• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التوزيع الجغرافي للظهور المقدس

 الأرض مسرح كبير تعرض عليه مسرحيات حياة بني آدم منذ هبوط أبيهم إلى الأرض وحتّى تقوم الساعة.
والمسرحية أي مسرحية هي مجموعة أحداث مترابطة فيما بينها.
إنَّ تحليل أي حدث يفضي إلى نتيجة أنه هو في الحقيقة متصل زمكاني - بالتعبير الرياضي - أي أنه ذو بُعدين زماني ومكاني.
إنَّ الأحداث تترا باستمرار على هذا المسرح منذ هبوط آدم أبي البشرية إلى الأرض مستمرة إلى يوم القيامة، متصلة الحلقات، متعددة الاتجاهات يرتفع فيها بشر، ويسقط فيها بشر آخرون.
لقد بدأ التاريخ بآدم المقدس وسيختتم بابن آدم المقدس، وهو نهر جار ذو اتجاه واحد لا يلتوي إلى الوراء أبداً، ولا يمكن تمييز قطراته إلّا إذا كانت ذات ألوان تتحرك من هذا الموقع إلى ذاك الموقع.
تتوزع الأحداث ما بين التافه الحقير وما بين الجسيم الخطير، بين ما هو مقدّس وبين ما هو مدنّس، بيد أنه لا يمكن الحكم بالتفاهة أو الجسامة إلّا من خلال أثرها، أي أن أي حدث يجب أن يرتبط بسواه فيؤثر ويتأثر من حيث التكوين والتبديل والتغيير وبعلاقة العلة بالمعلول، فاختطاف امرأة - أي امرأة - ليس ذا بال ويحدث كل يوم، بيد أن اختطاف أو بالأحرى إغواء امرأة مثل (هيلين) زوجة (أغا ممنون) أحد ملوك الإغريق من قبل الأمير باريس ابن ملك طروادة أدّى إلى نشوب حرب ضروس استمرت سنوات طوال والتي أسفرت عن نهاية شعب طروادة وتدمير مدينته، ثم ظهور شعب آخر من البقايا الباقية من الطرواديين هو شعب الرومان.
ولولا هجرة المهلهل بن ربيعة التغلبي إلى اليمن بعد حرب البسوس وإلقاء اللوم عليه بالتسبب بها من قبل أقاربه، لَما ظهر فخذ كبير من شمر عبدة يقال له الضياغم وهم أولاد ضيغم بن عبدة بنت المهلهل من زوجها معاوية بن الحارث ملك مدينة جنب في جنوب اليمن.
وهنا قد يطرح بعض هواة الفلسفة المغرمين بالدراما والأكشن تصوراً مفاده أنه من الممكن أن تولد الأحداث صدفة، أو تأتي بلا مقدمات أو من غير شيء.
ومثل هذا التصور لا يستحق الرد عليه لأنه القول بالمحال كمن يحاول القول بإمكانية اجتماع النقيضين في زمن واحد وفي مكان واحد، وذلك لكون الترابطية هي القانون الصارم في الوجود فالزمن باعتباره العنصر الأول، والمكان باعتباره العنصر الثاني لا يتحدان ليكوّنا حدثاً ما إلّا من خلال سلسلة أحداث سبقتهما، فلا يوجد اعتباط أو عبث أو صدفة في حركة التاريخ والوجود فعصر التعليل بالصدفة ولّى بلا رجعة، وإنِّما كل شيء خاضع لقانون صارم هو قانون العليَّة أحد قوانين الترابطية، فالحدث يولد من رحم حدث آخر ويولد حدثاً آخراً، وهكذا دواليك بسلسلة متصلة لا تنتهي إلّا بيوم القيامة الذي له قوانينه المختلفة الخاصة.
قلنا إن الأرض مسرح للأحداث، فإذا اجتمع الزمان والمكان معاً كان الحدث.
والحدث الذي هو موضوع بحثنا يقع في المستقبل والمستقبل مجهول لعدم تحديد ساعة الصفر، وبذا لا يمكن تحديد متّصله الزماني بصورة قطعية لأنه من الغيب المحجوب عن عيون وعقول الخلق، ولكن يمكن تحديد متّصله المكاني على ضوء الأحاديث الواردة عن أُناس نقلوا لنا ذلك من خالق الأشياء والأحداث، نقصد بهم محمداً وآل محمد (عليهم السلام)، فلندع الزمن الغائب جانباً.
ولنأتي إلى المكان، فكل مكان، وكل بقعة في الأرض هي مسرح وهي صالحة لأي حدث، وربما مرَّت فيها أحداث، حتّى التي لم يتكلم التاريخ عنها، فما كل حدث سُجِّل، وإنما سُجِّل الحدث من قِبَل من كان متواجداً فيه، وغالباً ما يكون من ذوي المكانة أو المعرفة أو من أتباع السلطة القائمة.
علينا أن نعلم أنَّه ليست كل بقاع الأرض متشابهة من حيث كونها مسرحاً لأحداث كبيرة وإنِّما تقاس بعض الأماكن من حيث الخطورة والأهمية بجسامة الحدث وخطورته والذي سيقع فيها، فهناك بقاع في الأرض لها خصوصية تختلف عن غيرها بسبب ضخامة وخطورة ما حدث وسيحدث فيها، وهي بالقول الصريح مختارة من الله سبحانه بصورة خاصة لأحداث خطط الخالق لوقوعها فيها، أي بتعبير آخر هي أراض مقدَّسة ومباركة، ولا ينكر ذلك إلّا معاند ومكابر، وفي نفس السياق هناك في الأرض بقاع أخرى ليست ذات خطورة أو أنها بقاع ملعونة لأنها كانت وستكون مسرحاً لأحداث ملعونة مثل وادي برهوت في اليمن.
قد يقول البعض ممن أغرموا بالمنهج المادي التجريبي: إن بعض الأماكن ذات خصوصية بسبب موقعها الاستراتيجي كمنطقة الهلال الخصيب مثلاً لكونها تتوسط القارات الثلاثة القديمة، بيد أن هذا التعليل ذو طابع مادي ينظر بعين عوراء وبما قرَّ في عقله من مفاهيم مسبقة منقاداً إلى نسبيته الذاتية.
في حين أن أغلب الأحداث الخطيرة التي وقعت وسجَّلها التاريخ ذات طابع غيبي غائي وخصوصاً النبوّات وحركة الأنبياء (عليهم السلام) والتي وقعت في منطقة معروفة، وبذا يتَّضح أن هذه الخصوصية هي من اختيار الله سبحانه، فكما أن الله اختار من بين الأشهر - على سبيل المثال لا الحصر - شهر رمضان للصيام وقدَّسه وجعل فيه ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر، وكما أن الله اختار من بين بني آدم رسلاً وأنبياء وأولياء وأوصياء وهم بالنسبة للبشرية بعدد الأصابع، فكذلك اختار الله بقاعاً أو أماكن خاصة لأحداث خاصة، فالله هو المالك، والله هو الخالق وهو المتصرِّف بملكه بما يريد ويشاء.
﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (القصص: ٦٨).
والغريب أن بعض الجهلة وأنصاف المتعلِّمين ومثقفي الجرائد، أولعوا بطرح الأسئلة عن هذه الأمور من قبيل:
لماذا اختار الله مكة المكرمة قِبلة لكل مسلمي العالم وبتلك الصحراء الجرداء القاسية، ولم يختر بقعة ذات أشجار وأنهار في بلاد السواد أو بلاد الشام أو حتّى في أوروبا؟
ولماذا اختار القدس قِبلة أولى للمسلمين قبل مكة المكرمة وهي مقدسة عند دينين منسوخين اليهودية والنصرانية؟
ولماذا كان العراق مهد أغلب الأنبياء والمرسلين؟
وهذه الأسئلة ليست جديدة وإنما هي قديمة، وقد أجاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عليها ورَدُّوها، ولذا فلا حاجة للدخول مع هؤلاء لأن أسئلتهم تَنُم عن جهلهم وعدم فهمهم وإيمانهم، وإلّا فإن المسلم يسلِّم بكل ما يصدر من الشارع المقدس ويقول: سمعنا وأطعنا مستنداً للآية الكريمة التي ذكرناها آنفاً.
لو نظرنا في طول العالم وعرضه وقلَّبنا صفحات التاريخ والكتب المقدسة لرأينا أن أغلب الأنبياء (عليهم السلام) - إلّا ما ندر وخصوصاً الكبار منهم - وُلدوا وظهروا وخرجوا وماتوا ودُفنوا في منطقة معروفة عند جميع أهل العالم هي منطقة الهلال الخصيب، وهي تضم العراق والشام والطرف الشمالي الشرقي من مصر أي سيناء، وفي هذه المنطقة بالذات يوجد جزء له خصوصية على جميع أجزائها، هذا الجزء هو العراق.
ولا يجادل اثنان في كون العراق هو منطقة الأنبياء والأولياء والمصلحين من جهة، والطغاة والجبارين من جهة أخرى، وهو كذلك مهد الحضارات، فهو الأصل والمنبع.
آدم (عليه السلام) أبو البشرية عاش في العراق ومات في العراق ودفن في العراق وأسس مجتمعه الأول في العراق، وكان مجتمعاً قائماً على أُسس من التقوى والمحبة، وآدم (عليه السلام) أول متلقِّ للوحي وكان نبياً بعث لبنيه هادياً مرشداً.
ومن بعده ولده شيث هبة الله المدفون في الموصل شمال العراق، ومقابل مجتمع آدم المقدس كان مجتمع الشر والفجور الذي أسسه قابيل أول قاتل في التاريخ والذي هو من افتتح سجل سفك الدماء في البشرية، وذلك المجتمع تسوده الرذيلة وضرب الصنوج وعبادة غير الله تعالى، وبالأخير استطاع أن يحطم مجتمع آدم البسيط البريء ويحوله إلى مجتمع منحرف ذهب إلى الرذيلة وعبادة الأصنام والأوثان، حتّى انتهى بحادثة الطوفان.
النبي نوح (عليه السلام) الأب الثاني للبشرية.
أول نبي عذب قومه بدعوته.
كان في العراق، وعاش في العراق ودعا قومه إلى التوحيد والاستقامة، وكان يسكن في هذه البقعة المقدسة المحصورة بين دجلة والفرات جنوب العراق المسماة في التوراة (سهل شنعار)(٤)، وفي العراق اجتاح الطوفان العظيم قومه جزاءً وفاقاً لكفرهم وتمردهم، وحينما خرج من السفينة بعد انتهاء الطوفان حطَّ رحاله في العراق مع أولاده وأحفاده وأصحابه المؤمنين ليؤسس مجتمعاً جديداً قائماً على الإيمان والتقوى، وقد مات في العراق ودفن فيه، ومن بعده تكاثر أولاده وأحفاده وانتشروا شرقاً وغرباً لتتكوَّن منهم أُمَم وشعوب.
ومن المؤكد أن المجتمع الذي أنشأه نوح (عليه السلام) وأولاده من بعده وخصوصاً وَلَده (سام) كان مجتمعاً موحِّداً وقد خرجت منه - بعد أن تكاثر أفراده - جماعات شرقاً وغرباً حاملةً معها عقيدة التوحيد، إلّا أنَّ تقادُم الزمن والتحريف والتقديس غير الواعي المشوب بالغلو لبعض الشخصيات المقدسة حوَّل أديان هؤلاء إلى أديان آلهة متعددة، ولا يستبعد أن يكون (رام) و(كوتاما بوذا) و(لاوتسي) و(كونفوشيوس) وغيرهم من أنبياء الهند والصين وقد قدَّسهم أتباعهم فعبدوهم من دون الله، ولذا لم تخلُ أُمة من نبي مرسل.
﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ﴾ (فاطر: ٢٤).
وبعد نوح توالت سلسلة الأنبياء في بقاع أخرى وبعضهم هاجر إلى العراق وعاش ومات فيه مثل هود وصالح ويونس، وغيرهم (عليهم السلام) لا يقعون تحت الحصر والإحصاء.
إنَّ العراق منذ القِدَم أولد وما زال يولِد الحضارات والثقافات والرجال الأفذاذ، وهو أشبه بمغناطيس قوي يجذب الأنفس والقلوب ويجعلها تتوقُ إليه، فأول دعاة التوحيد هم من العراق.
(فكوثى)(٥) جنوب بابل بفراسخ وليست (أور) شهدت مولد إبراهيم الخليل (عليه السلام) - نبي التوحيد في العالم القديم - والذي دخل بصراع عقائدي وبمفرده مع مجتمع وثني مدجَّج - آنذاك - بكل أساليب القوة المادية والإعلامية، ووقف أمام طاغوت عصره (النمرود)، فأفحمه وسفَّه آراءه وحطَّم كبرياءه وكسَّر أصنامه وأصنام قومه وسَخِر منهم حتّى ضاقوا به ذرعاً فرموه في النار، فنجَّاه الله منها بمعجزة عظيمة، فما كان منه بعد ذلك إلّا أن هاجر أو أُرغِم على الهجرة إلى الشام مع زوجه سارة وابن أخيه لوط بن هاران بن تارخ.
إنَّ العراق - بلا مغالاة - هو مركز الثقل الروحي العالمي، وهو المصدر الذي استقت منه كافة الحضارات والأديان، ولذا فإنه سيكون المنطلق للثورة المهدوية.
وهكذا تتوزَّع الحركة المهدوية على تلك البقاع طِبقاً للنضج الإيماني والحضاري لشعوبها.
ولأجل ذلك اهتم أهل البيت (عليهم السلام) بالعراق منذ عهد علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأكَّدوا على محوريته في جميع الأحداث التي وقعت والتي ستقع بعدهم، وخصوصاً في عصر الظهور، فقد أشاروا ولو من باب بعيد إلى الزحف المليوني لأهل العراق لاستقبال قائدهم القادم من الحجاز بسبع قبابٍ من نور(٦)، ومن هذا الزحف سيختار الإمام (عجّل الله فرجه) الألوف للانضمام إلى جيشه، ولخطورة هذا البلد فإن جزءاً كبيراً من أصحاب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الخُلَّص منهم، فالأخيار من العراق، والأبدال من الشام والنجباء من مصر(٧).
إنَّ الناظر بتعمُّق في حركة التاريخ يتوصَّل إلى أنَّ حادثة الطوفان كانت حدّاً فاصلاً بين مرحلتين، إذ جرف الطوفان ما قبله من بشر وحضارة ومدنيَّة، وأقام بعدها حضارة أخرى مغايرة تقريباً لِما سبق، ولذا فإنَّنا نقول إنها أنشأت الدورة الحضارية الوسطى على أنقاض الدورة الحضارية الصغرى، حضارة مجتمع آدم (عليه السلام) وقابيل(٨)، ومِن المعتقَد أنَّ الطوفان حدث قبل ميلاد المسيح (عليه السلام) بعشرة آلاف سنة، أي بنهاية العصر الجليدي الحديث، وقد يقول البعض إن هذا التحديد الزمني - يعني العصر الحجري الحديث - حيث كان الناس يعيشون في الكهوف والغابات والبراري ويستعملون الأدوات الحجرية بشؤونهم اليومية ولم يكونوا قد تحوَّلوا إلى نظام المدن والتجمعات البشرية، بيد أن العصر الحجري بهذا التحديد ليس مطلقاً في كل بقاع الأرض، بل إنه نسبي، ففي منطقة يكون عصر حجري وفي منطقة مجاورة عصر معدني وتكون حضارة ومدنية متقدمتين بجانب همجية وبدائية.
فتقسيم مراحل التاريخ أي ما قبل التاريخ وإلى ما بعد التاريخ استناداً إلى الكتابة والتدوين، غير صحيح، وحتّى تقسيم عصور ما قبل التاريخ إلى عصور حجرية وعصور معدنية باعتبار ما كان يستعمله البشر بتلك الفترة مجاف للحقيقة ففي عصرنا هذا اكتشفت مجتمعات بحالة بدائية كما في جزر الأوقيانوس وجزر الاندمان وبعض مجاهل أفريقية، بل وجد أقوام لا يرتدون ثياباً على الإطلاق، فهل يسوغ لنا أن نقول إن البشرية مازالت في العصور البدائية والبربرية؟
وحتّى مصطلح ما قبل التاريخ الذي حُدِّد على أساس الفترة التي لا يوجد فيها التدوين والكتابة وحُدِّدَت بالألف الخامس قبل الميلاد، غير صحيح، لأنَّه تم اكتشاف لوحة قديمة في بقايا سفينة نوح (عليه السلام) مكتوبة باللغة السامانية وهي لغة نوح (عليه السلام) وأتباعه، اللغة الأم التي منها تفرَّعت لغات العالم كلها، علماً أنَّ حادثة الطوفان حُدِّدَت بفترة زمنية أكثر بكثير بناءً على الحفريات واستعمال التكنولوجيا المتطورة، أي قبل الكتابة التصويرية في العراق والهيروغليفية في مصر بأكثر من خمسة آلاف سنة.
وهنا قد يرد سؤال: أترى أن آدم (عليه السلام) حينما هبط إلى الأرض كان وزوجه حواء يرتديان جلود الحيوانات ويسكنان الكهوف أو الغابات كما زعمت كتب اليهود والنصارى المقدسة وبعض كتب الحضارات؟ أم أن ذلك غير صحيح؟ وإنما هو قياس على ما اكتشف من وجود أقوام بحالة بدائية، وهو قياس مع وجود الفارق، فإن آدم وحواء كانا يعيشان في حضارة الجنّة وهي حضارة متقدمة جدّاً، ومن المستبعد أن يتم إخراجهما مما كانا فيه إلى أدنى بسبب هفوة صغيرة، فيعيشان حالة الهمجية والوحشية والعري وذلك لأن الله سبحانه يقول:
﴿يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ...﴾ (الأعراف: ٢٦).
وماذا نقول بقوله تعالى:
﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها﴾ (البقرة: ٣١).
أفكان جاهلاً أُميّاً لا يقرأ ولا يكتب؟
فكما أن اللغة ذات مصدر إلهي فكذلك القراءة والكتابة.
لقد أَسس آدم (عليه السلام) بوحيٍ من الله مجتمعاً قريباً من مجتمع الجنة من حيث الحضارة والمدنية، وكان مكانه في سهل شنعار قرب ملتقى دجلة والفرات، أي قرب القرنة في العراق، وكانت فترته الدورة الحضارية الصغرى والتي انتهت بحادثة الطوفان.
وبعد نوح (عليه السلام) جاء حفيده إبراهيم خليل الله (عليه السلام) الذي يعتبر أعظم الأنبياء بعد نبينا محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان في العراق وحدث له ما حدث مما يطول بيانه ويخرج بنا عن صلب موضوعنا.
ومع أن إبراهيم (عليه السلام) هاجر إلى الشام(٩)، فإنَّ أُسرته لم تقطع صلتها بالعراق، فحفيده يعقوب (عليه السلام) رجع إلى العراق وتزوَّج في العراق وولد أبناؤه الاثنا عشر في العراق وعاش في مدينة فدان قرب بابل.
ومع أن أبناء إبراهيم (عليه السلام) من الأنبياء، كانوا في الشام من ذرية ابنه إسحاق (عليه السلام) إلّا أنّه ترك ابنه البكر إسماعيل (عليه السلام) في منطقة جبال فاران، أي مكة المكرمة ليخرج من صلبه شعب بدوي هم العرب، وكان منهم محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام).
إنَّ العدد الأكبر من الأنبياء بعد إبراهيم (عليه السلام) هم من ذرية يعقوب بن إسحاق (عليهما السلام) الملقَّب بإسرائيل أي عبد الله، ومنهم يوسف الصديق (عليه السلام) عزيز مصر المولود في فدان في العراق، أمّا الأسباط المذكورون في القرآن الكريم أنهم أنبياء فليسوا أولاد يعقوب الصلبيين وإنما هم أحفاده وأولاد أحفاده، فما فعله أولئك الأخوة بأخيهم يوسف وبأبيهم يعقوب من أفعال شنيعة كالتآمر ومحاولة القتل والكذب على أبيهم وعلى الآخرين لا يستقيم مع مقام النبوة المقدس.
نعم لقد تاب أولئك الإخوة من ذنوبهم واعترفوا بها في آخر المطاف وعفا عنهم أبوهم يعقوب وأخوهم يوسف لكن التوبة لا تعطي حسن السلوك للعاصي حتّى يصير نبياً.
إنَّ الأحاديث التي تكلَّمت عن أحداث الظهور المقدس كانت تقريباً عن نفس الأماكن التي خرجت منها النبوّات وخرج منها الأنبياء، وفي ذلك إشارة جلية إلى أن حركة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هي الوريث الشرعي الوحيد لكل دعوات الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) وكل المظلومين على مرِّ التاريخ وفي كل العالم، بيد أن لها شعاراً خاصاً ترفعه أمام الطواغيت ألا وهو طلب الثأر لدم الحسين (عليه السلام) سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي مثَّلت مأساته أبشع أنواع الظلم والعدوان(١٠).
إنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سيعلن عن ثورته العالمية في العاشر من محرم الحرام، أي في اليوم الذي استشهد فيه الحسين (عليه السلام) سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، في سنة وتر(١١) وفي المسجد الحرام، ومن هناك يذاع البيان الأول، وقرب مكة المكرمة يكون الخسف في البيداء بجيش السفياني الناصبي الصليبي(١٢).
ومن مكة تنطلق كتائب جيش الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) التي تتراوح أعدادها بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألفاً من المقاتلين المؤمنين العقائديين(١٣)، يقودهم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأصحابه الثلاثمائة وثلاثة عشر ربّانيّاً، متوجهاً إلى المدينة المنورة، فيتمّ تصفيتها من النواصب والمنحرفين، ومن ثمَّ يتوجَّه بجيشه إلى الكوفة في العراق والتي سيتَّخذها مقرّاً ومسكناً وعاصمةً لدولته العالمية(١٤)، وبعدها يتم تصفية العراق من الأحزاب المتنافرة ثم القضاء على الفئات المنحرفة من بترية وناصبية(١٥).
***************
(٤) قاموس الكتاب المقدس- مجمع الكنائس الشرقية: ص١٥٦.
(٥) بحار الأنوار: ج١٢، ص٤٧.
(٦) عن جابر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) في قول الله تعالى: ﴿فِي ظُلَل مِّنَ الغَمَامِ وَالمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمرُ﴾ (البقرة: ٢١٠) قال: «ينزل في سبع قباب من نور لا يعلم في أيُّها هو حين ينزل في ظهر الكوفة فهذا حين ينزل» [تفسير العياشي: ج١، ص١٠٣].
(٧) الاختصاص للشيخ المفيد: ص٢٠٨.
(٨) سوف نتكلم إن وفَّقنا الله تعالى عن نظرية الدورات الحضارية بكتاب مستقل، وسوف ندعم ذلك بالأدلة التاريخية والعلمية والأركيولوجية الحديثة، وخصوصاً الاكتشافات الحديثة عن وجود حضارات قديمة كانت ذات تقنيّات متطوّرة لم نتوصَّل إليها لحد اليوم، ومن جملتها حضارة الأطلنطيك الغارقة وغيرها.
(٩) سعد السعود للسيد ابن طاووس: ص٢٠٣.
(١٠) أمالي الشيخ الصدوق: ص١٩٢؛ وبحار الأنوار - للمجلسي: ج٥٢، ص٣٠٨.
(١١) الغيبة للنعماني: ص٢٧٠، باب ١٤، ح٢٢.
(١٢) الغيبة للنعماني: ص٢٩٠، باب١٤، ح٦٧.
(١٣) عن الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «يخرج المهدي في اثني عشر ألفاً إن قلّوا، وخمسة عشر ألفاً إن كثروا، ويسير الرعب بين يديه، لا يلقاه عدو إلّا هزمهم بإذن الله، شعارهم (أمت أمت)» [الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس: ص١٣٨، ب١٣١، ح١٥٨- وعلى منواله حديث آخر في: ب١٣٢، ح١٥٩].
(١٤) بحار الأنوار: ج٥٣، ص١١.
(١٥) الإرشاد للشيخ المفيد: ص٣٨٤.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page