وهنا أكَّدت الروايات الشريفة على شبه الإمام المهدي (عليه السلام) بالرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حيث الخَلْق والخُلُق، كما ورد ذلك في رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ستعرفها بعد قليل.
ولتوضيح هذا النوع نقول: إنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) يشبه النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حيث الخَلْق والخُلُق.
أمَّا من حيث الخَلْق، فمن جهتين:
الجهة الأُولى: أنَّه كان لجسم النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خصائص تكوينية مختصَّة به (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، من قبيل أنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان لا ظلَّ له - لشدَّة نورانية جسمه الشريف بما يصل إلى أنور من نور الشمس(٧٢)، وبالتالي لا يحصل لجسده الشريف ظلّ -، وأنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا مرَّ بمكان عرف الناس أنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرَّ به، لما يتركه مروره من عَرف زكي ورائحة عطرة، وهكذا لو مسح بيده على صبي، وأنَّه كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه، وأنَّه كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، وغيرها من الخصائص المذكورة في محالّها، وطبقاً لرواية أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنَّ هذه الخصائص التكوينية قد اتَّصف بها الإمام الحجَّة المنتظر (عليه السلام) وإن اشترك فيها بقيَّة الأئمَّة الطاهرين (عليهم السلام)، ولكن في زمنه (عليه السلام) حيث إنَّه لم يتَّصف بها غيره فتكون من مختصّاته حينئذٍ.
الجهة الثانية: جهة المنظر الخارجي، فقد كان النبيُّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بديناً - يميل إلى السمنة -، ضخم البطن، بعيد المنكبين، مربوع القامة، يميل إلى الطول، عبل الذراعين(٧٣)، وهذا ما سمعناه قبل قليل أنَّه من صفات الإمام المهدي (عليه السلام).
وأمَّا من حيث الخُلُق، أي المشابهة بالأخلاق، فهذا من الأُمور العامّة لكلِّ أهل البيت (عليهم السلام)، لأنَّهم (عليهم السلام) كانت أخلاقهم هي أخلاق النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولكن لظرف من الظروف السياسية أو الاجتماعية أو غيرها، كانت تبرز بعض الصفات على الأئمَّة بروزاً بحيث يشتهر الإمام بتلك الصفة، رغم تمتّعه ببقيَّة الصفات الحميدة، فالإمام الحسن (عليه السلام) كريم، والإمام الحسين (عليه السلام) شجاع، والإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) كاظم للغيظ، وهكذا، مع أنَّهم (عليهم السلام) كلّهم كرماء شجعان كاظمون للغيظ نقيّون تقيّون...
***************
(٧٢) وهذا في حقيقته راجع إلى أنَّ نفس نور الشمس إنَّما خُلِقَ من نور النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل كلّ الوجود كذلك، كما ورد في رواية عن جابر، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أوَّل ما خلق الله نوري، ابتدعه من نوره واشتقَّه من جلال عظمته، فأقبل يطوف بالقدرة حتَّى وصل إلى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة، ثمّ سجد لله تعظيماً، فتفتَّق منه نور علي، فكان نوري محيطاً بالعظمة، ونور علي محيطاً بالقدرة، ثمّ خلق العرش، واللوح، والشمس، والقمر، والنجوم، وضوء النهار، وضوء الأبصار، والعقل والمعرفة، وأبصار العباد، وأسماعهم، وقلوبهم، من نوري...». (مشارق أنوار اليقين: ٥٧ و٥٨).
(٧٣) أُنظر: بحار الأنوار ١٦: ١٨٣ و١٨٤.
النوع الخامس: روايات الشبه بالرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
- الزيارات: 180