• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

دلالة الرواية

 أهم ما يحتاج إلى البيان من ألفاظ هذه الرواية عدّة عبارات، منها:
قوله: وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني:
معناه: أن راية اليماني هي أهدى الرايات، وأفعل التفضيل فيها وهو كلمة (أهدى) يدل على أن رايات آخر الزمان فيها رايات هدى أخرى غير راية اليماني كراية الخراساني مثلاً، فإنها راية هدى أيضاً كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
والسبب في أن راية اليماني أهدى الرايات هو أنه يدعو إلى الحق كما ورد في عدّة روايات، أو يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام كما ورد في نفس هذه الرواية، ولا يدعو إلى نفسه كما هو دأب أكثر رايات عصر الظهور التي تدعو إلى أصحابها، وقد سبق مزيد من الكلام حول كون راية اليماني أهدى الرايات، فراجعه.
ومما ينبغي بيانه هنا أن هذه الرواية حُجّة قاطعة على اﻟﮕﺎطع وأتباعه؛ لأنها تدل على أن اليماني يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، ولا يدعو إلى نفسه، في حين أن اﻟﮕﺎطع على العكس من ذلك؛ فإنه لا يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، وإنما يدعو إلى نفسه، وهذا دليل واضح على كذب اﻟﮕﺎطع في دعواه أنه هو اليماني المعهود.
ويمكن التحقّق من أن اﻟﮕﺎطع يدعو إلى نفسه بعدّة أمور:
١- أنه دعا الناس إلى بيعته، بل جعل شعار حركته كلمة: (البيعة لله).
قال في بيان له مؤرَّخ في ٥ شوال سنة ١٤٢٤هـ، منشور في موقع أنصاره:
وإنَّ لي في رقبة كل فرد من جماعة أنصار الإمام المهدي بيعة لا أقيل أحد [كذا] منها، وأطالبهم بها يوم القيامة، وفي رقبة كل إنسان عهد معقود في عالم الذر، فمن نكث البيعة ونقض العهد فعليه لعنة الله، ولعنة الأنبياء والمرسلين، ولعنة الملائكة والصالحين.
وقال في بيان آخر له أسماه بيان البراءة، منشور أيضاً في موقع أنصاره مؤرَّخ في ١٣ جمادى الثانية سنة ١٤٢٥هـ:
وأُعلنُ باسم الإمام محمد بن الحسن المهدي (ع) أن كل من لم يلتحق بهذه الدعوة، ويعلن البيعة لوصي الإمام المهدي (ع) بعد ١٣ رجب ١٤٢٥ هـ ق فهو:
١- خارج من ولاية علي بن أبي طالب (ع)، وهو بهذا إلى جهنّم وبئس الورد المورود، وكل أعماله العبادية باطلة جملة وتفصيلاً، فلا حجَّ ولا صلاة ولا صوم ولا زكاة بلا ولاية.
٢- أن رسول الله محمد بن عبد الله (ص) بريء من كل من ينتسب إليه ولم يدخل في هذه الدعوة ويعلن البيعة.
وقوله: (ويعلن البيعة لوصي الإمام المهدي (ع)) دال على ما قلناه؛ لأنه إذا كان الإمام المهدي عليه السلام هو إمام العصر كما يعترف بذلك اﻟﮕﺎطع وأتباعه، فلماذا يأخذ اﻟﮕﺎطع البيعة لنفسه، ولا يأخذها للإمام المهدي عليه السلام؟!
على أنه لو زعم بعض أتباع اﻟﮕﺎطع أن مراده هو أخذ البيعة للإمام المهدي عليه السلام فكيف يبايَع الإمام الغائب عليه السلام، بواسطة وصيّه المزعوم اﻟﮕﺎطع الذي هو غائب أيضاً؟! وقوله: (وإن لي في رقبة كل فرد من جماعة أنصار الإمام المهدي بيعة لا أقيل أحد [كذا] منها، وأطالبهم بها يوم القيامة) يدل بوضوح على أن يريد أخذ البيعة لنفسه لا للإمام المهدي عليه السلام!!
٢- أن اﻟﮕﺎطع دعا الناس إلى تقليده، وقد طبع كتاب (شرائع الإسلام) للمحقّق الحلي قدس سره، وعبث فيه، وبدَّل وغيَّر بما يزعم أنه موافق لفتاواه، وجعله رسالة عملية يعمل بها أتباعه ومقلّدوه.
قال اﻟﮕﺎطع في مقدّمة هذا الكتاب:
هذا الكتاب هو (شرائع الإسلام) في مسائل الحلال والحرام، للعالم الفاضل والولي الناصح لآل محمد عليهم السلام أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن رحمه الله، وقد بذل ما بوسعه لمعرفة أحكام شريعة الإسلام من روايات الرسول والأئمة عليهم السلام، ولكنه أخطأ في مقام، وتردّد في آخر، لا عن تقصير، بل عن قصور لا سبيل له على دفعه.
وقد قمتُ بتصحيحه وبيان أحكام شريعة الإسلام بما عرفتُه من الإمام المهدي عليه السلام، وبحسب ما أمرني الإمام المهدي عليه السلام أن أبيِّن ما يقال وحضر أهله وحان وقته، وأن أحيل ما لم يحن وقته إلى وقته، ومن يخالف هذه الأحكام فهو يخالف الإمام المهدي عليه السلام(٢٣٩).
ولو كان صادقاً في زعمه أنه نائب الإمام المهدي عليه السلام وسفيره، وأن الإمام عليه السلام أمره بذلك، لنسب هذا الكتاب للإمام عليه السلام، ولما حقَّ له أن ينسبه إلى نفسه، ولكنه لم يفعل ذلك، فنسبه إلى نفسه، وأدرجه في جملة مؤلّفاته.
٣- أن اﻟﮕﺎطع دعا الناس إلى نصرته:
قال في بيان له إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدّسة مؤرَّخ في ٨ ربيع الثاني سنة ١٤٢٦هـ، ومنشور في موقع أنصاره:
يا من تتخاذلون عن نصرة الإمام المهدي عليه السلام، هل تنتظرون إلا الاصطفاف مع السفياني (لع) وارث يزيد بن معاوية (لع)، بعد اصطفافكم مع الدجّال الأكبر (أمريكا)، إذن فابشروا بنار (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ)، ماذا ستقولون: (بكينا، ولطمنا الصدور على الحسين عليه السلام)؟ سيأتيكم جواب الحسين عليه السلام: (أنتم ممن أُشرك في دمي، فقد قاتلتم ولدي المهدي)، ماذا بعد، هل ستقولون: (إننا نقف على الحياد)؟ إذن جوابكم: (لعن الله أمة سمعت بذلك ورضيت به).
إلى أن قال: وإذا كان قراركم هو خذلان الحسين في هذا الزمان، وإذا اخترتم ظلم أنفسكم، فإني أحذّركم وأنذركم عذاب الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة، ولا عذر لكم ولا عاذر.
فإذا لم تكن كل هذه الأمور دعوة إلى النفس فكيف تكون يا أولي العقول والأبصار؟!
قوله: يدعو إلى الحق وإلى صراط مستقيم:
معناه: أن اليماني يدعو الناس إلى فرد مخصوص من أفراد الحق إن قلنا: إن لام التعريف في (الحق) عهدية، وهذا الفرد من الحق هو الدعوة إلى إمامة الإمام المهدي عليه السلام، ولزوم نصرته، وقد ورد في نفس الرواية ما يشير إلى ذلك حيث قال: (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم).
وأما إذا قلنا: إن اللام في (الحق) جنسية، فإنها تدل على أنه يدعو إلى جنس الحق، والجنس يتحقّق بتحقّق أحد أفراده، وعليه فحال اليماني حال من يدعو إلى توحيد الله تعالى، وإلى القول بأنه سبحانه وتعالى عَدْل لا يجور، وإلى نبوة نبيّنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحو ذلك.
وأما إذا كانت اللام في (الحق) استغراقية لاستغراق الأفراد فإنها تدل على أن اليماني يدعو إلى كل فرد من أفراد الحق، وإذا كانت اللام في (ال) استغراقية لاستغراق الصفات فإن المعنى حينئذ هو أن اليماني يدعو إلى أفراد من الحق جامعة لكل صفات الحق الأخرى، كدعوته مثلاً إلى الإمام المهدي عليه السلام، الذي يكون اتّباعه طريقاً إلى الوصول إلى كل حق.
لكن القول بأن اللام لاستغراق الأفراد لا دليل عليه، مع أنه بعيد جدًّا، إذ ليس من الحكمة أن يدعو أي مصلح إلى كل حق بنحو الإطلاق، مع أن اﻟﮕﺎطع قال في مقدمة كتاب شرائع الإسلام: (وبحسب ما أمرني الإمام المهدي عليه السلام أن أبيِّن ما يقال وحضر أهله وحان وقته، وأن أحيل ما لم يحن وقته إلى وقته)، وهذا يدل على أنه لحدّ الآن لم يبيّن كل حق باعترافه، وإنما بيّن ما حضر أهله، وحان وقته فقط.
وقوله: (لأنه يدعو إلى صاحبكم) قرينة واضحة على أن اللام للعهد، أي أن اليماني يدعو إلى حق مخصوص معيَّن، وهو الدعوة إلى الإمام المهدي عليه السلام.
وقول ناظم العقيلي: (فإذن هو يدعو إلى الحق قولاً ومنهجاً وفعلاً على نحو الحتم والجزم لا على نحو الجزئية أو الاحتمال) كلام خطابي إنشائي لا يستفاد من ألفاظ الرواية ولا غيرها، فلا قيمة له، مع أنا بيَّنّا فيما سبق فساد هذا الكلام.
وأما قول أحمد إسماعيل ﮔﺎطع:
وكلمة: (يدعو إلى الحق) تعني أنه يدعو إلى الحق جملة وتفصيلاً، فلو أنه دعا إلى الحق في أمر، ولم يدعُ إلى الحق في أمر آخر، لا يقول عنه المعصوم عليه السلام: (ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، وبالتالي يوجّه الناس إلى إتباعه (والقاعدة العقائدية التي تقرّها الحوزات العلمية في النجف وقم و.. إنه لا يصح الأمر بإتباع غير المعصوم، وإلا لكان الأمر بإتباع من يخطئ ويعصي؛ لورود الخطأ والمعصية من غير المعصوم، وبالتالي يكون الأمر بإتباع غير المعصوم أمرًا بالمعصية، وهذا باطل قطعًا)(٢٤٠).
فجوابه: أنّا بيَّنا أن معنى (يدعو إلى الحق) هو أنه يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام كما ورد في نفس الحديث، ولا دلالة في ذلك على أنه يدعو إلى كل حق، وقوله: (ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه) فيه دلالة على حرمة محاربته وإفشال حركته، ولا دلالة في هذه العبارة على الأمر باتباعه أو نصرته أيضاً كما أوضحنا ذلك فيما تقدّم، ومنه يتّضح فساد ما قاله اﻟﮕﺎطع من دلالة هذه الكلمة على وجوب اتباعه المستلزم لكونه معصوماً، فإنا لو سلّمنا بأنا مأمورون بنصرة اليماني في حركته فإن ذلك لا يدل على وجوب اتباعه مطلقاً حتى نستنتج من ذلك أنه معصوم، وهو أمر واضح، إلا أن اﻟﮕﺎطع وأتباعه حمّلوا هذه العبارات فوق ما تحتمل للتمويه على العوام وتضليلهم كما لا يخفى على المتنبّه البصير.
قوله: الملتوي عليه في النار:
معناه: أن الذي يحارب اليماني في النار، والسبب في ذلك أنه يدعو إلى الحق، وهو صادق في دعواه، وغرضه من الدعوة هو نصرة الإمام المهدي عليه السلام، ورجل بهذه الصفات لا يحاربه إلا من كان من أعداء الإمام المهدي عليه السلام، وعداوة إمام العصر عليه السلام وحدها كافية في دخول النار، فكيف إذا انضمّ إلى ذلك محاربة بعض مناصريه كاليماني مثلاً، ولا سيما أن محاربة اليماني تستلزم بمقتضى العادة قتل رجال مؤمنين من أنصاره، أو قصد قتلهم، وهذا موجب لدخول النار لا محالة.
قال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع في بيان له إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدّسة مؤرّخ في ٨ ربيع الثاني سنة ١٤٢٦هـ، منشور في موقع أنصاره:
وهذا يعني أن اليماني صاحب ولاية إلهية، فلا يكون شخص حجّة على الناس بحيث إن إعراضهم عنه يُدخلهم جهنّم وإن صلّوا وصاموا إلا إذا كان من خلفاء الله في أرضه، وهم أصحاب الولاية الإلهية من الأنبياء والمرسلين والأئمة والمهديّين.
والجواب: ١- أن الرواية ضعيفة السند، فلا يُحتجّ بها على شيء من العقائد المهمّة مثل كون اليماني صاحب ولاية إلهية، كما لا يُحتج بهذه الرواية على شيء من الأحكام الشرعية مثل وجوب نصرته كما بيّناه مكرّراً.
٢- أن هذه العبارة لا تدل على وجوب نصرة اليماني أو الإيمان بدعوته؛ لأن النهي عن الالتواء عليه ليس نهياً عن عدم الإيمان بدعوته أو عدم نصرته، بل هو نهي عن القيام بعمل مضاد لحركة اليماني ربما يؤدّي إلى إفشال حركته، أو قتله، أو قتل بعض المحاربين معه، وهذا لا يجوز بحال؛ لأن مجرّد قتال المؤمن أو قتله أو إيذائه كافٍ في استحقاق العذاب الأليم، فكيف إذا كان ذلك المؤمن من الدُّعاة إلى الإمام المهدي عليه السلام، القائمين بنصرته ومحاربة عدّوه السفياني؟!
ويدل على هذا الفهم ورود التعبير بـ (الالتواء عليه) الذي يدل على الإحاطة به ومحاربته، وليس بـ (الالتواء عنه) الذي يدل على الانصراف عنه وعدم نصرته.
قال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع :
مع أن في نهاية الرواية تعليل حرمة الالتواء؛ وهو بسبب أنه يدعو إلى الحق، فإذا كان الإعراض عنه وترك مناصرته جائزًا، فأقول: إذا كان هو الحق والداعي إلى الحق، والحق واحد لا يتعدّد، فماذا بعد الحق إلا الضلال، فأين يُتاه بكم وأين تذهبون؟ وإن المعنى الأول المتبادر لكلمة الالتواء هو الاستدارة وإعطاءه [كذا] ظهرك وإعراضك عنه، فكلمة (عن) تتضمّنها نفس كلمة الالتواء، فالمراد بالرواية (ولا يحل لمسلم أن يلتوي عنه أو عليه)(٢٤١).
والجواب: أن دعوة اليماني إلى الحق لا تبيح لأي مؤمن أن يلتوي عليه أو أن يحاربه ويقف ضدّه كما لا يجوز ذلك حيال كل داعٍ إلى الحق، وأما نصرته فإنّا بيَّنّا فيما تقدّم أنها غير واجبة، فإنه ليس كل من يدعو إلى الحق تجب نصرته؛ لأن وجوب النصرة لها شرائطها التي ربما لا تتوفّر في نصرة كل شخص، وإنما تتوفّر في نصرة بعض الأشخاص دون بعض، وبما أن وقت خروج اليماني مقارب لوقت قيام الإمام المهدي المنتظر عليه السلام فإنه لا مانع من نصرته، ولكنّ الأولى استبقاء النفس لنصرة الإمام المعصوم عليه السلام كما سيأتي بيانه قريباً.
والغريب ما ذكره عبد الرزاق الديراوي من اللوازم التي رتّبها على حرمة الالتواء عليه، حيث قال:
وإذا تذكّرنا الآن أنّ ولاية أهل البيت عليهم السلام حسنة لا تضرّ معها سيئة، وحصن يقي من دخله من العذاب، يكون واضحاً لدينا أن الالتواء على اليماني يعني الخروج من هذا الحصن وهذه الولاية، وهذا يعني أن اليماني حجّة من حُجج الله حتماً، طالما كان عدم الإيمان به يعني الخروج من الولاية، والإيمان به يعني التحصن بها(٢٤٢).
وفي هذا الكلام مجازفات لا يقولها من يحترم عقله، فإنه مضافاً إلى أنه لا يجوز ترتيب مثل هذه اللوازم العظيمة على رواية ضعيفة السند، فإن الخروج من ولاية أهل البيت عليهم السلام ربما يحصل بمجرّد تهمة مؤمن بريء كما ورد في بعض الأخبار، فقد روى الكليني قدس سره بسند صحيح عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حقُّ المسلم على المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه، ولا يروى ويعطش أخوه، ولا يكتسي ويعرى أخوه، فما أعظم حقّ المسلم على أخيه المسلم. وقال: أَحِبَّ لأخيك المسلم ما تحبُّ لنفسك، وإذا احتجت فسله، وإن سألك فأعطه، لا تمله(٢٤٣) خيراً ولا يمله لك، كن له ظهراً، فإنه لك ظهر، إذا غاب فاحفظه في غيبته، وإذا شهد فزره، وأجلّه وأكرمه، فإنه منك وأنت منه، فإن كان عليك عاتباً فلا تفارقه حتى تسأل سميحته، وإن أصابه خير فاحمد الله، وإن ابتلي فأعضده، وإن تمحّل له(٢٤٤) فأعنه، وإذا قال الرجل لأخيه: (أُفّ) انقطع ما بينهما من الولاية، وإذا قال: (أنت عدوّي) كفر أحدهما، فإذا اتّهمه انماث(٢٤٥) الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء...(٢٤٦).
فإذا كان اتّهام مؤمن بريء أو معاداته ربما تذيب الإيمان من القلب فإن محاربة المؤمن ربما تفضي إلى الخروج عن ولاية أهل البيت عليهم السلام بالأولوية، وهذا الحكم لا خصوصية فيه لليماني، فإن حاله من هذه الناحية حال سائر المؤمنين، ومن الواضح أن خروج أحد الطرفين من الولاية لا يستلزم أن يكون الطرف الآخر حجّة من حجج الله تعالى؛ لأن هذا الحديث المروي في الكافي إنما يبيّن حقوق المؤمنين على بعضهم، لا حقوق حجج الله تعالى على سائر الناس.
وقول الديراوي: إن عدم الإيمان باليماني (يعني الخروج من الولاية، والإيمان به يعني التحصّن بها) هذيان واضح، لأن هذا الاستنتاج لا تدل عليه الرواية بأي دلالة، ولا يمكن استفادته منها، والديراوي يحمّلها من الأباطيل ما لا تدل عليه، وهي وإن كانت مشتملة على الحثّ على النهوض مع اليماني والنهي عن الالتواء عليه، إلا أنها علّلت ذلك بأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ولم تعلّل ذلك بأنه حجّة من حجج الله تعالى، والدعوة إلى الحق وإلى طريق مستقيم لا تستلزم أن يكون الداعي حجّة من حجج الله المعصومين كما بيّنّاه فيما تقدّم.
قوله: وإذا خرج اليماني فانهض إليه:
فيه دلالة على الحثّ على المبادرة إلى نصرة اليماني.
فهل الأمر بالنهوض إلى نصرته يدل على وجوب الخروج معه والإيمان بدعوته أم لا؟
ويمكن الجواب بعدّة إجابات:
١- أن هذه الرواية ضعيفة السند، فلا يصح أن نعتمد عليها في حكم شرعي إلزامي مهم كوجوب نصرة اليماني، كما لا يجوز بذل النفس أو الاشتراك في أي حرب فيها تعريض النفس للقتل اعتماداً على رواية ضعيفة.
٢- أن الأمر بالنهوض في الرواية مشروط بخروجه، فإنه قال: (وإذا خرج اليماني فانهض إليه).
ويمانيهم - وهو اﻟﮕﺎطع - إن خرج كما هو الصحيح الذي أثبتناه فيما سبق فهذا دليل على أنه غير اليماني المعهود؛ لأن اليماني كما قلنا يكون خروجه متزامناً مع خروج الخراساني والسفياني في يوم واحد، وحيث إن الخراساني والسفياني لم يخرجا بعد فهذا دليل على أن اﻟﮕﺎطع ليس باليماني، مع أن اليماني يخرج قبل صاحب الأمر عليه السلام بستة أشهر، وقد مضى على خروج اﻟﮕﺎطع ما ينيف على عشر سنين والإمام المهدي عليه السلام لم يخرج بعد، وهذا دليل آخر على كذب اﻟﮕﺎطع في ادّعاء أنه اليماني.
وأما إذا قالوا: (إن اﻟﮕﺎطع لم يخرج بعد؛ لأن المراد بالخروج هو الخروج بالسيف)، وسلّمنا لهم بذلك، وأغمضنا عن جميع الأدلة التامّة المبطلة لدعوة اﻟﮕﺎطع، وسلّمنا لهم أيضاً بأنه هو اليماني المعهود، وأن نصرة اليماني واجبة، فإن نصرة هذا اﻟﮕﺎطع وطاعته مع كل ذلك لا تجب على الناس قبل خروجه؛ لأن الحديث علّق وجوب نصرة اليماني على خروجه، فلا تجب قبله.
وعليه، فإن نصرة اﻟﮕﺎطع غير واجبة على كل حال، سواء قلنا بخروجه أم لم نقل.
٣- أن صيغة الأمر في قوله: (فانهض إليه) إنما تدل على الوجوب إذا لم تكن قرينة صارفة له إلى غيره، والقرينة الدالة على عدم الوجوب موجودة، وهي الرواية الدالّة على أن الأَولى استبقاء النفس لحين خروج الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، فقد روى النعماني في (الغَيبة) بسنده عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق، يطلبون الحق فلا يُعطَونه، ثم يطلبونه فلا يُعطَونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيُعطَون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء، أما إني لو أدركتُ ذلك لاستبقيتُ نفسي لصاحب هذا الأمر(٢٤٧).
وهؤلاء القوم الذين يطلبون الحق وهم صادقون في طَلَبِهم، وقتلاهم شهداء، ويدفعونها إلى الإمام المهدي عليه السلام، مع ذلك فإن الإمام الباقر عليه السلام لا يرى رجحان الخروج معهم، ويرى أن الأولى استبقاء النفس لنصرة صاحب الأمر عليه السلام الذي ستكون العلامات الدالة على قرب خروجه واضحة ومتوفّرة في ذلك الوقت.
والغريب قول اﻟﮕﺎطع: والروايات بالنهوض لليماني ونصرته ووجوب بيعته والمتخلّف عن بيعته من أهل النار كثيرة ومحكمة(٢٤٨).
لأنه من المعلوم أنه لا توجد إلا رواية واحدة ضعيفة السند فيها أمر استحبابي بنصرته لا أكثر كما أوضحنا، وأما وجوب بيعته وأن المتخلّف عن بيعته من أهل النار فلا توجد رواية واحدة تدل على ذلك، فأين هذه الروايات الكثيرة المحكمة التي يزعمها هذا اﻟﮕﺎطع؟!
قال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع :
أَسألُ فقط هذا السؤال: هل على الناس أن تطيعك أم أن يطيعوا الأئمة عليهم السلام؟ فالأئمة عليهم السلام أمروهم بالنهوض إلى اليماني ونصرته، وأنت تأمر الناس بخذلان اليماني وترك نصرته، مدّعيًا أن قوله عليه السلام: (لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر) دالٌّ على ذلك، مع أنه متشابه، ولا يدل على توجيه الناس إلى خذلان اليماني من بعيد ولا من قريب، بل ما يدل عليه هو الحفاظ على النفس حتى تبدأ حركة الإمام عليه السلام، وحركة الإمام تبدأ باليماني، فأين يُتاه بكم، وأين تذهبون؟(٢٤٩).
والجواب: أما زعمه أن الأئمة عليهم السلام أمروا الناس بنصرة اليماني فهذا كذب محض، وافتراء عليهم؛ لأنّا نعرف أوامرهم عليهم السلام ونواهيهم من خلال ورودها في الروايات الصحيحة المرويّة عنهم، دون الروايات الضعيفة كهذه الرواية التي نتكلّم فيها.
وزعمه أن قوله عليه السلام: (لأبقيتُ نفسي لصاحب هذا الأمر) متشابه، ولا يدل على توجيه الناس إلى خذلان اليماني من بعيد ولا من قريب، غير صحيح؛ لأن هذه العبارة واضحة الدلالة على أن الأولى هو إبقاء النفس لنصرة صاحب الأمر عليه السلام الذي ستظهر في ذلك الوقت علامات قرب الظهور المقدّس، فكيف تكون متشابهة مع تمام وضوح معناها؟! وتشابهها في عقل اﻟﮕﺎطع لا تدل على أن هذه الكلمة متشابهة عند غيره!!
والغريب أن اﻟﮕﺎطع يدّعي أنه إمام معصوم، وأنه يتلّقى علومه عن إمام العصر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، ومع ذلك يزعم أن هذه العبارة الواضحة متشابهة، ويظهر أنه لا يفهم معناها!! والحال أن المتشابه عند الناس لا ينبغي أن يكون متشابهاً عند أئمة الهدى عليهم السلام، فإنهم عليهم السلام يعلمون المتشابه كما يعلمون المُحكم على حدٍّ سواء، كما قال تعالى في آيات الكتاب العزيز: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الأَْلْبابِ) [آل عمران: ٧].
وقد روى الكليني قدس سره بسنده عن بريد بن معاوية، عن أحدهما عليهما السلام في قوله الله عزّ وجلّ: (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الراسخين في العلم، قد علّمه الله عزّ وجلّ جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه،... والقرآن خاصّ وعامّ، ومحكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، فالراسخون في العلم يعلمونه(٢٥٠).
نعم، هذه العبارة لا تدل على توجيه الناس إلى خذلان اليماني، ولكنها تدل على أن نصرة صاحب الأمر عليه السلام أولى من نصرة غيره، ولا شك أن العاقل من يختار لنفسه ما هو أولى وأفضل.
وقوله: (بل ما يدل عليه هو الحفاظ على النفس حتى تبدأ حركة الإمام عليه السلام، وحركة الإمام تبدأ باليماني) غير صحيح؛ فإن حركة اليماني لا تكون بداية لحركة الإمام المهدي عليه السلام؛ لأنها مجرّد علامة تدل على قرب ظهور الإمام المهدي عليه السلام، والمطلوب هو استبقاء النفس من أجل نصرة صاحب الأمر عليه السلام، لا نصرة رجل يكون خروجه من علامات الظهور، ولو كان الأمر كما قاله اﻟﮕﺎطع لما كان هناك أي معنى لقوله عليه السلام: (أما إني لو أدركتُ ذلك لاستبقيتُ نفسي لصاحب هذا الأمر)؛ لأن هؤلاء الذين تتحدّث عنهم الرواية حالهم حال اليماني؛ لأنهم لا يدفعونها إلا إلى الإمام المهدي عليه السلام، فهم من أنصاره وأعوانه.
وقال ناظم العقيلي:
وعلى أي حال فالإمام الباقر عليه السلام قال: (إني لو أدركتُ ذلك) أي يتكلّم عن نفسه، ولم يقل: (من أدرك ذلك أو إن أدركتم ذلك فاستبْقوا أنفسكم للإمام المهدي عليه السلام)، فهو عليه السلام أعلم بمراده من قوله، فهم عليهم السلام لهم غايات وإرادات لا يمكن إدراكها إلا بتوفيق الله عزّ وجل(٢٥١).
وهذا من تلاعبه بمعنى الرواية كما هي عادته وعادة اﻟﮕﺎطع وأنصاره في التعامل مع الروايات، ولا يخفى أن الإمام عليه السلام لو كان يريد حثّ الشيعة على الانضمام إلى الراية المذكورة في الحديث لما قال ذلك؛ لأن ظاهر كلامه عليه السلام هو أن الأولى لجميع الشيعة أن يُبقوا على أنفسهم لحين ظهور صاحب الأمر عليه السلام لنصرته، وأن ذلك أولى من نصرة هذه الراية أو تلك، ولو كان الإمام عليه السلام في صدد بيان تكليف خاصّ به مخالف لتكليف الشيعة لبيَّن ذلك للراوي؛ كيلا يتوهّم بعض الشيعة أن ما قاله الإمام عليه السلام هو تكليفهم أيضاً، فيتركوا ما يجب عليهم من نصرة اليماني، مع أن تكليف الإمام عليه السلام إذا كان خاصًّا به، وكان تكليف الشيعة مغايراً لتكليفه، فما هي الفائدة في ذكره للراوي والحال أنه عليه السلام لن يكون مكلّفاً بشيء في هذه القضية؛ لأنه عليه السلام يعلم أنه لن يدرك هذه الرايات؟!
ثم إن هذه الرواية منسجمة مع الروايات المتعدّدة التي حثَّت الشيعة على السكون وعدم النهوض مع صاحب كل راية، إلى أن يظهر صاحب الأمر عليه السلام، فإذا ظهر وجب عليهم السعي إليه ولو حبواً على الثلج.
فقد روى الشيخ الكليني قدس سره عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال للفضل الكاتب: لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا - يقولها ثلاثاً -، وهو من المحتوم(٢٥٢).
وبسنده عن سدير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا سدير الزم بيتك، وكن حلساً من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك(٢٥٣).
وروى النعماني بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إنه قال لي أبي عليه السلام: لا بد لنارٍ من أذربيجان لا يقوم لها شيء، وإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم، وألبدوا ما ألبدنا، فإذا تحرّك متحرِّكنا فاسعوا إليه ولو حبواً، والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد، على العرب شديد، وقال: ويل لطغاة العرب من شرٍّ قد اقترب(٢٥٤).
ومن مجموع هذه الروايات وغيرها يتّضح أن الأئمة الأطهار عليهم السلام كانوا يؤكّدون على نهي شيعتهم عن الانضمام إلى أي حركة مسلّحة وإن كانت تدعو إلى صاحب الأمر عليه السلام، ويحثّونهم على السكون في بيوتهم إلى أن يخرج الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، فإذا خرج عليه السلام وجب عليهم الالتحاق به لنصرته.
ومن أوضح الروايات التي تدل على ما قلناه ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن الحسين بن خالد الكوفي، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: قلت: جُعلتُ فداك، حديث كان يرويه عبد الله بن بكير عن عبيد بن زرارة، قال: فقال عليه السلام لي: وما هو؟ قلت: روى عن عبيد بن زرارة أنه لقي أبا عبد الله عليه السلام في السنة التي خرج فيها إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، فقال له: جُعلتُ فداك، إن هذا قد ألف الكلام، وسارع الناس إليه، فما الذي تأمر به؟ قال: فقال: اتّقوا الله، واسكنوا ما سكنت السماء والأرض. قال: وكان عبد الله بن بكير يقول: ولئن كان عبيد بن زرارة صادقاً فما من خروج، وما من قائم. قال: فقال لي أبو الحسن عليه السلام: إن الحديث على ما رواه عبيد، وليس على ما تأوّله عبد الله بن بكير(٢٥٥)، إنما عنى أبو عبد الله عليه السلام بقوله: (ما سكنت السماء) من النداء باسم صاحبكم، و(ما سكنت الأرض) من الخسف بالجيش(٢٥٦).
فإن هذا الحديث يدل بوضوح على أن الواجب على شيعة أهل البيت عليهم السلام هو السكون، وأن يكونوا كأحلاس بيوتهم إلى أن يسمعوا الصيحة، ويعلموا بوقوع الخسف بجيش السفياني، أي أن الواجب عليهم عدم الانضمام إلى أي راية تخرج قبل قيام القائم عليه السلام حتى لو لم تكن راية ضلال.
ولا بدّ من التنبيه هنا إلى أنه ليس المراد بأن يكونوا أحلاس بيوتهم أنه لا يجب عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم لو داهمهم السفياني أو غيره من أصحاب الرايات الضالّة، فإن الدفاع عن النفس والعرض والمال واجب على كل حال، قبل الصيحة أو بعدها.
ومن المعلوم أنه لا يقع الخسف بجيش السفياني إلا بعد خروج اليماني بمدّة؛ لأن اليماني يخرج مع السفياني في يوم واحد، ولو كان اليماني واجب النصرة لما أمر الإمام عليه السلام شيعته بالسكون إلى أن يقع الخسف بالبيداء، ثم الرحيل إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام دون غيره.
ومن الروايات التي نهت عن الانضمام إلى أي راية إلا راية الإمام المهدي المنتظر عليه السلام ما رواه العياشي في تفسيره بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال في حديث طويل: الزم الأرض، لا تحرّكنّ يدك ولا رجلك أبداً حتى ترى علامات أذكرها لك في سنة...
إلى أن قال: وإيّاك وشُذّاذ من آل محمد، فإن لآل محمد وعلي راية، ولغيرهم رايات، فالزم الأرض، ولا تتبع منهم رجلاً أبداً، حتى ترى رجلاً من ولد الحسين، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين، ثم صار عند محمد بن علي، ويفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء أبداً، وإياك ومن ذكرت لك...(٢٥٧).
فإن قوله: (ولا تتبع منهم رجلاً أبداً) يشمل اليماني وغيره.
ولا ينقضي العجب من هؤلاء الذين يعبثون بمعاني الروايات ويفسِّرونها بأهوائهم من غير حياء ولا خجل، فإنه لا يختلف اثنان في أن المشار إليه في قوله: (حتى ترى رجلاً من ولد الحسين، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه) هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، إلا أن اﻟﮕﺎطع عبث بمعنى هذه الرواية أشدّ العبث، فقال:
فالإمام الباقر عليه السلام بعد أن بيَّن في أول الرواية الإمام المهدي عليه السلام ووزيره أخذ في نهاية الرواية يبيِّن حركته التمهيدية، ووجَّه الناس إلى رجل من ولد الحسين عليه السلام وهو المهدي الأول كما تبيَّن من بيان اليماني وإصدارات الأنصار، وكما هو بَيِّنٌ من نفس هذه الرواية، فهو يوصف بأن (معه عهد نبي الله) والعهد هو الوصيّة، والمهدي الأول مذكور في وصيّة رسول الله، واسمه أحمد، وهو أول مؤمن بالإمام عليه السلام في بداية ظهوره كما وصفه رسول الله، (ورايته) راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: البيعة لله، أي: الدعوة إلى التنصيب الإلهي ورفض ما سواه، (وسلاح رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم وهو القرآن والعلم(٢٥٨).
ويدل على فساد هذا الكلام أن هذه الرواية لم تشر من بعيد أو قريب إلى غير الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، وهو عليه السلام الذي معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين عليهما السلام، ثم صار عند محمد بن علي الباقر عليه السلام، ثم صار عند الأئمة عليهم السلام واحداً بعد واحد، إلى أن انتهى إلى الإمام المهدي عليه السلام، فكيف صار عند اليماني أو غيره؟!
وزعمه أن المراد بعهد نبي الله تعالى هو رواية الوصية المذكورة في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي قدس سره التي يزعم أنها تشير إلى اﻟﮕﺎطع، وأن راية رسول الله هي الدعوة إلى التنصيب الإلهي، وأن سلاحه هو القرآن والعلم، هذيان واضح، لا يخفى أن الغاية منه العبث بعقول البسطاء والسُّذَّج والتمويه عليهم حتى لا يُلزَم اﻟﮕﺎطع بإحضار وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورايته وسلاحه؛ لأنه لا يستطيع أن يُثبت إمامته بإحضار هذه الأمور التي تفضح مدّعي الإمامة، وتكشف كذب ادّعاءاته؛ لأنه لو كان المراد بعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورايته وسلاحه ما ذكره اﻟﮕﺎطع لاستطاع كل واحد اسمه أحمد أن يدّعي نفس دعاوى أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، فيزعم أن رواية الوصيّة تنص عليه بخصوصه، وأنه يدعو إلى البيعة لله لا لغيره، وأن عنده العلم والقرآن.
وأنا أتعجّب كثيراً من صفاقة هذا اﻟﮕﺎطع وقلّة حيائه وشدّة مكابرته، واستحقاره لعقول الناس، فمع أنه لا يُحسن قراءة صفحة من القرآن الكريم، ولا يستطيع أن يقرأ صفحة من كتاب آخر من دون أن يقع في أخطاء فاضحة فإنه يدّعي أنه أعلم الناس بالقرآن الكريم، ومن أراد أن يطّلع على أخطائه الفاضحة في قراءة القرآن وفي كلامه الآخر فليستمع إلى تسجيلاته المنشورة في موقع أنصاره، فإنها تورث القطع بأن هذا اﻟﮕﺎطع عاميٌّ صرف، ولا يعتقد بإمامته إلا من هو أغبى من حمار أهله، وقد ذكرت نماذج يسيرة من أخطائه في كتابي (الرد القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم)، فمن أراد الاطلاع عليها فليراجع هذا الكتاب.
***************
(٢٣٩) شرائع الإسلام ١/٥.
(٢٤٠) نصيحة إلى طلبة الحوزات العلمية وإلى كل من يطلب الحق: ٢٤.
(٢٤١) نصيحة إلى طلبة الحوزات العلمية وإلى كل من يطلب الحق: ٢٤.
(٢٤٢) جامع الأدلة: ١١٢.
(٢٤٣) لعل المراد: لا تَمَلّ من كثرة ما يسألك من الخير الذي عندك، ولا ينبغي له أن يَمَلّ منك من كثرة ما تسأله من الخير الذي عنده.
(٢٤٤) تمحّل له: أي احتيل عليه.
(٢٤٥) انماث: أي ذاب.
(٢٤٦) الكافي ٢/١٧٠.
(٢٤٧) الغيبة: ٢٨١.
(٢٤٨) نصيحة إلى طلبة الحوزات العلمية وإلى كل من يطلب الحق: ٢٧.
(٢٤٩) نفس المصدر: ٢٥.
(٢٥٠) الكافي ١/٢١٣.
(٢٥١) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٨٨.
(٢٥٢) الكافي ٨/٢٢٩.
(٢٥٣) نفس المصدر ٨/٢٢٠.
(٢٥٤) الغيبة للنعماني: ٢٠٠.
(٢٥٥) يظهر أن عبد الله بن بكير ظنَّ أن المراد بسكون الأرض والسماء هو استقرارهما، وحيث إنهما مستقرّتان بحسب الظاهر إلى أبد الدهر، إذن فلا قيام ولا قائم؛ لأن القيام وعدم السكون وهو النصرة مقترنان، فإذا انتفى أحدهما ينتفي الآخر، وبانتفاء النصرة المعلَّقة على سكون الأرض والسماء ينتفي القيام.
(٢٥٦) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١/٢٧٧. معاني الأخبار: ٢٦٦.
(٢٥٧) تفسير العياشي ١/٨٣.
(٢٥٨) نصيحة إلى طلبة الحوزات العلمية وإلى كل من يطلب الحق: ٢٧. 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page