• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أثر الزمان والمكان في التشريع والتكوين

 يتصوَّر البعض أن لا شعور للزمان والمكان، وهو على حقٍّ إذا كان يقصد من الشعور نفس الشعور الذي عند الإنسان، المصاحب للأحاسيس والعواطف والنموّ.. ولكن هناك معنى آخر للشعور وللحياة، هو الشعور التكويني، فالزمان والمكان من مخلوقات الله تعالى، ومخلوقات الله تعالى أُمور حيَّة تكويناً، ولذا فلها تسبيحها الخاصّ، كما يُنبئ عنه عموم قوله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ (الإسراء: ٤٤).
ومن هنا كان من الذين يشهدون على الإنسان أو له يوم القيامة هو الزمان والمكان، يقول الإمام السجاد (عليه السلام): «... وَهَذَا يَوْمٌ حَادِثٌ جَدِيدٌ، وَهُوَ عَلَيْنَا شَاهِدٌ عَتِيدٌ، إنْ أحْسَنَّا وَدَّعَنَا بِحَمْد، وَإِنْ أسَأنا فارَقَنا بِذَمٍّ...»(١٨٠).
ومن هنا، نجد في تشريعات الدين أنَّ الثواب وكذا العقاب ربَّما يتضاعف بسبب وقوعه في مكان معيَّن أو زمان كذلك.
أمَّا عن أثر المكان فهناك أمثلة كثيرة:
فالنبيّ موسى (عليه السلام) ناجاه الله تعالى في مكان محدَّد اختاره الباري (عزَّ وجلَّ) له، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأعراف: ١٤٣).
ولإحرام الحجّ أمكنة محدَّدة لا يجوز الإحرام من غيرها..، ولمكّة أحكام تختلف عن غيرها من بقاع الأرض، فلا يجوز دخولها إلَّا بإحرام، ولا صيد فيها ولا قطع شجر..
(وتُستَحبُّ الصلاة في مشاهد الأئمَّة (عليهم السلام)، بل قيل: إنَّها أفضل من المساجد، وقد روي أنَّ الصلاة عند علي (عليه السلام) بمائتي ألف)(١٨١).
و(قد ذكروا أنَّه تكره الصلاة في الحمّام، والمزبلة، والمجزرة، والموضع المعدّ للتخلّي، وبيت المسكر، ومعاطن الإبل، ومرابط الخيل والبغال والحمير والغنم، بل في كلّ مكان قذر، وفي الطريق، وإذا أضرَّت بالمارّة حرمت، وفي مجاري المياه، والأرض السبخة، وبيت النار كالمطبخ، وأن يكون أمامه نار مضرمة ولو سراجاً، أو تمثال ذي روح، أو مصحف مفتوح، أو كتاب كذلك، والصلاة على القبر وفي المقبرة، أو أمامه قبر إلَّا قبر معصوم، وبين قبرين. وإذا كان في الأخيرين حائل أو بعد عشرة أذرع فلا كراهة، وأن يكون قدّامه إنسان مواجه له، وهناك موارد أُخرى للكراهة مذكورة في محلّها)(١٨٢).
وأمَّا عن أثر الزمان فكذلك:
فشهر رمضان مثلاً الثواب فيه مضاعف، والعبادة فيه أكثر استحباباً، يقول الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في خطبة استقبال شهر رمضان: «أيّها الناس، إنَّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عنده الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب...»(١٨٣).
وللجمعة في ليلتها ويومها أثر مختلف، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الصدقة يوم الجمعة تضاعف، وليلة الجمعة تضاعف، وما من يوم كيوم الجمعة، وما ليلة كليلة الجمعة، يومها أزهر وليلتها غرّاء»(١٨٤).
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الصدقة ليلة الجمعة ويومها بألف، والصلاة على محمد وآله ليلة الجمعة بألف من الحسنات، ويحطُّ الله فيها ألفاً من السيّئات، ويرفع فيها ألفاً من الدرجات، وإنَّ المصلّي على محمّد وآله في ليلة الجمعة يزهر نوره في السماوات إلى يوم تقوم الساعة، وإنَّ ملائكة الله في السماوات يستغفرون له، ويستغفر له الملك الموكَّل بقبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى أن تقوم الساعة»(١٨٥).
ولسَحَر ليلة الجمعة أثر في غفران الذنوب، ورد عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول يعقوب لبنيه: ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي﴾ [يوسف: ٩٨]، قال: «أخَّرها إلى السحر ليلة الجمعة»(١٨٦).
بل إنَّ هناك من الواجبات ما هي مقيَّدة بزمان معيَّن، لا يجوز تجاوزه، كما في الصلاة اليومية وصلاة الآيات وصوم شهر رمضان، وغيرها من الأحكام..
بل قد يكون لواجب وقت متَّسع، لكنَّه يكون في أوَّل الوقت أفضل منه في آخره، فالصلاة في أوَّل وقتها أفضل بكثير من الصلاة في آخره، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «لكلّ صلاة وقتان: أوَّل وآخر، فأوَّل الوقت أفضله، وليس لأحدٍ أن يتَّخذ آخر الوقتين وقتاً إلَّا من علَّة، وإنَّما جُعِلَ آخر الوقت للمريض والمعتلّ ولمن له عذر، وأوَّل الوقت رضوان الله، وآخر الوقت عفو الله...»(١٨٧).
والخلاصة: إنَّ الإسلام يُؤكّد على أنَّ للزمان وكذا المكان أثراً في التشريع والتكوين.
***************
(١٨٠) الصحيفة السجّادية: ٥٠/ الدعاء ٦.
(١٨١) منهاج الصالحين للسيّد السيستاني (دام ظلّه) ١: ١٨٧/ مسألة ٥٦٢.
(١٨٢) منهاج الصالحين للسيّد السيستاني (دام ظلّه) ١: ١٨٨/ مسألة ٥٦٦.
(١٨٣) أمالي الصدوق: ١٥٤/ ح (١٤٩/٤).
(١٨٤) بحار الأنوار ٨٦: ٢٨٣/ ضمن الحديث ٢٨.
(١٨٥) المقنعة: ١٥٦.
(١٨٦) من لا يحضره الفقيه ١: ٤٢٢/ ح ١٢٤٢.
(١٨٧) بحار الأنوار ٨٠: ٢٥/ ح ٤٧، عن دعائم الإسلام ١: ١٣٧.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page