• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

بعض الآيات النازلة في المهدي (عليه السلام)

 ليس شيء..
أبعد من عقول الرجال..
من تفسير القرآن..
عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شيء من التفسير فأجابني، ثمّ سألته عنه ثانيةً فأجابني بجواب آخر، فقلت: جُعلت فداك، كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم، فقال: «يا جابر، إنَّ للقرآن بطناً وللبطن بطن، وله ظهر وللظهر ظهر، يا جابر ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إنَّ الآية يكون أوَّلها في شيء وآخرها في شيء، وهو كلام متَّصل منصرف على وجوه»(٣٠٦).
وروي في قوله تعالى في سورة المدَّثِّر: ﴿فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ (المدَّثِّر: ٨ - ١٠)، عن المفضَّل، عن الصادق (عليه السلام)، قال: «إذا نودي في أُذُن القائم (عليه السلام) بالإذن في قيامه فيقوم، فذلك اليوم عسير على الكافرين»، قال: «والقرآن ضُرِبَ فيه الأمثال، ونحن نعلمه، فلا يعلمه غيرنا»(٣٠٧).
لقد بات واضحاً أنَّ لآيات القرآن الكريم خاصيَّة الانطباق على موارد عديدة، وأنَّ الآية الواحدة يمكن أن يكون سبب نزولها حادثة في زمن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولكن يمكن أن تنطبق على حادثة ثانية وثالثة وعاشرة، لأنَّ الآية الكريمة تنزل لتعالج حادثة ما، فكلَّما تكرَّرت تلك الحادثة انطبقت تلك الآية عليها، وعلى هذا أمثلة ربَّما لا حصر لها، وسنلاحظ هذا الأمر بوضوح في هذه الشذرة.
هذا، وإنَّ الآيات المؤوَّلة بالإمام المهدي (عليه السلام) كثيرة جدَّاً، ولكن سأُورد هنا بعضاً قليلاً منها، ممَّا له دافع للعمل في زمن الغيبة، أو ما يُوضِّح حقيقة ربَّما تخفى على الكثير، كشفها لنا أهل بيت العصمة (عليهم السلام).
بعض الآيات النازلة في الإمام المهدي (عليه السلام):
١ - قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: ٢٠٠).
عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا﴾، قال: «اصبروا على أداء الفرائض، وصابروا عدوّكم، ورابطوا إمامكم المنتظر»(٣٠٨).
إشارتان:
الأُولى: هذه الآية في الحقيقة - بضمّ الرواية الواردة في تأويلها - تُعطي المنهج العامّ لأعمال الغيبة الكبرى، وتتمثَّل في:
أ) الجانب العبادي، ويتمثَّل بالتزام الفرائض وعدم تضييعها، وهي أحبّ ما يُتقرَّب به إلى الله جلَّ وعلا، فعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس»(٣٠٩).
وعنه (عليه السلام)، قال: «قال الله تبارك وتعالى: ما تحبَّب إليَّ عبدي بأحبّ ممَّا افترضت عليه»(٣١٠).
ب) جانب مواجهة العدوّ، ويتمثَّل بالصبر على أذيَّة الأعداء من جميع الجوانب، ولا يعني هذا الذوبان في محيط الأعداء، لأنَّ الجانب العبادي يمنع من ذلك.
جـ) جانب التهيّؤ للتحرّك الإيجابي بقيادة المهدي المنتظر (عليه السلام).
د) حصن ذلك كلّه، وهو التقوى، إذ هي (حصن الإيمان) كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام)(٣١١).
وستكون نتيجة الالتزام بهذا المنهاج هو الفلاح الدنيوي والأُخروي كما وعدت بذلك الآية الكريمة.
الثانية: الآية الكريمة - فضلاً عمَّا تقدَّم - توحي بأنَّ المؤمن سيواجه الكثير من المشاكل والصعوبات التي تستدعي منه الصبر والمصابرة والمرابطة، وهذا واقع نعيشه، والروايات لم تغفله، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «المؤمن بين خمس شدائد: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، ونفس تنازعه، وشيطان يضلّه»(٣١٢).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث، ولربَّما اجتمعت الثلاث عليه، إمَّا بغض من يكون معه في الدار، يُغلِق عليه بابه يؤذيه، أو جار يؤذيه، أو من في طريقه إلى حوائجه يؤذيه، ولو أنَّ مؤمنا على قلَّة جبل لبعث الله (عزَّ وجلَّ) إليه شيطاناً يؤذيه، ويجعل الله له من إيمانه أُنساً لا يستوحش معه إلى أحد»(٣١٣).
٢ - قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (البقرة: ١٥٥ - ١٥٧).
عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنَّ قدّام القائم علامات تكون من الله (عزَّ وجلَّ) للمؤمنين»، قلت: وما هي؟ جعلني الله فداك. قال: «ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ يعني المؤمنين قبل خروج القائم (عليه السلام)، ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾»، قال: «يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، ﴿وَالْجُوعِ﴾ بغلاء أسعارهم، ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ﴾»، قال: «كساد التجارات وقلَّة الفضل، ونقص من الأنفس»، قال: «موت ذريع، ونقص من الثمرات»، قال: «قلَّة ريع ما يُزرَع، ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عليه السلام)»، ثمّ قال لي: «يا محمّد، هذا تأويله، إنَّ الله تعالى يقول: ﴿وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران ٧]»(٣١٤).
إشارات:
الأُولى: إنَّ مثل هذه الآيات والروايات تشير إلى عدَّة جوانب، فهي من جانب تشير إلى جانب التحذير الواجب لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) لمواجهة تلك البلايا والفتن.
ومن جانب آخر تدفعهم لاتّخاذ ما يلزم اقتصادياً ونفسياً لمواجهة تلك التحدّيات.
ومن جانب ثالث تزرع الأمل في نفوسهم بأنَّ تلك المحن إنَّما هي لتصفية البرّ من الفاجر، وبالتالي سيفوز البرّ بنصرة المهدي (عليه السلام).
الثانية: الآية الكريمة في الوقت الذي تشير إلى شدَّة البلاء على المؤمن وإصابته بالبلاء والمصائب، هي تُعطي عوامل النجاح للمؤمن عندما يصيبه بلاء أو اختبار، وهي كالتالي(٣١٥):
١ - ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾: الصبر، حيث بشَّر الله تعالى الصابرين، ووعدهم بالدخول إلى الجنَّة بغير حساب، الأمر الذي يحتمل دخولهم الجنَّة من غير أن يدخلوا قاعة المحكمة والحساب، ويحتمل أنَّهم يعطون أجراً لا يمكن حسابه، بغير حساب، أي لا يمكن حسابه وإحصاؤه لكثرته(٣١٦).
والصابرون طبعاً هم الذين يصبرون على أداء الفرائض، ويصبرون عن ارتكاب المعاصي، ويصبرون عند المصائب والشدائد.
٢ - ﴿إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾: الالتفات إلى أنَّ نكبات الحياة ومشاكلها مهما كانت شديدة وقاسية فهي مؤقَّتة وعابرة، وهذا الإدراك يجعل كلّ المشاكل والصعاب عرضاً عابراً وسحابة صيف، قال تعالى حكايةً عن لسان السحرة الذين آمنوا بموسى (عليه السلام) وتركوا الدنيا ولم تهزّهم تهديدات فرعون: ﴿قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى﴾ (طه: ٧٢ و٧٣).
وقد ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في تفسير الاسترجاع: «إِنَّ قَوْلَنَا: ﴿إِنَّا للهِ﴾ إِقْرَارٌ عَلَى أَنْفُسِنَا بِالمُلْكِ، وَقَوْلَنَا: ﴿وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾ إِقْرَارٌ عَلَى أَنْفُسِنَا بِالْهُلْكِ»(٣١٧).
٣ - ﴿قالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾: الاستمداد من قوَّة الإيمان والألطاف الإلهية عامل مهمّ آخر في اجتياز الاختبار دون اضطراب وقلق وفقدان للتوازن، فالصابرون عندما يواجهون مشاكل الحياة يمدّون أيديهم إلى ربّهم يتوسَّلون إليه بنبيّهم وأهل بيته ليرفعه عنهم أو ليعطيهم القوَّة في مواجهته، وقد جاء الوعد الإلهي بهدايتهم وتوفيقهم، يقول سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا﴾ (العنكبوت: ٦٩).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): «ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا فيسترجع عند مصيبته حين تفجأه المصيبة، إلَّا غفر الله له ما مضى من ذنوبه إلَّا الكبائر التي أوجب الله (عزَّ وجلَّ) عليها النار»(٣١٨).
٤ - ﴿أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾: الالتفات إلى الوعد الإلهي بالثواب والأجر المترتّب على الاسترجاع عند المصيبة، إنَّها لعطايا يقف العقل عاجزاً عن إدراكها، ويكلُّ اللسان عن النطق بفضلها، إنَّ الصابرين يُصلّي عليهم ربّهم، ويرحمهم، وهم المهتدون بإخبار الله تعالى الذي لا يحتمل الخطأ. فهنيئاً للصابرين، وهنيئاً للمنتظِرين الصابرين.
﴿عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾، أي: ثناءً جميلاً من ربّهم وتزكية، وقيل: بركات من ربّهم، وقيل: مغفرة من ربّهم. وقد قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً﴾ (الأحزاب: ٤٣).
﴿وَرَحْمَةٌ﴾، أي: نعمة عاجلاً وآجلاً. فالرحمة: النعمة على المحتاج، وكلّ أحد يحتاج إلى نعمة الله في دنياه وعقباه.
﴿وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾، أي: المصيبين طريق الحقّ في الاسترجاع. وقيل: إلى الجنَّة والثواب(٣١٩).
٣ - قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (البقرة: ٣).
في حديث طويل لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع جابر الأنصاري: «... فإذا عجَّل الله خروج قائمنا يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمتَّقين على محجَّتهم، أُولئك وصفهم الله في كتابه وقال: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، وقال: ﴿أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: ٢٢]»(٣٢٠).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣]، قال: «من أقرَّ بقيام القائم أنَّه حقّ»(٣٢١).
وعن يحيى بن أبي القاسم، قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿الم * ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ١ - ٣]، فقال: «المتَّقون شيعة علي (عليه السلام)، والغيب فهو الحجَّة الغائب»(٣٢٢).
قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله): (قال الصدوق: وشاهد ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ [يونس: ٢٠]، فأخبر (عزَّ وجلَّ) أنَّ الآية هي الغيب، والغيب هو الحجَّة، وتصديق ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ [المؤمنون: ٥٠]، يعني حجَّة»(٣٢٣).
وخلاصة الروايات الواردة هو التالي:
أوَّلاً: الغيب ضدّ الشهادة، والإمام المهدي (عليه السلام) من الغيب، وليس معنى هذا أنَّ الغيب منحصر به (عليه السلام)، وإنَّما المهدي (عليه السلام) مصداق من مصاديق الغيب، ولعلَّ في هذا إشارة إلى غيبته (عليه السلام)، والرواية الثالثة تؤكّد ذلك.
ثانياً: الرواية الأُولى ركَّزت على ضرورة أن يصبر منتظروه في غيبته، وفي هذا إشارة إلى شدَّة البلاء عليهم، فالممسك على دينه كالقابض على جمرة، أو كالخارط شوك القتاد.
ثالثاً: إنَّ الآية تُصرِّح بأنَّ القرآن هدىً للمتَّقين، الذين هم في الحقيقة من يؤمنون بالغيب، الذي هو المهدي (عليه السلام)، ومعه فستكون الهداية من نصيب من يؤمن به (عليه السلام)، الذين هم شيعة علي (عليه السلام).
رابعاً: تؤكّد الرواية على الإيمان بالغيب لنكتة، وهي إنَّ (الإيمان بالغيب أعظم مثوبةً لصاحبه، لأنَّه خلوّ من كلّ عيب وريب، لأنَّ بيعة الخليفة وقت المشاهدة قد يتوهَّم على المبايع أنَّه إنَّما يطيع رغبةً في خير أو مال، أو رهبةً من قتل، أو غير ذلك ممَّا هو عادات أبناء الدنيا في طاعة ملوكهم، وإيمان الغيب مأمون من ذلك كلّه، ومحروس من معايبه بأصله)(٣٢٤).
٤ - قال تعالى: ﴿إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (الأعراف: ١٢٨).
عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «وجدنا في كتاب علي (عليه السلام): ﴿إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض، ونحن المتَّقون، والأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها وليؤدِّ خراجها إلى الامام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمَّرها وأحياها فهو أحقُّ بها من الذي تركها، يؤدّي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، حتَّى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها ويُخرِجهم منها، كما حواها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومنعها إلَّا ما كان في أيدي شيعتنا، فإنَّه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم»(٣٢٥).
وينبغي الالتفات إلى ما ورد عن معاذ بن كثير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «موسَّع على شيعتنا أن يُنفِقوا ممَّا في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرم على كلّ ذي كنز كنزه حتَّى يأتيه به فيستعين به على عدوّه، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: ٣٤]»(٣٢٦).
وطبعاً هذا لا يعارض ما ورد من أنَّه (عليه السلام) يُعطي الأموال من دون عدّ، كما ورد ذلك عن أبي سعيد الخدري أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «يخرج المهدي في أُمَّتي، يبعثه الله غياثاً للناس، تنعم الأُمَّة وتعيش الماشية وتُخرِج الأرض نباتها، ويُعطي المال صحاحاً»(٣٢٧).
وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يكون عند انقطاع من الزمان، وظهور من الفتن، رجل يقال له: المهدي، يكون عطاؤه هنيئاً»(٣٢٨).
وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يكون في آخر أُمَّتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعدّه عدداً»(٣٢٩).
إنَّ هذه الأحاديث لا تتنافى مع ما ذكرناه قبلها، لأنَّ رواية أخذ الأموال من أيدي الناس تكون في بداية ظهور الإمام (عليه السلام) وقبل استقرار الدولة، وربَّما تحمل في طياتها نوع اختبار لمن يدَّعي الموالاة للإمام (عليه السلام)، وأمَّا روايات توزيع الأموال بكثرة، فهي تتكلَّم عمَّا بعد استقرار الدولة، ليجعل الإمام (عليه السلام) حياة الناس هنيئة بأروع صورة.
والحاصل:
أنَّ الحجَّة على الأرض هو خليفة الله تعالى عليها، فكلّ ما في الأرض هو له بالخلافة والوكالة عن الله تعالى(٣٣٠)، ومعه فلا يجوز لأحد أن يتصرَّف بشيء إلَّا بإذنه، وقد أذن لمن يؤدّي حقّها.
٥ - قال تعالى: ﴿قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ (الحجر: ٣٦ - ٣٨).
عن وهب بن جميع مولى إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول إبليس: ﴿قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾، قال له وهب: جُعلت فداك، أيّ يوم هو؟ قال: «يا وهب، أتحسب أنَّه يوم يبعث الله فيه الناس؟ إنَّ الله أنظره إلى يوم يُبعَث فيه قائمنا، فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة، وجاء إبليس حتَّى يجثو بين يديه على ركبتيه، فيقول: يا ويله من هذا اليوم، فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك يوم الوقت المعلوم»(٣٣١).
إشارات:
الأُولى: إنَّ إبليس من الجنّ بصريح القرآن، والأمر بالسجود توجَّه إلى الملائكة، والأمر إنَّما شمله لأنَّه كان من العباد الذين تصاعدوا في مرتبته الوجودية بحيث صار كالملائكة، يتوجَّه إليه ما يتوجَّه إليهم، ولكنَّه حيث تكبَّر على أمر الله تعالى، لم تفده عبادته، فالحذر كلّ الحذر، لا يغترّ أحد بعمله، ولنسأل الله تعالى دوماً حسن العاقبة.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللهِ بِإِبْلِيسَ، إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَه الطَّوِيلَ وَجَهْدَه الْجَهِيدَ، وَكَانَ قَدْ عَبَدَ اللهَ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ، لَا يُدْرَى أَمِنْ سِنِيِّ الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِيِّ الآخِرَةِ، عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسْلَمُ عَلَى اللهِ بِمِثْلِ مَعْصِيَتِه، كَلَّا مَا كَانَ اللهُ سُبْحَانَه لِيُدْخِلَ الْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِه مِنْهَا مَلَكاً، إِنَّ حُكْمَه فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الأَرْضِ لَوَاحِدٌ»(٣٣٢).
الثانية: إنَّ الله تعالى أعدل من أن يضيع عمل مخلوق من المخلوقات، فكلّ من عمل عملاً سيرى نتيجته، لكن قد يُعجَّل له الثواب ولا يكون له أيّ خلاق في الآخرة، وقد يُؤجَّل له الثواب حيث يراه يوم القيامة، وقد يُجازى في الدارين بعمل حسن أو سيّئ، وإبليس ممَّن عُجِّل له ثواب عمله في الدنيا، فليس له في الآخرة من نصيب.
عن الحسن بن عطيَّة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنَّ إبليس عَبَدَ الله في السماء الرابعة في ركعتين ستَّة آلاف سنة، وكان إنظار الله إيّاه إلى يوم الوقت المعلوم بما سبق من تلك العبادة»(٣٣٣).
الثالثة: أمَّا ما هو معنى قتل الإمام المهدي (عليه السلام) لإبليس؟
يمكن أن يكون بمعنى القتل الحقيقي، ويمكن أن يكون بمعنى قتل الجذور التي يُحرِّكها إبليس في داخل الإنسان، فينتفي الحافز لاتّباع خطواته. وهذا ما يُفسِّر لنا وصول المجتمع الإنساني عموماً إلى مرحلة عالية من العبادة والإخلاص في العمل لله تعالى.
٦ - قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ (الحجر: ٧٥).
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «كأنّي أنظر إلى القائم (عليه السلام) وأصحابه في نجف الكوفة، كأنَّ على رؤوسهم الطير، قد شنت مزادهم، وخُلِقت ثيابهم، متنكّبين قسيّهم، قد أثَّر السجود بجباههم، ليوث بالنهار رهبان بالليل، كأنَّ قلوبهم زبر الحديد، يُعطى الرجل منهم قوَّة أربعين رجلاً، ويعطيهم صاحبهم التوسم، لا يقتل أحد منهم إلَّا كافراً أو منافقاً، فقد وصفهم الله بالتوسّم في كتابه: ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾»(٣٣٤).
التوسّم هو القدرة على تمييز النوايا والخفايا والاطّلاع عليها من خلال نظر العين، وهذه القدرة لا تكون لأيّ أحد كما هو واضح، إنَّما تكون للمؤمنين الذين وصلوا إلى مراتب كمالية تُهيِّئهم لهذا المقام، والملفت للنظر أنَّ الرواية ذكرت أنَّ الإمام (عليه السلام) سيجود على أصحابه بهذا النوع من العلم «ويعطيهم صاحبهم التوسّم»، وهذه ستكون واحدة من بركات وجوده على أصحابه المخلصين.
والظاهر أنَّ المتوسّمين يرون السيماء الذي على وجوه المجرمين، فيأخذونهم بالنواصي والأقدام، قال تعالى: ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ﴾ (الرحمن: ٤١).
فعن معاوية بن عمّار، عن الصادق (عليه السلام) قال: «لو قام قائمنا أعطاه الله السيماء فيأمر بالكافر فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم، ثمّ يخبط بالسيف خبطاً»(٣٣٥).
ولا يعني هذا أنَّ السيماء خاصّ بالمجرمين، بل هو عند كلّ إنسان بحسبه، ﴿وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ (الأعراف: ٤٦).
ولذا كان للمؤمنين أيضاً سيماء لكنَّه سيماء خير وصلاح، قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ (الفتح: ٢٩).
٧ - قال تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً﴾ (الإسراء: ٣٣).
عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً﴾، قال: «هو الحسين بن علي (عليه السلام) قُتِلَ مظلوماً ونحن أولياؤه، والقائم منّا إذا قام طلب بثأر الحسين، فيقتل حتَّى يقال: قد أسرف في القتل».
وقال: «المقتول الحسين (عليه السلام)، ووليّه القائم، والإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله، ﴿إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً﴾ فإنَّه لا يذهب من الدنيا حتَّى ينتصر برجل من آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(٣٣٦).
إشارات:
الأُولى: ورد عن إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول في كتابه: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً﴾، فما هذا الإسراف الذي نهى الله (عزَّ وجلَّ) عنه؟ قال: «نهى أن يقتل غير قاتله أو يُمثِّل بالقاتل»، قلت: فما معنى قوله: ﴿إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً﴾؟ قال: «وأيّ نصرة أعظم من أن يدفع القاتل إلى أولياء المقتول فيقتله ولا تبعة تلزمه من قتله في دين ولا دنيا»(٣٣٧).
وهذه إشارة إلى أنَّ على المؤمنين جميعاً أن لا يتجاوزوا حدود الشرع في أخذ الثأر، لا كما يحدث في بعض المجتمعات من أنَّه إذا حدث قتل فيقوم أهل المقتول بتهديد كلّ من له صلة بالقاتل، وهذا ليس من الإسلام في شيء.
الثانية: إنَّ تتبّعاً قليلاً للروايات يكشف لنا عن أنَّ علاقة الإمام المهدي (عليه السلام) بالإمام الحسين (عليه السلام) علاقة واضحة جدَّاً، وأوضح العلاقات هو أنَّه (عليه السلام) المطالب بثأر الإمام الحسين (عليه السلام)، ودعاء الندبة، وشعار الإمام الحجَّة (عليه السلام)، وروايات عديدة تكشف عن ذلك.
بالإضافة إلى العلاقة التكاملية بين طلب الإصلاح الذي قام به أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) وبين نتيجة الإصلاح الذي هو العدل والقسط الذي سيقوم به ولده المهدي (عليه السلام).
الثالثة: وقد يُشكل بإشكال يتعلَّق بقيام الإمام المهدي (عليه السلام) بقتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام)، وهذا السؤال كان في زمن الأئمَّة (عليهم السلام)، وقد أجابوا عنه (عليهم السلام).
عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، ما تقول في حديث روي عن الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها»؟ فقال (عليه السلام): «هو كذلك»، فقلت: فقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [الأنعام: ١٦٤] ما معناه؟ فقال: «صدق الله في جميع أقواله، لكن ذراري قتلة الحسين يرضون أفعال آبائهم، ويفتخرون بها، ومن رضى شيئاً كان كمن أتاه، ولو أنَّ رجلاً قُتِلَ في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل، وإنَّما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم»(٣٣٨).
٨ - قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (الحجّ: ٤١).
عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾، قال: «هذه الآية لآل محمّد، المهدي وأصحابه يُملِّكهم الله مشارق الأرض ومغاربها، ويُظهِر الدين، ويميت الله (عزَّ وجلَّ) به وبأصحابه البدع والباطل، كما أمات السفهة الحقّ، حتَّى لا يُرى أثر من الظلم، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولله عاقبة الأُمور»(٣٣٩).
إنَّ كون الأُمَّة الإسلاميَّة أفضل من غيرها من الأُمم هو في ما إذا كانت أُمَّة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، وهذا هو هدف الدولة المهدوية، فينبغي أن يعمل أصحابه وشيعته في زمن غيبته بما يتلاءم وهذا الهدف المقدَّس.
قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ﴾ (آل عمران: ١١٠).
٩ - قال تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ (الزخرف: ٦٦).
عن زرارة بن أعين، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾، قال: «هي ساعة القائم (عليه السلام) تأتيهم بغتة»(٣٤٠).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) وقد سأله الكميت الأسدي: فمتى يخرج يا بن رسول الله؟ قال: «لقد سُئِلَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك فقال: إنَّما مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلَّا بغتة»(٣٤١).
هذه الروايات تؤكّد على واحدة من أهمّ حقائق يوم الظهور، وهي حقيقة عدم علمنا بالوقت المضبوط للظهور، وأنَّ أمر الظهور موكول لله (عزَّ وجلَّ)، وهذا ربَّما يُفسِّر لنا الروايات الناهية عن التوقيت.
ولا شكَّ في ترتّب كثير من الآثار التربوية والاجتماعية على خفاء ساعة الصفر، والتي منها التالي:
١ - توفير عنصر المباغتة ضدّ العدوّ.
٢ - توليد الأمل بالظهور.
٣ - توفّر الحافز للعمل بجدّ والتوبة قبل الظهور.
٤ - تكذيب مدَّعي المهدوية قبل حصول شرائطه وعلاماته.
كما أنَّه قد يظهر منها سبب تسمية يوم الظهور بيوم الساعة.
١٠ - قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ﴾ (الحديد: ١٦).
عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) أنَّه قال: «نزلت هذه الآية التي في سورة الحديد: ﴿وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ﴾ في أهل زمان الغيبة، ثمّ قال (عزَّ وجلَّ): ﴿أَنَّ اللهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الحديد: ١٧]»، وقال: «إنَّما الأمد أمد الغيبة، فإنَّه أراد (عزَّ وجلَّ): يا أُمَّة محمّد، أو يا معشر الشيعة، لا تكونوا كالذين أُوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد، فتأويل هذه الآية جاء في أهل زمان الغيبة وأيّامها دون غيرهم من أهل الأزمنة، وإنَّ الله تعالى نهى الشيعة عن الشك في حجَّة الله تعالى، أو أن يظنّوا أنَّ الله تعالى يُخلي أرضه منها طرفة عين، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلامه لكميل بن زياد: بلى اللّهمّ لا تخلو الأرض من حجَّة لله إمَّا ظاهر معلوم، أو خائف مغمور، لئلَّا تبطل حجج الله وبيّناته، وحذَّرهم من أن يشكّوا أو يرتابوا فيطول عليهم الأمد فتقسوا قلوبهم»، ثمّ قال (عليه السلام): «ألَا تسمع قوله تعالى في الآية التالية لهذه الآية: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾؟ أي يحييها الله بعدل القائم عند ظهوره بعد موتها بجور أئمَّة الضلال»(٣٤٢).
هذه الرواية تُحذِّر المنتظرين من الملل من الانتظار خشية أن يقسو القلب، وهذا يعني أنَّ الابتعاد عن أهداف الإمام المهدي (عليه السلام) وعن أداء واجبات زمن الغيبة يُسبِّب قسوة القلب، لذا وجب أن نتعرَّف أوَّلاً عن أهمّ واجبات زمن الغيبة وبالتالي العمل على تطبيقها، وهو ما تقدَّم في الشذرة الرابعة عشرة.
***************
(٣٠٦) المحاسن للبرقي ٢: ٣٠٠/ ح ٥.
(٣٠٧) ينابيع المودَّة ٣: ٢٥٣ و٢٥٤/ ح ٥٧.
(٣٠٨) الغيبة للنعماني: ٢٠٦/ باب ١١/ ح ١٣.
(٣٠٩) الكافي ٢: ٨٢/ باب أداء الفرائض/ ح ٤.
(٣١٠) الكافي ٢: ٨٢/ باب أداء الفرائض/ ح ٥.
(٣١١) قال (عليه السلام): «أمنع حصون الدين التقى». (عيون الحكم والمواعظ: ١١٤).
(٣١٢) كنز العمّال ١: ١٦١/ ح ٨٠٩.
(٣١٣) الكافي ٢: ٢٤٩/ باب ما أخذه الله على المؤمن من الصبر.../ ح ٣.
(٣١٤) الإمامة والتبصرة: ١٢٩/ ح ١٣٢.
(٣١٥) تفسير الأمثل ١: ٤٤٤ - ٤٤٦ بتصرّف.
(٣١٦) قال السيّد عبد الله شبَّر في تفسيره (ص ٤٣٣) في تفسير هذه الآية: ﴿إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ﴾ على الطاعة والمحن ﴿أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [الزمر: ١٠]، أي لا يحصر لكثرته أو لا يحاسبون.
(٣١٧) نهج البلاغة: ٤٨٥/ ح ٩٩.
(٣١٨) من لا يحضره الفقيه ١: ١٧٥/ ح ٥١٥.
(٣١٩) راجع: تفسير مجمع البيان ١: ٤٤٢.
(٣٢٠) كفاية الأثر: ٦٠.
(٣٢١) كمال الدين: ٣٤٠/ باب ٣٣/ ح ١٩.
(٣٢٢) كمال الدين: ٣٤٠ و٣٤١/ باب ٣٣/ ح ٢٠.
(٣٢٣) بحار الأنوار ٥٢: ١٢٤/ ذيل الحديث ١٠، عن كمال الدين: ١٨.
(٣٢٤) كمال الدين: ١١.
(٣٢٥) الكافي ١: ٤٠٧ و٤٠٨/ باب أنَّ الأرض كلّها للإمام (عليه السلام)/ ح ١.
(٣٢٦) الكافي ٤: ٦١/ باب النوادر/ ح ٤.
(٣٢٧) كشف الغمَّة ٣: ٢٧٠/ ح ١٥.
(٣٢٨) كشف الغمَّة ٣: ٢٧١/ ح ٢٤.
(٣٢٩) العمدة لابن بطريق: ٤٢٤/ ح ٨٨٥، عن صحيح مسلم ٨: ١٨٥.
(٣٣٠) ورد في بيان هذا المعنى روايات عديدة ذكرها الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج ١/ باب أنَّ الأرض كلّها للإمام (عليه السلام))، نذكر منها:
عن عمر بن يزيد، قال: رأيت مسمعاً بالمدينة، وقد كان حمل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) تلك السنة مالاً، فردَّه أبو عبد الله (عليه السلام)، فقلت له: لِمَ ردَّ عليك أبي عبد الله المال الذي حملته إليه؟ قال: فقال لي: إنّي قلت له حين حملت إليه المال: إنّي كنت ولّيت البحرين الغوص، فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئتك بخمسها بثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنك وأن أعرض لها وهي حقّك الذي جعله الله تبارك وتعالى في أموالنا، فقال: «أوَما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلَّا الخمس يا أبا سيار؟ إنَّ الأرض كلّها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا»، فقلت له: وأنا أحمل إليك المال كلّه؟ فقال: «يا أبا سيار، قد طيَّبناه لك وأحللناك منه، فضمّ إليك مالك، وكلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلَّلون حتَّى يقوم قائمنا، فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم، وأمَّا ما كان في أيدي غيرهم فإنَّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتَّى يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم ويُخرِجهم صغرة». قال عمر بن يزيد: فقال لي أبو سيار: ما أرى أحداً من أصحاب الضياع ولا ممَّن يلي الأعمال يأكل حلالاً غيري إلَّا من طيَّبوا له ذلك.
وعن أبان بن مصعب، عن يونس بن ظبيان أو المعلّى ابن خنيس، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسَّم ثمّ قال: «إنَّ الله تبارك وتعالى بعث جبرئيل (عليه السلام) وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض، منها: سيحان وجيحان وهو نهر بلخ، والخشوع وهو نهر الشاش، ومهران وهو نهر الهند، ونيل مصر، ودجلة والفرات، فما سقت أو استقت فهو لنا، وما كان لنا فهو لشيعتنا، وليس لعدوّنا منه شيء إلَّا ما غُصِبَ عليه، وإنَّ وليّنا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه - يعني بين السماء والأرض -، ثمّ تلا هذه الآية: ﴿قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ المغصوبين عليها ﴿خالِصَةً﴾ لهم ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ [الأعراف: ٣٢] بلا غصب».
(٣٣١) تفسير العيّاشي ٢: ٢٤٢/ ح ١٤.
(٣٣٢) نهج البلاغة: ٢٨٧/ الخطبة ١٩٢.
(٣٣٣) تفسير العيّاشي ٢: ٢٤١ و٢٤٢/ ح ١٣.
(٣٣٤) منتخب الأنوار المضيئة: ٣٤٤.
(٣٣٥) بصائر الدرجات: ٣٧٩/ باب في الأئمَّة أنَّهم المتوسّمون في الأرض.../ ح ١٧.
(٣٣٦) تفسير العيّاشي ٢: ٢٩٠/ ح ٦٧.
(٣٣٧) الكافي ٧: ٣٧٠ و٣٧١/ باب النوادر/ ح ٧.
(٣٣٨) علل الشرائع ١: ٢٢٩/ باب ١٦٤/ ح ١.
(٣٣٩) تأويل الآيات الظاهرة ١: ٣٤٣ و٣٤٤/ ح ٢٥.
(٣٤٠) تأويل الآيات الظاهرة ٢: ٥٧١/ ح ٤٦.
(٣٤١) كفاية الأثر: ٢٥٠.
(٣٤٢) الغيبة للنعماني: ٣١ و٣٢/ مقدّمة المؤلِّف.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page