• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المنقذ في الديانة الإسلامية

 اتَّفقت المذاهب الإسلامية على الالتزام بالقرآن الكريم والسُنَّة النبوية الشريفة، على أنَّهما المصدران المتَّفق عليهما بالإجماع حول عقيدة المنقذ بين المسلمين، وقد عرفنا عدداً يُعتد به من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وبخاصة تلك التي وصلت إلى حدِّ التواتر عن طريق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأجمعت على أنَّ نسب المهدي (عجَّل الله فرجه) ينتهي إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو من نسل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن طريق ابنته فاطمة (عليها السلام)، وقد ورد في الحديث الشريف للرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المهدي من عترتي من وُلد فاطمة»(٢٧٠)، إذ اتَّفقت الإمامية على أنَّه من وُلد الإمام الحسين (عليه السلام): «والله لا يكون المهدي أبداً إلّا من وُلد الحسين (عليه السلام)»(٢٧١).
رغم أنَّ البعض دفعه التعصُّب والهوى إلى وضع أحاديث كاذبة نسبت المهدي إلى العباس بن عبد المطلب(٢٧٢).
أمّا باقي الفرق الإسلامية فإنَّها على الأعم الأغلب تتَّفق مع الإمامية بأنَّ نسبه ينتهي إلى الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لكن عن طريق ولده الحسن (عليه السلام)، إذ يقول الزرعي في كتابه: (إنَّه رجل من أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من وُلد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملأها قسطاً وعدلاً، وأكثر الأحاديث على هذا تدّل على أنَّ في كونه من وُلد الحسن سرّاً لطيفاً إذ أنَّ الحسن (عليه السلام) ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض، وهذه سُنَّة الله في عبادة أنَّه من ترك لأجله شيئاً أعطاه الله أو أعطى ذريَّته أفضل منه، وهذا بخلاف الحسين (عليه السلام) فإنَّه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها والله أعلم)(٢٧٣).
إلّا أنَّنا نعتقد بخطأ هذا الرأي، فإنَّ كلّاً من الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) لم يعملا إلّا بما وجب عليهما من أمر الله تعالى، فكلاهما معصوم عن الخطأ والزلل بموجب آية التطهير ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرا﴾ (الأحزاب: ٣٣) فلا الإمام الحسن (عليه السلام) تراجع وهادن لأنَّه أراد ترك الخلافة، ولا الإمام الحسين (عليه السلام) حرص عليها وقاتل من دونها كما يحاول الزرعي أن يوهم الناس، وإنَّما جعلت الإمامة في وُلد الحسين (عليه السلام) لمشيئة إلهية، وبذلك سارت في ذرية الإمام الحسين (عليه السلام)(٢٧٤).
لذلك فإنَّ الإمامية تعتقد أنَّ المهدي (عجَّل الله فرجه) هو الإمام (محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن علي المرتضى أمير المؤمنين (عليهم السلام))(٢٧٥).
وقد وُلد سنة (٢٥٥هـ) في سرّ من رأى(٢٧٦) وبعد استشهاد أبيه الحسن العسكري سنة (٢٦٠هـ) غاب الغيبة الصغرى التي انتهت بوفاة النائب الرابع سنة (٣٢٩هـ)(٢٧٧)، أي أن الغيبة الصغرى استمرت (٦٩) عاماً، لتبدأ بعدها مرحلة الغيبة التامَّة أو الكبرى والتي تستمر إلى هذا اليوم.
أمّا المهدي المنقذ عند باقي الفِرَق الإسلامية فهو لم يولد بعد وسيولد في آخر الزمان ليملأها عدلاً وقسطاً، (وظهور المهدي علامة بين يدي العلامات الكبرى، ففي حياته يخرج الدجال، وينزل عيسى (عليه السلام))(٢٧٨).
ورغم هذا الإجماع حول روايات المنقذ في الإسلام إلّا أنَّ هناك من شذَّ عن هذه القاعدة، مثل ابن خلدون الذي أفرد للغيبة فصلاً كاملاً في مقدَّمته تناول فيه أحاديث المهدي وقام باستعراضها في مقدمته، إذ يقول: (اعلم أنَّ المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرِّ الأعصار أنَّه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيِّد الدين ويظهر العدل... ويحتجّون بأحاديث خرَّجها الأئمة وتكلَّم بها المنكرون لذلك، وربما عارضوها ببعض الأخبار)(٢٧٩).
إن مناقشتنا المستفيضة لرأي ابن خلدون جاءت بسبب اعتماد الكثير من جهابذة العلماء على مقدمته واعتبارها الرائدة في فلسفة التاريخ عند أغلب المتأخِّرين من غير الإمامية.
لقد شرَع ابن خلدون بمناقشة هذه الأحاديث من حيث السند فإذا وجد رواية فيها طعن في بعض رجال أسانيدها بغفلة أو بسوء حفظ أو ضعف أو سوء رأي، تطرَّق إلى صحَّة الحديث وأوهن منه، واتِّباع هذه القاعدة يجعله يدخل في طرق عسيرة.
(وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّه يصدر تشكيكاً آخر يبيِّن فيه أنَّ هذه الأحاديث لم تأتِ عن طريق استدلال علمي بحت، بل جاءت عن طريق العلوم والهبات المعنوية التي لدى المتصوِّفة وهو بذلك يضعف هذه الأحاديث ويتَّهمها بعدم العلمية، ويذكر بعض علمائها من كبار المتصوِّفة ويحلِّل رموزهم المدوَّنة في تعيين خروج المهدي)(٢٨٠).
ثم يطرح ابن خلدون نظريته التي تشتمل على مبدأ العصبية التي مفادها أنَّه لابدّ أن يكون للمهدي - الذي تنتظره الأُمَم ليقوم بنشر العدل الإلهي على الكرة الأرضية - لابد أن يكون له عصبة من أقاربه ينصرونه، والمعروف أنَّ أقارب المهدي وعصبته وعشيرته هم الطالبيون وقد زالت شوكتم وقلَّ نفوذهم وسلطانهم في الحجاز، فمن أين يأتي المهدي بعصبية وقبيلة تنصره وتقوم معه لتؤدّي المهمة الكبيرة التي فيها تملأ الأرض عدلاً بعد أن تُملأ جوراً(٢٨١)؟
وبعدها يشير إلى أنَّه لابدّ أن يكون المهدي قرشياً طالبياً، إن كان يريد أن يجتمع حوله بنو الحسن وبنو الحسين وبنو جعفر، ولابدّ أن ينهض بهذا الأمر في مواطنهم وإماراتهم (وأمّا على غير هذا الوجه مثل أن يدعو فاطمياً منهم إلى هذا الأمر في أفق من الآفاق من غير عصبة ولا شوكة إلّا مجرد نسبه في أهل البيت فلا يتم ذلك ولا يمكن)(٢٨٢).
ويشير إلى أنَّه قد وجد أنَّ جملة الأحاديث التي خرَّجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه في آخر الزمان، (لم يخلص منها من النقد إلّا القليل والأقل منه)(٢٨٣).
وهذا يبيِّن أنَّ هناك بعض الأحاديث رغم قلَّتها إلّا أنّها تثبت ظهور المهدي حسب رأي ابن خلدون، وهذه إشارة لعدم قدرته على الجزم بإنكار المهدي ونفي وجوده.
وقد واجه العلماء هذا التشكيك والنفي لوجود المهدي ومنهم صاحب كتاب (الوهم المكنون من كلام ابن خلدون)، في أكثر من مائة وخمسين صفحة ذكر فيها جملة من آراء أئمة الحديث في صحَّة أحاديث المهدي المنتظر وتواترها. ثم فنَّد مناقشات ابن خلدون، وأكمل ذكر أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)(٢٨٤).
***************
(٢٧٠) السجستاني، صحيح السجستاني، ج٤، ص١٠٦؛ الطبراني، المعجم الكبير، ج٢٣، ص٢٦٧؛ العجلوني، إسماعيل (ت: ٥٥٧هـ/١١٦٢م)، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، تحقيق: يوسف الحاج أحمد، (دمشق، المطبعة العالمية، ١٤٢١هـ/٢٠٠٠م)، ج٢، ص٢٨٨.
(٢٧١) الموسوي، محمد سعيد، الإمام الثاني عشر، تحقيق: علي الميداني، (طهران، د.ت)، ص١٠.
(٢٧٢) الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الضعيفة والمرفوعة وأثرها السيّئ في الأُمَّة، (الرياض، مكتبة المعارف، ١٤٢١هـ/٢٠٠٠م)، ج١، ص١٨٠؛ ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي (ت: ٥٩٧هـ/١٢٠١م)، العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، تحقيق: خليل لميس، (بيروت، دار الكتب العلمية، ١٤٠٤هـ/١٩٨٣م)، ج٢، ص٨٦١.
(٢٧٣) ابن قيّم الجوزية، المنار المنيف في الصحيح والضعيف، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، (حلب، مكتب المطبوعات الإسلامية، ١٤٠٤هـ/١٩٨٣م)، ج١، ص١٥١.
(٢٧٤) القاضي النعمان، محمد بن منصور بن أحمد المغربي (ت: ٣٦٣هـ/٩٧٤م)، دعائم الإسلام، تحقيق: آصف بن علي أصغر، ط٢، (القاهرة، دار المعارف، د.ت)، ج٢، ص١١٥.
(٢٧٥) الإربلي، أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح (ت: ٦٩٢هـ / ١٢٩٣م)، كشف الغمة في معرفة الأئمة، ط٢، (بيروت، دار الأضواء، ١٤٠٢هـ/١٩٨٥م)، ج٣، ص١٩٦.
(٢٧٦) تقع مدينة سامراء (سرّ من رأى) على نحو (١٢٠) كيلو متراً من شمال بغداد، على ضفة نهر دجلة الشرقية، وكانت محاطة بسور ولها أربعة أبواب هي: باب القاطول غرباً وباب الناصرية في الشمال وباب الملطوش في الجنوب وباب بغداد في الشرق، وتعتبر أقدم بلدة مأهولة حتَّى عصرنا فقد أثبتت التنقيبات الأثرية في أطلالها كان آهلاً للسكن منذ أدوار ما قبل التاريخ، وقد أعاد تأسيسها واتَّخذها مقراً المعتصم بالله العباسي (ت: ٢٢٧هـ/٨٤٢م)، سنة (٢٢١هـ/٧٣٦م)، وفيها ضريح الإمامين الهمامين الإمام علي الهادي (عليه السلام) (ت: ٢٥٤هـ/٨٦٨م) وولده الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (ت: ٢٦٠هـ/٨٧٤م)، وفيها ولد الإمام محمد المهدي (عجَّل الله فرجه) سنة (٢٥٥هـ/٨٦٩م). ينظر: جعفر الخليلي، موسوعة العتبات المقدسة، (بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ١٤٠٧هـ/١٩٨٧م)، ج١٢، ص١٧٩-١٨٢.
(٢٧٧) كان الناس خلال الغيبة الصغرى للإمام الحجة (عجَّل الله فرجه)، يأخذون الأحكام الشرعية عن طريق سُفَرَائه الأربع، وهم: عثمان بن سعيد (٢٦٠هـ/٨٧٤م -٢٨٣هـ/٨٩٦م). ومُحمَّد بن عثمان (ت: ٣٠٤هـ/٩١٦م) والحُسين بن روح (ت: ٣٢٦هـ/٩٣٨م) وعلي بن مُحمَّد السمري (ت: ٣٢٩هـ/٩٤١م) الذي بوفاته تبدأ الغيبة التامة. ينظر: النعماني، الغيبة: ص٩٠-٩١.
(٢٧٨) صيام، محمد يوسف محمود، المهدي المنتظر عند فرق الشيعة دراسة نقدية مقارنة، غير منشورة، (هولندا، كلية العقيدة الجامعة الحرة، د.ت)، ص٥٣.
(٢٧٩) ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي (ت: ٨٠٨هـ/١٤٠٥م)، المقدمة، تحقيق: علي عبد الواحد وافي، (القاهرة، لجنة البيان العربي، ١٣٨٦هـ/١٩٦٦م)، ص٣١١.
(٢٨٠) الجابري، محمد عابد، فكر ابن خلدون العصبية والدولة، (بغداد، دار الشؤون الثقافية، د.ت)، ص٢٥٤.
(٢٨١) ابن خلدون المقدمة: ص٣٢٣ – ٣٢٧.
(٢٨٢) ابن خلدون المقدمة: ص٣٢٧.
(٢٨٣) المصدر السابق: ص٣٢٢.
(٢٨٤) للمزيد ينظر: الغماري، أبي العباس أحمد بن الصديق المغربي (ت: ١٣٥٤هـ/ ١٩٣٥م)، إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون، (الشام، مطبعة الترقي، ١٣٤٧هـ/١٩٢٨م)، وللكتاب عنوان آخر هو (المرشد المبدي لفساد طعن ابن خلدون في أحاديث المهدي).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page