم يعترض عليه أو لم يبالي بإعتراض أحد لأجل مكانته وعزته، كما ذكرناه في جزء سابق من هذا الكتاب، فراجع.
فلم يكن الأمر بالنسبة إليه يمثل أي خطر، ولا سيما بعد أن أسلم قومه، وأصدقاؤه ومحبوه. وإن كنا قد ذكرنا فيما سبق عدم صحة هذا الزعم.
أما علي «عليه السلام» فكانوا يحرقون عليه الأُرّم، وكانت هند قد طلبت من وحشي أن يقتله هو والنبي «صلى الله عليه وآله» أو حمزة.

الحدة بين علي وبين المشركين:

ويلاحظ هنا: أن الأمور حين إبلاغ سورة براءة قد انقلبت رأساً على عقب، فبدلاً من أن يخاف علي «عليه السلام» المشركين على نفسه، كان هو الذي يتهددهم ويتوعدهم ويتحداهم، حتى لقد أبلغهم سورة براءة وكتاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقد «لمع بسيفه»!!([36]).
وفي نص آخر: «لما دخل مكة اخترط سيفه وقال: والله لا يطوف بالبيت عريان إلا ضربته بالسيف»([37]).
وعن علي «عليه السلام»: «فأتيت مكة، وأهلها من قد عرفتم، ليس منهم أحد إلا ولو قدر أن يضع على كل جبل مني إرباً لفعل، ولو أن يبذل في ذلك نفسه وأهله، وولده، وماله، فبلغتهم رسالة النبي «صلى الله عليه وآله» وقرأت عليهم كتابه، فكلهم يلقاني بالتهديد والوعيد، ويبدي لي البغضاء، ويظهر الشحناء من رجالهم ونسائهم، فكان مني في ذلك ما قد رأيتم»([38]).
وقالوا أيضاً: «لما وصل علي «عليه السلام» إلى المشركين بآيات براءة لقيه خراش بن عبد الله أخو عمرو بن عبد الله وهو الذي قتله علي «عليه السلام» مبارزةً يوم الخندق ـ وشعبة بن عبد الله أخوه، فقال لعلي «عليه السلام»: ما تسيرنا يا علي أربعة أشهر، بل برئنا منك ومن ابن عمك، إن شئت إلا من الطعن والضرب».
وقال شعبة: ليس بيننا وبين ابن عمك إلا السيف والرمح، وإن شئت بدأنا بك.
فقال علي «عليه السلام»: أجل، أجل، إن شئت فهلموا([39]).
وعن أبي جعفر الباقر «عليه السلام»: «خطب علي «عليه السلام» الناس: واخترط سيفه، وقال: لا يطوفن بالبيت عريان الخ..» ([40]).
وعن الامام الصادق «عليه السلام»: أخذ علي «عليه السلام» الصحيفة، وأتى الموسم، وكان يطوف على الناس، ومعه السيف، ويقول: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ..}([41]). فلا يطوف بالبيت عريان بعد عامه هذا، ولا مشرك، فمن فعل، فإن معاتبتنا إياه بالسيف.
قال: وكان يبعثه إلى الأصنام فيكسرها، ويقول: «لا يؤدي عني إلا أنا أو أنت»([42]).

نحن في حيرة من أمرنا:

ونربد ان نعترف هنا: أننا في حيرة شديدة في امر أبي بكر، حيث نجد محبيه، إذا رأوا أن إظهار الفخامة والعظمة هو المفيد، فإنهم يجعلون حتى فراره من الزحف شجاعة، ويجعلون ابتعاده عن المعركة في بدر رياسة، ويدَّعون: أن من دلائل عظمته اقناعه عمر بن الخطاب بموت رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وينسبون له نفوذ الكلمة والإحترام والرياسة بين المشركين في مكة، فلم يعذبه المشركون لمكانته فيهم، ولم يمنعوه من إقامة المسجد من أجل ذلك، كما أن قريشاً تبذل فيه مائة ناقة لمن يمكّنها منه حين الهجرة كما بذلت في رسول الله «صلى الله عليه وآله».
وعلى هذا فقس ما سواه.
وإذا احتاجوا لتخليصه من بعض المآزق إلى ادِّعاء ضعفه، وخوفه، وكونه بلا نصير، ولا عشيرة، ولا ظهير.. فإنهم يبادرون إلى ذلك، ويبالغون فيه ما شاؤا، وبلا رقيب ولا حسيب.

قصة براءة دليل إمامة أبي بكر:

قال الرازي: «قيل: قرر أبا بكر على الموسم، وبعث علياً خليفة (خلفه) لتبليغ هذه الرسالة حتى يصلي خلف أبي بكر، ويكون ذلك جارياً مجرى تنبيه على إمامة أبي بكر، والله أعلم».
قال: «وقرر الجاحظ هذا المعنى، فقال: إن النبي«صلى الله عليه وآله» بعث أبا بكر أميراً على الحاج، وولاه الموسم، وبعث علياً يقرأ على الناس سورة براءة، فكان أبو بكر الإمام وعلي المؤتم، وكان أبو بكر الخطيب وعلي المستمع، وكان أبو بكر الرافع بالموسم، والسائق لهم، والآمر لهم، ولم يكن ذلك لعلي»([43]).
وقد أجاب العلامة المجلسي على هذا بما ملخصه([44]):
أولاً: إن تولي أبي بكر للموسم ممنوع، كما أظهرته النصوص.
ثانياً: إن جعل شخص أميراً لا يلزم الناس بالصلاة خلفه..
ثالثاً: إن علياً «عليه السلام» لم يكن من أهل الموسم ليكون أبو بكر أميراً عليه، بل هو مرسل إليهم برسالة.. وليس في الأخبار ما يدل على أن علياً «عليه السلام» صلى خلف أبي بكر.
رابعاً: إن الصلاة خلف أبي بكر لا تعني ثبوت فضيلة له، على ما زعموه من جواز الصلاة خلف كل بر وفاجر([45]).
خامساً: إن قول النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام»: «لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل منيٍٍٍ»، يدل على أنها تأدية خاصة لا ينالها أحد من البشر، أما إمارة الحاج فيتولاها أي كان من الناس، براً كان أو فاجراً، وقد تولاها عتَّاب بن أسيد قبل أبي بكر، ولا تحتاج إلى أكثر من المعرفة بما هوالأصلح في سوق الإبل، والبهائم، ومعرفة المياه، والتجنب عن مواضع اللصوص ونحو ذلك.. فهو أمر إداري صرف..
سادساً: إن إمارة الحاج لا تستلزم خطابة، لتستلزم الإستماع.
سابعاً: إن النبي«صلى الله عليه وآله» لم يأمر علياً «عليه السلام» بطاعة أبي بكر، ومجرد رفاقته له ـ لو صحت ـ ٍلا تعني ائتماره بأمره..

أبو بكر وعمر إلى مكة:

والشيء الذي قلما أشار إليه الباحثون هو: أن النصوص قد صرحت: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أرسل أبا بكر وعمر معاً ببراءة إلى أهل مكة، فانطلقا، فإذا هما براكب، فقال: من هذا؟!
قال: أنا علي. يا أبا بكر هات الكتاب الذي معك.ٍ
فأخذ علي الكتاب، فذهب به، ورجع أبو بكر وعمر إلى المدينة، فقالا: ما لنا يا رسول الله؟!
قال: «ما لكما إلا خيراً، ولكن قيل لي: لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك»([46]).
ويؤيد شراكة عمر في هذا الأمر: أن بعض الروايات قد صرحت: بأن النبي«صلى الله عليه وآله» قد عرض حمل الكتاب إلى المشركين على جميع أصحابه فكلهم تثاقل عن حمله، والمضي به إلى مكة، فندب منهم رجلاً فوجهه به([47]).
وهذا معناه: أن عمر كان ممن تثاقل أيضاً.. وقد كان تثاقل الناس هذا هو السبب في أنه «صلى الله عليه وآله» قد فرض حمل الكتاب إلى مكة على رجل بعينه!!.
وبذلك يكون حال عمر كحال أبي بكر في جميع ما يترتب على إرجاع النبي«صلى الله عليه وآله»لأبي بكر من آثار، وما يمكن أن يكون له من دلالات..
وفي مقابل ذلك نلاحظ: أن بعض الروايات تذكر: أن عمار بن ياسر هو الذي رافق علياً «عليه السلام» إلى مكة، ولعل عدم ذكر عمر وعمار في غالب الروايات قد جاء اكتفاءً بذكر من هو أهم منهما، فذكر علي «عليه السلام» يكفي عن ذكر عمار، كما أن ذكر أبي بكر يغني عن ذكر عمر، لا سيما وأن عمر يستمد شرعية حكومته من شرعية حكومة أبي بكر، لأنه تلقاها منه بوصية كتبها.
ولعل عمر كان أيضاً مرغماً على الذهاب معه، فإنه لم يكن ليجازف بنفسه مختاراً، وقد سبق أن امتنع عمر عن امتثال أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالذهاب إلى مكة ليبلغ أشراف قريش بما جاء له في غزوة الحديبية، فلم يرض بالذهاب وقال: يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي([48]).

محاولة فاشلة:

وتبذل محاولة للزعم: بأن أبا بكر قد سأل النبي «صلى الله عليه وآله» عن سبب إرسال علي«عليه السلام» بعد أدائه مناسك الحج.. لأجل الإيهام بأن أبا بكر قد مضى مع علي «عليه السلام» إلى مكة وأقام الحج للناس، فلما رجع سأل النبي «صلى الله عليه وآله» عن سبب استبداله بعلي «عليه السلام» في حمل الرسالة.
ولكنها محاولة فاشلة، فإن عدداً من الروايات الأخرى تصرح: بأنه حين لقي علياً رجع، ومضى علي «عليه السلام» إلى مكة..
وبعضها يقول: إن النبي «صلى الله عليه وآله» أمر علياً «عليه السلام» بأن يردَّ أبا بكر..
والروايات متفقة على رجوعه، وإن اختلفت في بعض الخصوصيات الأخرى، التي يمكن حل اختلافاتها بأدنى تأمل.
وحتى لو كان قد سار الى مكة مع علي«عليه السلام»، فإن ذلك لا يستلزم الحكم بأنه هو الذي حج بالناس، فإنه يكون قد ذهب ليحج عن نفسه، وتحت إمرة علي «عليه السلام»، ولا مضايقة من أحد في ذلك.

أبو بكر لم يعزل:

وحين ضاقت الأمور على بعض المتعصبين لأبي بكر، وجدوا أنفسهم في موقع الإنكار لأصل الواقعة، وهذا ما فعله عباد بن سليمان، والقوشجي، وأضرابهما([49]).
واستدل بعضهم على ذلك: بأن عزل أبي بكر عن تأدية براءة قبل الوصول إلى موضعها يلزم نسخ الفعل قبل حضور وقت العمل، وهو غير جائز([50]).
غير أننا نقول:
أولاً: إن إنكار أصل الواقعة لا يلتفت إليه، لأنه إنكار لما هو أوضح من الشمس، وأبين من الأمس، كما اعترف به القاضي عبد الجبار([51]).
ثانياً: حديث عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل في هذا المقام.. غير سديد.
فإن هذا ليس نسخاً، فإن المورد ليس من الأحكام الشرعية الكلية ليتعلق به النسخ، بل هو أمر مرتبط بشخص بعينه، وإنما كانت هناك مصلحة في إعطاء أبي بكر الكتاب والآيات إلى أن يبلغ بها ذلك الموضع من الطريق لكي يكون ذلك مقدمة لبلورة مصلحة أخرى تكمن في أخذ علي «عليه السلام» الآيات والكتاب منه، وإيصاله إلى مكة وأهل الموسم، ولعل هذه المصلحة هي إظهار فضل علي «عليه السلام» على أبي بكر، وأن أبا بكر لا يصلح لما يَعْمَلُ من أجله..
ثالثاً: قد جوز جمهور الأشاعرة وكثير من علماء الأصول النسخ قبل حضور وقت العمل([52]).
رابعاً: إن عزل أبي بكر ليس من قبيل الأحكام، لكي يجري فيه النسخ، فإدخاله في هذا الباب غريب وعجيب.
خامساً: لو سلمنا: أنه من قبيل النسخ قبل حضور وقت العمل، فنقول:
إذا دلت الأخبار المتواترة على وقوعه ـ وأجمع نقلة الأخبار على حصوله كان ذلك دليلاً على جوازه.. وبه يعلم خطأ من ذهب إلى عدم الجواز..

من لم يصلح لتبليغ سورة لا يصلح للخلافة:

هذا، وقد استدل علماء الشيعة بهذه الواقعة على عدم صلاحية أبي بكر للخلافة، فضلاًً عن الإمامة، فقالوا: من لم يصلح لأداء سورة واحدة إلى أهل بلدة. فهو لا يصلح للرئاسة العامة، المتضمنة لأداء جميع الأحكام إلى عموم الرعايا في سائر البلاد([53]).
أضاف الشريف المرتضى «رحمه الله» قوله: «لو سلمنا أن ولاية الموسم لم تنسخ (أي لو سلمنا أنه ولي الموسم) لكان الكلام باقياً، لأنه إذا كان ما ولي مع تطاول الأزمان إلا هذه الولاية، ثم سلب شطرها، والأفخم، والأعظم منها، فليس ذلك إلا تنبيهاً على ما ذكرنا»([54]).
ويؤكد ما قاله علماؤنا هنا ما ذكرناه فيما سبق، من أنه «صلى الله عليه وآله» قد استبدله بعلي «عليه السلام» الذي كان خطر بطش المشركين والحاقدين به قوياً جداً، بخلاف أبي بكر الذي لم يكن لهم عنده ثارات، وكانت له مواقف إيجابية خلصت أسراهم وصناديدهم من خطر محتم، كما جرى في غزوة بدر وفي غيرها..
بل إن نفس قوله «صلى الله عليه وآله» حكاية عن جبريل «عليه السلام»: «لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك»، يتضمن اتهاماً خطيراً لأبي بكر بعدم أدائه للأمانة، وأن القضية لم تكن بسبب الخوف، وإلا لكان قال لأبي بكر: إنك إن أبلغتهم الرسالة قتلوك، إذ إن الخطر إنما يتوجه إليه بعد إبلاغها.
فاتضح: أن هذا التعبير من رسول الله «صلى الله عليه وآله» يرمي إلى إفهام أمر آخر، ليس هو الخوف على أبي بكر من أن يلحقه أذى.
نحن في حيرة من أمرنا:
والمناسبة تفرض علينا أن نعترف بأننا في حيرة من أمرنا.

علي وعمار:

وقد تقدم: أن بعض النصوص أشارت إلى أن عمار بن ياسر قد رافق علياً «عليه السلام» إلى مكة، وتقول: إن فلاناً وفلاناً قد انزعجا من إرسال علي «عليه السلام»، وأحبا أن يرسل من هو أكبر سناً، فقالا: بعث هذا الصبي، ولو بعث غيره إلى أهل مكة، وفي مكة صناديد قريش ورجالها. والله، الكفر أولى بنا مما نحن فيه.
ثم إنهما سارا إلى علي «عليه السلام» وإلى عمار، وخوفاهما بأهل مكة، وغلظا عليهما الأمر، وقالا لهما: إن أبا سفيان، وعبد الله بن عامر، وأهل مكة قد جمعوا لهم..
فقال علي «عليه السلام»: حسبنا الله ونعم الوكيل، ومضيا، فلما دخلا مكة أنزل الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}([55])»([56]).
ولعل انزعاج فلان وفلان قد كان بعد تثاقلهما أولاً، وبعد الإنتداب القسري لأبي بكر للمهمة، ثم عزله عنها، حيث فاجأهما هذا العزل، وأزعجهما أن يكون علي «عليه السلام» هو البديل، واستفاقا على ضربة معنوية هائلة، وموجعة جداً، فأحبا تدارك الأمر، ولو بأن يعلن علي «عليه السلام» انصرافه، أو تردده، وخوفه، بسبب تخويفهما إياه بجمع الناس..
كما أن نفس إظهار شيء من الحرص على تولي هذه المهمة قد يعيد شيئاً من الإعتبار لمن فقده، مهما كان قليلاً وضئيلاً..

عودة علي :

وعن عودة علي «عليه السلام» من سفره تقول الرواية التي لخصناها:
إن علياً «عليه السلام» انصرف إلى المدينة يَقْصِد في السير، وأبطأ الوحي عن النبي «صلى الله عليه وآله» في أمر علي «عليه السلام»، وما كان منه، فاغتم لذلك غماً شديداً..
وكان من عادته «صلى الله عليه وآله» أنه إذا صلى الغداة استقبل القبلة، واستقبل علي «عليه السلام» الناس خلف النبي «صلى الله عليه وآله»، فيستأذنون في حوائجهم، وبذلك أمرهم «صلى الله عليه وآله».
فلما غاب علي «عليه السلام» إلى مكة لم يجعل أحداً مكان علي «عليه السلام»، بل كان هو نفسه «صلى الله عليه وآله» يستقبل الناس.
فأذن للناس.. فاستأذنه أبو ذر، فأذن له. فخرج يستقبل علياً «عليه السلام»، فلقيه ببعض الطريق، فالتزمه وقبله، وسبقه إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وبشره بقدومه، فقال النبي «صلى الله عليه وآله» لأبي ذر: «لك بذلك الجنة»([57]).
ثم ركب النبي «صلى الله عليه وآله» وركب معه الناس، فلما رآه أناخ ناقته، ونزل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فتلقاه، والتزمه وعانقه، ووضع خده على منكب علي «عليه السلام».
وبكى النبي «صلى الله عليه وآله» فرحاً بقدومه. وبكى علي «عليه السلام» معه..
ثم سأله عما صنع، فأخبره، فقال «صلى الله عليه وآله»: «كان الله عز وجل أعلم بك مني حين أمرني بإرسالك»([58])..
ونقول:
يلفت نظرنا في هذا النص أمور عديدة، فلاحظ على سبيل المثال ما يلي:

1 ـ النظام والإنضباط:

إن هذا النظام الذي ذكرته الرواية عن استئذان الناس من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، من شأنه أن يؤكد حالة الإنضباط في الحركة، المفضي إلى طمأنينة القائد وإشرافه مباشرة على حركة الذين معه، الأمر الذي يزيده قدرة على التصرف، وفق معطيات دقيقة، ومعرفة تفصيلية بما سوف ينتجه تصرفه أو موقفه، وبما سيؤول إليه الحال بعد ذلك. وسيكون قراره متوافقاً مع قدراته، ومترافقاً مع كل فرص النجاح والفلاح..

2 ـ تأكيد الإرتباط بالقيادة:

إن هذا الإجراء من شأنه أن يبلور بعفوية شعوراً لدى الناس بارتباطهم الفعلي والمستمر بقيادتهم، وإعطاء القيمة، والأهمية لدورهم، ولموقعهم في المنظومة الإجتماعية، ويذكي لديهم الشعور بالحيوية، وبالتأثير الإيجابي والفاعل في الحياة..

3 ـ الجنة هي ثمن البشارة:

وقد أظهر النبي «صلى الله عليه وآله» اهتماماً بالغاً بسلامة علي «عليه السلام»، حتى صار همُّ أبي ذر هو: أن يكون له دور في إدخال السرور على قلب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فاعتبر أن التعجيل في استجلاء خبر علي «عليه السلام» لرسول الله «صلى الله عليه وآله» من أعظم القربات..
وقد ظهر مصداق ذلك في الثمن الذي تلقاه أبو ذر على بشارته بقدوم علي «عليه السلام»، حيث قال له النبي «صلى الله عليه وآله»: «لك بذلك الجنة».
وهو ثمن عظيم ربما لم يكن يتوقعه أبو ذر، ولا أحد ممن حضر.. لأنهم ما عرفوا قيمة علي «عليه السلام» عند الله تعالى، وعند رسوله «صلى الله عليه وآله».
وكيف يعرفون قيمته، وهم لا يعرفونه حق معرفته؟ إذ ما عرف علياً «عليه السلام» إلا الله تعالى، وإلا رسوله «صلى الله عليه وآله»..

4 ـ إستقبال علي :

وإنه لمن غير المألوف ولا المعروف أن يستقبل النبي «صلى الله عليه وآله» أحداً بهذه الصورة، إلا ما وجدناه من أنه استقبل جعفراً بخطوات يسيرة..
ولكننا لم نجده يخرج من المدينة، ويركب راحلته، ويسير ما شاء الله أن يسير، لاستقبال قادم سوى علي «عليه السلام»..
ثم هو يضع خده على منكبه «عليه السلام»، ويبكي علي «عليه السلام» فرحاً بلقاء النبي «صلى الله عليه وآله»، ويبكي النبي «صلى الله عليه وآله» فرحاً بقدوم علي «عليه السلام»..

جزع قريش:

وقالوا: لما أذَّن علي «عليه السلام» «ببراءة» في مكة أن لا يدخل المسجد الحرام مشرك بعد ذلك العام. جزعت قريش جزعاً شديداً، وقالوا: ذهبت تجارتنا، وضاعت عيالنا، وخربت درونا، فأنزل الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}([59])»([60]).
نعم، إن هذا هو ما يهم أهل الدنيا، وطلاب زخرفها، والمهتمين بزبارجها وبهارجها، مع أن دعوة إبراهيم الله تعالى بأن يجعل أفئدة من الناس تهوي إلى ذلك الوادي، وأن يرزقهم وأهله من الثمرات، كانت أقوى من كل تجاراتهم، وعلاقاتهم، وأوسع وأكبر من كل آمالهم وتوقعاتهم، وبهذه الدعوة يرزقهم الله، لا بكدِّهم وجدِّهم، لو كانوا يعقلون..



([1]) سبل الهدى والرشاد ج12 ص73 وراجع ج11 ص338.
([2]) العرج: قرية تبعد عن المدينة نحو ثمانية وسبعين ميلاً. وضجنان: جبل يبعد عن مكة اثني عشر ميلاً.
([3]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج12 ص73 و 74 والدرر لابن عبد البر ص250 وإمتاع الأسماع ج14ص322.
([4]) راجع: الدرر لابن عبد البر ص250 وإمتاع الأسماع ج14 ص321 و 322.
([5]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج11 ص338 وج12 ص75 ودلائل الصدق ج2 ص245 و 246 عن الفضل بن روزبهان، والجامع لأحكام القرآن ج8 ص61 والبحار ج30 ص319 عن الجبائي، والمغني للقاضي عبد الجبار ج20 ص351 وتفسير الرازي ج15 ص218 والكشاف للزمخشري ج2 ص172 وتفسير البيضاوي ج1 ص405 وشرح التجريد للقوشجي ص372 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص345.
([6]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج11 ص338.
([7]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج12 ص75.
([8]) الآية 46 من سورة إبراهيم.
([9]) كفاية الطالب ص287 والبحار ج35 ص285 عن علل الشرايع ص74 ومقام الإمام علي «عليه السلام» لنجم الدين العسكري ص36 والغدير للشيخ الأميني ج1ص40 والغدير للشيخ الأميني ج6 ص346 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص445 وج15 ص661 وج22 ص429 عن مختصر تاريخ دمشق (ط إسلامبول) ج17ص130.
([10]) البحار ج35 ص309 عن الكامل لابن الأثير.
([11]) تفسير فرات ص161 والبحار ج35 ص300 عنه، وراجع: تفسير الميزان للسيد الطباطبائي ج8 ص87.
([12]) راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص199.
([13]) الإرشاد ج1ص65و66 والبحار ج21 ص275 وج35 ص303 عنه، وعن المناقب ج1ص326 و327 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص55 ونهج الإيمان لابن جبر ص247 وكشف اليقين ص173.
([14]) راجع هذا الحديث في المصادر التالية: الدر المنثور ج3 ص209و210 عن أحمد، وابن أبي شيبة، والترمذي، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وابن حبان، والطبراني، والتراتيب الإدارية ج1 ص72 ورسالات نبوية ص72 والبحار ج21 ص266 و 267 و 274 و 275 وج35 ص285 ـ 309 والجامع لأبي زيد القيرواني ص396 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص66 والرياض النضرة ج3 ص118 و 119 وذخائر العقبى ص69 وشرح المواهب اللدنية للزرقـاني ج3 ص91 وعن تاريـخ الأمم = = والملوك ج3 ص122 و 123 والكفاية للخطيب ص313 والسنة لابن أبي عاصم ص589 وكنز العمال ج2 ص422 و 417 و 431 وج13 ص109 ومجمع الزوائد ج7 ص29 وتفسير المنار ج10 ص157 و 156 والعمدة لابن البطريق ص160 وكشف اليقين ص172 والبداية والنهاية ج5 ص38 وج7 ص357 وعمدة القاري ج18 ص260 وج4 ص78 ووسيلة المآل ص122 والجمل للمفيد ص219 والكامل لابن عدي (ط دار الفكر) ج3 ص256 و 413 وابن زنجويه ج1 ص663 والمعجم الكبير ج11 ص400 وفتح القدير ج2 ص334 والمناقب للخوارزمي ص99 و 165 و 164 وزوائد المسند ص353 وفرائد السمطين ج1 ص61 وأنساب الأشراف ج1 ص383 وجامع البيان ج10 ص44 ـ 47 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص333 والصواعق المحرقة ص32 وتفسير أبي حيان ج5 ص6 وإمتاع الأسماع ص499 والإصابة ج2 ص509 وخصائص الإمام علي بن أبي طالب للنسائي ص92 و 93 والأموال لأبي عبيد ص213 و 215 وتيسير الوصول ج1 ص158 وعن الكشاف ج2 ص243 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص203 والسنن الكبرى ج5 ص128 ح8461 وج9 ص224 وكفاية الطالب ص255 و 254 و 285 عن أحمد، وابن عساكر، وأبي نعيم، وتشييد المطاعن ج1 ص164 و 165 ونور الثقلين ج2 ص177 و 182 وتهذيب تاريخ دمشق ج3 ص89 ومسند أحمد ج1 ص3 و 151 و 150 وج3 ص212 و 283 وإرشاد الساري ج10 ص283 وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج10 ص36 وتذكرة الخواص ص37 وترجمة الإمام علي «عليه السلام» من تاريخ مدينة دمشق (بتحقيق المحمودي) ج2 ص376 و 390 والمستدرك على الصحيحين ج2 ص361 وج3 ص52 وينابيع المودة ص89 والطرائف ص38 و 39 وعن فتح الباري ج8 ص318 ومختصر تاريخ دمشق ج18 ص6 وج20 ص68 والجـامع الصحيح للترمـذي ج5 ص257 و 256 = = وتفسير النسفي ج2 ص115 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص168 وتفسير البيضاوي ج1 ص394 ومطالب السؤل ص17 وشرح النهج للمعتزلي ج12 ص46 وج7 ص288 وسنن الدارمي ج2 ص67 و 237 وصحيح ابن خزيمة ج4 ص319 والروض الأنف ج7 ص374 والكامل في التاريخ ج1 ص644 والتفسير الكبير للرازي ج15 ص218 والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج5 ص19 وج15 ص16 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص44 والمواهب اللدنية ج1 ص640 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص140 وروح المعاني ج10 ص44و45 وتاريخ الخميس ج2 ص141 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص128 وج2 ص407 وعن ابن خزيمة، وأبي عوانة، والدارقطني في الإفراد، وابن أبي حاتم، وتفسير البغوي (مطبوع مع تفسير الخازن) ج3 ص49 وتفسير الخازن ج2 ص203 والإرشاد للمفيد ج1 ص65و66 والبرهان (تفسير) ج2 ص100 و 101 وإعلام الورى ص132 وعن علل الشرايع ص74 وعن الخصال ج2 ص16 و 17. وعن تاريخ الأمم والملوك ج3 ص152 ومسند علي ص741.
([15]) الغدير ج6 ص58 عن نفح الطيب ج10 ص244.
([16]) راجع مكاتيب الرسول ج1 ص268.
([17]) راجع: مسند أحمد ج3 ص283 ونحوه في سنن الترمذي في تفسير سورة التوبة. وقال: هذا حديث حسن. وكنز العمال ج2 ص422 وراجع الغدير ج6 ص345 وغير ذلك وشواهد التنزيل للحسكاني ج1ص309 وتاريخ مدينة = = دمشق ج42 ص344 وكشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد (بتحقيق الآملي) للعلامة الحلي ص509 و (بتحقيق السبحاني) ص204 وشرح إحقاق الحق للسيد المرعشي (الملحقات) ج22 ص422.
([18]) دلائل الصدق ج3 ق1 ص18و19 عن فضل بن روزبهان، وإحقاق الحق (الأصل) ص222.
([19]) البحار ج3 ص314 والمغني لعبد الجبار ج20 ص350 وراجع: شرح النهج للمعتزلي ج17 ص195والشافي في الإمامة ج4 ص153.
([20]) مجمع البيان ج5 ص9 والبحار ج21 ص266 وج30 ص417 والتفسير الصافي ج2 ص321 والتبيان للطوسي ج5 ص169وتفسير نور الثقلين ج2 ص182.
([21]) راجع: جامع البيان ج10 ص42 عن ابن إسحاق، وراجع ص43 عن الضحاك ودلائل الصدق ج2 ص245 عن فضل بن رزوبهان، وراجع: المغني لعبد الجبار ج20 ص351 وراجع: البحار ج21 ص268 وعمدة القاري ج18 ص258 وتفسير مجمع البيان ج5 ص12 وتفسير السمرقندي ج2 ص37 وتفسير الآلوسي ج10 ص47 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص420.
([22]) الآيتان 3 و 4 من سورة النجم.
([23]) راجع: دلائل الصدق ج2 ص245 عن فضل بن روزبهان وبقية المصادر تقدمت في بداية الحديث عن موضوع تبليغ سورة «براءة».
([24]) شرح النهج للمعتزلي ج17 ص200 والبحار ج30 ص422 وج35 ص312 عنه.
([25]) راجع: الشافي ج4 ص150 والصراط المستقيم ج2 ص6 والبحار ج3 ص319.
([26]) إعلام الورى ص132 والإرشاد للمفيد ج1 ص66 ومسند أحمد ج4 ص164 و 165 وج1 ص150 والرياض النضرة ج3 ص119 والدر المنثور ج3 ص210 عن ابن الشيخ، وكنز العمال ج2 ص422 وج11 ص603 وتذكرة الخوا ص ص36 والمقاصد الحسنة ص124 وجامع البيان ج10 ص46 ومطالب السؤول ص18 والجامع الصغير ج2 ص177 والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص495 والسنن الكبرى ج5 ص128 وسنن ابن ماجة ج1 ص44 وخصائص علي بن أبي طالب للنسائي ص91 ومصابيح السنة ج4 ص172 والمعجم الكبير ج4 ص16 والروضة الندية ص257 وينابيع المودة ج1 ص52 ونور الأبصار ص160 ونزل الأبرار ص38 والمصنف لابن أبي شيبة ج12 ص59 والصواعق المحرقة ص122 ومشكاة المصابيح ج3 ص356 ومناقب الإمام علي بن أبي طالب ص222 وكفاية الطالب ص276 وتهذيب الأسماء ج1 ص348 وتذكرة الحفاظ ج2 ص455 وكنوز الحقائق ج2 ص16 وفرائد السمطين ج1 ص59 والبداية والنهاية ج7 ص356 وإسعاف الراغبين (بهامش نور الأبصار) وعن ابن قانع، وابن أبي عاصم، والضياء المقدسي، والجارودي، والعقد النبوي للشيخ ابن العيدروس، والبحار ج21 ص274و275.
([27]) البرهان (تفسير) ج2 ص105 عن ابن شهرآشوب وعلل الشرائع ج1 ص190 والبحار ج35 ص285 وجامع أحاديث الشيعة ج11ص325 والغدير ج6 ص344 والمعجم الكبير للطبراني ج11ص316 وتفسير نور الثقلين ج2 ص179 وجامع البيان للطبري ج10 ص84 وشواهد التنزيل للحسكاني ج1ص317 والكامل لابن عدي ج3 ص256 وتاريخ مدينة دمشق ج42 345 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج14ص652 وج22ص423 وج23 ص206 وج30 ص620.
([28]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص200 والبحار ج30ص423.
([29]) راجع البحار ج30 ص423.
([30]) فتح العزيز ج7 ص31 والبحار ج30 ص418 وعمدة القاري ج18 ص260 وتحفة الأحوذي ج8 ص387 وجامع البيان للطبري ج10 ص77 والتفسير الكبير للرازي ج15 ص219 والمعارف لابن قتيبة ص165.
([31]) البحار ج35 ص297 عن التفسير المنسوب للإمام العسكري ص231 و 232.
([32]) راجع: البحار ج44 ص367 واللهوف لابن طاووس ص38 وكشف الغمة ج2 ص239 ومعارج الوصول ص94 ومثير الأحزان ص29 ولواعج الأشجان ص70 ونزهة الناظر وتنبيه الخاطر ص86 والمجالس الفاخرة للسيد شرف الدين ص207 عن مقتل الخوارزمي ج1 ص186.
([33]) راجع: الخصال ج2 ص369 والبحار ج35 ص286 وج38 ص172.
([34]) الخصال ج2 ص369 والبحار ج35 ص286 وج38 ص172.
([35]) إقبال الأعمال ج2 ص39 والبحار ج35 ص288.
([36]) البحار ج35 ص288 وإقبال الاعمال ج2 ص39.
([37]) البحار ج21 ص275 و 267 وج35 ص296 وإعلام الورى ص132 والحدائق الناضرة ج16 ص94 وجواهر الكلام ج19 ص276 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج13 ص401 و  (ط دار الإسـلاميـة) ج9 ص464 وجامـع أحاديـث = = الشيعة ج11 ص326 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص597 وتفسير العياشي ج2 ص74 وتفسير جوامع الجامع ج2 ص45 وتفسير مجمع البيان ج5 ص9 والتفسير الصافي ج2 ص321 وتفسير نور الثقلين ج2 ص182.
([38]) الخصال ج2 ص369 و 370 والبحار ج35 ص286 وج38 ص172 وتفسير نور الثقلين ج2 ص178 والإختصاص للمفيد ص168.
([39]) البحار ج35ص290 وج35 ص304 عن إقبال الاعمال ص320 و 321 و (ط مكتب الإعلام الإسلامي) ج2 ص41 وراجع: المناقب لابن شهرآشوب ج1 ص392 والصوارم المهرقة ص126 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص422.
([40]) البحار ج35 ص296و303 عن تفسير العياشي ج2 ص75 والمناقب ج1 ص326 ـ 328 والحدائق الناضرة ج16 ص94 وجواهر الكلام ج19 ص276 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج13 ص401 و  (ط دار الإسلامية) ج9 ص464 وجامع أحاديث الشيعة ج11 ص326 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص597 وتفسير العياشي ج2 ص74 وتفسير جوامع الجامع ج2 ص45 وتفسير مجمع البيان ج5 ص9 والتفسير الصافي ج2 ص321 وتفسير نور الثقلين ج2 ص182 وتفسير الميزان ج9 ص163.
([41]) الآيتان 1و2 من سورة براءة.
([42]) البحار ج35 ص299 وتفسير فرات ص159.
([43]) تفسير الرازي ج15 ص218 والبحار ج35 ص299 عن تفسير فرات ص54 وراجع: تحفة الأحوذي ج8 ص387.
([44]) البحار ج30 ص418 فما بعدها.
([45]) راجع: سنن أبي داود كتاب الصلاة: الباب 63 وراجع: فتح العزيز ج4 ص331 والمجموع للنووي ج5 ص268 ومغني المحتاج ج3 ص75 والمبسوط للسرخسي ج1ص40 وتحفة الفقهاء للسمرقندي ج1 ص229 و 248 وبدائع الصنائع لأبي بكر الكاشاني ج1 ص156 و 311 و 312 والجوهر النقي للمارديني ج4 ص19 والبحر الرائق ج1 ص610 وحاشية رد المحتار لابن عابدين ج2 ص224 والمغني لابن قدامة ج2 ص25 والشرح الكبير لابن قدامة ج2 ص25 وج11ص379 وكشاف القناع للبهوتي ج6 ص366 وتلخيص الحبير ج4 ص331 وسبل السلام ج2 ص29.
([46]) المستدرك على الصحيحين ج3 ص51 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص50 وشواهد التنزيل للحسكاني ج1 ص318 وأبو هريرة للسيد شرف الدين ص124.
([47]) الخصال ج2 ص369 والبحار ج35 ص286 وج38 ص172.
([48]) راجع تاريخ الأمم والملوك ج2 ص278 وإقبال الأعمال ج2 ص38 عنه، وعين العبرة في غبن العترة لأحمد آل طاووس ص24 والبحار ج35 ص287 ومسند أحمد ج4 ص324 وتخريج الأحاديث والآثار ج3 ص310 وجامع البيان للطبري ج26 ص111 وتفسير الثعلبي ج9 ص47 وتفسير البغوي ج4 ص193 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص200 و 210 وتفسير الثعالبي ج5 ص254 والثقات لابن حبان ج1ص298 وتاريخ مدينة دمشق ج39 ص78 والبداية والنهاية ج4 ص191 وعيون الأثر ج2 ص118 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص318 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص46.
([49]) المغني للقاضي عبد الجبار ج20 ص350 والبحار ج30 ص315 و 318 وراجع: منار الهدى ص187 عن القوشجي، وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص200.
([50]) المغني ج20ص350 والبحار ج30 ص315 و 318.
([51]) البحار ج30 ص315 و 318.
([52]) هداية المسترشدين ج1 ص590 وبداية الوصول ج4 ص256 وعناية الأصول ج2 ص334.
([53]) راجع: البحار ج30 ص211 وج35 ص310 ومنهاج الكرامة ص181 ونهج الحق ص265 وإحقاق الحق (الأصل) ص222.
([54]) الشافي ج4 ص155 والبحار ج30 ص417 عنه، وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص197 والصوارم المهرقة ص126.
([55]) الآيتان (173و174) من سورة آل عمران.
([56]) راجع: تفسير العياشي ج1 ص206 و 279 والبحار ج30 ص217 وج35 ص294 عنه، وتفسير نور الثقلين ج1 ص411 و 562 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص289 و 654 وغاية المرام ج4 ص227.
([57]) إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس ج2 ص40 والبحار ج35 ص289.
([58]) البحار ج35 ص288 ـ 290 وإقبال الأعمال ج2 ص40.
([59]) الآية 24 من سورة التوبة.
([60]) البحار ج35 ص293 وتفسير القمي ج1 ص284 وتفسير الميزان ج9 ص216 والتفسير الأصفى للفيض الكاشاني ج1ص457.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page