ومن الروايات التي تدلُّ بالملازمة على عدم إمكان تحديد وقت الظهور بالدقَّة روايات توقُّع الفرج بمجرَّد الغيبة، ومنها: ما رواه الصدوق، قال: حدَّثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمّد بن عمر الكاتب، عن عليِّ بن محمّد الصيمري، عن عليِّ بن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) أسأله عن الفرج، فكتب إليَّ: «إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقَّعوا الفرج»(٧٧).
وما رواه أيضاً عن أبيه، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن عبد الله بن أبي غانم القزويني، قال: حدَّثني إبراهيم بن محمّد بن فارس، قال: كنت أنا [ونوح] وأيّوب بن نوح في طريق مكّة، فنزلنا على وادي زبالة، فجلسنا نتحدَّث، فجرى ذكر ما نحن فيه وبُعد الأمر علينا، فقال أيّوب بن نوح: كتبت في هذه السنة أذكر شيئاً من هذا، فكتب إليَّ: «إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقَّعوا الفرج من تحت أقدامكم»(٧٨).
وقوله (عليه السلام): «من تحت أقدامكم» كناية عن قربه.
والمكاتبات وإن كانت نوعاً تحتمل التقيَّة، إلَّا أنَّها هنا بعيدة عنها، لأنَّ الإفصاح عن تأخُّر زمان الظهور يوافق الظالم، فلا يوجد ما يخشاه لو أراد الإخبار عن تأخُّر زمان ظهوره (عليه السلام)، وإنَّما قلنا: إنَّه إفصاح عن التأخُّر باعتبار أنَّها علَّقت الفرج على حصول الغيبة التي لم تكن حاصلة!
ووجه دلالة مثل هاتين الروايتين أنَّه لو أمكن للناس أن تُحدِّد خريطة الأحداث قبل الظهور زمانياً فإنَّ ذلك يعني لغوية الأمر بتوقُّع الفرج في كلِّ الأزمنة السالفة، لأنَّهم سيعلمون أنَّ أوان دولة الحقِّ بعيد جدّاً عن أوائل زمان الغيبة، وهذه اللغوية واضحة بالنسبة للأجيال المتأخِّرة زمانياً عن زمان الحضور، بل بالنسبة للأجيال القريبة كذلك، إذ التوقُّع يُتعقَّل في ظرف عدم العلم، فإذا كان بالإمكان الوقوف على زمانه قطعياً فلا معنى للتوقُّع، لأنَّه يتنافى مع التحديد القطعي.
***************
(٧٧) كمال الدين: ٣٨٠/ باب ٣٧/ ح ٢.
(٧٨) كمال الدين: ٣٨١/ باب ٣٧/ ح ٤.
الثالث: روايات توقُّع الفرج بمجرَّد الغيبة
- الزيارات: 127