فإن قيل: إنَّ المشهور بنى على أنَّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد، ومع ما يلوح من الروايات من أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) يعلمون بالوقت، أو على الأقلّ يعلمون أنَّه لا يحصل الظهور وما تنتظره الناس إلَّا بعد ردح من الزمن، لا معنى لانتظار كلِّ الأجيال التي يُعلَم بعدم إدراكها زمان ظهوره (عليه السلام)، فيصبح الانتظار عبثياً، وأيُّ معنى لأمر ولدك بانتظار شروق شمس تعلم أنَّه لن يُدركه؟ وهل انتظاره إلَّا مضيعة للوقت؟
كان الجواب: لا مجال للعبثية خصوصاً في مثل هذا المورد حيث امتثال التكليف فيه قد يستوعب العمر كلَّه، وهذا يعني أنَّنا حتَّى وإن رفضنا مسلك تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلَّقاتها وخالفنا المشهور، إلَّا أنَّ ذلك إنَّما يُتعقَّل في غير أمثال المورد الذي يمتدُّ امتثاله على مساحة كبيرة من العمر، ومن البعيد تعلُّقه في أمثال هذا المورد للنكتة السابقة وهي استيعابه شطراً مهمّاً من العمر ممَّا يُبعِّد الإنسان عن غايات خلقته. وإن كان التتبُّع في جزئيات التكاليف يدعم مبنى المشهور حيث اقترنت الكثير من التكاليف ببيانات أو أُتبعت ببيانات للحِكَم الداعية إلى التشريع أو العلل مع ما يلوح من قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال: ٢٤).
ثمّ إنَّ من لم يلتزم بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد إنَّما أنكر كلّيتها، أي بنى على أنَّه ليس من الضروري وجود المصلحة في متعلَّق الحكم الشرعي، وليس هذا موضوع بحثنا، بل قال: قد لا تكون المصلحة الداعية للتشريع متوفِّرة في متعلَّق التكليف.
ويضاف إلى ذلك أنَّ المصلحة الداعية إلى التشريع لمطلوبية الانتظار لا يُشتَرط أن تكون في الأمر المنتظَر، بل في الانتظار وما يترتَّب عليه. فحينما تُخرج ولدك لمزاولة الاتِّجار لا يكون نظرك دائماً إلى الربح الآني، بل قد تنظر إلى المهارات التي يكتسبها والنضج في التعامل مع الآخرين والاعتماد على النفس وغير ذلك، مع أنَّ أمرك له بمزاولة التجارة ليس عبثياً في الموارد التي تعلم أنَّه لن يربح فيها.
والانتظار يمنع الإحباط واليأس، ويقوّي الانتماء لمشروع المنتظِر (عليه السلام)، ويُحرِّك الإنسان ليكون فاعلاً في نجاح المشروع، مع كلِّ ما لما ذكرناه من لوازم.
عدم إدراك الأمر المنتظَر لا يستدعي لغوية الأمر بالانتظار
- الزيارات: 133