وأمَّا عن ليلة مولد الإمام المهدي (عليه السلام)، وهي ليلة الخامس عشر من شعبان، فلها إضافة إلى ما سبق خاصّيات أُخرى وردت في الروايات أيضاً، وقبل أن نذكر تلك الروايات، لنتأمَّل قليلاً في مقطع من دعاء تلك الليلة، لنرى ما تشير إليه بعض فقراته.
«اللّهُمَّ بِحَقِّ لَيْلَتِنا»، هذا دعاء مشفوع بقسم، ومن المعلوم أنَّ القسم لا يكون إلَّا بالأمر العظيم، فيدلُّ على عظمة تلك الليلة.
«وَمَوْلُودِها وَحُجَّتِكَ وَمَوْعُودِها»، قد يقال: إنَّ عطف (مولودها) على الليلة يدلُّ على أنَّه كان لتلك الليلة عظمة قبل هذا المولد - كما قد يظهر ذلك من بعض الروايات الواردة في شأن هذه الليلة عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما سترى بعد قليل إن شاء الله تعالى -، ولكن تلك العظمة زادت وعظمت بسبب تلك الولادة.
ولذا يمكن القول بأنَّ هذه الليلة زاد فضلها من ولادة ذلك المولود فيها، ذلك أنَّ الله تعالى علم في علمه الأزلي بحصول تلك الولادة فيها، وعظمة ذلك المولود شملت تلك الليلة في أوَّل زمان تكوينها، أي قبل الولادة الدنيوية، ونحن نعلم أنَّ أنوار المعصومين كانت قبل أن يخلق الله تعالى الخلق بزمن طويل(١٩١).
وممَّا يؤيّد هذه الاحتمال، هو أنَّ الدعاء لم يعطف (مولودها) فقط على تلك الليلة، بل وصف ذلك المولود بأنَّه حجَّة الله تعالى والموعود في هذه الليلة، فهو إشارة واضحة على أنَّ هذه الليلة كانت منتظرة مجيء الموعد المحدَّد لها من الله تعالى لتتشرَّف بأن تكون ظرفاً لولادته (عليه السلام). ولذا قرن الله تعالى إلى فضلها فضلاً، فكونها الليلة التي وُعِدَت بأن تكون ظرفاً لولادة الحجَّة يُمثِّل لها فضلاً عظيماً، وكونها الليلة التي تحقَّق الوعد الإلهي لها بالولادة الفعلية، ففضل آخر يضاف إلى فضلها الأوَّل.
«فَتَمَّتْ كَلِمَتُكَ صِدْقاً وَعَدْلاً»، فبنفس ولادة المهدي (عليه السلام) تمَّت كلمة الله تعالى بالصدق والعدل، فوعد صادق وحكم عادل تنتظره البشرية، ولكن هل يمكن أن يتخلَّف هذا الوعد الصادق العادل؟ كلَّا، لأنَّه:
«لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِكَ وَلا مُعَقِّبَ لآياتِكَ»، فهذا إشارة إلى حتمية أمر الإمام المهدي (عليه السلام)، فلا أحد يُبدِّل وعد الله تعالى وكلمته التي أعطاها، ولا يمكن لأحدٍ أن يُعقِّب تلك الكلمة بخلافها، فوعد الله تعالى يجب أن يقع.
***************
(١٩١) سأل المفضَّل الإمام الصادق (عليه السلام): ما كنتم قبل أن يخلق الله السماوات والأرضين؟ قال (عليه السلام): «كنّا أنواراً حول العرش نُسبِّح الله ونُقدِّسه حتَّى خلق الله سبحانه الملائكة فقال لهم: سبِّحوا، فقالوا: يا ربَّنا لا علم لنا، فقال لنا: سبِّحوا، فسبَّحنا فسبَّحت الملائكة بتسبيحنا، ألَا إنّا خُلقنا من نور الله، وخُلِقَ شيعتنا من دون ذلك النور، فإذا كان يوم القيامة التحقت السفلى بالعليا»، ثمّ قرن (عليه السلام) بين إصبعيه السبّابة والوسطى وقال: «كهاتين»، ثمّ قال: «يا مفضَّل، أتدري لِمَ سُمّيت الشيعة شيعة؟ يا مفضَّل شيعتنا منّا، ونحن من شيعتنا، أمَا ترى هذه الشمس أين تبدو؟»، قلت: من مشرق. وقال: «إلى أين تعود؟»، قلت: إلى مغرب، قال (عليه السلام): «هكذا شيعتنا، منّا بدؤا وإلينا يعودون». (بحار الأنوار ٢٥: ٢١/ ح ٣٤).
خاصّية ليلة ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)
- الزيارات: 165