قد وردت أخبار كثيرة جداً في موضوع الرجعة، وهذا الموضوع قد أشبعه علماؤنا بحثاً، وألفت فيه كتب كثيرة قديماً وحديثاً.(٩٩٠)
ومفاد هذه الأخبار أن الله تعالى يبعث أقواماً من قبورهم عند ظهور الإمام الحجة عليه السلام, وهي ليست عامة، وإنما هي لأناس مخصوصين فقط, وهم من محض الإيمان محضاً, ومن محض الكفر محضاً, فأما أهل الإيمان يحييهم الله تعالى ليشهدوا دولة الإمام فتقر أعينهم بها, وأما الكفار ليروا وعد الله تعالى لأوليائه وكرامتهم عنده، ونصر الله لهم، فيرون دولة الحق التي طالما بغوا على أهلها واستضعفوهم، وأخافوهم، وأذاقوهم صنوف العذاب والبغي، فيرون حينئذ بأعينهم كيف أن الله تعالى أنجز لأوليائه ما وعدهم به من النصر والغلبة والعزة بعد استضعافهم، ويرون أيضاً وعيد الله تعالى لهم بالخزي والهوان، فينتقم الله منهم فينالون بعض جزاء أعمالهم السيئة في الدنيا قبل الآخرة.
قال علي بن إبراهيم القمي رحمه الله تعالى: وأما الرد على من أنكر الرجعة فقوله: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا)(٩٩١) قال: حدثني أبي عن ابن أبي عمير, عن حماد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما يقول الناس في هذه الآية (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا) قلت: يقولون: إنها في القيامة, قال: ليس كما يقولون: إن ذلك في الرجعة، أيحشر الله في القيامة من كلّ أمة فوجاً ويدع الباقين؟! إنما آية القيامة قوله: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا)(٩٩٢) وقوله: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ).(٩٩٣)
فقال الصادق عليه السلام: كلّ قرية أهلك الله أهلها بالعذاب، ومحّضوا الكفر محضاً لا يرجعون في الرجعة, وأما في القيامة فيرجعون, أما غيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب، ومحّضوا الكفر محضاً يرجعون.(٩٩٤)
وفي رواية عن مختصر بصائر الدرجات, قال: قال الرجل لأبي عبد الله عليه السلام: إن العامة تزعم أن قوله: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا) عنى في القيامة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يحشر الله يوم القيامة من كلّ أمة فوجاً ويدع الباقين, لا ولكنه في الرجعة, وأما آية القيامة (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا).(٩٩٥)
ومن هنا أيضاً جاء الترغيب للمؤمن في بعض الأدعية الشريفة أن يسأل الله تعالى أن يحييه عند خروج الإمام المهدي عليه السلام إن لم يدرك زمانه ليفوز بنصرته مع أنصاره، فالمؤمن لا يقطع الأمل والرجاء من الباري تعالى أن يخرجه من قبره لنصرة إمامه, جاء في الدعاء المعروف بدعاء العهد: اللهم وإن كان الموت الذي جعلته على عبادك حتماً، يحول بيني وبينه فاخرجني من قبري، مؤتزراً كفني، شاهراً سيفي، مجرداً قناتي، ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي...(٩٩٦)
ويظهر من بعض الأخبار الشريفة أن بعض المؤمنين يُخيرون في قبورهم، وتُعرض عليهم نصرتُه إن شاءوا ذلك، قال المفضل بن عمر: ذكرنا القائم عليه السلام ومن مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبد الله عليه السلام: إذا قام أتي المؤمن في قبره فيقال له: يا هذا! إنه قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم.(٩٩٧)
ومن الآيات أيضاً في الرجعة قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)(٩٩٨) فقد قيل إن المراد بالنصر في الحياة الدنيا هو في الرجعة، ومن الروايات في ذلك هو ما رواه جميل بن دراج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: قول الله عزَّ وجلَّ (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) قال: ذلك والله في الرجعة، أما علمت أن في أنبياء الله كثيراً لم ينصروا في الدنيا، وقتلوا، وأئمة قد قتلوا ولم ينصروا، فذلك في الرجعة قلت: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ، يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)(٩٩٩) قال: هي الرجعة.(١٠٠٠)
*************************************
(٩٩٠) ومن الكتب التي عنيت بهذا الموضوع ما يلي:
كتاب (الرجعة) تأليف الميرزا محمد مؤمن الحسيني الإسترابادي (الشهيد بمكة سنة ١٠٨٨) تحقيق فارس الحسون، نشر دار الاعتصام وأنوار الهدى وكتاب (الشيعة والرجعة) تأليف الشيخ محمد رضا الطبسي النجفي. وكتاب (محاضرات في الرجعة) تأليف السيد علي الحسيني الصدر، نشر دليل ما، قم - إيران.
(٩٩١) سورة النمل, الآية: ٨٣.
(٩٩٢) سورة الكهف, الآية: ٤٧.
(٩٩٣) سورة الأنبياء, الآية: ٩٥.
(٩٩٤) تفسير القمي: ١ / ٢٤، تأويل الآيات, شرف الدين الحسيني: ١ / ٤٠٩ ح١٤.
(٩٩٥) مختصر بصائر الدرجات, الحسن بن سليمان الحلي: ٤٣.
(٩٩٦) المزار, محمد بن المشهدي: ٦٦٤.
(٩٩٧) الغيبة، الطوسي: ٤٥٩، الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي: ٣ / ١١٦٦.
(٩٩٨) سورة غافر, الآية: ٥١.
(٩٩٩) سورة ق, الآية: ٤١ و٤٢.
(١٠٠٠) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٣ / ٦٥ ح٥٧ عن مختصر بصائر الدرجات، الحسن بن سليمان الحلي: ١٨ - ١٩، تفسير القمي:٢/ ٢٥٨ - ٢٥٩.
الرجعة عند ظهور الإمام الحجة عليه السلام
- الزيارات: 167