ومن نفس المنطلق السابق، نجد أنَّ الروايات أكَّدت على أنَّ لليالي ولادات المعصومين أثراً يختلف عن بقيَّة الليالي، إذ أنَّ نفس ولادة المعصوم تختلف عن ولادة غيره، ويمكن إدراج هذا الأمر في خصائص المعصومين (عليهم السلام)، والروايات كثيرة في هذا المجال:
فعن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا خلق الله الإمام في بطن أُمّه يكتب على عضده الأيمن: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنعام: ١١٥]»(١٨٨).
وعن محمّد بن سليمان الديلمي، عن أبيه سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنَّ نطفة الإمام من الجنَّة، وإذا وقع من بطن أُمّه إلى الأرض وقع وهو واضع يده إلى الأرض رافع رأسه إلى السماء»، قلت: جُعلت فداك، ولِمَ ذاك؟ قال (عليه السلام): «لأنَّ منادياً يناديه من جوِّ السماء من بطنان العرش من الأُفق الأعلى: يا فلان بن فلان أثبت فإنَّك صفوتي من خلقي، وعيبة علمي، ولك ولمن تولَّاك أوجبت رحمتي، ومنحت جناني، وأحلك جواري. ثمّ وعزَّتي وجلالي لأصلينَّ من عاداك أشدّ عذابي، وإن أوسعت عليهم في دنياي من سعة رزقي»، قال: «فإذا انقضى صوت المنادي أجابه هو: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ١٨]، فإذا قالها أعطاه الله العلم الأوَّل والعلم الآخر، واستحقَّ زيادة الروح في ليلة القدر»(١٨٩).
ومن أهمّ الآثار التكوينية لليلة ولادة المعصوم، هو ما ورد عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنَّ في الليلة التي يولد فيها الإمام لا يولد فيها مولود إلَّا كان مؤمناً، وإن وُلِدَ في أرض الشرك نقله الله إلى الإيمان ببركة الإمام»(١٩٠).
ولا يقال: كيف تصحُّ هذه الرواية والحال أنَّنا نجد الكثير من الناس من يولد في ليالي ولادة المعصومين ولكنَّه على ضلال ومات على ذلك؟
لأنَّه يقال: إنَّ المقصود من الرواية هي القضيَّة الخارجية لا الحقيقية، بمعنى أنَّ المقصود هو تلك الليلة التي وُلِدَ فيها المعصوم وخرج إلى الدنيا، وليس تلك الليالي التي تأتي في السنوات التالية ممَّا يصادف تاريخها نفس تاريخ ولادة المعصوم، فليلة ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) هي ليلة الخامس عشر من شعبان من عام (٢٥٥هـ)، فهذه الليلة بالخصوص هي مقصود الرواية، وهكذا ليالي ولادات بقيَّة المعصومين (عليهم السلام).
***************
(١٨٨) بحار الأنوار ٢٥: ٣٦ و٣٧/ ح ٢، عن تفسير القمّي ١: ٢١٤ و٢١٥.
(١٨٩) بحار الأنوار ٢٥: ٣٧ و٣٨/ ح ٤، عن بصائر الدرجات: ٢٤٣/ باب ما يُلقى إلى الأئمَّة في ليلة القدر.../ ح ١٣.
(١٩٠) بحار الأنوار ٢٥: ٣٦/ ح ١، عن أمالي الطوسي: ٤١٢/ ح (٩٢٥/٧٣).
ليالي ولادات المعصومين (عليهم السلام)
- الزيارات: 177