• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مقام اليماني قبل الخروج

 لا يتّضح من مجموع الروايات التي تحدّثت حول اليماني أن له مقاماً علميًّا أو اجتماعيًّا قبل خروجه، فإن الروايات ساكتة عن بيان ذلك، وهذا يجعلنا لا نجزم في هذا الأمر بشيء؛ لأنه ربما يكون من أصحاب المقامات العلميّة أو النفوذ الاجتماعي على المستوى المحلي أو على الصعيد الشيعي، وربما لا يكون كذلك، بل ربما يكون في واقعه رجلاً مغموراً غير معروف على أي من هذين الصعيدين، فإن غاية ما دلّت عليه الروايات أنه سيكون من علامات الظهور، وأما شأنه قبل ذلك فلم تتعرّض له الروايات من قريب أو بعيد.
وقد استفاد بعض الباحثين من خلال تحذير الشيعة من الالتواء عليه كما دلّت عليه الرواية التي أشرنا إليها قبل قليل، والتي رواها النعماني في كتاب (الغيبة) عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام، وهي رواية طويلة جاء فيها أنه عليه السلام قال:
وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه؛ فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم(٢٢٢).
استفاد هذا الباحث أن اليماني سيكون من أصحاب الشأن والبروز، حيث قال:
من خلال إلزام المؤمنين بالطاعة له وعدم الالتواء عليه - كما في الرواية المارّة آنفاً - تبرز الشأنيّة الاجتماعيّة للرجل، وأنه من أصحاب الشأن قبل حصول معركة قرقيسيا، فالإلزام بالطاعة عادة لا يتحصّل لعدم المتصدّين للعمل العام، والتصدّي يعني البروز الشأني له، ولعل الرواية واضحة في وجود أتباع له قبل خروجه بالشكل الذي يجد في نفسه أهليّة التصدّي لمثل السفياني(٢٢٣).
وهذا الكلام مردود بعدّة أمور:
١- أن الرواية المشار إليها مضافاً إلى ضعف سندها فإنها لا تدل على وجوب طاعة اليماني ولزوم الانضمام إلى جيشه كما سنبيّنه قريباً، ونحن وإن كنا لا نرى التدقيق السندي في روايات الفتن وعلامات الظهور كما أن الباحث المذكور كذلك؛ لأن الأمر لا يتعلّق بإثبات تكليف شرعي أو حكم إلزامي، إلا أن الحكم في هذه الرواية مختلف؛ إذ لا يصح أن نستفيد من هذه الرواية الضعيفة السند حكماً إلزاميًّا بوجوب نصرة اليماني حين خروجه، وسنتحدّث حول هذا الأمر في البحوث الآتية إن شاء الله تعالى.
٢- بعد الغض عن سند الرواية فإنها لم تدل على وجوب طاعة اليماني مطلقاً، وإنما ورد فيها الأمر بنصرته، وعُلّل ذلك فيها بأنه يدعو إلى الحق، ولا شكّ في أن كل من يدعو إلى الحق فهو مأمور بنصرته إما بنحو الوجوب أو الاستحباب، ولكن لا يلزم من ذلك وجوب طاعته في غير ما يتعلّق بالنصرة.
ولو سلّمنا بوجوب طاعة اليماني فإن الإلزام بالطاعة لا ينحصر عادة في المتصدّين للعمل العام؛ لأن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام لا تخدعهم العناوين التي ربما تخدع كثيراً من الناس، ومن نافلة القول أن نذكر أنهم عليهم السلام إذا أمروا بطاعة رجل في واقعةٍ فأمرهم بذلك لا يكون إلا لمصالح مهمّة ربما تخفى على أكثر الناس، والأمثلة على ذلك واضحة وكثيرة في الحوادث التي وقعت في حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أوضحها أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجوه المهاجرين والأنصار بطاعة أسامة بن زيد لما أمَّره عليهم في السَّرِيّة التي عُرفت بسريّة أسامة، مع أن أسامة لم يكن معروفاً في ذلك الوقت بالتصدّي للعمل العام، لا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا بعده.
٣- لو سلّمنا أن الأمر بالطاعة منحصر عادة في المتصدّين للعمل العام، فإن هذا لا يجعلنا نجزم بأن اليماني كان متّصفاً بهذه الصفة؛ لأن حصول ذلك بحسب العادة لا يجعلنا نقطع بوقوعه في كل حالة.
ثم إن الباحث المذكور رجّح في كلامه أن يكون اليماني تابعاً وفيًّا للمرجعية الدينية الهادية ومطيعاً لها في كل تحرّكاته، فقال:
ولهذا، فهو إما من أهل الشأنية العلمية العالية بحيث توصله إلى مقام المرجعية، وهو مما لا نجد عليه دليلاً قويًّا في الروايات الواردة بحقّه...
ولهذا، فإن احتمال كونه متّبعاً وفيًّا للمرجعية هو الذي يرجّح في هذا المجال، بل هو الضروري هنا؛ لأن الالتزام بالمرجعية ليس عملاً ترفيًّا، بل هو عين الالتزام بمنهج الإمام عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، حتى يكون حديث الإمام المتقدّم عن وجوب نصرته وعدم الالتواء عليه مستمد [كذا] من التبعية والطاعة للمرجعية، سواء كان مرجعاً أم كان متّبعاً، فإن تصرّفاته في كل الأحوال لا تخرج عن طوع المرجعية الدينية الهادية(٢٢٤).
وكلا الاحتمالين المذكورين وإن كانا في أنفسهما ممكنين لا يستحيل تحقّقهما، ولا سيما أن المؤمن في عمله بالأحكام الشرعيّة إما أن يكون مجتهداً أو مقلِّداً، إلا أن الكلام في أن خروج اليماني هل سيكون بإملاء المرجعية وبتوجيهاتها، أم لا؟
لا شك في أن هذا لا نعلمه، والروايات لم تدل على شيء من ذلك، ولم تشر إليه لا من قريب ولا من بعيد، ومن الواضح أنا نتكلّم عن خروج اليماني، ولا نتكلّم عن عمله بالأحكام الشرعية التي يلزم فيها أن يكون إما مجتهداً أو مقلّداً، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن الخروج في الوقت المعيّن من الموضوعات الخارجية التي لا يجب فيها التقليد، وأن هذا الخروج المعيَّن إنما هو من أجل الدعوة إلى الحق، أو الدعوة إلى الإمام المهدي عليه السلام والقيام بنصرته الذي لا يحتاج فيه المؤمن لأخذ التوجيهات من المرجعيّة الدينيّة.
ومما قلناه يتبيَّن أن طرح الاحتمالات فيما يتعلّق بخروج اليماني مما لم تشر إليه الروايات لا يفيد في شيء؛ لأن الاحتمالات لا حدّ لها، والاحتمال الذي لا دليل عليه لا قيمة له، بل ربما يكون طرحه سبباً للتضليل وضياع الحقائق، ولا سيما أن بعض المغرضين وأصحاب المطامع كأحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأنصاره يمكن أن يستفيدوا من بعض تلك الاحتمالات استفادة سيّئة، بل يحاولوا أن يحوّلوها في نظر الجهّال والمغفّلين إلى حقائق، ويسعوا لطرح أوهام وتمويهات يزعمون أنها أدلة تدل على تلك الاحتمالات الواهية.
وفهمي القاصر لم يتوصّل إلى معرفة السبب الذي لأجله صار احتمال كون اليماني متّبعاً وفيًّا للمرجعية راجحاً بل ضروريًّا؟! فإنا لا ندري بملابسات ذلك الزمان، وإذا كان هناك مجال لطرح الاحتمالات فيمكن لنا أن نقول: إن اليماني ربما يتلقّى تعليماته حينئذ مباشرة من الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، أو من أحد وكلائه الخاصّين، أو ربما يخرج اليماني بإلهام من الله تعالى، كما يُلهَم المؤمن التقي في بعض أموره المهمّة، فإن المؤمن ينظر بنور الله تعالى كما ورد في الخبر(٢٢٥)، أو ربما يخرج اليماني من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حين يرى البلاء قد عمّ، والفتن قد استشرت، أو غير ذلك من الاحتمالات الكثيرة التي وإن لم يقم عليها أي دليل صحيح بخصوصها، إلا أن وجود أمثال هذه الاحتمالات يدفع الحصر في أن اليماني يتلقّى تعليماته من المرجعيّة الدينية، فهو وإن كان محتملاً كما قلنا إلا أنا لا نستطيع أن نجزم به؛ لعدم الدليل عليه.
ومما قلناه يتبيّن أنه من الخطأ الكبير أن نطبّق ملامح عصرنا الحاضر بجميع بصماته وملابساته على عصر الظهور، والسير في هذا المسلك هو الذي أوقع بعض الباحثين في الخطأ في كثير من نتائج بحوثهم التي توصّلوا إليها.
ثم إن الباحث المذكور ذهب إلى أن اليماني لا بدّ أن يكون معروفاً في الأمّة قبل خروجه من خلال تعبئته للأمة عقائديًّا وفكريًّا، بِحَدٍّ يجعله يأخذ شهرة واسعة في المجتمع الشيعي، حيث قال:
فقد تحدّثت الروايات عن تزامن خروجه مع خروج السفياني والخراساني، وهذا الخروج هو خروج السلاح والحرب، ولكن هذا لا يعني أنه قبل هذا الخروج ليس في المصاف القيادي المتقدّم للأمّة، بمعنى أن تربيته لجنده، وما يُعرف عنه في الأمّة منذ البداية لن يتركّز على السلاح ومنطقه، ولكن سيُعرف من خلال تعبئته للأمّة مستفيداً من الحرص على بنائها العقائدي، وهو حسب ما يبدو سيأخذ شهرة واسعة في هذا المجال، بالشكل الذي سيسهم بجعل خروجه مقبولاً ومؤيَّداً من قبل قاعدة اجتماعية عريضة تمكّنه من أن يكون ندًّا لدوداً للسفياني الملعون... وإنما يحتمل أن يبرز في عالم السياسة كداعم لكل أمر فيه قوّة للمؤمنين، وقد يلج إلى هذا العالم من أجل هذا الهدف بالذات(٢٢٦).
ومن الواضح أن كل هذه الأمور لا تعدو كونها ظنوناً واحتمالات لا أكثر، وهي وإن كانت غير مستحيلة في حدّ ذاتها، إلا أنها لا دليل عليها، ويبدو أن الباحث المذكور يجزم بأن كل رجل لا يمكن أن يشكّل جيشاً فاعلاً يستطيع أن يواجه به جيشاً قويًّا آخر كجيش السفياني إلا إذا كانت له قاعدة جماهيرية سابقة يتمكّن بها من جمع الجنود وتهيئة السلاح، وهذا غير صحيح؛ فإن الروايات تحدّثت عن السفياني، ووصفت ولعه بسفك دماء الشيعة، وبيّنت قوة جيشه، مع أن الظاهر من بعضها أنه سيخرج فجأة ومن دون إعداد مسبق، أو قاعدة جماهيرية عريضة سابقة لظهوره.
فقد روى النعماني في الغيبة بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا اختلف الرمحان بالشام لم تنجل إلا عن آية من آيات الله. قيل: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: رجفة تكون بالشام، يهلك فيها أكثر من مائة ألف، يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذاباً على الكافرين، فإذا كان ذلك فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب المحذوفة والرايات الصفر تقبل من المغرب حتى تحلّ بالشام، وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر، فإذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها حرستا، فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس حتى يستوي على منبر دمشق، فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي عليه السلام(٢٢٧).
ولا يخفى أن جمع الجنود والمحاربين ربما لا يحتاج إلى إعداد عقائدي مسبق من قبل القائد بالخصوص كما نلاحظه في هذا الزمان في التنظيمات العسكرية التي تشكّلت في سوريا بسرعة كالجيش الحر وجبهة النصرة وداعش وغيرها، فإنها لم تُعَدّ إعداداً عقديًّا مسبقاً من قبل قادة هذه التنظيمات، وإنما اجتمع المحاربون تحت هذه الألوية على هدف واحد، وهو إسقاط النظام، أو تشكيل دولة (إسلامية) في العراق والشام، وربما كان بعضهم مختلفاً مع بعضهم الآخر في العقيدة الدينية، أو ربما كان هؤلاء قد جمعتهم عقيدة واحدة، ولكن عقيدتهم لم تُعَدّ من قبل قادة التنظيم، وإنما كانت معدّة مسبقاً، مثل السلفيين الذين انضموا إلى داعش وجبهة النصرة، فإنهم إنما انضموا إلى هذين التنظيمين لأجل أن عقيدتهم مع غيرهم من المشتركين في التنظيم واحدة.
وهكذا الحال في أنصار اليماني، فإنهم ربما لا يحتاجون إلى إعداد عقدي من قِبَل اليماني نفسه؛ لأنهم قد تمَّ إعدادهم سلفاً، ولا يحتاجون إلى مزيد من الإعداد، كغيرهم من الشيعة الذين يعيشون في الحواضر الشيعية، العارفين بالعقيدة الشيعية، والمطّلعين على الأخبار التي عرفوا بها سلامة حركة اليماني، وعرفوا أن رايته راية هدى، فانضموا إليه، وخرجوا لنصرته.
***************
(٢٢٢) الغيبة: ٢٦٤.
(٢٢٣) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ٤٥.
(٢٢٤) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ٤٥.
(٢٢٥) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢/٦٧. بصائر الدرجات ١/١٧٣.
(٢٢٦) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ١٤٠.
(٢٢٧) الغيبة: ٣١٧. 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page