وإنَّما وقع السؤال عنه من الشيعة وبُيِّنَ لهم:
إمَّا لعدم وضوح بعض ما سبق من الأحاديث لبعض الناس، بسبب عدم اطّلاعهم عليها، لكونها في صدور الرجال من دون أن تنتشر انتشاراً كافياً في قيام الحجَّة.
وإمَّا طلباً للمزيد منها.
وإمَّا تأكيداً للحجَّة عليهم استظهاراً.
وإمَّا لأنَّ الأُمور الحسّية أوقع في النفس من الحسابات العقلية والأُمور الغيبية.
وفي حديث لعبد الله بن جعفر الحميري، قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رحمه الله(١٥٦) عند أحمد بن إسحاق...، فقلت له: يا أبا عمرو، إنّي أُريد أن أسألك عن شيء. وما أنا بشاكّ فيما أُريد أن أسألك عنه، فإنَّ اعتقادي وديني أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة...، ولكنّي أحببت أن أزداد يقيناً، وإنَّ إبراهيم عليه السلام سأل ربَّه عز وجل أن يريه كيف يحيي الموتىٰ، (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة: ٢٦٠]، وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته وقلت: من أُعامل، أو عمَّن آخذ، وقول من أقبل؟ فقال له: (العمري ثقتي، فما أدّىٰ إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنَّه الثقة المأمون).
وأخبرني أبو علي أنَّه سأل أبا محمّد عليه السلام عن مثل ذلك، فقال له: (العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنَّهما الثقتان المأمونان)، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك.
قال: فخرَّ أبو عمرو ساجداً، وبكىٰ، ثمّ قال: سل حاجتك.
فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمّد عليه السلام؟
فقال: إي والله، ورقبته مثل ذا _ وأومأ بيده _.
فقلت له: فبقيت واحدة.
فقال لي: هات.
قلت: فالاسم؟
قال: محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك. ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أُحلِّل، ولا أُحرِّم، ولكن عنه عليه السلام، فإنَّ الأمر عند السلطان أنَّ أبا محمّد مضىٰ ولم يخلف ولداً، وقسّم ميراثه، وأخذه من لا حقَّ له فيه. وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرَّف إليهم، أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتَّقوا الله وأمسكوا عن ذلك.(١٥٧)
هذا ما وسعنا من الكلام في النصوص الدالّة علىٰ إمامة الإمام المنتظر الحجَّة المهدي عجَّل الله تعالىٰ فرجه الشريف، والحديث في ذلك طويل جدَّاً متشعّب، ولا يسعنا استقصاؤه، وقد أُلِّفت فيه كتب كثيرة، فليرجع إليها من أراد المزيد.
*******************************
(١٥٦) أبو عمرو هذا هو عثمان بن سعيد العمري السمّان، أوَّل نوّاب الإمام الحجّة عجَّل الله فرجه، وكان قبل ذلك من وكلاء جدّه الإمام أبي الحسن علي بن محمّد الهادي، وأبيه أبي محمّد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما. وابنه هو أبو جعفر محمّد بن عثمان - المعروف بالخلَّاني - وهو ثاني نوّاب الإمام الحجَّة عجَّل الله فرجه، وكان من قبل ذلك من وكلاء أبيه الإمام أبي محمّد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليه.
(١٥٧) الكافي: ٣٢٩ و٣٣٠/ باب في تسمية من رآه عليه السلام/ ح ١.
لماذا كان الشيعة يسألون عن الإمام المهدي عليه السلام
- الزيارات: 251