• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مقدّمة المؤلِّف

  بسم الله الرحمن الرحيم
رأينا عزيزي - القارئ الكريم - في كتابنا (شاهد العصور) ما جرى من أحداث خطيرة ومروعة بتلك الفترة الحرجة الواقعة بين منتصف القرن الثالث والربع الأول من القرن الرابع الهجريين، وما تخلل ذلك من مطاردة ومتابعة وتنكيل بشيعة أهل البيت (عليهم السلام) ومحبيهم من قبل السلطات العباسية التي قامت بقتل الإمام العسكري والد الإمام المهدي (عليهما السلام) بالسم كعادة بني العباس مع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ابتداء من تسميم الإمام الصادق (عليه السلام) على يد طاغية عصره المنصور الدوانيقي.
وبالرغم من كون السلطة العباسية في عصر الإمام العسكري (عليه السلام) ضعيفة إلّا أنَّها كانت تراقب بهوس الإمام (عليه السلام) وشيعته وتحسب لذلك ألف حساب، فكانت تضعه في السجن بين الحين والحين حتّى أجهز المعتمد العباسي على الإمام (عليه السلام) بالسم وقتله.
لقد كانت السلطة العباسية متخوِّفة من الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) المبشَّر به قبل ولادته بأكثر من قرنين من الزمن، وهي ليست بعيدة عن الأحاديث المروية بشأنه من كونه هو الذي يقوّض دول الجبابرة والظلمة، فضيّقوا على الإمام العسكري (عليه السلام) حتّى في حياته الشخصية لمنع ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وقد دسّوا عيونهم من النساء في بيته للتجسُّس على نسائه لمعرفة من هي التي تحمل الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) ليقوموا بتصفيتها وتصفيته (عجّل الله فرجه).
ومع ذلك وفي تلك الظروف القاسية فقد ولد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الوصي الثاني عشر لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان حدثاً خطيراً جدّاً وردّاً إلهياً على مكر وزيغ بني العباس.
وقد فصَّلنا في كتابنا (شاهد العصور) حدث ولادة الإمام (عجّل الله فرجه) وتحدّي السلطة القائمة.
لقد اتَّفقت عدة أطراف على تصفية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من السلطة العباسية إلى عم الإمام المدعو جعفر بن علي والملقَّب ب(الكذاب)، الذي حاول الحلول محل أخيه الإمام العسكري (عليه السلام) بعد استشهاده كإمام للشيعة، فأغرى السلطة العباسية وقاد زمر استخباراتها لإلقاء القبض على الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أو قتله، ثم قام بالاستيلاء على إرثه بدعوى أن أخاه الحسن مات بدون فرع وارث وشرَّد عائلة ابن أخيه، ومنهم الجدَّة التي هي أُم الإمام العسكري وجدة الإمام المهدي (عليهما السلام).
وقد استلم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مسؤولية الإمامة بعد استشهاد أبيه الحسن الزكي العسكري (عليه السلام)، وبالرغم من صغر سنه (خمس سنين) إلّا أنه اتَّخذ إجراءات فعّالة للمحافظة على كيان الشيعة من الانهيار أمام ضربات أعدائهم من السلطة العباسية ومن خصومهم من المدارس الأخرى وحتّى من بعض المحسوبين على الصف الشيعي أمثال الحلاج وابن أبي العزاقر ومحمد بن نصير النميري وغيرهم، حيث أمسك بدفة سفينة شيعته في بحار الفتن المتلاطمة وقيادتها وإيصالها إلى برِّ النجاة.
وكان الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) قد خطط لما سيحصل في المستقبل من حصول غيبته الكاملة، فكان ما كان من احتجابه عن شيعته جزئياً، ولذا وضع نظام الوكالة الخاصة بينه وبين شيعته وعيَّن الوكلاء الأربعة المعروفين ليكونوا حلقة الوصل بينه وبين قواعده الشعبية، وهذه الفترة امتدت إلى ما يقرب من سبعين عاماً وانتهت بوفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري (رحمه الله) والتي على إثرها أعلن بدء الغيبة الكبرى.
وقد كانت هذه الفترة مرحلة تحضيرية للغيبة الكبرى بما سمي بالغيبة الصغرى، لأن وقوع الغيبة الكبرى بدون تحضير الأذهان والقلوب يؤدي إلى صدمة عنيفة قد تطيح بكيان الشيعة.
وحينما استوعبت قواعده الشيعية ذلك واعتادت على غيابه نصب العلماء الأعلام الجامعين لشرائط المرجعية من علم وتقوى وورع نوّاباً عامّين عنه لقيادة الشيعة ببيانه الشهير المرسل إلى وكيله الرابع، ومنذ ذلك الحين قاموا بما توجَّب عليهم ولا زالوا كذلك حتّى الظهور المقدس، فقادوا الشيعة خلال الحقب المتعاقبة وحافظوا على كيان الشيعة بالرغم من الكوارث والخطوب والمآسي التي تعرضوا لها.
وقد التفت أعداء الشيعة قديماً وحديثاً إلى خطورة المرجعية ودورها الفاعل بمقاومة الطواغيت والعقائد الفاسدة والتي أمسكت دفَّة سفينة التشيع بقوة، فأخذ أولئك يشنّون هجماتهم عليها عن طريق التشكيك بجدوى قيادتها ومرجعيتها للشيعة تارة، وتارة بمحاولة تسفيه التقليد من جهة وإلصاق التهم المعلَّبة بالمراجع الكرام، بل ومن جهة أخرى بالتصفية الجسدية كما فعل ذلك فرعون العراق المقبور.
وفي هذا الإطار وبين الحين والحين تظهر دعوات من بعض المتنطعين وذوي الأردية القصيرة الوهابية يتبعهم بعض ضعاف النفوس والعقول من الشيعة بعدم ضرورة الرجوع إلى المراجع وبإمكان المكلَّف الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة لمعرفة الحكم الشرعي، وكأنَّ ذلك ميسور لكل أحد، كأنما هو قصة أو قصيدة شعر، ونسي أولئك أنه ليس بإمكان أي إنسان الوصول إلى ذلك بكل بساطة وإنما عليه أن يدأب على دراسة القرآن الكريم وتفاسيره ومعرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيَّد، ودراسة الأحاديث المطهرة من حيث التواتر والاستفاضة وأحاديث الآحاد من حيث الصحة والضعف والمسند والمرسل والمنقطع إلخ، وكذلك علوم العربية من نحو وصرف وبلاغة وعلوم عقلية كالمنطق وأصول الفقه لكي يصل إلى مكنة الاجتهاد أو الاحتياط، وكل ذلك دونه خرط القتاد إلّا لبعض الناس الذين فرَّغوا أنفسهم لذلك، وعكفوا عشرات السنين على الدرس والقراءة.
ولا أدري إذا مرض أحد هؤلاء العباقرة أَ يُعالج نفسه بنفسه؟
أم يجلس منتظراً أن يمنّ عليه الله بالشفاء بدون أن يسعى لذلك؟
أم يهرع إلى الطبيب صاغراً ذليلاً؟
إنَّ الحياة قائمة على التخصص، فالمريض يراجع طبيباً للحصول على العلاج، والذي يعاني من مشكلة قانونية يلجأ إلى محامٍ، والذي يريد أن يبني له بيتاً يذهب إلى مهندس معماري.
كل ذلك من بديهيَّات الحياة، ولكن حينما يصل الدور للفقيه تنقلب الصور والموازين ويصبح غير ذي أهمية ويصبح العوام في غنى عن علمه.
إن الفقيه رجل متخصص بالأحكام الشرعية مثل غيره من المتخصصين بشتّى مناحي الحياة، فلماذا لا يلجأ إليه المكلَّف لمعرفة تكليفه الشرعي للعمل به ولإبراء ذمَّته أمام ربه؟
والمعروف أنَّ المرء حين يراجع الطبيب أو المحامي أو المهندس فإنه يدفع أموالاً لقاء خدماتهم، في حين أنَّه حين يراجع الفقيه لا يدفع شيئاً ويحصل على استشارته مجاناً والتي فيها نجاته في الدنيا والآخرة.
وعوداً على بدء..
ومع حصول الغيبة الكبرى فإن الإمام (عجّل الله فرجه) لم يقطع علاقته بقواعده وشيعته ووكلائه العامّين كلياً، بل كان يوجِّه ويُرشد ويقوم هو بنفسه أو بواسطة جهازه الغيبي - الأبدال - بما يراه من المصلحة.
وقد حفلت الكثير من الكتب قديماً وحديثاً بذكر لقاءات الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بالكثير من قواعده ومواليه في شتّى الأمكنة والأزمنة، والمُلفِت للنظر أنَّ تلك اللقاءات تتم بطريقة لا يعرف الإمام (عجّل الله فرجه) فيها مباشرة، وكان من أبرز من التقى به قديماً الشيخ المفيد (رحمه الله) مرجع الشيعة آنذاك، وفي الأزمنة المتأخرة السيد مهدي بحر العلوم (رحمه الله).
بل إنَّه يلتقي ببسطاء الشيعة ويحلّ مشاكلهم ويساعد من هو بحاجة ماسَّة للمساعدة.
وفي ذلك دلالة على أنَّه ليس بمعزل عن الأحداث التي تجري في طول العالم وعرضه، وقد يساهِم بصورة مباشرة ببعض الأحداث، وما حادثة بناء مسجد جمكران في إيران إلّا واحدة من تلكم.
وقد يلتقي ببعض الشخصيات وجهاً لوجه مباشرة كما حصل أن التقى بالشاعر المعروف السيد حيدر الحلي (رحمه الله) الذي طلب منه إنشاده قصيدته العينية الشهيرة برثاء سيد الشهداء (عليه السلام) حيث ذكر السيد أنَّ الإمام (عجّل الله فرجه) جلس على الأرض وأخذ يبكي بشدَّة على جدِّه الحسين (عليه السلام).
وقد جرت أحداث كبيرة وخطيرة منذ وفاة آخر سفير علي بن محمد السمري (رحمه الله) لعلَّ من أخطرها حركة (الزط) التي زعم قائدها انتسابه للعترة النبوية، والحركة (القرمطية) كأحد الحركات الهدّامة التي أثَّرت بالمسلمين وخصوصاً في عهد زعيمها أبي سعيد الجنابي وابنه، وقد شنُّوا هجمات وحشية على بعض المدن، ومن جملتها مكة المكرمة أثناء موسم الحج، فقتلوا آلاف الحجاج وأخذوا الحجر الأسود إلى عاصمتهم (هجر).
وأيضاً نشوء الدولة الفاطمية - التي رفعت لواء التشيع - في شمال إفريقية وامتدادها إلى مصر وبعض أجزاء الشام والجزيرة العربية واليمن، وما رافق ذلك من ظهور مدن جديدة ذات ثقل تاريخي وثقافي كالمهدية بشمال إفريقية والقاهرة بمصر، حيث برزت مؤسسات ثقافية ذات طابع شيعي إسماعيلي كالجامع الأزهر في القاهرة.
وشهدت هذه الفترة الضعف الشديد للخلافة العباسية ووقوعها تحت سطوة وسيطرة العناصر المملوكية وغيرهم بحيث لم يبقَ للخليفة العباسي إلّا الاسم حتّى قال الشاعر:

خليفة في قفص * * * بين وصيف وبغا
يقول ما قالا له * * * كما تقول الببغا

وقد خلَّف الأتراك المماليك أسرة ديلمية من بلاد فارس هي أسرة (آل بويه) ذات الميول الشيعية الإمامية والتي رفعت بعض الحيف الواقع منذ قرون على الشيعة، وكانت أسرة مثقفة تشجع العلم والعلماء، فأطلقت للشيعة ولغيرهم الحرية وشجَّعت العلماء والشعراء فازدهرت العلوم والثقافة وكان عصرها بحق أعظم عصور الدولة العباسية، حتّى جاءت موجة الأتراك السلاجقة بقيادة (طغرل بك) الذين دخلوا بغداد خلفاً لآل بويه ودخل معهم التعصُّب الأعمى والحقد الطائفي وضيق الأفق والجهل المطبق، وتمزيق المجتمع وتشجيع ومساندة المتطرفين من المدارس الأخرى وخصوصاً الحنابلة الذين لم يسلم من شرِّهم كل شيء وبالذات أحياء الشيعة فأحرقوا البيوت والمكتبات، حتّى أن مكتبة الشيخ الطوسي (رحمه الله) أُحرقت ومعها مؤلفات نفيسة من مؤلفاته ومؤلفات آخرين مما اضطرَّه للهجرة إلى النجف الأشرف حيث تأسست الحوزة العلمية مذ ذاك الحين، ومع ذلك فلم تخل هذه الفترة من إضاءات، وكانت بعهد الملك السلجوقي (ملك شاه) ووزيره المثقف (نظام الملك) اللَذَيْن قُتلا في ظروف غامضة لاعتناقهما التشيُّع بعد مناظرات مطوَّلة بين علماء الشيعة وعلماء المدارس الأخرى برعاية الملك المذكور ووزيره في مؤتمر بغداد(١).
وفي هذه الفترة أي القرون الثلاثة الأولى التي أعقبت إعلان الغيبة الكبرى اندلعت الحروب الصليبية التي دامت قرنَيْن تقريباً، فقد اندفعت أوروبا بهجمة شرسة على العالم الإسلامي وخصوصاً الشام ومصر تدفعها الأطماع والتعصُّب الديني وبموجات بشرية كبيرة بتحريض من بابا روما والقساوسة والرهبان، فارتكبت مجازر فضيعة بحق الناس الأبرياء مشابهة لمجازر التتر وخصوصاً بقيادة الملك الإنجليزي (ريتشارد) قلب الأسد.
هذا من جهة الغرب، أمّا من جهة الشرق فقد اندفعت موجة المغول المجنونة التي خرجت من هضبة ال(تبت) في آسيا الوسطى، فاجتاحت العالم الإسلامي لتدمِّر معالم الحضارة والمدنية والثقافة بقيادة (جنگيز خان) وحفيده هولاكو، وكان أكثر البلدان تأثراً بها بلاد فارس وبلاد العراق وبعض أطراف الشام(٢).
واستمرَّت الموجات والفتن تضرب هذه الأُمَّة من هذه الجهة أو تلك من الهجمة (التيمورية) إلى الهجمة (العثمانية) التي كانت أشد بلاء على شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وخصوصاً أبان صراعها مع الصفويين، فقد قتل آلاف الأبرياء من الشيعة في بلاد الأناضول بفتوى أحد شيوخ البلاط العثماني (نوح الحنفي) طبقاً لما أراده السلطان العثماني (سليم ياووز)، وكان العثمانيون يبنون منارات من رؤوس ضحاياهم المتمرِّدين، وما حادثة الحلة أثناء الحرب العالمية الأولى والتي نفَّذها (عاكف باشا) إلّا مثل قريب من عصرنا.
وأخيراً الموجة الصليبية الجديدة التي جاءت بها أوروبا إلى بلاد المسلمين التي هي ألعن وأخبث هجمة رآها المسلمون، فقد مزَّقت العالم الإسلامي وجعلت منه شعوباً وقبائل للتنازع والخصام لا للتعارف والوئام، ولعلَّ أشنع ما طبخته أوروبا لنا من طعام مسموم هو هذه المنظمة الماسونية المسماة بالوهابية التي حاربت المسلمين باسم الإسلام(٣).
وتوَّجت أوروبا إجرامها بتأسيس هذه الدويلة المسخ (إسرائيل) بقلب العالم الإسلامي تعيث في الأرض فساداً.
لقد كانت الخارطة السياسية والديموغرافية للعالم بتغير مستمر وصيرورة دائبة، تنشأ دول وتزول دول، تولد أُمم وتنقرض أُمم، تأتي حضارة على أنقاض حضارة.
هذه المعايشة الطويلة لذلك الكم الهائل من الأحداث لولي الله الأعظم (عجّل الله فرجه) لها ما لها من الاعتبارات لعلَّ أبرزها أنه (عجّل الله فرجه) الشهيد على الأُمة خلال الحُقب الطويلة تلك:
﴿فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً﴾ (النساء: ٤١).
ولأنَّه الثقل الثاني الذي لن يفترق عن القرآن الكريم لا عقائدياً ولا زمانياً، فإنَّه لا ولن تخلو الأرض منه لأنه حجة لله على خلقه وإلّا ساخت بأهلها.
وهناك أمور كثيرة لا تتَّسع هذه المقدمة لذكرها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الكم الهائل الذي رأته وستراه الأُمة وخصوصاً شيعة أهل البيت (عليهم السلام) من كوارث ومآسٍ جعلتها أصلب عوداً وأقوى شكيمة، بحيث صارت تتطلَّع ليوم إعلان المهدي (عجّل الله فرجه) لثورته العالمية حتّى تنصره وتضحّي من أجله، ويرافق ذلك تصاعد الخط البياني لحالة الوعي الجماهيري والتوسع الأفقي للقاعدة الشيعية الشعبية، فالإمام بحاجة إلى الكمية إضافة إلى النوعية، لأنَّه سيدخل بمواجهة قاسية مع الأعور الدجال وقوى النفاق العربية.
إنه لابد من إدخال الأُمم بتجارب مُرَّة حتّى تعرف مغبَّة اختياراتها الخاطئة لتصل إلى قناعة أنَّ خلاصها لا يكون إلّا بالمنهج القرآني وولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وخصوصاً بما يتعلق بباقي الأُمَّة الإسلامية من غير الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) والمتَّبعين للسقيفة ورجالاتها الذين قاموا بأكبر عملية انقلاب في تاريخ النبوَّات والرسالات فأدخلوا الأُمَّة بالتفرق والتشرذم وسفك الدماء وتعطيل الشريعة.
قد يرى - القارئ الكريم - أني أسهبت في هذه المقدمة، ولذلك سبب وجيه وهو أني لا أريد مفاجأته بالدخول في الموضوع المطروق مغايراً لما اعتاده في مطالعاته عن حركة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والتي قصرها الكثير من الباحثين على علامات الظهور، فموضوعنا في هذا الكتاب مقتصر على الشروط اللازمة لتحققه.
لقد قسَّمنا الكتاب إلى عدَّة فصول، وهنا نجد أنه لا بأس بإلقاء نظرة سريعة على بعضها، ولكي يكون بحثنا غنياً فقد خصصنا:
الفصل الأول: للتوزيع الجغرافي للظهور المقدس، لما في ذلك من أثر بتكوين الأحداث، وعلاقتها التبادلية مع العالم كله، فانبثاق الثورة المهدوية العظيمة من مكة المكرمة فيه دلالة على أنَّها فرع من الثورة المحمدية العظمى التي فجَّرها وقادها الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طيلة ثلاث وعشرين سنة، فالثورة المهدوية ستبدأ في مكة المكرمة وتنمو وتترعرع وتثمر وتتحول إلى ثورة عالمية في الكوفة - أي العراق -، أمّا محاولة البعض القفز على النصوص المتواترة بهذا الشأن وصرف الأذهان إلى أماكن أخرى غير مكة المكرمة فهي بائسةٌ يائسة، فخروج المهدي (عجّل الله فرجه) في مكة المكرمة متَّفق عليه بين المسلمين وهو من المحتوم.
أمّا الفصل الثاني: فقد خصصناه للشرط المفقود باعتبار أن شرطَي النهضة المتمثلين بالأطروحة الإلهية القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والقيادة المعصومة متوفِّران، في حين أنَّ القاعدة المؤمنة ذات الامتداد الأفقي الكبير غير متوفرة أو لم تتوفَّر بعد، بدليل أن عدم الظهور كاشف عن عدم الوجود.
أمّا الفصل الثالث: فقد خصَّصناه لقانونَي الابتلاء والتمحيص حيث إنَّ سُنة الله في خلقه أنه يبتليهم بأنواع البلاء لكي يتوبوا من معاصيهم ويرجعوا إلى ربِّهم، أمَّا قانون التمحيص فهو ابتلاء خاص بالمؤمنين فقط.
أمّا الفصل الرابع: فقد تكلَّمنا فيه عن الانتظار الذي أشارت إليه أحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام) باعتباره سلاحاً للأُمة أمام هزائمها وإخفاقاتها وتمزُّقها وهو أشبه باستراحة المحارب.
وفي الفصل الخامس: تكلَّمنا عن شخصية القائد باعتباره إنساناً منتخباً ومنتجباً من الله لمهمة قيادة البشرية وإيصالها لحالة التكامل.
نترك الحديث عن الفصول الأخرى لكي لا نسلب القرّاء الأعزّاء عنصر المفاجأة بعدما تكلَّمنا بصورة مختصرة جدّاً عن بعض فصول هذا الكتاب.
أخي القارئ الكريم..
قد تطرَّقنا في هذه المقدمة لأحداث كانت في الماضي وخصوصاً في القرون القليلة التي أعقبت وقوع الغيبة الكبرى والتي ألقينا بعض الضوء فيها على بعض الأحداث القريبة والبعيدة فنرجو أن يكون حديثنا مفيداً، سائلين المولى (عزَّ وجلَّ) أن يرحمنا بإظهار المنقذ الأعظم للبشريَّة من غيلان الظلم والفساد والله ولي التوفيق.
﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ﴾ (البقرة: ٢٨٦).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين وصلّى الله على سيدنا ونبينا وقائدنا وشفيعنا ومولانا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
العراق - الديوانية

***************

(١) لمعرفة المزيد عن ذلك ينبغي مراجعة كتاب مؤتمر بغداد لمقاتل بن عطية صهر الوزير نظام الملك.
(٢) ينصح بقراءة كتاب العراق بين احتلالين لعباس العزاوي وكتاب (كلشن خلفاء) أو (روضة الخلفاء) لمرتضى نظمي زاده.
(٣) أنصح القارئ الكريم بقراءة مذكرات (مستر همفر) الجاسوس الانجليزي الذي جنَّد محمد بن عبد الوهاب لصالح شركة الهند الشرقية التابعة لوزارة المستعمرات الإنجليزية حيث تمَّ الإيحاء له بعقيدته الوهابية.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page