• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

دور اليماني في قتال السفياني

 بما أن راية اليماني راية هدى، واليماني يدعو إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وراية السفياني راية ضلال، وهو سيكون في مواجهة مسلّحة مع الإمام المهدي سلام الله عليه، فمن الطبيعي أن تكون هناك مواجهة مسلحة بين اليماني من جهة، والسفياني من جهة أخرى، إلا أن الروايات لم تذكر دوراً مهمًّا لليماني من هذه الناحية، بل إني لم أجد رواية واحدة تبيّن أي دور له في ذلك، وهذا قد يشكّك الباحث في فاعلية دور اليماني في قتاله مع السفياني.
ولكن عندما نقرأ ما كتبه اﻟﮕﺎطع وأتباعه، وكذا ما كتبه غيرهم نجد أنهم ذهبوا إلى طرفي نقيض في بيان دور اليماني في قتال السفياني.
فقد ذهب السيّد محمد الصدر رحمه الله في كتابه (تاريخ ما بعد الظهور) إلى أن السفياني سيُجهز على اليماني، وسيُخْلي الساحة منه، فقال:
إنه تبقى عدّة فجوات في تسلسل الحوادث لم تنطق بها الأخبار بوضوح، ومن الصعب استدراكها بطبيعة الحال، نذكر لها بعض الأمثلة:
إلى أن قال:
ومنها: دور اليماني عسكريًّا وفكريًّا وعقائديًّا، وإن كان المظنون أنه هو المشار إليه في بعض الأخبار بأن رايته راية هدى كما سمعنا في التاريخ السابق، والسفياني سيُجهز عليه، وسيُخلي الساحة منه، إلا أنّ فجوات أخرى سوف تبقى غير قابلة للجواب(٣٣٠).
والذي يظهر أن هذا القول ناشئ عن الاشتباه في فهم عبارة وردت في رواية رواها الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن عمار بن ياسر، قال: إن دولة أهل بيت نبيّكم في آخر الزمان، ولها إمارات، فإذا رأيتم فالزموا الأرض، وكفّوا حتى تجيء أماراتها، فإذا استثارت عليكم الروم والترك، وجهّزت الجيوش، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال، واستُخلف بعده رجل صحيح، فيُخلع بعد سنين من بيعته، ويأتي هلاك ملكهم من حيث بدأ، ويتخالف الترك والروم، وتكثر الحروب في الأرض، وينادي منادٍ من سور دمشق: (ويل لأهل الأرض من شرٍّ قد اقترب)، ويُخسف بغربي مسجدها حتى يخرّ حائطها، ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلهم يطلب الملك: رجل أبقع، ورجل أصهب، ورجل من أهل بيت أبي سفيان يخرج في كلب، ويحضر الناس بدمشق، ويخرج أهل الغرب إلى مصر، فإذا دخلوا فتلك إمارة السفياني، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد عليهم السلام، وتنزل الترك الحيرة، وتنزل الروم فلسطين، ويسبق عبد الله (عبد الله) حتى يلتقي جنودهما بقرقيسياء على النهر، ويكون قتال عظيم، ويسير صاحب المغرب فيقتل الرجال ويسبي النساء، ثم يرجع في قيس حتى ينزل الجزيرة السفياني، فيسبق اليماني، [فيقتل] ويحوز السفياني ما جمعوا، ثم يسير إلى الكوفة فيقتل أعوان آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويقتل رجلاً من مسمّيهم، ثم يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح...(٣٣١).
وسبب اللبس أن كلمة (فيقتل) قرأها السيد رحمه الله مبنية للمجهول، فصار معنى العبارة: (فيسبِق السفيانيُّ اليمانيَّ فيُقتل) يعني يُقتل اليمانيُّ، ولكن الصحيح أنها مبنية للمعلوم، والمعنى: (فيسبقُ السفيانيُّ اليمانيَّ، فيَقْتُلُ) يعني فيقتل السفيانيُّ أعداءَه، ويحوزُ ما جمعوا.
وعليه، فلا دلالة في هذه العبارة على أن السفياني سيُجْهز على اليماني.
وفي قبال ذلك نجد بعض أتباع اﻟﮕﺎطع وكذا بعض الباحثين يصرّون على أن اليماني له دور أساس في قتال السفياني، بل زعموا أنه سيقتل السفياني بيده:
قال ناظم العقيلي:
وقول الإمام عليه السلام: (أما يعلمون أنه إنما يَقْتُل السفياني)، الظاهر رجوع الضمير في (أنه) إلى صاحب الرايات السود (أبي مسلم الخراساني) الذي ظنّوا به أنه اليماني الموعود، أو الممهِّد الذي به يؤول الأمر إلى أهل البيت عليهم السلام، فبيَّن لهم الإمام عليه السلام بأن ذلك إنما يقتل السفياني، وليس هذا - أبو مسلم الخراساني - الذي لم يخرج معه السفياني عندما خرج للقتال ورفع الرايات السود، وعلى هذا يكون الذي يقتل السفياني هو اليماني الموعود، بملاحظة الروايات التي تذكر مواجهة وقتال اليماني مع السفياني...(٣٣٢).
قلت: قول الإمام عليه السلام: (أما يعلمون أنه إنما يَقْتُل السفياني) يريد به الإمام القائم عليه السلام الذي يظهر السفياني في عصره، فإنه هو الذي يقتل السفياني، وكان بعض أصحاب الإمام الصادق عليه السلام قد توهَّموا أن هؤلاء المسوّدة - أي أصحاب الرايات السود الخارجين من خراسان - هم أصحاب الرايات السود الذين يخرجون من خراسان، وينصرون الإمام القائم عليه السلام الذي يؤول إليه الأمر بعد قتل السفياني، فظنّوا أن الإمام الصادق عليه السلام هو ذلك الإمام، إلا أن الإمام عليه السلام بيَّن لهم أن الأمر ليس كذلك، وأن الذي سيؤول إليه الأمر هو الإمام الذي يَقْتل السفياني، والسفياني لم يظهر بعد، ولن يُقتل إلا بعد زمان الإمام الصادق عليه السلام.
ومما قلناه يتّضح مقدار عبث ناظم العقيلي بمعنى الرواية؛ حيث زعم أن الإمام الصادق عليه السلام بيَّن لأصحابه أن الذي يقتل السفياني هو صاحب الرايات السود التي تخرج من خراسان وهو اليماني، وهذا تخليط فاضح، فإن قائد الرايات السود هو الخراساني لا اليماني كما ذكرناه فيما سبق، وهلاك السفياني لن يكون على يدي الخراساني، وإنما سيتم على يدي الإمام المهدي عليه السلام كما دلّت عليه جملة من الروايات التي سنذكرها قريباً.
قال الشيخ المجلسي قدس سره في شرح الحديث:
قوله عليه السلام: (حين ظهرت المسوِّدة) أي أصحاب أبي مسلم المروزي؛ لأنهم كانوا يلبسون السواد.
قوله عليه السلام: (ما أنا لهؤلاء بإمام) أي أنهم لاستعجالهم، وعدم التسليم لإمامهم(٣٣٣) خارجون عن شيعته والمقتدين به.
قوله عليه السلام: (إنما يَقْتُل السفياني) أي أما يعلمون أن القائم يَقْتُل السفياني الخارج قبله كما يظهر من كثير من الأخبار أنه عليه السلام يقتله؟ أو أما يعلمون أن من علامات ظهور دولة أهل البيت قتل السفياني قبل ذلك، والسفياني لم يخرج، ولم يُقْتَل بعد، فكيف يصح لنا الخروج والجهاد؟(٣٣٤).
وقال ناظم العقيلي في موضع آخر:
إن اليماني الموعود هو من يقضي على دولة بني العباس في آخر الزمان وعلى أعداء آل محمد عليهم السلام، وإن على يديه تكون الملاحم، ويتبيّن من الروايات أن ذروة ذلك يكون في ثمانية أشهر، ونعلم أيضًا أن اليماني هو من سيهزم السفياني من العراق ومن إيران.. أي إن اليماني الموعود سيخوض ذروة الملاحم وأشدّها(٣٣٥).
قلت: لا يظهر من الروايات ذلك، وإنما يظهر منها أن زوال ملك بني العباس على يد الخراساني، فقد روى النعماني قدس سره بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ملك بني العباس يسر لا عسر فيه، دولتهم لو اجتمع عليهم الترك والديلم والسند والهند والبربر والطيلسان لن يزيلوه، ولا يزالون في غضارة(٣٣٦) من ملكهم حتى يشذّ عنهم مواليهم وأصحاب ألويتهم، ويسلّط الله عليهم علجاً(٣٣٧) يخرج من حيث بدأ ملكهم، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا تُرفع له راية إلا هدَّها، ولا نعمة إلا أزالها، الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر، ويدفع بظفره إلى رجل من عترتي، يقول بالحق ويعمل به(٣٣٨).
وقوله: (ويسلّط الله عليهم عِلْجاً يخرج من حيث بدأ ملكهم) يدل على أن هذا الرجل الذي سلّطه الله على ملك بني العباس خراساني؛ لأنه من خراسان التي بدأ ملك بني العباس منها بقيادة أبي مسلم الخراساني، والخراساني الذي يدفع بظفره إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام هو الخراساني المحتوم دون غيره.
وإزالة ملك بني فلان الذي يكون علامة على قرب الظهور يشترك فيه كل من الخراساني والسفياني معاً.
فقد روى النعماني قدس سره في (الغيبة) بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال في حديث طويل: لا بدّ لبني فلان من أن يملكوا، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرَّق ملكهم، وتشتَّت أمرهم، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من هنا، وهذا من هنا، حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما، أما إنهم لا يُبقون منهم أحداً(٣٣٩).
ومن مجموع الروايات لا نجد أي ذكر للملاحم التي ينسبها اﻟﮕﺎطع وأتباعه لليماني المعهود، والتي إن وُجدت في موضع فهي موجودة فقط في أوهام هؤلاء القوم وخيالاتهم!
ثم إن ناظماً العقيلي زعم أن المراد بالقائم الذي ورد في الروايات أنه يقاتل السفياني هو اليماني، فقال:
وبعد ما تقدّم يتّضح لنا أن القائم الذي يقاتل السفياني، ويتسابق معه كفرسي رهان ليس الإمام المهدي محمد بن الحسن عليه السلام، وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يكون غير اليماني الموعود؛ لأن اليماني موصوف بأنه أهدى الرايات، ومأمور بنصرته، وأن الملتوي عليه من أهل النار...(٣٤٠).
وهذا كما سبقه تخليط واضح، فإن الروايات التي ذكرت قتال القائم عليه السلام للسفياني تدل على أن القائم هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وصرفها إلى اليماني عبث بالروايات وحملها على غير ما يراد بها، فإن الروايات التي ورد فيها أن الإمام المهدي عليه السلام يذبح السفياني فيها من التصريح والتوضيح ما يرفع كل لبس، ويزيل احتمال أن المراد بالقائم رجل آخر، سواء كان اليماني أم غيره.
ومن هذه الروايات ما رواه العياشي في تفسيره بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال في حديث طويل: ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة، فينفر المهدي منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة، فيبعث جيشاً على أثره، فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً يترقّب على سُنّة موسى بن عمران عليه السلام. وقال: فينزل أمير جيش السفياني البيداء، فينادي منادٍ من السماء: (يا بيداء، بيدي القوم)، فيُخسف بهم، فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر، يحوّل الله وجوههم إلى أقفيتهم...
وبعد أن ذكر ذهاب القائم عليه السلام إلى مكة، وإعلان خروجه المبارك، ومبايعة الثلاثمائة والثلاثة عشر من أصحابه له، قال من أجل التأكيد على أنه صاحب الأمر: ثم يخرج من مكة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر، يبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد نبي الله ورايته وسلاحه ووزيره معه، فينادي المنادي بمكة باسمه وأمره من السماء، حتى يسمعه أهل الأرض كلّهم، اسمه اسم نبي، ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ورايته وسلاحه.
إلى أن قال: ثم يسير حتى يأتي العذراء هو ومن معه وقد لحق به ناس كثير، والسفياني يومئذ بوادي الرملة، حتى إذا التقوا - وهم(٣٤١) يوم الأبدال - يخرج أناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد، ويخرج ناس كانوا مع آل محمد إلى السفياني، فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم، ويخرج كل ناس إلى رايتهم، وهو يوم الأبدال. قال أمير المؤمنين عليه السلام: ويقتل يومئذ السفياني ومن معه حتى لا يترك منهم مخبر(٣٤٢).
والحديث كما هو واضح يبيِّن أحوال القائم عليه السلام وما يكون بعد خروجه، ولم يرد فيه أي ذِكْر لليماني حتى يمكن لمتوهِّم أن يتوهَّم أن المراد بالقائم هو اليماني، ومن الواضح أن الإمام الباقر عليه السلام كان يتحدّث عن الإمام المهدي عليه السلام الذي ينادى من السماء باسمه واسم أبيه، ويكون معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، ويبايعه الثلاثمائة والثلاثة عشر بين الركن والمقام ونحو ذلك مما هو من مختصّات الإمام المهدي عليه السلام دونما سواه.
وكذلك الحال في رواية أخرى رواها العياشي في تفسيره عن عبد الأعلى الجبلي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب...
ثم ذكر خروجه عليه السلام في مكة وبيعة الثلاثمائة والثلاثة عشر له، وخروجه من مكة بجيشه، وخسف جيش السفياني بالبيداء، وإثبات إمامته للناس بعهد عنده من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُخرجه لهم. وذكر خروجه إلى نجف الكوفة وجبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وأن الرعب يسير أمامه شهراً وخلفه شهراً، وأن الله يمدّه بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين...
ثم قال: ثم يدخل الكوفة فلا يبقى مؤمن إلا كان فيها أو حنَّ إليها، وهو قول أمير المؤمنين علي عليه السلام، ثم يقول لأصحابه: (سيروا إلى هذه الطاغية)، فيدْعوه إلى كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، فيعطيه السفياني من البيعة سلماً، فيقول له كلب وهم أخواله: هذا ما صنعت؟! والله ما نبايعك على هذا أبداً! فيقول: ما أصنع؟ فيقولون: استقبله. فيستقبله، ثم يقول له القائم صلى الله عليه وآله وسلم: (خذ حذرك، فإنني أدّيت إليك وأنا مقاتلك)، فيصبح فيقاتلهم، فيمنحه الله أكتافهم، ويأخذ السفياني أسيراً، فينطلق به ويذبحه بيده(٣٤٣).
وهذا الحديث كسابقه يبيّن ما يحدث بعد خروج الإمام المهدي عليه السلام، ولا ذِكْر فيه لليماني كما هو واضح لكل ذي عينين.
وقد صرّح بعض علماء أهل السنة بأن الإمام المهدي عليه السلام هو الذي يذبح السفياني، وهذا يُشعر بأن رواياتهم تدل على ذلك أيضاً.
قال محمد بن علي الصبّان: وأن السفياني يبعث إليه من الشام جيشاً، فيُخسف بهم بالبيداء، فلا ينجو منهم إلا المخبر، فيسير إليه السفياني بمن معه، فتكون النصرة للمهدي، ويذبح السفياني(٣٤٤).
قال علي بن حسام الدين المتّقي الهندي: ومن الفتن المتّصلة بخروج المهدي إمارة السفياني، وخسف جيشه بالبيداء، وذبح المهديُّ السفيانيَّ آخر الأمر، وهذه العلامات قريبة إلى حدّ التواتر(٣٤٥).
ومن مجموع ما قلناه يتبيّن للقارئ العزيز أن اﻟﮕﺎطع وأتباعه طريقتهم في تضليل البسطاء والمغفّلين هي العبث بمعاني الأحاديث الواضحة، وإيهام الناس أن أحاديث أهل البيت عليهم السلام لا يفهمها أحد غيرهم؛ لأن الأئمة الأطهار عليهم السلام جعلوا كلامهم شفرات لا يُتمكَّن من حلّها، وألغازاً معمَّاة، وأحاجي لا يفهمها حتى أعاظم العلماء السابقين والمعاصرين، ولم يكشف عن معانيها منذ وقت صدورها إلى يومنا هذا إلا هذا اﻟﮕﺎطع وأتباعه!!
ومما يؤسف له أن هذا الرأي - وهو أهمية دور اليماني في قتال السفياني - تبنّاه بعض الباحثين، ولعلّه أخذه من كلام اﻟﮕﺎطع وأتباعه، حيث قال:
ولهذا فإن هناك أكثر من مبرّر يدعو السفياني للهجوم على العراق.
وعليه فيكون اليماني - من الناحية الواقعية - هو المبادر الأول لمجابهة حركة السفياني، ويكون خروجه متزامناً مع خروج السفياني في الشام نتيجة لرصد أمني مبكّر لديه، أو لحاجة أمنيّة ملحّة، وذلك لوجوده في أرض المعركة سلفاً على ما يبدو؛ ولأنه معنيٌّ أساساً بالساحة العراقية(٣٤٦).
قلت: إن كان مراده من أن اليماني هو المبادر الأول لمجابهة السفياني هو أنه أوّل من يسعى لذلك، فهذا لم يتّضح من الروايات، والذي يُفهم من الروايات أن السفياني لن يحاربه في الشام لا الخراساني ولا اليماني، وإنما ستكون حروبه مع الأصهب والأبقع، وأما عندما تتوجّه جيوشه إلى الكوفة، فإن اليماني لن يكون في مواجهة معه، وجيوش السفياني ستتمكّن من إيقاع مقتلة عظيمة بأهل الكوفة، وسيكون في مواجهته الخراساني الذي سيأتي بعد ذلك براياته السوداء من خراسان.
ومن الروايات التي تدل على ذلك ما رواه النعماني بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: يا جابر، الزم الأرض، ولا تحرِّك يداً ولا رِجْلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها: أوّلها اختلاف بني العباس، وما أراك تدرك ذلك، ولكن حدِّثْ به من بعدي عني، ومنادٍ ينادي من السماء...
إلى أن قال: فأوّل أرض تخرب أرض الشام، ثم يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني، فيلتقي السفياني بالأبقع، فيقتتلون، فيقتله السفياني ومن تبعه، ثم يقتل الأصهب، ثم لا يكون له همّة إلا الإقبال نحو العراق، ويمرّ جيشه بقرقيسياء، فيقتتلون بها، فيُقتل بها من الجبّارين مائة ألف، ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدّتهم سبعون ألفاً، فيُصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قِبَل خراسان، وتطوي المنازل طيًّا حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم(٣٤٧).
وهذه الرواية تبيِّن أن الخراساني هو المبادر الأول لمواجهة السفياني في العراق، ولم أجد رواية أخرى تدل على خلاف ذلك، وهذا لا يتنافى مع كون راية اليماني أهدى الرايات، كما أن قولي ذلك لا يعني أنني أقلِّل من شأن اليماني في نصرة الإمام المهدي عليه السلام أو الدعوة إليه، ولكن البحث يقتضي اقتفاء أثر الروايات، والنظر في مدى دلالتها من دون زيادة، وعليها يكون المعوّل في استخلاص جميع النتائج.
نعم روى الفضل بن شاذان في كتابه (مختصر إثبات الرجعة)، عن زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: استعيذوا بالله من شرِّ السفياني والدجّال وغيرهما من أصحاب الفتن. قيل له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أمّا الدجّال فعرفناه وقد تبيَّن من مضامين أحاديثكم شأنه، فمن السفياني وغيره من أصحاب الفتن؟ وما يصنعون؟ قال عليه السلام: أوّل من يخرج منهم رجل يقال له: أصهب بن قيس، يخرج من بلاد الجزيرة، له نكاية شديدة في الناس وجور عظيم، ثم يخرج الجرهمي من بلاد الشام، ويخرج القحطاني من بلاد اليمن، ولكل واحد من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم، ويغلب على أهلها الظلم والفتنة منهم، فبينا هم كذلك يخرج عليهم السمرقندي من خراسان مع الرايات السود، والسفياني من الوادي اليابس من أودية الشام، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، وهذا الملعون يُظهر الزهد قبل خروجه ويتقشّف، ويتقنّع بخبز الشعير والملح الجريش، ويبذل الأموال، فيجلب بذلك قلوب الجهّال والرذّال، ثم يدّعي الخلافة فيبايعونه، ويتبعهم العلماء الذين يكتمون الحق ويُظهرون الباطل، فيقولون: (إنه خير أهل الأرض)، وقد يكون خروجه وخروج اليماني من اليمن مع الرايات البيض(٣٤٨) في يوم واحد وشهر واحد وسنة واحدة، فأوّل من يقاتل السفياني القحطاني، فينهزم ويرجع إلى اليمن، ويقتله اليماني، ثم يفرّ الأصهب والجرهمي بعد محاربات كثيرة من السفياني، فيتبعهما ويقهرهما، ويقهر كل من ينازعه ويحاربه إلا اليماني، ثم يبعث السفياني جيوشاً إلى الأطراف، ويسخِّر كثيراً من البلاد، ويبالغ في القتل والفساد، ويذهب إلى الروم لدفع الملك الخراساني، ويرجع منها منتصراً(٣٤٩) في عنقه صليب، ثم يقصد اليماني، فينهض اليماني لدفع شرّه، فينهزم السفياني بعد محاربات عديدة ومقاتلات شديدة، فيتبع اليماني، فتكثر الحروب وهزيمة السفياني، فيجده اليماني في نهر اللو مع ابنه في الأسارى، فيقطّعهما إرباً إرباً، ثم يعيش في سلطنته فارغاً من الأعداء ثلاثين سنة، ثم يفوّض الملك بابنه السعيد، ويأوي مكة، وينتظر ظهور قائمنا عليه السلام حتى يُتوفّى، فيبقى ابنه بعد وفاة أبيه في ملكه وسلطانه قريباً من أربعين سنة، وهما يرجعان إلى الدنيا بدعاء قائمنا عليه السلام(٣٥٠).
وهذه الرواية مشتملة على مخالفات متعدّدة لباقي الروايات الدالة على أن خروج السفياني واليماني من علامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام، فإن هذا اليماني الذي يقتل السفياني يبقى فارغاً من الأعداء ثلاثين سنة، ثم يموت، ويحكم بعده ابنه قريباً من أربعين سنة، ولا يستفاد من الحديث أن ظهور الإمام المهدي عليه السلام سيكون بعد ذلك مباشرة، وإنما يستفاد منه أن هذا اليماني وابنه يرجعان إلى الدنيا بعد ذلك بدعاء القائم عليه السلام، ولكن متى ستحصل هذه الرجعة؟ لا نعلم، فلعلها تقع بعد مائة عام أو أكثر، وعليه فهذه الرواية لا يمكن قبولها بحال؛ لمخالفتها لباقي الروايات التي دلّت على أن اليماني والسفياني والخراساني يخرجون في رجب، أي قبل عدّة أشهر فقط من خروج الإمام المهدي عليه السلام في شهر محرّم الحرام، ويقوم اليماني بعد خروجه بنصرته والدعوة إليه.
ولشذوذ هذه الرواية ومخالفتها لباقي الروايات لم نحتجَّ بها على أن اليماني من اليمن رغم أنها صريحة في ذلك.
وأما الإشارة إلى اليماني بكاسر عينيه في الرواية التي ذكرناها فيما سبق فهي لا تدل بوضوح على أن اليماني يتولى هزيمة السفياني إلا إذا قلنا: إن الضمير في كلمة (عينيه) يعود على السفياني، فحينئذ يمكن أن نستفيد من الحديث أن اليماني يُذلّ السفياني أو يكسر شوكته، إلا أن القول بعود الضمير على السفياني هو أحد المحتملات كما بيَّناه فيما تقدّم، وعليه فلا نستطيع الجزم بدلالة هذا الحديث على أن اليماني سيكون له دور حاسم في قتال السفياني.
والنتيجة: أنّا لا نجد في الروايات ما يدل على ما زعمه اﻟﮕﺎطع وأتباعه وغيرهم من أن اليماني هو الذي يتولّى القيام بالدور الأكبر في مواجهة السفياني، وأنه هو الذي يقتل السفياني بيده، والذي يُفهم من مجموع الروايات أن الذي يقوم بالدور الأكبر في مواجهة السفياني وقتله هو الإمام المهدي المنتظر عجَّل الله تعالى فرجه الشريف.
***************
(٣٣٠) تاريخ ما بعد الظهور: ١٦٩.
(٣٣١) الغيبة للطوسي: ٤٦٣.
(٣٣٢) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/١٢٢.
(٣٣٣) أو لأنهم قتلوا الأبرياء بغير حق، وانتهكوا الحرمات، وفعلوا الأفاعيل التي لا يرضاها الإمام عليه السلام، أو لأنهم لا يعتقدون بإمامته عليه السلام، وإنما يعتقدون بإمامة غيره.
(٣٣٤) مرآة العقول ٢٦/٤٨٢.
(٣٣٥) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٦٣.
(٣٣٦) الغضارة: النعمة وطيب العيش.
(٣٣٧) العِلْج: قال النعماني: قال أبو علي: يقول أهل اللغة: العلج: الكافر، والعلج: الجافي في الخلقة، والعلج: اللئيم، والعلج: الجلد الشديد في أمره. (الغيبة: ٢٥٨).
(٣٣٨) الغيبة: ٢٥٨.
(٣٣٩) الغيبة: ٢٦٤.
(٣٤٠) دراسة في شخصية اليماني الموعود ٣/١٤.
(٣٤١) كذا في المصدر، ولعل الصحيح: وهو.
(٣٤٢) تفسير العياشي ١/٨٣- ٨٥.
(٣٤٣) تفسير العياشي ٢/٦١-٦٥.
(٣٤٤) إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين: ١٥٠.
(٣٤٥) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: ٥٢.
(٣٤٦) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ١٨٥.
(٣٤٧) الغيبة: ٢٨٩.
(٣٤٨) كذا في المصدر، ولعل الصحيح هو: السود، لدلالة جملة من الروايات على خروج الثلاثة في يوم واحد.
(٣٤٩) كذا في الأصل، ولعل الصحيح هو (متنصِّراً) كما نقله الشيخ المجلسي في بحار الأنوار ٥٢/٢١٧ عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي، وهو الأنسب بالسياق.
(٣٥٠) مختصر إثبات الرجعة (في مجلة تراثنا ١٥/٢١٤).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page