• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التوقيت وساعة الصفر

 من طبيعة الإنسان التوجُّس والتخوُّف ممّا قد يحدث له في المستقبل، ولأنَّ لديه توقعاً للعيش أقصى ما يمكن من السنين وبراحة فإنَّه يتطلَّع لمعرفة ما هو مخبوء له في المستقبل، وقد استغلَّ الدجَّالون والنصَّابون والمحتالون والكذَّابون والعرَّافون ومن يدّعون القدرة على التنبؤ بالمستقبل ذلك، للحصول على منافع مادية ومعنوية، وقد أصَّل ذلك بعضهم بما يسمى بعلم الباراسيكولوجي، ودخل على الخط بعض من يدَّعي علم الرمل والجفر وعلم الحروف قديماً وحديثاً.
وقد ازدهرت هذه السوق في كل مصر وعصر، فكان الخلفاء والملوك الغابرون لا يتحرَّكون إلّا بمشورة العرَّافين والمنجِّمين، وحتّى في عصرنا هذا فقد ذكر أنَّه كان لهتلر عرَّاف يستشيره وكذلك الحال بالنسبة لصدّام طاغوت العراق الذاهب.
وأشدّ ما يخاف منه المرء أنْ تكون حياته ومصالحه ومكانته في معرض الخطر، فيدور في خُلده أنَّه بمجرد أنْ يعرف ما يهدِّده في المستقبل فإنَّه يستطيع تغيير ذلك أو تلافيه ببعض التدابير.
ولقد استخدم الطواغيت والحُكّام قديماً وحديثاً العرّافين والمنجِّمين والسَّحَرة لمعرفة ما يخبِّئه الزمن لهم في المستقبل فيأخذون حذرهم، ولعلَّ قصة إبراهيم الخليل (عليه السلام) مع طاغية عصره النمرود وقصة موسى بن عمران (عليه السلام) مع فرعون، أبرز أمثلة على ذلك وخصوصاً موسى (عليه السلام) وما جرى من أحداث قتل المواليد من بني إسرائيل في سَنة ولادته، وكان هدف فرعون التخلُّص من المولود المرتقب الخطر على حياته وسلطته.
والطواغيت والحُكّام الظلمة جهلة وأغبياء وذلك بسبب تصوُّراتهم عن إمكانية تغيير مصائرهم فيما إذا عرفوا ما سيحدث لهم في المستقبل فيحاولون القيام ببعض التدابير للتخلُّص من قدرهم المحتوم، وهم بذلك يقفون أمام الإرادة الإلهية التي اقتضت ما سيكون ويحدث لهم، ولم يعلموا أنَّ مكر الله أقوى وأشد من مكرهم: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ (الأنفال: ٣٠).
وحين فعل ما فعل فرعون من قتل الأطفال والمواليد الجدد بحثاً عن موسى (عليه السلام) فإنَّ الله قال لفرعون بلسان الحال:
بما أنَّك قتلت الكثير من المواليد الأبرياء للتخلُّص من موسى، فإنّي سأجعله يعيش في قصرك ويدرج في حجرك ويعبث بلحيتك.
كما قلنا: إنّ الطواغيت زمر من الأغبياء ساعدتهم الظروف للوصول إلى سدَّة الحكم، وإلّا ما قيمة بعض الأشخاص حتّى يصبحوا خلفاء للمسلمين، من حيث العلم والفهم والأخلاق والمكانة الاجتماعية، وإنَّما الغدر والخيانة وانعدام الإيمان هو من أوصله إلى ما يريد.
لا نريد الإسهاب عن مثل هذه الشخصية التي كانت السبب الأساس بتدهور الإسلام وتمزُّق المسلمين إلى فِرَق وأحزاب فلنا وقفة طويلة معه إنْ وفَّقنا الله تعالى، فهؤلاء الحُكام يصابون بأشبه حالة سعار اتِّجاه من ينتقدهم فيحسبون كل شخص يبين أخطاءهم يريد أنْ يستلب صولجان الحكم منهم فيقتلون ويسجنون ويشرِّدون من يخافون منه، وهذه الحالة واضحة عند حُكام العرب قديماً وحديثاً، ولهذا طوى الله سجلّ الغيب عن جميع خلقه ماعدا المقربين لكي لا تمتد أيادي الظلمة لأوليائه.
وقد كان القرآن الكريم حازماً بموضوع الغيب ومعرفة المستقبل فالغيب كلُّه لله ولا قابلية لأي بشر على معرفة الغيب استقلالاً عن الله وإنَّما يكون ذلك بإذنه لمن ارتضى من عباده: ﴿عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ﴾ (الجن: ٢٦ - ٢٧).
وينتظم بمساحة الغيب الإلهي ما سيحدث بالحركة المهدوية المقدسة.
إنَّ من أعظم الأحداث المستقبلية وأخطرها التي أخبر عنها الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعترته الطاهرة (عليهم السلام) فيما أخبر هو عن الحركة المهدوية وثورة حفيده المهدي (عجّل الله فرجه) في آخر الزمان، فقد تمَّ الإخبار عن اسمه واسم أبيه واسم أُمِّه وصفاته الخَلقية والخُلقية قبل ولادته الميمونة بنحو قرنين ونصف من الزمان وحتّى عن المكان الذي يخرج فيه ويعلن عن ثورته العالمية، وفي ذلك من أعظم الدلائل على صدق نبوة محمد بن عبد الله سيد الأنبياء (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فليس بإمكان أي شخص عدا المعصوم الإخبار عمّا سيحصل في المستقبل بثوان، وقد وردت في المهدي أحاديث كثيرة عند كافة المسلمين أكانوا من الشيعة أو المذاهب الأشعرية أو الخوارج وحتّى النواصب وهو محل إجماع لم يحصل على غيره واتَّفق الجميع على أنَّه سيخرج آخر الزمان رجل من عترة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام) وأنَّه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً، بل لقد وصل الأمر عند مدرسة الصحابة إلى تكفير المنكر للمهدي (عجّل الله فرجه).
«من أنكر المهدي فقد كفر»(١٤٣).
وذلك لأنَّ الإخبار عن وجود الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وحركته فوق التواتر فإنكار الحديث المتواتر هو إنكار لضرورة من ضرورات الدين وهو كفر ومروق بين.
لهذا فقد انصبَّ اهتمام الموالين والمعادين على محاولة معرفة تاريخ ظهوره - أي توقيت الحركة أو ساعة الصفر - وحاول الكثير وخصوصاً الصوفية والعرفانيين الذين يدّعون الكشف والعرفان ذلك أمثال محي الدين بن عربي الصوفي المشهور حيث قال:

إذا دار الزمان على حروف * * * ببسم الله فالمهدي قاما

وكان يقصد بذلك حساب أحد الآيات القرآنية بالأبجد واستخراج قيمتها العددية والتي تشير إلى تاريخ الظهور، وهي تخرُّصات لا قيمة لها.
إنَّ الخطر على الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وحركته يكون في الكشف عن تاريخ أو توقيت ذلك وحتّى على المؤمنين الموالين للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ومن أنصاره الخُلَّص ومن جنوده الأبرار، لأنَّ انكشاف موعد أو وقت الظهور - أي ساعة الصفر - بمكان معروف يؤدِّي إلى قيام قوى الكفر العالمي والنفاق العربي وطواغيت الأُمَّة إلى الاتِّحاد بينهم وتشكيل حلف عريض ومن ثم القيام بحركة استباقية إجهاضية تقضي على الحركة وقائدها قبل أو أثناء أو بعد تحرك الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأنصاره.
ولا يقتصر ذلك على الحركة ذاتها وإنَّما تتعدّاها إلى تدمير الأماكن التي تنطلق منها أو تكون قاعدة لها بإدخالها بحروب متكرِّرة وأزمات مستمرة تستنزف مواردها المالية والبشرية، وحتّى القيام باحتلال بلد محدد بشتّى الذرائع والبركة بالخونة من هذه الأُمَّة الذين يساعدون أعداءها في ذلك.
إنَّ جميع المؤمنين منذ حصول الغيبة الكبرى وهم بحالة إنذار قصوى يترقَّبون ساعة الصفر، وكل مؤمن في كل عصر قد أعدَّ نفسه للمواجهة القادمة مع قوى الكفر والنفاق، فالمؤمن في القرن الرابع الهجري مثل المؤمن في القرن الخامس عشر الهجري كلاهما في ترقُّب وانتظار، وفي ذلك ربط عقائدي وروحي بقائده الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، ولذا حثَّ الأئمة (عليهم السلام) على هذه الحالة الجهادية، فهذا الإمام الصادق (عليه السلام) كان يقول: «ليعدنَّ أحدكم لخروج القائم ولو سهماً، فإنَّ الله تعالى إذا علم ذلك من نيَّته رجوت لأن ينسئ في عمره حتَّى يُدرِكه، فيكون من أعوانه وأنصاره»(١٤٤).
فلو حصل وانكشف موعد الظهور للمؤمنين، فما الذي سيحصل؟
سيصاب المؤمن البعيد عن عصر الظهور باليأس والإحباط ممّا يؤدّي إلى حصول حالة خلل ببُنيتِه الإيمانية فيتجرّأ البعض على الانحراف والمعاصي، وقد يرتد البعض الآخر عن عقيدته المهدوية أو دينه.
وأمّا من هو في عصر الظهور فقد يصاب بالهوس والاندفاع ومحاولة الخروج والثورة قبل الأوان واستعجال الأمر، فيترك التقيَّة ويكون مكشوفاً أمام الأعداء فيكون صيداً سهلاً لهم.
ولهذا يجب أنْ يكون موعد الظهور مجهولاً لا يتاح لأيِّ أحدٍ معرفته خلا المعصوم، أمّا محاولة بعض العرّافين والدجّالين وحتّى بعض المؤمنين تحديد ساعة الصفر فهي محاولة بائسة وكذب وافتراء وتخريف، على ان الله تعالى - وحسب ما روي عن بعض المعصومين (عليهم السلام) أبى إلّا أن يُخطّئ توقيت المؤقتين(١٤٥).
نعم، لقد بيَّن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعترته الطاهرة المعصومة (عليهم السلام) صفات الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الخَلقية والخُلقية وعلامات ظهوره البعيدة والقريبة لئلّا تشتبه الأمور على المؤمنين الموالين فينحرفون مع التيارات المنحرفة التي ستظهر هنا أو هناك رافعة لواء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فقد ورد أنَّه سيخرج قبل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) نحو اثني عشر دجّالاً من آل أبي طالب كل يدَّعي أنَّه المهدي الموعود أو أنَّه نائبه(١٤٦).
فحين تتحقَّق بعض العلامات القريبة من الظهور كالصيحة السماوية وخسف بقرية حرستا في سورية ومعركة قرقيسياء فإنَّه تتكون في قلب المؤمن الثقة بأنَّه أمام الثورة المهدوية العالمية المبشر بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام).
ومع ذلك فإنَّه على المؤمن أنْ يؤمن بقاعدة المحو والإثبات الإلهية (البداء) فإنَّ الله يقول: ﴿يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ﴾ (الرعد: ٣٩).
هذه القاعدة تشمل كل شيء.
المحتوم وغير المحتوم، ولا تشمل الموعود به لأنَّه خارج عنها، وحتّى حركة السفياني التي استفاضت الأخبار بحتميتها فإنَّها خاضعة للقاعدة المذكورة:
إذا كانت في الشام هدَّة فلا سفياني ولا بيداء(١٤٧).
فما يحصل في الشام في العصور هذه لم يكن مثله سابقاً.
إنَّ الحركة المهدوية المقدَّسة هي أمل كل الأنبياء والأولياء والمصلحين والبشرية كلها.
أمل الفقراء والمساكين والمظلومين في كل أنحاء الأرض.
وهي من الضخامة والخطورة بحيث تعد من أيام الله، وما أدراك ما أيام الله؟
أيام الله التي وردت بقوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ (إبراهيم: ٥).
عن مثنّى الحناط أحد أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) عن الإمام الباقر (عليه السلام): «أيام الله ثلاثة، يوم يقوم القائم ويوم الكرَّة، ويوم القيامة»(١٤٨).
إنَّ يوم القائم يمتد إلى يوم الكرَّة - أي الرجعة - ويوم الكرَّة يمتد إلى يوم القيامة بسلسلة أحداث كبرى وفي فترات زمانية لا يعلمها إلّا الله تعالى ولخطورة هذا اليوم فإنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «لا تذهب الدنيا حتّى يقوم بأمر أُمَّتي رجل من ولد الحسين يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(١٤٩).
لذا فإنَّه غيبٌ في غيب، وما كان الله ليُطلِعَ على غيبه أحداً من خلقه إلّا من ارتضى من رسول، فالمهدي خليفة الله في أرضه وحجة الله على خلقه وصراط الله الذي يسلكه المؤمنون، وهو الغصن المتفرع من دوحة سيد المرسلين، وعلى يده سيتحقَّق أمل الماضين والحاضرين، فيبني دولة العدل الإلهي الحقة، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا تصير إلى واحد منهم، ثم تجيء الرايات السود فيقتلونهم قتلاً لم يقتله قوم، ثم يجيء خليفة الله المهدي، فإذا سمعتم به فأتوه وبايعوه فإنَّه خليفة الله المهدي»(١٥٠).
وفي هذا الحديث الشريف ذكر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مرَّتين بأنَّه خليفة الله ممّا يعطي دلالة كم أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مهتم أشدَّ الاهتمام بولده وقرَّة عينه المهدي (عجّل الله فرجه).
وهنا تصبح الصورة أكثر وضوحاً بالنسبة لمسألة التوقيت، فقد كان المعصومون (عليهم السلام) حازمين اتجاهه ابتداءً من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وانتهاء بالمهدي (عجّل الله فرجه) نفسه باعتباره غيباً، بل اتَّهموا من يوقِّت بالشرك بالله كما مرَّ، فخروج الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مسألة خطيرة وسرٌّ من أسرار الله، والله لا يفشي أسراره إلّا لمن يحب وليس هناك من هو أحب إلى الله من محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام).
عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «يَا ثَابِتُ إِنَّ اللَه تَبَارَكَ وتَعَالَى قَدْ كَانَ وَقَّتَ هَذَا الأَمْرَ في السَّبْعِينَ فَلَمَّا أَنْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ (صَلَوَاتُ اللَه عَلَيْه) اشْتَدَّ غَضَبُ اللَه تَعَالَى عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَأَخَّرَه إِلَى أَرْبَعِينَ ومائَةٍ، فَحَدَّثْنَاكُمْ فَأَذَعْتُمُ الْحَدِيثَ فَكَشَفْتُمْ قِنَاعَ السّتْرِ ولَمْ يَجْعَلِ اللَه لَه بَعْدَ ذَلِكَ وَقْتاً عِنْدَنَا و﴿يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ﴾ [الرعد: ٣٩]»(١٥١).
وهذا الحديث يبيِّن بأنَّ الحسين (عليه السلام) كان هو القائم الذي على يديه تقام دولة العدل الإلهي، ولكن تغيَّر ذلك لأنَّ الأُمَّة غدرت به وقتلته ظلماً وعدواناً فأخَّر إلى حفيده الصادق (عليه السلام) الذي كان معاصراً لأربعين ومائة من الهجرة، وحينما حصل انفتاح ومجال لأهل البيت (عليهم السلام) لنشر العلوم الحقَّة، وفيها بعض الأسرار التي أُسِرَّت لبعض الشيعة والتلامذة، لم يتحمَّلوا ذلك فأذاعوها وحدَّثوا بها، وبذلك أثبتوا أنَّهم غير أهلٍ لحمل أعباء الثورة المهدوية العالمية، فأُخِّرت إلى أجل لا يعلمه إلّا الله تعالى.
قد يقول البعض: إنَّه قد جاء النص على المهدي الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو المهدي والقائم، فكيف يكون الحسين (عليه السلام) قائماً يتم على يديه كل ذلك؟
وحقيقة هذا السؤال تنمّ عن غفلة السائل، فالمعصومون (عليهم السلام) مهديون بأجمعهم وقائمون بالحق، ولدى كل واحد منهم إمكانية إقامة دولة العدل الإلهي ابتداءً من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مهدي وقائم بالحق، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) مهدي وقائم بالحق وهكذا إلى الإمام الأخير (عجّل الله فرجه)، فلو أُتيح لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المجال وبسطت له الأمور ولم تعجل عليه قريش بقتله بالسم لأقام الدولة الإلهية، وكذلك الحال بالنسبة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي لم تمهله قريش ومنافقو العرب لحظة واحدة وإنَّما أشغلوه بحروبهم الثلاثة وأنهو صراعهم معه بقتله بمحراب صلاته.
عن الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) قال: «منا اثنا عشر مهدياً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحق»(١٥٢).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «منا اثنا عشر مهديا مضى ستة وبقى ستة، يصنع الله بالسادس ما أحب»(١٥٣).
لقد كان مقدَّراً أنْ ينهض الإمام الصادق (عليه السلام) بالمهمة الإلهية، بيد أنَّ بعض شيعته وبعض تلامذته أفشو أسراراً وأحاديث لا ينبغي أنْ تُفشى وتُذاع وتصل إلى أسماع الآخرين وخصوصاً السلطة العباسية الناشئة توّاً على أنقاض دولة بني مروان، فأثبتوا عدم جهوزيَّتهم وأهليَّتهم إضافةً إلى قلَّة عددهم في ذلك المجتمع المطبق على الانحراف، فبدأتْ قاعدة المحو والإثبات بالعمل فأخَّر تطبيق الأُطروحة الإلهية إلى أجل لا يعلمه إلّا الله وأوكلت المهمة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وهو الوصي الثاني عشر لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ولو قُدِّر للإمام الحسين أو الإمام الصادق (عليهما السلام) أن يقوم كل واحد منهما بثورته وينجح بإقامة دولة وبسطت له اليد لقام بتطبيق شرع الله، ومن ثم سلَّمها لمهدي آخر يأتي بعده وهكذا.
نعم، إنّه في علم الله تعالى أنَّ الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً هو الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) لأنَّ الله يعلم أنَّ هذه الأُمَّة ستبقى على عصيانها وانحرافها عن جادَّة الصواب منذ استشهاد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فالانحراف بدأ بعد يوم الغدير حينما اجتمعت بطون قريش ووضعت معاهدة لانتزاع السلطة من بني هاشم.
فقريش على طريقة بني إسرائيل فتحت باباً كبيراً للفتنة والانحراف مازال إلى يومنا هذا هو باب (جواز الاجتهاد مقابل النص) وتغليب المصلحة على النص أيضاً فيما إذا رأى الحاكم ووعّاظه الفائدة بذلك.
وقد مرَّ بنا كيف أنَّ طواغيت الأُمَّة وورثة قريش ناصبوا أهل البيت (عليهم السلام) العداء فقتلوهم وشرَّدوهم وعذَّبوهم لمجرد أنَّهم ادَّعوا وراثة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فكيف إذا استفاضت الأخبار عن رجلٍ منهم على يده يكون بوار الظالمين؟
وكيف إذا عرفوا ساعة الصفر - أي التوقيت -؟
لقد سأل أحد أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) عن موعد الظهور فردَّ بقوة: «يا مهزم، كذب الوقَّاتون، وهلك المستعجلون ونجا المسلِّمون»(١٥٤).
ونختم هذا الفصل بما ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فعن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) أنه قال: «والله لا يخرج أحد منّا قبل خروج القائم إلّا كان مثله كمثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه، فأخذه الصبيان فعبثوا به»(١٥٥).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «خَمْسُ عَلَامَاتٍ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ الصَّيْحَةُ والسُّفْيَانِيُّ والْخَسْفُ وقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ والْيَمَانِيُّ. فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنْ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ قَبْلَ هَذِه الْعَلَامَاتِ أنَخْرُجُ مَعَه؟ قَالَ: لَا»(١٥٦).
وعليه فإنَّ وقت الظهور أو ساعة الصفر هو الغيب بعينه وهو محظور على المؤمنين، فالمؤمن الحق من يؤمن بالغيب ككل ويعلم أنَّ قائده خارج لا محالة إنْ كان في عصره أو عصر غيره، فقلبه معلَّق بهذا الأمل الكبير، أمل الخلاص للبشرية كلها.
***************
(١٤٣) في ينابيع المودة للقندوزي: ج٣، ص٢٩٥، باب٧٨، ح١: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أنكر نزول عيسى فقد كفر، ومن أنكر خروج الدجال فقد كفر».
(١٤٤) الغيبة للنعماني: ٣٣٥، باب ٢١، ح١٠.
(١٤٥) في الغيبة للنعماني: ص٣٠٥، باب ١٦، ح١٢: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن القائم (عليه السلام)، فقال: «كذب الوقّاتون، إنا أهل بيت لا نوقِّت»، ثم قال: «أبى الله إلّا أن يخلف وقت الموقتين».
(١٤٦) في الإرشاد للشيخ المفيد: ج٢، ص٣٧٢، وقال [الإمام الصادق] (عليه السلام): «لا يخرج القائم حتّى يخرج اثنا عشر رجلاً من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه».
(١٤٧) في الملاحم والفتن لابن طاووس: ص١١٣، الباب ٨٦، فيما ذكره نعيم: إذا كانت هدّة بالشام قبل البيداء فلا سفياني ولا بيداء، ح١٠٠، حدثنا نعيم، حدثنا رشدين عن ليث عمن حدثه عن تبيع، قال: إذا كانت هدّة بالشام قبل البيداء فلا بيداء ولا سفياني.
(١٤٨) روضة الواعظين للفتال النيسابوري: ص٣٩٢.
(١٤٩) دلائل الإمامة للطبري الشيعي: ص٤٥٣، ح ٤٢٩، ٣٣.
(١٥٠) بحار الأنوار: ج٥١، ص٨٣.
(١٥١) أصول الكافي: ج١، ص٣٦٨، باب كراهية التوقيت، ح١.
(١٥٢) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق: ج١، ص٦٩، ب٦، ح٣٦.
(١٥٣) كمال الدين للشيخ الصدوق: ص٣٣٨، باب ٣٣، ح١٣.
(١٥٤) أصول الكافي: ج١، ص٣٦٨، باب كراهية التوقيت، ح٢.
(١٥٥) الوسائل ١٥ / ٥١، الباب ١٣، باب حكم الخروج بالسيف قبل قيام القائم (عليه السلام) من أبواب جهاد العدو، ح٢.
(١٥٦) الكافي للكليني: ج٨، ص٣١٠، من علامات القائم (عليه السلام)، ح٤٨٣.
التحميلات


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page