• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مناقشة معنى (الأوَّل) في استدلالهم بأوَّل المؤمنين وأوَّلهم من البصرة

 ذكرنا فيما سبق(٨٦) أهمّ رواية احتجَّ بها الگاطع الهمبوشي على دعوته، وممَّا جاء في هذه الرواية قوله: (فذلك اثنا عشر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، (فإذا حضرته الوفاة) فليُسلِّمها إلى ابنه أوَّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوَّل المؤمنين).
حيث زعم الهمبوشي وأنصاره بأنَّ كلمة (الأوَّل) الواردة في الرواية، في قوله: (أوَّل المقرَّبين) و(أوَّل المؤمنين)، يُراد بها الأوَّلية الزمانية، وطبَّقها أحمد إسماعيل على نفسه، وحاول أن يقرن هذا المعنى برواية أُخرى تحدَّثت حول أنصار الإمام المهدي عليه السلام، جاء فيها أنَّ أوَّلهم من البصرة(٨٧).
وردُّه:
إنَّ الأوَّلية هنا هي الأوَّلية الزمانية، والمراد بأوَّل المؤمنين هو أوَّلهم زماناً، لكنَّه أوَّلهم زماناً في أيِّ شيءٍ؟
هل هو أوَّلهم في الإيمان بأنَّ الإمام الحجَّة محمّد بن الحسن عليه السلام هو الثاني عشر، وهو الموعود لإقامة العدل والقسط؟ فهذه عقيدة جميع الشيعة الاثني عشرية من عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بلَّغ المسلمين بعشرات الروايات المشتملة على بيان عدد أئمَّة الهدى عليهم السلام وأسمائهم بالتفصيل، وكلُّ من ينتمي إلى هذه الطائفة الحقَّة مؤمن بهذا المعنى، إلَّا من استولى عليه الشيطان وأضلَّه عن سواء السبيل، وعليه فلا يكون هذا الشخص المعنيُّ بهذه الرواية أوَّل المؤمنين زماناً.
وإمَّا أن يكون المراد بالإيمان هو الإيمان بإمامة الثاني عشر عليه السلام مع تطبيق هذا المعنى على شخصه المبارك، أي معرفة الإمام بشخصه مع الإيمان بإمامته. فتتكفَّل كثير من الروايات بأنَّ للحجَّة أصحابه الخاصّين الذين يؤنسون وحشته حسب تعبير بعض الروايات التي جاء فيها قوله: (وما بثلاثين من وحشة)(٨٨)، أي إنَّ هناك أشخاصاً يؤمنون بإمامة المهدي عليه السلام، مطَّلعين على شخصه المبارك على طول خطِّ الغيبة، وذلك لأنَّ الرواية مطلقة من هذه الناحية، ولم تُقيِّد الثلاثين بزمان محدَّد، فضلاً عمَّن رآه عليه السلام قبل غيبته الصغرى وفي أثنائها من سفراء ووكلاء.
وعليه فإنَّ هناك أشخاصاً قد سبقوا المعنيُّ بالرواية زماناً بإيمانهم بالإمام الثاني عشر عقيدةً وشخصاً.
وإن كان المقصود بالأوَّلية الإيمانية أنَّه أوَّل الناس إيماناً به عليه السلام بعد الظهور المقدَّس، فتُكذِّبه رواية الصادق عليه السلام التي ورد فيها قوله: (لا تراه عين في وقت ظهوره إلَّا رأته كلّ عين، فمن قال لكم غير هذا فكذِّبوه...، فلا تراه عين أحد حتَّى يراه كلّ أحد وكلّ عين)(٨٩)، والگاطع ربط بين ادِّعائه رؤيته له عليه السلام وبين كونه أوَّل المؤمنين به.
فإن قلت: إنَّ هذه الرواية تعارض رواية رؤية الثلاثين له عليه السلام.
نقول لك: ليس هناك تعارض إن فهمنا أنَّ رؤية الثلاثين أو غيرهم تنسجم مع تخطيط الغيبة من حيث الهدف والحفاظ على الإمام عليه السلام وتربيته لهم، ومن غير ادِّعاء للرؤية مصحوب بدعوى نيابة أو وصاية أو رسالة، بخلاف الرؤية المنفيَّة المخالفة لأهداف الغيبة، فتكون الرؤية المنفيَّة ناظرة إلى عموم الناس، وأمَّا الرؤية الثابتة فهي الرؤية الخاصَّة بهؤلاء الثلاثين.
ولو زعم الگاطع الهمبوشي أنَّ رؤيته للإمام عليه السلام خاصَّة أيضاً كرؤية أُولئك الثلاثين له، فإنَّه يلزمه على هذا ألَّا يكون أوَّل المؤمنين رؤيةً له عليه السلام؛ لأنَّ الثلاثين رؤوا الإمام قبله.
وبذلك يثبت أنَّ قوله: (أوَّل المؤمنين) لا ينطبق على الگاطع الهمبوشي بأيِّ وجهٍ.
أمَّا لو زعم الگاطع بأنَّ الأوَّلية هنا هي الأوَّلية الرُّتْبِيَّة، لأنَّ الأوَّلية والسبق ليس بالضرورة تكون زمانية، كما عبَّر الكتاب الكريم بقوله: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (الواقعة: ١٠ و١١)، والمؤمنون بالله وبنبيِّه يعلمون أنَّ في طليعة السابقين سبطي النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين عليهما السلام، مع أنَّهما متأخّران زماناً بالنسبة لبداية دعوة جدِّهما صلى الله عليه وآله وسلم، لإيمان كثير من الناس قبل ولادتهما عليهما السلام، وبما أنَّ السبق في الآية بحسب الرتبة عند الله تعالى فإنَّ الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام لم يدركهما أحد من الأوَّلين والآخرين، والگاطع يزعم أنَّه أوَّل المؤمنين في عصر الظهور رتبةً، لأنَّه المهدي الأوَّل.
والجواب على ذلك أنَّ مثل هذا التعبير لم أجده في الروايات المرويَّة عن أئمَّة أهل البيت عليهم السلام، فإنّي لم أجد في رواية واحدة تُعبِّر عن الأفضل بأنَّه أوَّل، مضافاً إلى أنَّ أوَّل المؤمنين _ أي خيرهم في ذلك العصر _ هو صاحب الأمر عليه السلام، وليس الگاطع الهمبوشي.
هذا كلّه لو سلَّمنا أنَّ الذين يتولّون الإمامة بعد الإمام المهدي عليه السلام هم المهديون الاثنا عشر من أبناء الإمام المهدي عليه السلام، وإلَّا فعلى القول الصحيح _ وهو أنَّ الأمر يتولَّاه من بعده الأئمَّة المعصومون واحداً بعد واحد _ فإنَّ القول بأنَّ المهدي الأوَّل هو أوَّل المؤمنين سالبة بانتفاء الموضوع كما يقول علماء المنطق.
وقد حاول الهمبوشي أن يستدلَّ بروايات أُخرى على صحَّة ادِّعائه بأنَّه هو المقصود بأوَّل المؤمنين، حيث ذكرت تلك الروايات معنى (الأوَّل) كروايات: (أوَّلهم من البصرة).
وردُّه:
أنَّ الرواية التي ورد فيها قوله: (أوَّلهم من البصرة) لم يُذكر فيها أنَّ اسمه أحمد، أو أحمد إسماعيل، فقد روى ابن طاووس في الملاحم والفتن عن الأصبغ بن نباتة، قال: خطب أمير المؤمنين علي عليه السلام خطبة، فذكر المهدي وخروج من يخرج معه وأسماءهم، فقال له أبو خالد الكلبي: صفه لنا يا أمير المؤمنين، فقال علي عليه السلام: (ألَا إنَّه أشبه الناس خَلْقاً وخُلُقاً وحُسْناً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ألَا أدلُّكم على رجاله وعددهم؟)، قلنا: بلى يا أمير المؤمنين، قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: أوَّلهم من البصرة، وآخرهم من اليمامة)، وجعل علي عليه السلام يُعدِّد رجال المهدي والناس يكتبون، فقال: (رجلان من البصرة، ورجل من الأهواز، ورجل من عسكر مكرم...)(٩٠)، فالرواية ذكرت معنىً إجمالياً، وهو: (أوَّلهم من البصرة، وآخرهم من اليمامة)، ولمَّا فصَّل عليه السلام هؤلاء الأنصار بيَّن بوضوح عدد الذين من البصرة وغيرهم بقوله: (رجلان من البصرة...).
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: جُعلت فداك، هل كان أمير المؤمنين عليه السلام يعلم أصحاب القائم عليه السلام كما كان يعلم عدَّتهم؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: (حدَّثني أبي عليه السلام، قال: والله لقد كان يعرفهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم رجلاً فرجلاً، ومواضع منازلهم ومراتبهم...)، إلى أن قال: فقال لرجل في مجلسه: (أُكتب له: هذا ما أملاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمير المؤمنين عليه السلام وأودعه إيّاه من تسمية أصحاب المهدي عليه السلام، وعدَّة من يوافيه من المفقودين عن فرشهم وقبائلهم، السائرين في ليلهم ونهارهم إلى مكّة، وذلك عند استماع الصوت في السنة التي يظهر فيها أمر الله عز وجل، وهم النجباء والقضاة والحُكّام على الناس: من طاربند الشرقي رجل...، ومن البصرة ثلاثة رجال...)(٩١).
وقد رويت رواية أُخرى ورد فيها: (أوَّلهم من البصرة)، لكنَّها أكثر وضوحاً، فإنَّها تُحدِّد أسماء من هم من البصرة، فقالت: (إنَّ أوَّلهم من أهل البصرة وآخرهم من الأبدال، فالذين من أهل البصرة رجلان، اسم أحدهما علي والآخر محارب...)(٩٢).
فالرواية الأُولى قالت: إنَّهم اثنان، والثانية قالت: إنَّهم ثلاثة، والثالثة قالت: إنَّهم اثنان، وحدَّدت أسماءهم، وبيَّنت أنَّ الأوَّل اسمه علي والثاني محارب، أو أنَّ أسماءهم: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد بن مليح، وحمّاد بن جابر.
وهذا دليل على أنَّ مراده عليه السلام من الأوَّلية في قوله في تلك الروايات: (أوَّلهم من البصرة) هي الأوَّلية الجمعية، أي إنَّ هذين الاثنين أو هؤلاء الثلاثة هم أوَّل أنصاره عليه السلام، ولعلَّ المراد بذلك هو أنَّهم أوَّل من يلتحق بالإمام عليه السلام، فإنَّهم يلتحقون به عليه السلام قبل غيرهم، لا أنَّهم أفضل من غيرهم، وكذا قوله عليه السلام: (آخرهم من اليمامة) يعني آخرهم لحوقاً بالإمام عليه السلام، لا أنَّ جميع أصحاب الإمام عليه السلام خير منهم.
فإذا كان كذلك نسأل الگاطع فنقول: هل أنت تعلم أنَّ معنى (أوَّلهم من البصرة) المقصود به المعنى الجمعي أم لا؟ فإن كنت تعلم بذلك فلماذا تدَّعي كذباً وزوراً أنَّ الأوَّلية مخصوصة بك أنت فقط؟
وإن كنت لا تعلم بذلك فكفى بذلك حجَّةً عليك وعلى من اتَّبعك أنَّك لا تعلم أنَّ كلمة (الأوَّل) يمكن أن يُراد بها الأوَّلية الجمعية فتصدق على أكثر من فرد.
وإذا زعم الگاطع أنَّ هذه الكلمة تحتمل أكثر من معنى، ولا يُراد بها الأوَّلية الجمعية، بل هي من الكلمات المتشابهة، فإنَّ اللازم عليه حينئذٍ أن يُرجِع المتشابه من كلامهم إلى المحكم منه، لا أن يحتجَّ بالمتشابه فيزعم أنَّه هو المراد بقول الإمام عليه السلام: (أوَّلهم من البصرة)، مع الأعداد من المعاني المحكمة كما هو مسلَّم، وإذا كانت متشابهة فلماذا فسَّرها الگاطع وفق دعوته وبما يتناسب مع ضلالاته وأهوائه، ولم يتَّبع قواعد المعصومين عليهم السلام؟ فأين: (أوَّلهم من أهل البصرة... رجلان اسم أحدهما علي والآخر محارب) من ادِّعائه أنَّ (أوَّلهم من البصرة اسمه أحمد)؟ وكيف فهم أو يفهم من اتَّبعه أنَّ أوَّل أنصار الإمام الذين هم اثنان أو ثلاثة من البصرة يتحوَّلون تدريجياً إلى أن يصيروا واحداً، أحدهم هو الإمام المهدي، وهو من يملؤها قسطاً وعدلاً؟
وبعد أن عرفنا أنَّ معنى الأوَّل من البصرة متعدِّدون، وفي بعض الروايات أنَّ أسماءهم: علي ومحارب، أو هم: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد بن مليح، وحمّاد بن جابر، تسقط حجَّة الگاطع الهمبوشي بادِّعائه أنَّه هو المراد بقول الإمام عليه السلام: (أوَّلهم من البصرة)، وأنَّ الأوَّلية أوَّلية فردية، لأنَّ مراده من الاستدلال بهذه الرواية هو أنَّه يريد أن يُحصِر أوَّل أنصار الإمام بشخصه، من خلال حيلة الأوَّلية الفردية، وادِّعائه أنَّ هذا الناصر الوحيد حسب تحريفه اسمه أحمد، وبعد فضح هذه الحيلة لعدم وجود أيُّ ميزة لأحد الأنصار المتعدِّدين على الآخرين، وورود أسماء مغايرة لما يدَّعيه الگاطع في روايات أُخرى، تشتَّتت وتلاشت حيلة الحصر التي يريد تسويقها على البسطاء من الناس، حتَّى صرَّح بافترائه أنَّه أوَّل من رأى الإمام المهدي عليه السلام.
إذن الگاطع أوَّل المؤمنين وأنَّه أوَّل من ينصر الإمام عليه السلام من البصرة، جاعلاً منها بجهله وافترائه قاعدة عامَّة بنى عليها ضلاله، مع أنَّ كتاب الله عز وجل وكلام المعصوم عليه السلام وسيرته وتاريخه، وضرورة اللغة، خلاف زعمه.
***************
(٨٦) في صفحة (٨٨).
(٨٧) الملاحم والفتن: ٢٨٩.
(٨٨) أُنظر: الكافي ١: ٣٤٠/ باب في الغيبة/ ح ١٦.
(٨٩) مختصر بصائر الدرجات: ١٨١ و١٨٢.
(٩٠) الملاحم لابن طاووس: ٢٨٨ و٢٨٩/ ح ٤١٧.
(٩١) دلائل الإمامة: ٥٥٤ - ٥٦٢/ ح (٥٢٦/١٣٠).
(٩٢) إلزام الناصب ٢: ١٧٤.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page