• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الأدلة الدالّة على أن اليماني ليس إماماً مفترض الطاعة

 يدل على أن اليماني ليس إماماً مفترض الطاعة ولا صاحب دعوة خاصّة به عدّة أمور:
١- أن الروايات المتواترة عند الشيعة الإمامية حصرت الأئمة في اثني عشر، لا يزيدون ولا ينقصون، أوّلهم أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، وقد سبق أن ذكرنا جملة من تلك الروايات فيما تقدّم، ولو كان اليماني إماماً مفترض الطاعة لزاد عدد الأئمة على الاثني عشر، وهو واضح البطلان.
٢- أن اليماني لو كان إماماً مفترض الطاعة لوجب التأكيد على إمامته في الروايات الكثيرة المتواترة التي أَكّد الأئمة الأطهار عليهم السلام فيها على إمامة غيره من أئمة الهدى عليهم السلام، ولَذُكر ذلك على الأقل في رواية واحدة صحيحة، وكل من تتبّع الروايات لا يجد فيها أي إشارة من قريب أو بعيد إلى إمامة اليماني حتى في رواية واحدة ضعيفة السند، فكيف تثبت هذه الإمامة التي لا دليل عليها في الروايات؟!
٣- أن الروايات وصفت اليماني بأنه يدعو إلى الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ولو كان إماماً مفترض الطاعة لوجب أن يكون صامتاً في زمان الإمام المهدي عليه السلام، فإنه ما اجتمع إمامان في عصر واحد إلا كان أحدهما صامتاً كما دلّ عليه ما رواه الكليني قدس سره بسند صحيح عن الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا. قلت: يكون إمامان؟ قال: لا، إلا وأحدهما صامت(٢٩٥).
لكن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع تجاهل كل تلك الأحاديث المتواترة التي حصرت الأئمة في اثني عشر إماماً، وحاول أن يلتف على بعض الأحاديث الضعيفة ليثبت بها أن اليماني إمام مفترض الطاعة، فقال:
إن اليماني ممهِّد في زمن الظهور المقدّس ومن الثلاث مائة وثلاث عشر [كذا]، ويسلّم الراية للإمام المهدي، والمهدي الأول أيضاً موجود في زمن الظهور المقدّس، وأول مؤمن بالإمام المهدي عليه السلام في بداية ظهوره وقبل قيامه، فلا بد أن يكون أحدهما حجّة على الآخر، وبما أن الأئمة والمهديّين حجج الله على جميع الخلق، والمهدي الأول منهم، فهو حجّة على اليماني إذا لم يكونا شخصاً واحداً، وبالتالي يكون المهدي الأول هو قائد ثورة التمهيد، فيصبح دور اليماني ثانوياً، بل مساعداً للقائد، وهذا غير صحيح؛ لأن اليماني هو الممهّد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدّس، فتحتّم أن يكون المهدي الأول هو اليماني، واليماني هو المهدي الأول(٢٩٦).
ولا يخفى على القارئ العزيز ما في هذا الكلام من الأكاذيب الفاضحة المخالفة للأدلة الواضحة؛ فإنه لا توجد رواية واحدة تدل على أن اليماني من ضمن أنصار الإمام الثلاثمائة والثلاثة عشر، والرواية التي ذكرت أسماء أنصار الإمام المهدي عليه السلام ذكرت من اليمن جماعة لا يُعلم أن اليماني المعهود واحد منهم أو لا؛ لأن الروايات الأخرى لم تذكر اسم اليماني حتى يُعرف أنه أحد هؤلاء المذكورين، وأما ادّعاء أحمد إسماعيل ﮔﺎطع أن اليماني من البصرة واسمه أحمد، أي أنه هو نفس أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، فإن الرواية تكذِّبه؛ لأن الرواية التي رواها المرندي في (مجمع النورين) ورد فيها أن أنصار الإمام عليه السلام من البصرة: علي [و] محارب، وطليق(٢٩٧).
والرواية التي ذكرها اليزدي الحائري في (إلزام الناصب) ورد فيها أن أنصاره عليه السلام من البصرة رجلان: علي ومحارب(٢٩٨).
وأما محمد بن جرير الطبري الشيعي فإنه ذكر في (دلائل الإمامة) أن أنصاره عليه السلام من البصرة ثلاثة رجال: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد بن مليح، وحماد بن جابر(٢٩٩).
وهذه الروايات بأجمعها لا دلالة فيها على أن اليماني من أنصار الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، بل إنها تدل على خلاف ما يزعمه أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأتباعه من دلالة الروايات على أن اليماني من البصرة، واسمه أحمد، وأنه من الثلاثمائة والثلاثة عشر، فإن (أحمد) المذكور في رواية (دلائل الإمامة) هو أحمد بن مليح، لا أحمد بن إسماعيل ﮔﺎطع كما حاولوا أن يموّهوا على الناس في ذلك، ويوهموهم بأن أحد أنصار الإمام عليه السلام من البصرة اسمه (أحمد)، ولهذا تركوا النقل عن المصدر الأساس وهو (دلائل الإمامة)، ونقلوا عن كتاب (بشارة الإسلام)، الذي نقل هذه الرواية عن نسخة كثيرة الخطأ والتصحيف من كتاب (غاية المرام) الذي ينقل الرواية عن كتاب (دلائل الإمامة)، حيث جاء في الكتاب المذكور قوله: ومن البصرة: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد، ومليح، وحماد بن جابر(٣٠٠).
مع أن مؤلّف كتاب (بشارة الإسلام) اعترف بعد نقل هذه الرواية أن النسخة التي نقل عنها نسخةٌ كثيرة الأغلاط، فقال: هذه النسخة كثيرة الغلط، وقد سقط منها بعض الحروف وبُدّل البعض، وقد صحَّحت بعضها بنظري القاصر بواسطة بعض الأخبار.
ومع ذلك فإن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأنصاره نقلوا هذه الرواية عن هذا الكتاب الذي هو متأخّر، حيث توفي مؤلّفه سنة ١٣٣٦هـ، ولم ينقلوها عن المصدر الأصل وهو (دلائل الإمامة) لمؤلّفه محمد بن جرير بن رستم الطبري المتوفى في أوائل القرن الثالث الهجري؛ وسبب ذلك واضح، وهو أن ما في المصدر الأصلي يُبطل ما يدّعيه اﻟﮕﺎطع وأنصاره من أنه هو اليماني، وأنه أحد الثلاثمائة والثلاثة عشر، بخلاف النقل عن كتاب (بشارة الإسلام) الذي ورد فيه أن اسم أحد أنصار الإمام عليه السلام من البصرة اسمه أحمد، فإنه يمكن لهم أن يدَّعوا أن المراد به هو اﻟﮕﺎطع نفسه، رغم ما قاله مؤلّف الكتاب عن نسخته التي نقل عنها، وهذا دليل واضح على أنهم لا أمانة لهم في نقلهم عن المصادر، فإنهم كثيراً ما يبترون الرواية، فينقلون جزءاً منها، ويتركون نقل الباقي؛ لأن باقي الرواية يُبطل مزاعمهم الكاذبة، ويدل على خلاف ما يدّعونه.
وقد ذكر حيدر الزيادي وهو من المروِّجين لأحمد إسماعيل ﮔﺎطع أن (علي محارب) المذكور في بعض الروايات أنه من أنصار الإمام المهدي المنتظر عليه السلام هو نفس أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، حيث قال:
أوّل أنصار الإمام المهدي عليه السلام من البصرة، واسمه أحمد، وفي رواية سُمّي علي محارب، فأما علي فكونه الوصيّ في زمن الظهور كما أن علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله، فسُمّي علي [كذا] للمشابهة، ومحارب أي مقاتل؛ لكونه يقود معارك جيش الإمام عليه السلام العقائدية والعسكرية(٣٠١).
ولا يخفى أن هذا الكلام هذيان يُضحك الثكلى، وهو يدل على ما وصل إليه هؤلاء القوم من تحريف معاني الروايات والعبث بها، ويُبيِّن مدى خواء صاحبهم اﻟﮕﺎطع عن كل فضيلة، ولذا سعى أنصاره هذه المساعي المُخجِلة لكي ينسبوا له بعض الفضائل التي ليست له.
وهذا أنموذج مما دأب عليه أتباع اﻟﮕﺎطع الذين ينتقون من الروايات ما يظنون أنهم قادرون على تحريف معانيها، فمع أن كل مصادر الحديث التي ذكرناها لم يُذكر فيها ما يحتمل أنه إشارة إلى أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، إلا أنهم اختاروا اسماً فحرّفوا معناه بالنحو الذي نقلناه عن حيدر الزيادي، مع أنه من الواضح أن المراد بـ (علي محارب) كما في رواية (مجمع النورين)، أو (علي ومحارب) كما في رواية (إلزام الناصب)، رجل مسمّى بذلك، أو رجلان لهما هذان الاسمان، كما هو حال بقية الأسماء التي وردت في نفس الرواية للأنصار الباقين للإمام المهدي سلام الله عليه، فإن الإمام عليه السلام كان في صدد بيان أسماء هؤلاء الأنصار، من دون الإشارة إلى أي صفة يتّصف بها كل واحد منهم.
وأما زعم أحمد إسماعيل ﮔﺎطع أن اليماني يسلّم الراية للإمام المهدي عليه السلام فلم تدل عليه الروايات لا من قريب ولا من بعيد، والذي دلّت عليه الروايات التي ذكرناها فيما تقدّم هو أن اليماني يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، وأنه من الموالين له، ويقوم بنصرته، وزعمهم أنه هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، أو يوطّئ للإمام المهدي سلطانه، لا أثر له في الروايات، وكل ما ذكره أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأنصاره في ذلك فهو من أكاذيبهم وتمويهاتهم الكثيرة التي دلَّ الدليل على بطلانها.
وأما الاعتقاد بإمامة المهدي الأول الذي هو أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، وبإمامة المهديّين الأحد عشر من أولاد هذا اﻟﮕﺎطع، فهو من العقائد الشيطانية الباطلة التي خالفوا فيها جميع المسلمين منذ عصر الرسالة إلى يومنا هذا، وخالفوا بها الروايات المتواترة التي حصرت الأئمة المعصومين في اثني عشر، أوّلهم أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، ويكفي هذا في الدلالة على بطلان هذه العقيدة الفاسدة.
ومما قلنا يظهر بطلان استدلال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع على أن المهدي الأول هو اليماني المذكور في الروايات، حيث زعم أنه لو لم يكن المهدي الأول واليماني شخصاً واحداً للزم (أن يكون أحدهما حجّة على الآخر، وبما أن الأئمة والمهديّين حُجج الله على جميع الخلق، والمهدي الأول منهم، فهو حجّة على اليماني إذا لم يكونا شخصاً واحداً، وبالتالي يكون المهدي الأول هو قائد ثورة التمهيد، فيصبح دور اليماني ثانوياً، بل مساعداً للقائد، وهذا غير صحيح؛ لأن اليماني هو الممهّد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدّس، فتحتّم أن يكون المهدي الأول هو اليماني، واليماني هو المهدي الأول).
وهذا الكلام أوهن من بيت العنكبوت، فإن الشيعة كما قلنا منذ عصور الأئمة الأطهار عليهم السلام إلى يومنا هذا لا يقولون: (إنّ بعد الأئمة المعصومين الاثني عشر عليهم السلام اثني عشر مهديًّا من ولد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام)؛ لأنّ ذلك مضافاً إلى أنه مخالف للأحاديث الصحيحة المتواترة التي حصرت الأئمة المعصومين في اثني عشر فقط، أوّلهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وآخرهم المهدي المنتظر عليه السلام، فإنّا لم نجد دليلاً واحداً يدل على إمامة هؤلاء المهديّين الاثني عشر، الذين يزعم أحمد إسماعيل ﮔﺎطع زوراً وكذباً أنه أوّلهم، إلا رواية واحدة ذكرها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة)، أسماها اﻟﮕﺎطع وأنصاره برواية الوصيّة، وهي رواية ضعيفة السند، قاصرة الدلالة على ما ادّعوه، وقد ناقشت هذه الرواية سنداً ودلالة في كتابي (الرّد القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم)، فمن أراد الاطلاع على ذلك فليرجع إلى هذا الكتاب(٣٠٢).
وعلى ما قلناه، فإن المهدي الأول لن يكون له وجود في عصر الظهور ولا في غيره حتى نتردّد في أنه هل هو نفس اليماني، أو أنه رجل آخر غيره؟
ولو أغمضنا عن جميع الروايات التي حصرت الأئمة في اثني عشر، وسلّمنا جدلاً أن اثني عشر مهديًّا سيتولّون الإمامة بعد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، أوّلهم هو المهدي الأول، فإن ذلك لا يستلزم وجوده في عصر الظهور؛ لأنه ربما يولد بعد ذلك بعشر سنين أو عشرين سنة؛ وزعم أحمد إسماعيل ﮔﺎطع أنه هو المهدي الأول لا قيمة له؛ لأنه ادّعاء مجرّد لا دليل عليه، بل قام الدليل الصحيح على خلافه؛ فإن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع مضافاً إلى أنه لا ينتسب إلى الإمام المهدي عليه السلام لا من قريب ولا بعيد، والمهدي الأول إن كان سيوجد فهو من أولاد الإمام المهدي عليه السلام المباشرين، لا من أحفاد أحفاده كما هو حال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع بحسب زعمه، حيث يزعم كذباً وزوراً أن الإمام المهدي عليه السلام هو جدّه الرابع، فإن هذا اﻟﮕﺎطع لا يصلح لإمامة الصلاة؛ لأنه عامي صرف، وأخطاؤه في قراءة آيات القرآن كثيرة وفاضحة، لا يقع فيها كثير من صبيان المسلمين، فكيف يكون إماماً مفترض الطاعة؟!
ولو تنزّلنا وسلّمنا أن المهدي الأول سيكون معاصراً لعصر الظهور، فإن ذلك لا يستلزم أن يكون هو نفس اليماني؛ إذ لا محذور في أن يكونا شخصين مختلفين، أما المهدي الأول فهو أحد أولاد الإمام المهدي عليه السلام، وأما اليماني فهو أحد القادة الذين يقومون بنصرة الإمام المهدي عليه السلام، فأين التنافي؟!
 وما زعمه هذا اﻟﮕﺎطع من أن عدم اتّحاد شخصيتي الرجلين يستلزم أن يكون المهدي الأول قائد ثورة التمهيد، فيصبح دور اليماني ثانويًّا، ويكون اليماني مساعداً للقائد، وهو غير صحيح؛ لأن اليماني هو الممهّد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدّس، كله تخبيص فاضح وهذيان واضح؛ لأن قائد حركة الظهور المقدّس هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام نفسه، لا المهدي الأول الذي لا وجود له إلا في خيال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأتباعه، ولا اليماني الذي جعله هذا اﻟﮕﺎطع وأنصاره ممهّداً رئيساً وقائد حركة الظهور المقدّس من دون أي دليل على ذلك.
مع أنّا لو سلّمنا بوجود المهدي الأول في عصر الظهور فلا مانع أيضاً من جهة ثانية أن يكون المهدي الأول مغايراً لليماني، ويكون المهدي الأول صامتاً وقت الظهور، وأما اليماني فهو من علامات ظهور الإمام عليه السلام، ومن الداعين إليه، وأما قائد حركة الظهور المقدّس فهو الإمام المهدي عليه السلام نفسه كما قلنا.
ثم إن ناظماً العقيلي سار على نهج إمامه أحمد إسماعيل ﮔﺎطع في تجاهل الأحاديث المتواترة التي حصرت الأئمة في اثني عشر إماماً، وحاول الاستناد إلى بعض الأحاديث الضعيفة لإثبات أن اليماني إمام مفترض الطاعة، فقال:
وما دام أن شيعة آل محمد عليهم السلام مأمورون أن لا يجيبوا ولا ينصروا إلا رجل [كذا] من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يكون المقصود بالرجل في قول أمير المؤمنين عليه السلام: (يفرِّج الله البلاء برجل من بيتي كانفراج الأديم)، هو اليماني الموعود حتمًا، والقول بغير هذا يستلزم التناقض في كلام أهل البيت عليهم السلام وحاشاهم؛ لأنه يعني أن اليماني منهي عن نصرته؛ لأنه ليس من بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن مأمورون بالجلوس وعدم نصرة أي شخص حتى نسمع نداء رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (انظروا أهل بيت نبيّكم، فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم تُنصَروا وتُعذَروا)(٣٠٣).
وهذا كلام واضح البطلان؛ لأن الذي تجب نصرته وطاعته والتسليم له من أهل البيت عليهم السلام في عصر الظهور، والذي يرفع الله به البلاء، هو الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وأما اليماني فمضافاً إلى أن الوصف الوارد في الرواية - وهو أن الله يفرِّج به البلاء - لا ينطبق عليه، فإن نصرته - إن وجبتْ - فلأجل أنه يدعو إلى نصرة الإمام المهدي عليه السلام، لا من أجل أنه إمام مفترض الطاعة، وله دعوة أخرى خاصّة به مغايرة لدعوة الإمام المهدي عليه السلام.
ثم إن المتتبِّع لروايات آخر الزمان التي تحدثّت عن الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه، لا يجد فيها أي إشارة إلى أن اليماني سيكون قائداً في جيش الإمام المهدي عليه السلام، أو أن له دوراً في ملء الأرض قسطاً وعدلاً.
ولا ينقضي العجب من اﻟﮕﺎطع وأنصاره الذين جرَّدوا الإمام المهدي عليه السلام من كل فضيلة، فزعموا أن اليماني هو الذي يمهِّد للإمام المهدي عليه السلام، ويقوم بفتح الفتوحات، وأنه في حقيقة الأمر هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وأن نسبة ذلك إلى الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف لأجل كونه آمراً لا فاعلاً، كالملك الذي يجهِّز جيشاً، فيُنسب إليه كل ما يقوم به هذا الجيش من الفتوحات، وإن كان الملك لم يحارب، ولم يخطِّط، ولم يقم بأي مجهود يُذكر.
قال ناظم العقيلي:
يمكن لنا أن ننسب كل الحروب والملاحم التي يقوم بها اليماني الموعود إلى الإمام المهدي عليه السلام، من باب أنها بأمره وإرشاده، كما نقول: (فتح الملك الفلاني المدينة الفلانية)، في حين أن قائد جيشه هو الذي فتحها، وليس الملك نفسه، ولكن لا نستطيع أن نعكس المسألة، أي لا نستطيع أن ننسب الملاحم التي يقودها الإمام المهدي عليه السلام بنفسه بالمباشرة إلى اليماني الموعود؛ لأن اليماني الموعود حينئذ لا يكون سوى جندي كبقية الجنود والقادة، فلا قيادة مباشرة له، ولا أمر أو نهي أو تخطيط(٣٠٤).
إلى أن قال:
وبعد أن ثبت فيما سبق أن اليماني الموعود من ذرّيّة الإمام المهدي عليه السلام، فقد تنص الروايات على أمور كثيرة يقوم بها الإمام المهدي عليه السلام، ولكن في الحقيقة سيقوم بها ابنه ويمانيّه أحمد الوصيّ، ومنها مسألة مباشرة الملاحم، وحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، وقد تكون هناك أمور أخرى لم تخطر على البال(٣٠٥).
والنتيجة التي يريد أن يخلص إليها ناظم العقيلي أنه لا مانع من أن يقوم اليماني الذي فرَضَه العقيلي أنه من أبناء الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرَجه الشريف بكل ما ذُكر في الروايات أن الإمام المهدي عليه السلام سيقوم به حتى ملء الأرض قسطاً وعدلاً (وهذا من الأمور الأخرى التي لم تخطر على البال) وغير ذلك، وهذا لا يكون فيه تكذيب للروايات؛ لأن ما يفعله الابن أو الحفيد يصح نسبته إلى الأب أو الجد ولو بنحو المجاز لا الحقيقة.
وبهذا يخرج الإمام المهدي عليه السلام عن أن يكون هو المصلح العالمي الحقيقي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، ويكون المصلح العالمي الحقيقي بزعمهم هو أحمد إسماعيل ﮔﺎطع الذي نسبوا إليه كل فضائل الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
ولا يخفى أن هذا الكلام مخالف لإجماع المسلمين، فإنهم أجمعوا على أن الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً حقيقة هو الإمام المهدي عليه السلام نفسه، والروايات نسبت هذا الفعل إليه سلام الله عليه، ومقتضى ذلك هو حمل الكلام على معناه الحقيقي، الذي يدل على أنه عليه السلام هو الفاعل الحقيقي لا المجازي، ولا يمكن حمل الكلام على المجاز إلا بقرينة، ولا قرينة في البين تدل على أن الذي يملأ الأرض عدلاً هو رجل من ولده سلام الله عليه.
ثم إنه إذا كان الذي سيملأ الأرض عدلاً من ولد الإمام المهدي عليه السلام، وهو اﻟﮕﺎطع نفسه الذي يدّعي بلا حياء أنه حفيد حفيد الإمام المهدي عليه السلام، فلا وجه حينئذ لتخصيص الإمام المهدي عليه السلام في الروايات بأنه يملأ الأرض، ولا معنى للتأكيد على ذلك في جميع الروايات، واللازم حينئذ نسبة هذا الفعل إلى اﻟﮕﺎطع نفسه بنحو الحقيقة ولو في بعض الروايات على الأقل، ولا حاجة إلى استعمال المجاز في جميع الروايات من دون استثناء، فإن ذلك يوقع الناس في اللبس، بل في الضلال المبين.
ولو سلّمنا جدلاً بأن هناك ضرورة شرعية ملحّة يعلمها الأئمة الأطهار عليهم السلام، اقتضت منهم أن ينسبوا ملء الأرض إلى رجل آخر غير اﻟﮕﺎطع، فإن نسبته إلى أقرب الآباء وهو الحاج إسماعيل ﮔﺎطع (والد مُدّعي اليمانية)، أو نسبته إلى خير الآباء من جهة الأم وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو خير الآباء من جهة الأب وهو أمير المؤمنين عليه السلام أولى من نسبته إلى الجد الرابع - وهو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام - كما يدَّعي.
ثم إن ناظماً العقيلي لجأ للتدليل على إمامة اليماني إلى دليل آخر، فقال:
إذن فما دام أن الالتواء على اليماني يسبب دخول النار والكون من أهلها - والعياذ بالله - فلا بدّ أن يكون اليماني إمامًا منصّبًا من الله تعالى وحجّة إلهية؛ لأنه لو لم يكن كذلك لما كان الملتوي عليه من أهل النار، ولكان الملتوي عليه غير خارج عن ولاية أهل البيت، ويكون من أهل الجنة لا من أهل النار(٣٠٦).
والجواب عُلم مما سبق، فإن هذه الرواية مضافاً إلى ضعف سندها، فإن الالتواء على اليماني يعني محاربته وإضعاف شوكته وإفشال حركته، وحيث إنه يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام ويقوم بنصرته، فإن محاربة اليماني تفضي إلى إضعاف حركة الإمام المهدي عليه السلام، ولا شك في أن كل من يعمل على إضعاف حركة الإمام المهدي عليه السلام فهو من أهل النار.
مضافاً إلى ذلك فإن الالتواء على اليماني بحربه وقتاله عادة ما يفضي إلى سقوط قتلى مؤمنين من جيشه، وهذا سبب كافٍ لدخول النار، بل إن مجرّد مقاتلة المؤمن بقصد قتله مما يوجب لفاعله أيضاً العذاب الأليم، وهذا ليس مخصوصاً باليماني، بل هو شامل لجميع المؤمنين، واليماني واحد منهم، فلا دلالة في هذه العبارة على أن اليماني إمام منصوب من الله تعالى، أو أنه حجّة إلهيّة، والروايات الواردة في النهي والتحذير عن قتال عموم المؤمنين أشهر من أن تخفى.
منها: موثَّقة أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه(٣٠٧).
قال الشيخ المجلسي قدس سره:
(وقتاله كفر) المراد به الكفر الذي يُطلق على أرباب الكبائر، أو إذا قاتله مستحِلًّا، أو لإيمانه، وقيل: كأنّ القتال لما كان من أسباب الكفر أطلق الكفر عليه مجازاً، أو أريد بالكفر كفر نعمة التآلف، فإن الله ألَّف بين المؤمنين، أو إنكار حق الإخوة، فإن من حقّها عدم المقاتلة(٣٠٨).
ومنها: معتبرة زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفيهما على غير سُنّة فالقاتل والمقتول في النار، فقيل: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: لأنه أراد قتله(٣٠٩).
وهذا الحديث واضح الدلالة على أن المرء يؤاخذ على قصده قتل المسلم بغير حق.
قال الشيخ المجلسي قدس سره:
ونحن نعلم أن من عزم ليلاً على أن يُصبح ويقتل مسلماً، أو يزني بامرأة، فمات تلك الليلة مات مُصرًّا، ويُحشر على نيّته وقد همَّ بسيّئة ولم يعملها، والدليل القاطع فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: لأنه أراد قتل صاحبه)، وهذا نص في أنه صار من أهل النار بمجرد الإرادة، مع أنه قُتل مظلوماً، فكيف تظن أن الله لا يؤاخذ بالنيّة والهم، بل كل ما دخل تحت اختيار العبد فهو مأخوذ به، إلا أن يكفّره بحسنة، ونقض العزم بالندم حسنة، فلذلك كُتب حسنة، وأما فوات المراد بعائق فليس بحسنة(٣١٠).
ومحصَّل الكلام أن قتال اليماني وإن لم يتسبّب منه وقوع قتلى من جنوده فهو في نفسه محرّم؛ لأن قتال المسلم جرم عظيم وُصِفَ في بعض الأحاديث بأنه كفر؛ ولأن المرء يحاسَب على قصده ما لم ينقضه بالتوبة والندم.
***************
(٢٩٥) الكافي ١/١٧٨.
(٢٩٦) المتشابهات ٤/٤٦.
(٢٩٧) مجمع النورين: ٣٣١.
(٢٩٨) إلزام الناصب ٢/١٧٤.
(٢٩٩) دلائل الإمامة: ٣١٣.
(٣٠٠) بشارة الإسلام: ٢٩٥.
(٣٠١) اليماني الموعود حجة الله: ١٥٦.
(٣٠٢) الرد القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم: ٢٧-٥٤.
(٣٠٣) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٦١.
(٣٠٤) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٦٤.
(٣٠٥) نفس المصدر ١/٦٧.
(٣٠٦) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/١١٢.
(٣٠٧) الكافي ٢/٣٦٠.
(٣٠٨) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ١١/٧.
(٣٠٩) علل الشرائع ٢/١٧٢. تهذيب الأحكام ٦/١٧٤.
(٣١٠) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ١١/٢٧٤. 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page