من عادة العاقل أنَّه لا يخطو خطوة إلَّا إذا حسب لها حسابها الخاصّ، وعرف ما سيجنيه منها، وهذه العادة عمَّت حتَّى المقولات الدينية، ولذا نرى أنَّ أصحاب كلّ حركة أو مذهب، أوَّل ما يُعلِنون فإنَّهم يُعلِنون عمَّا سيجنيه الفرد من فوائد وأرباح من اتّباعه لهم..
وقد جرى الدين الحقّ في ذلك هذا المجرى، وخصَّص جزءاً كبيراً من أدبياته وتربويّاته في آياته ورواياته لبيان الفوائد - الدنيوية والأُخروية - المترتّبة على دين الحقّ، وذكر الجنَّة وما فيها من نعم لا تُعَدُّ ولا تُحصى تصبُّ في هذا المعنى..
وعلى نفس هذا السياق، جاءت الروايات الشريفة لتؤكّد فضل الانتظار والمنتظرين، وهي روايات كثيرة جدَّاً، ويمكن استخلاص عدَّة عناوين لذلك الفضل:
١ - إنَّ الانتظار من أفضل العبادات وأحبّها إلى الله تعالى:
فعن موسى بن بكر الواسطي، عن أبي الحسن، عن آبائه (عليهم السلام) أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «أفضل أعمال أُمَّتي انتظار الفرج من الله (عزَّ وجلَّ)»(٢٤٤).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث الأربعمائة: «انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من روح الله، فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله (عزَّ وجلَّ) انتظار الفرج ما دام عليه العبد المؤمن...»(٢٤٥).
ومن هنا فقد رتَّبت الروايات الكثير من الآثار العظيمة على عبادة الانتظار، فعن العلاء بن سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم (عليه السلام)»(٢٤٦).
وعن أبي بصير ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، قال: «المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله»(٢٤٧).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس، والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله»(٢٤٨).
عن عمرو بن ثابت، قال: قال سيّد العابدين (عليه السلام): «من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله (عزَّ وجلَّ) أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأُحُد»(٢٤٩).
عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إنَّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم البارئ (جلّ جلاله) فيقول: عبادي وإمائي! آمنتم بسرّي وصدَّقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي وإمائي حقَّاً، منكم أتقبَّل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي»، قال جابر: فقلت: يا بن رسول الله، فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: «حفظ اللسان، ولزوم البيت»(٢٥٠).
٢ - إنَّ الانتظار هو الأمل الذي تُحيى به النفوس، وهو ما عبَّرت عنه الروايات بأنَّ انتظار الفرج هو الفرج بعينه:
فعن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن شيء من الفرج، فقال: أوَليس تعلم أنَّ انتظار الفرج من الفرج؟ إنَّ الله يقول: ﴿فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ [الأعراف: ٧١]»(٢٥١).
عن الحسن بن الجهم، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن شيء من الفرج، فقال: «أوَلست تعلم أنَّ انتظار الفرج من الفرج؟»، قلت: لا أدري إلَّا أن تُعلِّمني، فقال: «نعم، انتظار الفرج من الفرج»(٢٥٢).
٣ - إنَّ الانتظار سبب القرب الإلهي:
فعن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أقرب ما يكون العباد من الله جلَّ ذكره، وأرضى ما يكون عنهم، إذا افتقدوا حجَّة الله (عزَّ وجلَّ) ولم يظهر لهم ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنَّه لم تبطل حجَّة الله جلَّ ذكره ولا ميثاقه، فعندها فتوقَّعوا الفرج صاحباً ومساءً، فإنَّ أشدَّ ما يكون غضب الله على أعدائه إذا افتقدوا حجَّته ولم يظهر لهم، وقد علم أنَّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنَّهم يرتابون ما غيَّب حجَّته عنهم طرفه عين، ولا يكون ذلك إلَّا على رأس شرار الناس»(٢٥٣).
٤ - إنَّ الانتظار سبب لتكامل العقول والمعرفة:
فعن أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام)، قال: «... ثمّ تمتدُّ الغيبة بوليّ الله (عزَّ وجلَّ) الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة بعده. يا أبا خالد، إنَّ أهل زمان غيبته، القائلين بإمامته، والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان، لأنَّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالسيف، أُولئك المخلصون حقَّاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله (عزَّ وجلَّ) سرَّاً وجهراً...»(٢٥٤).
٥ - إنَّ الانتظار مخرج من المهلكات، وباب رزق - معنوي ومادّي - من الله تعالى، وهو موجب لرحمة الله تعالى:
عن عبد الحميد الواسطي، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليهما السلام)، قال: قلت له: أصلحك الله لقد تركنا أسواقنا انتظاراً لهذا الأمر، فقال (عليه السلام): «يا عبد الحميد، أترى من حبس نفسه على الله (عزَّ وجلَّ) لا يجعل الله له مخرجاً؟ بلى والله ليجعلنَّ الله له مخرجاً، رحم الله عبداً حبس نفسه علينا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا»، قال: قلت: فإن متُّ قبل أن أدرك القائم؟ قال: «القائل منكم أن لو أدركت قائم آل محمّد نصرته، كان كالمقارع بين يديه بسيفه، لا بل كالشهيد معه»(٢٥٥).
***************
(٢٤٤) كمال الدين: ٦٤٤/ باب ٥٥/ ح ٣.
(٢٤٥) الخصال: ٦١٦.
(٢٤٦) كمال الدين: ٦٤٤/ باب ٥٥/ ح ١.
(٢٤٧) كمال الدين: ٦٤٥/ باب ٥٥/ ح ٦.
(٢٤٨) الخصال: ٦٢٥/ حديث الأربعمائة.
(٢٤٩) كمال الدين: ٣٢٣/ باب ٣١/ ح ٧.
(٢٥٠) كمال الدين: ٣٣٠/ باب ٣٢/ ح ١٥.
(٢٥١) تفسير العيّاشي ٢: ١٣٨/ ح ٥٠.
(٢٥٢) الغيبة للطوسي: ٤٥٩/ ح ٤٧١.
(٢٥٣) الكافي ١: ٣٣٣/ باب نادر في حال الغيبة/ ح ١.
(٢٥٤) كمال الدين: ٣٢٠/ باب ٣١/ ح ٢.
(٢٥٥) كمال الدين: ٦٤٤/ باب ٥٥/ ح ٢.
فضل الانتظار والمنتظرين
- الزيارات: 1016