• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الدليل الأوّل: العلم بدين الله وبحقائق الخلق

 ادَّعى أحمد إسماعيل أنَّه أعلم من عليها، ولهذا فإنَّه تحدَّى مراجع النجف وقم ليناظروه.
قال في أحد بياناته:
(أمَّا الآن فإنّي أُكرِّر الدَّعوة إلى بعض مراجع التقليد للمناظرة في القرآن الكريم؛ لإثبات أنَّ ما عندي من علم في القرآن هو من الإمام المهدي عليه السلام، وأنّي مرسل من الإمام عليه السلام، حتَّى لا تبقى حجَّة لمحتجّ ولا عذر لمعتذر، ومن أجل الحرص على هداية هذه الأُمَّة التي ظُلمت واستُضعفت على مرِّ العصور. أُناشد العلماء ورجال الدين والمؤمنين والناس كافّة، بأن يساعدوا على الاستجابة لدعوة المناظرة، حتَّى لا يكون الجميع مشمولين بقوله تعالى: (حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النمل: ٨٤]. أعاذنا الله وإيّاكم أن نكون من المكذِّبين بآيات الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن يوفِّق المؤمنين للتشرف بخدمة الإمام المهدي عليه السلام، إنَّه سميع مجيب. وهذه الدَّعوة موجَّهة إلى ثلاث فئات من العلماء:
الفئة الأُولى: السيّد علي السيستاني، أو السيّد المرعشي نيابة عن السيّد السيستاني بتخويل مختوم، والسيّد محمّد سعيد الحكيم، والشيخ محمّد إسحاق الفياض، وشروط المناظرة مع هؤلاء العلماء الثلاثة أن تكون المناظرة على رؤوس الأشهاد، وللناس كافّة، وفي مكان عامّ، وإذا انتهت المناظرة مع أحدهم إلى تكذيب رسول الإمام صلى الله عليه وآله وسلم، فعلى المكذِّب أن يباهل رسول الإمام في نفس المكان وأمام الناس كافّة (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال: ٤٢]...) إلى آخر كلامه(١٥٣).
ولا يخفى أنَّ الدَّعوة للمناظرة إنَّما هي للتدجيل على الناس؛ لأنَّ أحمد إسماعيل مختفٍ لا يظهر للناس، ولا يُعلَم أنَّه حيّ أو ميّت، فكيف سيناظر مراجع التقليد؟!
وكيف كان فإنّا لو نظرنا إلى كتبه المنسوبة إليه وبياناته وتسجيلاته فإنَّنا نجد فيها كثيراً من الأخطاء الفاضحة التي لا يقع فيها صغار طلبة العلم فضلاً عن إمام معصوم، وحيث إنَّ المقام طويل فإنّي سأقتصر على ذكر بعض الأمثلة، وهي عدَّة أنواع:
١ _ أخطاء أحمد إسماعيل في قراءة القرآن:
من يستمع إلى التسجيلات الصوتية لأحمد إسماعيل يجد أنَّه وقع في أخطاء فاضحة في قراءة بعض آيات القرآن الكريم، وهي كثيرة جدَّاً، ومن أهمّ خطاباته الصوتية المسجَّلة خطابه إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدَّسة، ومن المفترض أن يكون هذا الخطاب متقناً خالياً من الأخطاء؛ لأنَّه يزعم أنَّه إمام معصوم لا ينبغي أن يخطئ، ولأنَّه وجَّه كلامه لطلبة العلم الذين يُتوقَّع منهم أن يحاسبوه على كلّ هفوة في كلامه، إلَّا أنَّ كلامه مملوء بأخطاء كثيرة فاضحة في الآيات وغيرها، مع أنَّه يَظهر منه أنَّه لم يكن يتكلَّم ارتجالاً، وإنَّما كان يقرأ في ورقة.
* والمضحك أنَّه استفتح كلامه بأن أخطأ في قراءة قوله تعالى: (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) (الأعراف: ١٦٤)، حيث قرأ لفظ الجلالة مفخَّمة، ولم يُكسر نون تنوين (قَوْماً)، مع أنَّ الصحيح كسرها وترقيق لفظ الجلالة.
* وقرأ قوله سبحانه: (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: ٦٩)، فأخطأ في كلمة: (سُبُلَنا)، فرفعها، فقال: (سُبُلُنا)، وهذا خطأ فاضح لا يقع فيه صغار طلبة العلم.
* وقرأ كلمة: (ضِيزى) من قوله تعالى: (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) (النجم: ٢٢) بفتح الضاد، فقال: (ضَيْزَى)، مع أنَّها مكسورة الضاد.
وزعم بعض أنصار أحمد إسماعيل أنَّه إنَّما قرأها بهذا النحو على رواية أهل البيت عليهم السلام، فإنَّ من ضمن القراءات الواردة في هذه الكلمة أنَّها تُقرأ: (ضَيْزَى)، ولا يخفى أنَّ هذا الكلام تبرير بارد؛ لأنّا لم نجد في الروايات ما يدلُّ على أنَّ أهل البيت عليهم السلام كانوا يقرؤونها بهذا اللفظ، مضافاً إلى أنَّ أحمد إسماعيل لو كان يُحسِن قراءة القرآن لأمكن تصديق ذلك، ولكن مع كثرة أخطائه الفاضحة فإنَّ من يُصدِّق بهذا التبرير ساذج مغفَّل.
* وقرأ قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: ٢٦)، فأخطأ فيها ثلاثة أخطاء واضحة، فإنَّه قرأ: (اللَّهُمَّ) بالتفخيم مع أنَّ الصحيح قراءتها مرقَّقة لكسر لام (قُلِ). والخطأ الثاني: أنَّه جرَّ كلمة (مالِكَ) مع أنَّها منصوبة، والثالث: أنَّه قال: (وتنزَع) بفتح الزاي، مع أنَّها مكسورة.
* وقرأ قوله تعالى: (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (الأعراف: ١٦)، فأخطأ في كلمة: (لَأَقْعُدَنَّ)، فقال: (لأَقْعِدَنَّ)، بكسر العين مع أنَّها مضمومة، ثمّ أراد تصحيحها فأخطأ فيها أيضاً، فقال: (لأَقْعَدَنَّ) بفتح العين.
* وقرأ قوله تعالى: (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) (النمل: ٨٢)، فحذف الواو من كلمة (وَإِذا).
* وقرأ قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (الأعراف: ٤)، فأخطأ في كلمة: (بَياتاً)، إذ قرأها: (بِياتاً) بكسر الباء مع أنَّها مفتوحة الباء.
* وقرأ قوله سبحانه: (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (الأعراف: ١٤)، فأخطأ في كلمة: (أَنْظِرْنِي)، فقرأها: (انظِرني) فجعل الهمزة همزة وصل مع أنَّها همزة قطع.
* وقرأ قوله سبحانه: (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسروا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) (الأعراف: ٩)، فقال: (يَظْلَمون) بفتح اللام مع أنَّه مكسورة.
* وقرأ قوله تعالى: (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (الأعراف: ١٢)، بتسكين آخر كلمة (تَسْجُدَ).
* وقرأ قوله تعالى: (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) (الأعراف: ١٨)، فقرأ (مَذْؤُماً) مذموماً، وقرأ: (تَبِعَكَ) بفتح الباء، فقال: (تَبَعَكَ)، مع أنَّها مكسورة.
هذا كلّه في خطاب واحد، فما بالك بأخطائه في سائر خطاباته!
والمضحك أنَّ من تبجّحاته أنَّه قال في بعض كتبه:
(وبهذا يكون اليماني: اسمه أحمد، ومن البصرة، وفي خدِّه الأيمن أثر، وفي بداية ظهوره يكون شابّاً، وفي رأسه حزاز، وأعلم الناس بالقرآن وبالتوراة والإنجيل بعد الأئمّة)(١٥٤).
وورد في موقع أنصاره في الانترنت تحت عنوان: (الإمام أحمد الحسن عليه السلام يدعو العلماء إلى المناظرة وأهل كلّ كتاب بكتابهم)، ما يلي:
(قال السيّد أحمد الحسن عليه السلام: أنا أعلم مِن أهل التوراة بتوراتهم، وأعلم من أهل الإنجيل بإنجيلهم، وأعلم من أهل القرآن بقرآنهم).
فإذا كان أحمد إسماعيل لا يُحسن قراءة آيات القرآن بصورة صحيحة، لدرجة أنّا رأينا أنَّ قراءة كثير من صبيان المسلمين للقرآن أصحُّ من قراءته، فكيف يكون أعلم من جميع علماء المسلمين في علوم القرآن وفهم معانيه؟!
٢ _ أخطاء أحمد إسماعيل اللغوية والنحوية:
وأمَّا أخطاؤه اللغوية والنحوية فحدِّث ولا حرج، فلا يكاد يخلو كتاب من كتبه أو بيان من بياناته أو تسجيل من تسجيلاته من أخطاء نحوية كثيرة فاضحة.
وكما قلنا فإنَّ من أهمّ خطاباته الصوتية المسجَّلة خطابه إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدَّسة، الذي ذكرنا آنفاً أخطاءه فيه في قراءة جملة من الآيات القرآنية، وأمَّا أخطاؤه اللغوية والنحوية الفاضحة في هذا الخطاب فلا تكاد تُحصر، مع أنَّ أحمد إسماعيل دأب على تسكين أواخر أكثر كلمات خطابه خوفاً من الفضيحة.
* ومن أخطائه النحوية قوله: (وأمَّا العترة فقد ذروتم حكمتهم اليمانية، ورواياتَهم الربّانية ذرو الريح للهشيم).
فنصب كلمة: (رواياتهم) بالفتحة مع أنَّها تُنصب بالكسرة.
* وقال: (تقولون: إنَّ رواياتَهم التي وصفوني بها ليست حِجَّة، ووصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأئمّة وبي وبالمهديّين ليست حِجَّة، ومعرفة القرآن وطرق السماوات ليست حِجَّة).
فنصب كلمة: (رواياتهم) بالفتحة مع أنَّها تُنصب بالكسرة، وقال: (حِجَّة) بكسر الحاء، وكرَّر ذلك ثلاث مرَّات مع أنَّها مضمومة الحاء، والفرق بين الحُجَّة والحِجَّة، أنَّ الحُجَّة هي ما يُستدلُّ به على الخصم، وهو المراد في كلامه، وأمَّا الحِجَّة فهي السَّنَة، كما قال تعالى: (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) (القصص: ٢٧)، أي ثماني سنوات، فانظر كيف تغيَّر المعنى بالكلّية، وأحمد إسماعيل لم يشعر بذلك!
* ومن أخطائه الفاضحة أنَّه قال: (والحقُّ أقول لكم: إنَّ في التوراة مكتوبْ: توكَّل عليَّ بكُلْ قلبَك، ولا تعتمد على فهمَك).
فرفع كلمة (الحقّ)، مع أنَّها منصوبة (بأقول) مقدَّرة، وسكَّن باء (مكتوب) من دون أن يُبدل تنوين النصب بألف، وسكَّن لام (كلّ)، ونصب (قلبك) مع أنَّها مجرورة بالإضافة، ونصب (فهمك) مع أنَّها مجرورة بـ (على).
* وقال: (من بيده ملكوت السماواتُ والأرض).
فرفع كلمة (السماوات) مع أنَّها مجرورة بالإضافة.
* وقال: (وهل كان أحد في زمن الإمام الصادق رأى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتَّى يقولْ الإمام الصادق عليه السلام: من أراد أن يرى رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرؤيا فليفعل كذا وكذا).
فإنَّه ذكر كلمة (رسول) في هذا المقطع مرَّتين، رفعها مرَّةً وجرَّها مرَّةً أُخرى، وكلاهما خطأ، والصحيح نصبهما بالفتحة؛ لأنَّ كلَّاً منهما مفعول به.
* وقال: (قال الإمام عليه السلام: إنَّ كلامنا في النوم مثلَ كلامنا في اليقظة).
فنصب كلمة (مثل)، مع أنَّ حقّها أن تُرفع؛ لأنَّها خبر (إنَّ).
* وقال: (ألم يقبل رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم إيمان خالد بن سعيد الأُموي؛ لأنَّه رأى رؤيا؟ ألم يقبل رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم إيمان يهودي رأى رؤيا بموسى بن عمران عليه السلام).
فجرَّ كلمة (رسول) مرَّتين مع أنَّ حقّهما الرفع؛ لأنَّ كلَّاً منهما فاعل مرفوع.
* ومن أخطائه الفاضحة أنَّه قال: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ما أثقل الدنيا في كفَّةَ ميزانكم).
فنصب كلمة (كفَّة) مع أنَّها مجرورة بـ (في)، وعلامة جرّها الكسرة.
* وقال: (الحسينْ عليه السلام فداءَ عرش الله سبحانه وتعالى).
فنصب كلمة (فداء) مع أنَّها مرفوعة لأنَّها خبر.
* وقال: (وواجه الحسينْ عليه السلام العلماءْ غيرِ العاملين).
فجرَّ كلمة (غير) مع أنَّ حقَّها النصب؛ لأنَّها صفة للعلماء التي هي منصوبة.
* وقال: (وواجه الحسينْ في كربلاءْ الدنيا وزخرفِها).
فجرَّ كلمة (زخرفها) مع أنَّ حقَّها النصب؛ لأنَّها معطوفة على منصوب وهو (الدنيا).
* وقال: (وأيّ خصاصة كانت خصاصةِ العبّاس عليه السلام، وأيّ إيثار كان إيثارَه؟).
فجرَّ كلمة (خصاصة) وحقّها الرفع؛ لأنَّها اسم (كان)، كما أنَّه نصب كلمة (إيثاره)، وكان اللازم رفعها؛ لأنَّها اسم (كان).
* ومن أخطائه الفاضحة أنَّه قال: (ولقد انتصر الحسينْ عليه السلام وأصحابَه في هذه المواجهة).
فنصب كلمة (أصحابه)، مع أنَّ اللازم رفعها؛ لأنَّها معطوفة على مرفوع وهو (الحسين).
* ومن أخطائه أيضاً أنَّه قال: (وأمَّا الدنيا وزخرفِها فقد طلَّقها الحسينْ عليه السلام وأصحابَه عليهم السلام وساروا في ركب الحقيقة).
فإنَّه جرَّ كلمة (وزخرفها)، مع أنها معطوفة على مرفوع وهو (الدنيا)، ونصب كلمة (أصحابه) مع أنَّ حقَّها الرفع؛ لأنَّها معطوفة على مرفوع وهو (الحسين).
* وقال: (ميزان الشهادة التي شهدها الحسينْ عليه السلام وأصحابَه عليهم السلام بدمائهم).
فإنَّه نصب كلمة (أصحابه) مع أنَّ حقّها الرفع؛ لأنَّها معطوفة على مرفوع وهو (الحسين).
* ومن أخطائه الفاضحة أيضاً أنَّه قال: (إنَّ هؤلاءْ العلماءْ غيرِ العاملين الذين يؤيِّدون حرّية أمريكا وديموقراطيتِها، أحراراً؛ فلو كانوا عبيداً للهْ لاستَحُوا من الله).
فإنَّه جرَّ كلمة (غير) مع أنَّها منصوبة بالفتحة؛ لأنَّها صفة لمنصوب وهو (العلماء)، وجر كلمة (وديموقراطيتها)، مع أنَّ اللازم نصبها بالفتحة؛ لأنَّها معطوفة على منصوب وهو (حرّية)، ونصب كلمة (أحرار) مع أنَّ حقّها الرفع؛ لأنَّها خبر (إنَّ)، وقال: (لاستَحُوا)، والصحيح: (لاستَحْيَوا).
هذا قليل من أخطائه في خطاب واحد، مع أنّي تغافلت عمَّا التزم به أحمد إسماعيل من تسكين أواخر أكثر كلمات خطابه، وتركت النظر في باقي خطابه لأنّي سئمت من عَدِّ أخطائه، وخشيت أن يملَّ القارئ الكريم من ذكر جميع الأخطاء التي وقع فيها في هذا الخطاب.
ولو تتبَّعنا أخطاءه النحوية في كتبه وباقي خطاباته لطال بنا المقام، فلا تكاد تجد تسجيلاً صوتياً له خالياً من أخطاء لغوية ونحوية فاضحة في كلّ سطر يقرؤه، وكلّ من يعرف علم النحو ويستمع إلى كلامه يجزم بأنَّه رجل جاهل بقواعد اللغة العربية، فأيّ إمام معصوم هذا؟!
ومن العجائب تبرير أحد أنصاره وهو ناظم العقيلي، حيث قال:
(فهل يعقل يا حسن النجفي أنَّ السيّد أحمد الحسن لا يُميِّز حروف الجرّ، هل هي ناصبة للأسماء أم جارّة لها؟! فهذا الأمر لا يخفى على أدنى المستويات العلمية. وأحبّ أن أُخبرك بأنَّ السيّد أحمد الحسن لا يشقّ له غبار في علوم اللغة العربية، وهو أعرف بها منك ومن أسيادك، ولكنَّه لا يبالغ في التركيز على ذلك في كتاباته بقدر ما يركِّز على وضوح المعنى وقوَّة الحجَّة والبرهان، والأخطاء التي تشدَّقت بها لا تُغيِّر المعنى، وأغلبها من الترف اللغوي الذي يضر أكثر ممَّا ينفع، وهو من الانهماك في اللغة الذي ورد النهي عنه من أهل البيت عليهم السلام كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى)(١٥٥).
ولا يخفى أنَّ هذا تبرير سخيف جدَّاً لا يصدر إلَّا من معاند مكابر؛ لأنّا لاحظنا أنَّ أحمد إسماعيل أخطأ فنصب المجرور بـ (في) و(على)، فقال: (في كفَّةَ ميزانكم)، وقال: (ولا تعتمد على فهمَك)، وهذا دليل على أنَّه دون أقلّ المستويات العلمية.
وقوله: (إنَّه لا يبالغ في التركيز على ذلك) شهادة من ناظم العقيلي بأنَّ إمامه ضعيف التركيز، ونحن لا نطلب منه المبالغة في التركيز، وإنَّما نطلب منه أدنى التفات، بحيث يرفع المرفوع، وينصب المنصوب، ويجرّ المجرور، لا أكثر من ذلك.
وزعمه أنَّ أخطاء أحمد إسماعيل لا تُغيِّر المعنى غير صحيح؛ لأنَّ من أخطائه المغيِّرة للمعنى قوله: (وأمَّا الدنيا وزخرفِها فقد طلَّقها الحسينْ عليه السلام وأصحابَه عليهم السلام) حيث نصب كلمة (أصحابَه) مع أنَّها مرفوعة؛ لأنَّها معطوفة على (الحسين)، وما يريد أن يقوله هو: (أنَّ الحسين عليه السلام وأصحابه طلَّقوا الدنيا)، ولكن لمَّا نصب أحمد إسماعيل كلمة (أصحابه) صار المعنى: (إنَّ الحسين طلَّق الدنيا وطلَّق أصحابه)، وهو معنى فاسد وغير مراد.
وزعم العقيلي أنَّ السيّد أحمد الحسن لا يشقُّ له غبار في علوم اللغة العربية من المكابرات السمجة التي لا تستحقُّ أن يُرَدُّ عليها.
٣ _ أخطاء أحمد إسماعيل في التفسير:
* ذكر أحمد إسماعيل في تفسير قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة: ١٤٣)، أنَّ الأُمَّة الوسط (هم الأُمَّة المحمّدية الحقيقية، وهم الثلاث مائة الثلاث [كذا] عشر، والوسط هو الصراط المستقيم، وهو المهدي الأوّل؛ لأنَّه وسط بين الأئمّة والمهديّين، فالأُمَّة الوسط هم أتباع المهدي الأوّل وأنصار الإمام المهدي عليه السلام، وهم أيضاً خير أُمَّة أُخرجت للناس، بل وخير أئمّة)(١٥٦).
فإنَّ كلامه متضارب جدَّاً؛ لأنَّه قال: (إنَّ الأُمَّة الوسط هم الثلاثمائة والثلاثة عشر)، ثمّ عدل عن كون هؤلاء هم الوسط، فقال: (والوسط هو المهدي الأوّل)، ومن المعلوم أنَّ الخبر عين المبتدأ، وهنا جعل الأُمَّة هي الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً، وجعل الخبر وهو الوسط: المهدي الأوّل، فكيف يُخبَر عن الجمع بمفرد مغاير له؟!
ثمّ عدل عمَّا قاله قبل سطرين، وقال: (إنَّ الأُمَّة الوسط هم أتباع المهدي الأوّل وأنصار الإمام المهدي عليه السلام)، ولا يخفى أنَّ الثلاثمائة والثلاثة عشر ليسوا أتباع المهدي الأوّل وهو أحمد إسماعيل، وإنَّما هم أنصار الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
ثمّ وصف أتباع المهدي الأوّل بأنَّهم خير أُمَّة وخير أئمّة، ومن المعلوم أنَّ أتباع المهدي الأوّل ليسوا بأئمّة، فانظر مقدار التضارب والهذيان في كلام له لا يتجاوز خمسة أسطر!
* وفي تفسير قوله تعالى: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلهِ قانِتِينَ) (البقرة: ٢٣٨)، قال:
(والصلاة هي الولاية، أي حافظوا على الولاية، والصلاة الوسطى أي الولاية بين الأئمّة والمهديّين، أي ولاية المهدي الأوّل في بداية ظهور الإمام المهدي عليه السلام؛ لأنَّ المهدي الأوّل من المهديّين، وأيضاً يُعَدُّ من الأئمّة كما في الروايات عنهم عليهم السلام التي تَعُدُّ الأئمّة من ولد علي وفاطمة عليهما السلام اثني عشر)(١٥٧).
ولا يخفى أنَّ عطف الصلاة الوسطى على الصلوات _ وهو ما يُعبَّر عنه بذِكْر الخاصّ بعد العامّ _ إنَّما هو لبيان أهمّية الخاصّ، وولاية المهدي الأوّل _ وهو أحمد إسماعيل كما يزعم _ ليست أكثر أهمّية من ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وولاية باقي الأئمّة المعصومين عليهم السلام لتكون مخصوصة بالذكر دون ولاية باقي الأئمّة عليهم السلام!
والمهدي الأوّل ليست له ولاية خاصّة به في بداية ظهور الإمام المهدي عليه السلام؛ لأنَّه تابع للإمام المهدي عليه السلام ورعيّة له، فأيّ ولاية له؟ وإذا كانت له ولاية فإنَّها ستكون بعد وفاة الإمام المهدي عليه السلام وتولّي المهدي الأوّل مقاليد الإمامة، وولايته حينئذٍ لا خصوصية لها ليرد التأكيد عليها دون غيرها.
أضف إلى ذلك أنَّ الآية التي بعد هذه الآية، وهي قوله سبحانه: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (البقرة: ٢٣٩) يدلُّ على أنَّ المراد بالصلوات في الآية السابقة هي الصلوات المعروفة؛ لأنَّ ما يصحُّ أن يؤتى به رجالاً أو ركباناً في حال الخوف هو الصلاة لا الولاية كما هو واضح.
هذا مع أنَّ ما قاله أحمد إسماعيل مخالف لما دلَّت عليه الروايات الصحيحة المروية عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في تفسير هذه الآية.
منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: (وقال تعالى: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى)، وهي صلاة الظهر، وهي أوّل صلاة صلَّاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي وسط النهار، ووسط صلاتين بالنهار: صلاة الغداة وصلاة العصر)(١٥٨).
ومنها: صحيحة أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (صلاة الوسطى: صلاة الظهر، وهي أوّل صلاة أنزل الله على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم)(١٥٩).
وغيرهما من الروايات الدالّة على خلاف ما يقوله أحمد إسماعيل.
* وفي تفسير قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) (النساء: ١)، قال:
(خلق الله سبحانه وتعالى محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ خلق منه علياً، وفاطمة، نوراً ظاهره علي، وباطنه فاطمة، ثمّ خلق الخلق منهما)(١٦٠).
وهو كلام يخالف ظاهر الآية المباركة؛ فإنَّ ظاهر الآية أنَّ ابتداء الخلق نفس واحدة، ثمّ خلق منها زوجها، وهو إشارة واضحة لآدم وحوّاء عليهما السلام، وهو معنى قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: ١٣).
وليس المراد أنَّ ابتداء الخلق كان من نفس واحدة، وهو نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي خُلِقَ منه عليٌّ وفاطمة عليهما السلام؛ لأنَّ الله تعالى قال: (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها)، وأمير المؤمنين والسيّدة فاطمة عليهما السلام ليسا زوجاً للنفس الأُولى!
ويظهر من قوله: (ثمّ خلق الخلق منهما) أنَّ الضمير فيه يعود على علي وفاطمة عليهما السلام؛ لأنَّه لو كان عائداً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة عليهما السلام لقال: (ثمّ خلق الخلق منهم)، مع أنَّ ظاهر قوله تعالى: (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) أنَّ الله تعالى خلق من النفس الأُولى وزوجها رجالاً كثيراً ونساءً.
* وقال أحمد إسماعيل في تفسير قوله تعالى: (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) (النور: ٣٥):
(فالزيتون، والشجرة التي تخرج من طور سيناء، والتي تنبت بالدهن، والزيتونة اللاشرقية ولا غربية كلّها تشير إلى شخص واحد، هو المهدي الأوّل في زمن ظهور الإمام المهدي عليه السلام، فهو الزيتون في السورة التي نحن بصددها، وهو الشجرة التي تخرج من طور سيناء (أي النجف) كما روي عن أمير المؤمنين والصادق عليه السلام)(١٦١).
وهذا الكلام فيه عدَّة مجازفات، فإنَّ قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ * فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ * وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) (المؤمنون: ١٨ _ ٢٠)، واضح الدلالة على أنَّ الله تعالى أنزل ماءً من السماء، فخلق به جنّات فيها ثمار شتّى، وكذلك أنشأ به شجرة تخرج من طور سيناء، وهي شجرة حقيقية خلقها الله بماء المطر، يستفاد منها في الأكل، كما أنشأ الله سبحانه جنّات من نخيل وأعناب وفواكه كثيرة لهذا الغرض، ولهذا وصف الله تعالى شجرة طور سيناء بأنَّها تنبت بالدهن وصبغ للآكلين، وهذه الشجرة هي شجرة الزيتون المباركة كما ذكر ذلك المفسّرون.
قال الطبرسي قدس سره:
((تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) أي تَنبُت ثمرها بالدهن(١٦٢)؛ لأنَّه يُعصر من الزيتونِ الزيتُ، (وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) والصبغ ما يُصطَبغ به من الأُدُم، وذلك أنَّ الخبز يلوَّن بالصبغ إذا غُمِسَ فيه، والاصطباغ بالزيت الغمس فيه للائتدام به، والمراد بالصبغ الزيت... عن ابن عبّاس)(١٦٣).
وأمَّا قوله تعالى: (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) فلا يراد به شجرة حقيقية معيَّنة؛ لأنَّ الله سبحانه ضرب هذا مَثَلاً، فقال: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ).
وعليه، فكيف يمكن أن تكون هذه الشجرة التي يستفيد منها الناس في الأكل والزيت هي المهدي الأوّل؟! وكيف يكون المهدي الأوّل هو الشجرة التي ذكرها الله سبحانه في المثل الذي ضربه لنوره؟! وما خصوصية المهدي الأوّل من دون باقي الأئمّة الأطهار عليهم السلام لتكون له هذه الخصوصية؟!
هذا مع أنَّ أحمد إسماعيل خالف كلامه الذي قاله هنا في موضع آخر في تفسير هذه الآية، فقال:
((يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) شجرة في وسط الجنَّة هي شجرة علم محمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، التي نهى الله آدم عليه السلام عن الأكل منها، (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ)؛ لأنَّها كلمات الله سبحانه، وهي القرآن، فهذا الزيت هو المدد الإلهي وهو القرآن)(١٦٤).
فأيّ التفسيرين هو الصحيح يا أُولي الألباب؟
* وفي تفسير قوله تعالى: (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) (مريم: ٥٢)، وقوله: (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (القصص: ٣٠)، قال:
(الشجرة هي الشجرة المباركة في القرآن، وهي شجرة آل محمّد عليهم السلام، وفروعها الأئمّة والمهديّون...، والطور الأيمن، والوادي الأيمن هو اليماني (المهدي الأوّل من المهديّين)، والبقعة المباركة هو [كذا] الحسين عليه السلام، فالكلام من الطور الوادي الأيمن، أي اليماني (المهدي الأوّل)، والوادي الأيمن الطور الأيمن من البقعة المباركة أي من الحسين، فالمهدي الأوّل (اليماني) من ولد الحسين؛ لأنَّه من ذرّية الإمام المهدي عليه السلام، والبقعة المباركة من الشجرة (أي محمّد وعلي عليهما السلام)، فالحسين من محمّد وعلي عليهما السلام...).
إلى أن قال:
(فمكلِّم موسى هو الله، ومكلِّم موسى هو محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو علي عليه السلام، ومكلِّم موسى هو المهدي الأوّل (اليماني))(١٦٥).
وهذا الكلام هذيان واضح.
أمَّا قوله: (الشجرة هي شجرة آل محمّد عليهم السلام، وفروعها الأئمّة والمهديّون)، فهو باطل؛ لأنَّ ظاهر الآية المباركة أنَّ الله تعالى نادى نبيّه موسى عليه السلام نداءً حقيقياً خلقه سبحانه وجعله منبعثاً من شجرة حقيقية، فأسمعه موسى عليه السلام، ولا معنى لمناداة موسى عليه السلام من شجرة آل محمّد عليهم السلام.
وقوله: (والطور الأيمن، والوادي الأيمن هو اليماني (المهدي الأوّل من المهديّين))، هذيان واضح؛ لأنَّ معنى الآية على هذا: أنَّ الله تعالى نادى موسى عليه السلام من جانب المهدي الأوّل، وهذا كلام لا يصدر من عاقل.
مع أنَّ الآية الثانية فيها تصريح بأنَّ النداء كان من شاطئ الوادي الأيمن، فلا ندري ما هو شاطئ أحمد إسماعيل الذي نودي منه موسى عليه السلام؟
وقوله: (والبقعة المباركة هو الحسين عليه السلام) يُضحِك الثكلى؛ لأنَّه على هذا يكون المهدي الأوّل هو الجانب الأيمن من الإمام الحسين عليه السلام، ويكون معنى الآية: أنَّ الله تعالى نادى موسى عليه السلام (من الشجرة) أي من شجرة آل محمّد عليهم السلام، لكن ليس من جميع الشجرة وإنَّما من الجانب الأيمن من (الطور) وهو المهدي الأوّل، (في البقعة المباركة) وهي الإمام الحسين عليه السلام، أي إنَّ المهدي الأوّل موجود في الإمام الحسين عليه السلام.
وهذا كما قلنا هذيان واضح لكلّ ذي عينين، وليس تفسيراً لآيات الكتاب العزيز.
وقوله: (والوادي الأيمن: الطور الأيمن من البقعة المباركة أي من الحسين، فالمهدي الأوّل (اليماني) من ولد الحسين)، مخالف لظاهر الآية، فإنَّه سبحانه قال: (مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ)، أي إنَّ الوادي الأيمن موجود في البقعة المباركة، لا من البقعة المباركة، حتَّى يُفسر بأنَّ المهدي الأوّل من الإمام الحسين عليه السلام.
ثمّ كيف يكون مكلِّم موسى هو محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، أو علي عليه السلام، أو المهدي الأوّل (اليماني)، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (النساء: ١٦٤)، مع أنَّ النداء هو: (يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)، فهل يمكن أن يُنادى موسى عليه السلام بهذا النداء من قِبَل غير الله تعالى؟!
* ومن هذيان أحمد إسماعيل أيضاً ما ذكره في تفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (هود: ٧)، حيث قال:
(العرش هو القرآن، والماء هو محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، نور الله سبحانه وتعالى، وهو يجري في السماوات والأرض وفي الخلق كما يجري الماء في الأنهار)(١٦٦).
فإنَّ معنى الآية هو أنَّ الله تعالى لمَّا خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام كان القرآن على محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فلا ندري ما فائدة ذلك، وما أهمّيته؟!
ولو تتبَّعنا كلماته في تفسير آيات القرآن الكريم لرأينا فيها العجائب والغرائب التي لا يُصدِّق عاقل أنَّها صادرة من شخص يدَّعي الإمامة والمهدوية، ولكن فيما ذكرناه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
٤ _ أخطاء أحمد إسماعيل في الفقه:
لا يخفى أنَّ الفقه يعسر فيه بيان أيّ خطأ لفقيه أو مُدَّعٍ للفقاهة إلَّا ببيان دليل المسألة الذي ربَّما لا يفهمه أكثر الناس، ولو أنَّك أقمت الدليل على وقوع الخطأ فربَّما يزعم زاعم أنَّ صاحب الفتوى لم يخطئ فيها؛ لأنَّه توصَّل إلى ما لم يتوصَّل إليه غيره، وكان عنده من الأدلَّة في هذه المسألة ما لم يكن عند غيره، خصوصاً بالنسبة إلى هذا الرجل الذي يدَّعي أنَّه يتلقّى الأحكام من الإمام المهدي المنتظر عليه السلام مباشرةً.
وعليه فمن الصعب جدَّاً إقناع القارئ المحايد فضلاً عن الموالي لأحمد إسماعيل البصري بأنَّه أخطأ في هذه المسألة الفقهية أو تلك.
نعم، يمكن إثبات ذلك ببيان تناقض كلامه في موردين، وهذا كافٍ في بيان كذب دعواه أنَّه يتلقّى الأحكام الفقهية وغيرها من الإمام المهدي عليه السلام.
فإنَّ أحمد إسماعيل قال في كتاب (شرائع الإسلام):
(وأمَّا ماء البئر فإنَّه ينجس بالملاقاة إذا كان ما فيه أقلّ من كرّ، وماؤه يأتيه بالرشح، أمَّا إذا كان ماؤه يأتيه بالعين المتَّصلة بمادّة الماء الجوفي أو كان ماؤه كرَّاً فما فوق فلا ينجس إلَّا بتغيُّر أحد أوصافه: اللون أو الطعم أو الرائحة، وطريقة تطهيره: يُنزَح منه ماء بحسب ما وقع فيه.
١ _ من موت العصفور إلى الدجاجة أو ما في حجمها فيه: بين (١٠ لتر [كذا] _ ١٠٠ لتر) بحسب حجم الحيوان وحاله، والعقرب والحيّة والوزغ يُنزَح لها بين (٣٠ لتر _ ٧٠ لتر) [كذا] بحسب حجم الحيوان وحاله)(١٦٧).
وكلامه هذا دليل على أنَّه يرى أنَّ ما مات من العقارب والحيّات والوزغ كلّه نجس، وإذا وقع في البئر تنجَّس، ولزم تطهيره بنزح بعض الماء منه.
ولكنَّه قال في تعداد النجاسات:
(السادس والسابع: الكلب والخنزير، وهما نجسان عيناً ولعاباً، وما عداهما من الحيوان فليس بنجس، والثعلب والأرنب والفأرة والوزغة طاهرة)(١٦٨).
وقال أيضاً قبل ذلك:
(الرابع: الميتة: ولا ينجس من الميتات إلَّا ما له نفس سائلة...)(١٦٩).
والمراد بما له نفس سائلة: ما له عروق ينبعث منها الدم إذا قُطعت كالإنسان والشاة والبعير ونحوها، وهذه ميتتها نجسة، وأمَّا ما ليس له نفس سائلة كالوزغ والذباب والعقرب والحيّة فليس كذلك، وربَّما يرشح منها الدم رشحاً كالسمك مثلاً، وهذه ميتتها طاهرة.
قال الشيخ الطوسي في الخلاف:
(مسألة ١٤٥: ما لا نفس له سائلة، كالذباب، والخنفساء، والزنابير وغير ذلك، لا ينجس بالموت، ولا ينجس الماء، ولا المائع الذي يموت فيه...).
إلى أن قال:
(دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً الأصل طهارة الماء، والحكم بنجاسة هذه الأشياء يحتاج إلى دليل. وروى عمّار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سُئل عن الخنفساء، والذباب، والجراد، والنملة، وما أشبه ذلك يموت في البئر، والزيت والسمن وشبهه؟ قال: (كلّ ما ليس له دم فلا بأس به). وروى حفص بن غياث، عن جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: (لا يُفسِد الماء إلَّا ما كانت له نفس سائلة)(١٧٠).
فإذا كانت الوزغة طاهرة عند أحمد إسماعيل فلماذا أوجب نزح (٣٠) لتراً لموتها في البئر، مع أنَّه صرَّح بأنَّ الغرض من النزح هو التطهير؟!
وممَّا أعدُّه خطأً _ وأمثاله كثير _ تحديده لأقلّ زمان نكاح المتعة بستّة أشهر، حيث قال:
(وأمَّا الأجل فهو شرط في عقد الزواج المنقطع، ولو لم يذكره انعقد دائماً، وتقدير الأجل إليهما، طال أو قصر، وأقلّه ستّة أشهر)(١٧١).
مع أنَّه لم يرد في شيء من روايات أهل البيت عليهم السلام تحديد أقلّ زمان نكاح المتعة بستّة أشهر.
قال صاحب الجواهر قدس سره:
((و) كيف كان فـ (تقدير الأجل إليهما، طال أو قصر، كالسنة والشهر واليوم)؛ لإطلاق الأدلَّة الخالية عن تحديده قلَّةً وكثرةً، بل صريح غير واحد منها التعليق على ما شاءا من الأجل وتراضيا عليه، مؤيَّداً ذلك بإطلاق الفتاوى على وجه يمكن دعوى الإجماع عليه، وما عن ظاهر الوسيلة من تقدير الأقلّ بما بين طلوع الشمس والزوال محمول على المثال، وإلَّا كان محجوجاً بما عرفت)(١٧٢).
٥ _ أخطاء أحمد إسماعيل في مقامات الأنبياء عليهم السلام:
فإنَّ كتب أحمد إسماعيل اشتملت على طعون متعدِّدة في مقامات بعض الأنبياء عليهم السلام.
منها: أنَّه زعم في كتابه (المتشابهات) أنَّ نبيّ الله إبراهيم عليه السلام كان يعتقد بأرباب غير الله تعالى، فقال:
(فإبراهيم عليه السلام لمَّا كُشِفَ له ملكوت السماوات، ورأى نور القائم عليه السلام قال: (هذا ربّي)، فلمَّا رأى نور علي عليه السلام قال: (هذا ربّي)، فلمَّا رأى نور محمّد صلى الله عليه وآله وسلم قال: (هذا ربّي)، ولم يستطع إبراهيم عليه السلام تمييز أنَّهم عباد إلَّا بعد أن كُشِفَ له عن حقائقهم، وتبيَّن أُفولهم وغيبتهم عن الذات الإلهية، وعودتهم إلى الأنا في آنات، وعندها فقط توجَّه إلى الذي فطر السماوات، وعلم أنَّهم عليهم السلام (صنائع الله، والخلق بعد صنائع لهم) كما ورد في الحديث عنهم عليهم السلام)(١٧٣).
ولا يخفى أنَّ نبيّ الله إبراهيم عليه السلام أَجَلُّ وأعرف بالله تعالى من أن يقع في هذه الوقعة العظيمة، فيعتقد أنَّ له أرباباً من دون الله تعالى ولو في بعض الآنات؛ إذ كيف يرى نوراً في السماء فيعتقد أنَّه ربّه، ثمّ يرى نوراً آخر، فينصرف عن اعتقاده الأوّل، ويعتقد أنَّ هذا النور الثاني هو ربّه، ثمّ يرى نوراً ثالثاً، فيعتقد أنَّ هذا النور هو ربّه!؟
مع أنَّ كلام أحمد إسماعيل خلاف ظاهر الآيات الشريفة، فإنَّ الله تعالى قال: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) (الأنعام: ٧٦)، (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي) (الأنعام: ٧٧)، (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) (الأنعام: ٧٨)، فإنَّه سبحانه وتعالى ذكر أنَّ إبراهيم عليه السلام رأى كوكباً، ثمّ رأى القمر، ثمّ رأى الشمس، وأمَّا أحمد إسماعيل فإنَّه ذكر أنَّه إنَّما رأى أنواراً، ولم يرَ كوكباً أو القمر والشمس.
مع أنَّ إبراهيم عليه السلام لم يخبر بأنَّه يعتقد أنَّ هذه المخلوقات أرباباً له، وإنَّما قال: هذا ربّي؟ على نحو الإنكار والاستخبار، كأنَّه قال: أهذا ربّي؟ منكراً أن يكون هذا ربَّه، ومستخبراً، أي سائلاً لمن يسمعه، فكأنَّه سأله قائلاً: هل تقول: إنَّ هذا ربّي؟
وقوله تعالى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) (الأنعام: ٨٣) فيه دلالة واضحة على أنَّ ما قاله إبراهيم عليه السلام إنَّما كان في مقام الاحتجاج على قومه، وأمَّا على تفسير أحمد إسماعيل فالأمر ليس كذلك.
وفي الروايات ما يدلُّ على ما قلناه، فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن علي بن محمّد بن الجهم، قال: حضرتُ مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، أليس من قولك: الأنبياء معصومون؟ قال: (بلى)...
إلى أن قال: فقال المأمون: أشهد أنَّك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقَّاً، فأخبرني عن قول الله عز وجل في حقّ إبراهيم عليه السلام: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي)، فقال الرضا عليه السلام: (إنَّ إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزُّهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، وذلك حين خرج من السرب(١٧٤) الذي أُخفي فيه (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ)، فرأى الزهرة قال: (هذا رَبِّي) على الإنكار والاستخبار، (فَلَمَّا أَفَلَ) الكوكب (قالَ لا أُحِبُّ الْأَفِلِينَ)؛ لأنَّ الأُفول من صفات المحدَث لا من صفات القِدَم، (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي) على الإنكار والاستخبار، (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)، يقول: لو لم يهدني ربّي لكنت من القوم الضالّين، (فَلَمَّا) أصبح و(رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) من الزهرة والقمر على الإنكار والاستخبار لا على الإخبار والإقرار، (فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ) للأصناف الثلاثة من عَبَدَة الزهرة والقمر والشمس: (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشركُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشركِينَ)، وإنَّما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال أن يبيِّن لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم أنَّ العبادة لا تحقُّ لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنَّما تحقُّ العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض، وكان ما احتجَّ به على قومه ممَّا ألهمه الله تعالى وآتاه كما قال الله عز وجل: (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ))، فقال المأمون: لله درّك يا ابن رسول الله(١٧٥).
كما أنَّ أحمد إسماعيل زعم أنَّ نبيّ الله يوسف عليه السلام أشرك، فإنَّه قال:
(وأوحى الله ليوسف: إنَّ هذا السجين سينجو، وسيكون قريباً من الملك (برؤيا السجين)، وأوحى الله ليوسف عليه السلام: إنَّ هذا الملك سيُخرجه من السجن، وإنَّ هذا السجين سيكون سبب خروجه من السجن، ولهذا قال له يوسف عليه السلام: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ)، أراد بهذا أن يبيِّن لهذا السجين علمه بالغيب، عندما سيضطرّ في المستقبل إلى ذكره عند الملك، كما أراد لفت انتباه السجين إلى حاله، وليذكره في المستقبل عند الملك، إذ رأى الرؤيا التي ستكون سبباً في خروج يوسف عليه السلام من السجن. وهنا التفت يوسف عليه السلام إلى الأسباب، ومع أنَّه لم يغفل عن مسبِّب الأسباب كما توهَّم بعضهم أنَّه طلب معونة السجين والملك، وغفل عن الله سبحانه، ولكن مع هذا فإنَّ يوسف عليه السلام أشرك عندما جعل للأسباب قيمةً ووزناً في ميزانه، وهو عليه السلام الذي لمس آيات الله ومعجزاته التي نجا بها فيما مضى من حياته، وهذا الشرك الخفي ذُكِرَ في آخر سورة يوسف: (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشركُونَ))(١٧٦).
وزعم أحمد إسماعيل كذلك أنَّ موسى كان عنده أيضاً شرك الأنا.
قال في كتابه (رحلة موسى إلى مجمع البحرين):
(إذن، جاء موسى عليه السلام للقاء العبد الصالح؛ لأنَّه ظنَّ أنَّه قد حارب نفسه، وقتل الأنا في داخله، فكان المطلوب منه أن يصبر ويحارب نفسه وهو يرافق العبد الصالح، ولا يقول للعبد الصالح: (لو فعلتَ هذا، ولو لم تفعل هذا)، فهو عندما يواجه من هو أعلى منه مقاماً بهذه الأقوال يظهر بجلاء ووضوح الأنا التي في داخله مقابل من هو مأمور باتّباعه والانصياح لأمره. والحقيقة أنَّ الأمر يعود إلى مواجهة موسى عليه السلام مع الله سبحانه وتعالى، فهو في كلّ مرَّة يقول: (أنا) مقابل العبد الصالح يعني أنَّه قال: (أنا) مقابل الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الامتحان بالتوحيد الذي فشل فيه كثير من السائرين إلى الله، أي إنَّهم يستهينون ربَّما بقولهم: (أنا) مقابل خليفة الله أو مقابل أقواله عندما يقترحون بآرائهم مقابل أمر خلفاء الله _ في حين أنَّها (أنا) مقابل الله سبحانه وتعالى في حقيقتها وواقعها _ وفي حين أنَّهم جاؤوا للامتحان بهذا، فهم يفشلون ودون حتَّى أن يلتفتوا إلى فشلهم)(١٧٧).
بل إنَّه نفى العصمة عن موسى عليه السلام في بعض مراتبها، فقال:
(موسى عليه السلام نبي مرسل من الله معصوم منصوص العصمة، ومع هذا يأمره الله سبحانه أن يتَّبع العبد الصالح ولا يخالفه، وهو نفسه قد تعهَّد بعدم المخالفة (قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً)، ولكنَّه أخلف وعده، وخالف العبد الصالح، ولو كانت المخالفة واحدة وفي مرَّة واحدة لهانت، ولكنَّه خالف في كلّ الامتحانات والاختبارات، فهي كانت ثلاثة، وخالف في ثلاثتها، يعني موسى عليه السلام هنا قد خالف أمر الله، وإذا لم تشأ قَوْل: (إنَّه خالف أمراً مباشراً)، فليكن أنَّه خالف تعهّده، وهذا أكيد ينقض العصمة هنا وفي هذا الموقف)(١٧٨).
وفي جواب لأحمد إسماعيل يشير إشارة واضحة إلى أنَّه أفضل من نبيّ الله موسى من بعض الجهات، فقد ورد له سؤال نصّه:
(ما المواصفات التي أهَّلتك لهذه المهمّة، أو لنقل: ماهية المواصفات التي ميَّزتك عن باقي أبناء الشيعة لكي يختارك مهديّهم لسفارته؟).
فأجاب أحمد إسماعيل بقوله:
(عندما كلَّم الله موسى عليه السلام قال له: (إذا جئتَ للمناجاة فاصحب معك من تكون خيراً منه). فجعل موسى عليه السلام لا يعترض أحداً إلَّا وهو لا يجترئ أن يقول: (إنّي خير منه)، فنزل عن الناس، وشرع في أصناف الحيوانات، حتَّى مرَّ بكلب أجرب، فقال: أصحبُ هذا. فجعل في عنقه حبلاً، ثمّ مرَّ به، فلمَّا كان في بعض الطريق نظر موسى عليه السلام إلى الكلب، وقال له: لا أعلم بأيّ لسانٍ تسبِّح الله، فكيف أكون خيراً منك؟ ثمّ إنَّ موسى عليه السلام أطلق الكلب، وذهب إلى المناجاة، فقال الربّ: يا موسى أين ما أمرتك به؟ فقال موسى عليه السلام: يا ربّ لم أجده. فقال الربّ: يا ابن عمران، لولا أنَّك أطلقت الكلب لمحوتُ اسمك من ديوان النبوَّة).
وعقَّب أحمد إسماعيل على ذلك بقوله:
(وأنا العبد الحقير لا يخطر في بالي أنّي خير من كلب أجرب، بل أراني ذنْباً عظيماً يقف بين يدي ربّ رؤوف رحيم)(١٧٩).
وفي كلامه إشارة واضحة إلى أنَّه إنَّما صار مؤهَّلاً للسفارة لأنَّه خير من موسى بن عمران عليه السلام من جهة إنكاره لذاته.
٦ _ أخطاء أحمد إسماعيل في مقامات أهل البيت عليهم السلام:
* فإنَّ أحمد إسماعيل ذكر أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام عقله مغلوب من جهة الأنا والظلمة، فقد وُجِّه إليه سؤال نصّه: (ما معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء الصباح: (عقلي مغلوب)؟).
فأجاب بقوله:
(من جهة الأنا والظلمة، فلو لم يكن فيه هذا الحال لكان محمّد [كذا] صلى الله عليه وآله وسلم، وكان في مرتبة (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)، وهي مرتبة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم)(١٨٠).
كما أنَّه ذكر أنَّ (الإنسان) في قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسر) (العصر: ٢) هو أمير المؤمنين عليه السلام، فقد ورد له سؤال نصّه: (ما معنى قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسر)؟).
فأجاب بقوله:
(أمير المؤمنين علي عليه السلام، فهو الإنسان، وهو في خسر نسبةً إلى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فمقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعلى وأعظم من مقام الإمام علي عليه السلام، فالرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هو مدينة الكمالات الإلهية في الخلق أو مدينة العلم، وعلي عليه السلام هو الباب...)(١٨١).
وهذا كلام باطل جزماً؛ لأنَّ الله تعالى يقول: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: ٣)، فاستثنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات عن أن يكونوا في خسر، وفي هذا دلالة واضحة على أنَّ المراد بالإنسان هو جنس الإنسان، لا واحد بعينه؛ لأنَّه لو كان واحداً بعينه كما يقول أحمد إسماعيل لما صحَّ هذا الاستثناء منه.
ثمّ ما هو السبب الذي جعل أمير المؤمنين عليه السلام بخصوصه في خسر نسبةً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ والحال أنَّه إذا كان أمير المؤمنين عليه السلام في خسر فإنَّ باقي الناس كذلك من باب أولى.
وكان اللازم على أحمد إسماعيل أن يبيِّن للقرّاء ماذا خسر أمير المؤمنين عليه السلام؟ وكلّ حياته طاعة لله تعالى وجهاد وتضحيات في سبيله، وهو الذي قال عندما ضربه عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله: (فُزْتُ وربِّ الكعبة).
* وممَّا ذكره أحمد إسماعيل أيضاً أنَّ الإمام الحسين عليه السلام فيه شِرْك نفسي، وهو الأنا، فقد ورد إليه سؤال نصّه: (ما معنى قول الحسين عليه السلام في دعاء عرفة: (إلهي أخرِجْني من ذلِّ نفسي، وطهِّرني من شكِّي وشِرْكي)؟).
فأجاب بجواب طويل ذكر فيه أنَّ الشرك ثلاثة أنواع، إلى أن قال:
(٣ _ الشرك النفسي: وهو أخفى أنواع الشرك، وهو (الأنا) التي لا بدَّ للمخلوق منها، وهي تشوبه بالظلمة والعدم، التي بدونها لا يبقى إلَّا الله سبحانه وتعالى، وبالتالي فكلّ عبد من عباد الله هو مشرك بهذا المعنى، والإمام الحسين عليه السلام أراد هذا المعنى من الشرك وما يصحبه من الشكّ، وكان الإمام الحسين عليه السلام يطلب الفتح المبين، وإزالة شائبة العدم والظلمة عن صفحة وجوده، التي بدونها لا يبقى إلَّا الله الواحد القهّار سبحانه، وبالتالي فإنَّ الحسين عليه السلام كأنَّه يقول: (إلهي لا أحد يستحقّ الوجود إلَّا أنت، ووجودي ذَنْبٌ عظيم لا سبيل إلى غفرانه إلَّا بفنائي وببقائك أنت سبحانك). وهذا الشكّ والشرك بالقوَّة لا بالفعل، أي إنَّ منشأه موجود، لا أنَّه موجود بالفعل، أي إنَّ قابلية الفعل موجودة، لكنَّها غير متحقّقة بالفعل، أي لا توجد في الخارج...)(١٨٢).
والتهافت كثير في هذا الكلام، فإنَّ الشرك والشكّ إذا كانا غير موجودين بالفعل فلماذا يدعو الإمام الحسين عليه السلام ربَّه لكي يطهِّره منهما؟ ولِمَ يدعو عليه السلام أن يطهِّره الله سبحانه من الشكّ والشرك اللذين بدونهما لا يبقى إلَّا الله تعالى؟ وهل يصحّ أن يكون معنى كلام الإمام الحسين عليه السلام أنَّه لا أحد يستحقّ الوجود إلَّا الله، وأنَّ وجوده ذَنْبٌ عظيم لا سبيل إلى غفرانه إلَّا بفنائه؟! مع أنَّه عليه السلام لم يتسبَّب في وجوده، وكان وجوده بفعل الله تعالى، وهو نعمة ورحمة أسبغهما الله سبحانه وتعالى عليه!
والغريب أنَّ أحمد إسماعيل مع ذلك يزعم أنَّه تخلَّص من ظلمة الأنا، حيث قال:
(وهكذا الإمام المهدي عليه السلام يستغني في زمن الظهور عن روح القدس الأعظم؛ لأنَّه فُتِحَ له في زمن الغيبة الصغرى، فينتقل روح القدس الأعظم إلى المهدي الأوّل، فكما يَصْدُق: (أنفسنا وأنفسكم) على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام، كذلك يصدق هنا على الإمام المهدي عليه السلام والمهدي الأوّل عليه السلام، من جهة الرداء الذي لبسه رسول الله وأمير المؤمنين، وهو روح القدس الأعظم، وإلَّا فلا تساوي بينهما إلَّا من هذه الجهة، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من علي عليه السلام، وكذلك الإمام المهدي عليه السلام أفضل من المهدي الأوّل، وتساويهم من هذه الجهة جهة الرداء، وهو روح القدس الأعظم، الذي تردَّى به المهدي الأوّل؛ لأنَّه يحتاج إلى التسديد، ولم يحصل له الفتح، بينما الإمام المهدي عليه السلام حصل له الفتح، فتسديده من الفتح؛ لأنَّه في آنات لا يبقى إلَّا الله الواحد القهّار. أمَّا المهدي الأوّل فلم يحصل له الفتح، لهذا يُسدَّد بروح القدس الأعظم، ويُدعى له بـ: (أن يعبدك لا يشرك بك شيئاً)، أي حتَّى الأنا الموجودة بين جنبيه لا يراها، فلا يرى ولا يعرف إلَّا الله)(١٨٣).
وفي هذا الكلام من الهراء ما لا يخفى، فإنَّ الإمام المهدي عليه السلام والمهدي الأوّل إذا صدق عليهما: (أنفسنا وأنفسكم) كما زعم أحمد إسماعيل، فإنَّ الإمام المهدي إذا حصل له الفتح فقد حصل الفتح للمهدي الأوّل أيضاً؛ لأنَّه نفسه ووصيّه، والإمام من بعده، ووزيره، والحاكم في دولته بزعم أحمد إسماعيل، ولا حاجة لأن يكون للمهدي الأوّل فتح خاصٌّ به.
ثمّ إنَّ كلّ إمام معصوم يحتاج إلى تسديد روح القدس دائماً كما دلَّت عليه الأحاديث، والإمام المهدي عليه السلام كذلك حتَّى بعد حصول الفتح له في زمن الغيبة، ولا معنى لما زعمه أحمد إسماعيل من أنَّ الإمام المهدي عليه السلام لمَّا حصل له الفتح في غيبته فإنَّ تسديده يكون من الفتح؛ إذ كيف يكون الفتح مسدِّداً للإمام المهدي عليه السلام؟ وأيّ فتح هذا الذي حصل للإمام المهدي عليه السلام في زمن غيبته حتَّى أغناه عن أن يُسدِّده روح القدس؟!
بل إنَّ الإمام المهدي عليه السلام بعد قيام دولته أكثر حاجة لتسديد روح القدس له؛ لكثرة الحوادث والوقائع وشدَّة الحاجة إلى الحكم فيها بحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يتطلَّب التسديد المؤكَّد كما دلَّت الروايات على أنَّ الإمام المعصوم يُسدِّده روح القدس إذا أراد أن يحكم بحكم ولم يكن عنده في تلك الواقعة شيء.
فقد روى الشيخ الكليني قدس سره في (الكافي) بسند موثَّق عن عمّار الساباطي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: بما تحكمون إذا حكمتم؟ قال: (بحكم الله وحكم داود، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا، تلقّانا به روح القدس)(١٨٤).
وروى الصفّار في (بصائر الدرجات) بسنده عن علي بن عبد العزيز، عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جُعلت فداك، إنَّ الناس يزعمون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجَّه علياً عليه السلام إلى اليمن ليقضي بينهم، فقال عليٌّ: (فما وردتْ عليَّ قضيّة إلَّا حكمتُ فيها بحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم). فقال: (صدقوا). قلت: وكيف ذاك ولم يكن أُنزل القرآن كلّه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غائباً عنه؟ فقال: (تتلقّاه به روح القدس)(١٨٥).
ومن غرائب كلمات أحمد إسماعيل في كتابه: (إضاءات من دعوات المرسلين) أنَّه قال:
(فأينما تتَّجهون فإنَّ قبلتكم إلى الله هي وجه الله (وليّ الله وحجَّته على خلقه)؛ لأنَّ روحه لا تُقيَّد بقيد الأجسام، فهي موجودة ومحيطة بكم من كلّ الجهات، شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً، بل لو تفقهون هذه الكلمات لعرفتم الحقيقة، فآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هم الطعام الذي تأكلون، والماء الذي تشربون، والهواء الذي تتنفَّسون، قال عيسى عليه السلام: (أنا خبز الحياة)، وآل محمّد هم موسى وهامان، وهم إبراهيم ونمرود، وهم نار إبراهيم، وهم بردها وسلامها، فقلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن، وآل محمّد هم الرحمن في الخلق، وهم صنائع الله والخلق صنائع لهم، وخلقهم الله، ومنهم عليهم السلام خلق الخلق)(١٨٦).
وهذا الكلام فيه من الغرائب ما لا يخفى؛ إذ كيف يكون آل محمّد عليهم السلام موسى وهامان، وإبراهيم ونمرود، فتكون حقيقتهم عليهم السلام جامعة للمتضادّات التي لا تجتمع بحال؟!
وإذا أمكن أن نؤوِّل كلامه بأنَّ آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هم موسى وإبراهيم عليهما السلام، أي إنَّهم كموسى وإبراهيم في أنَّهم حُجج الله تعالى الذين تجب طاعتهم، ويجب التمسّك بهم، فلا يمكن أن نؤوِّل قوله: (إنَّ آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هم هامان ونمرود)، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم.
٧ _ غرائب وعجائب من علم أحمد إسماعيل:
كلّ من يطالع الكتب المنسوبة إلى أحمد إسماعيل يرى أنَّها اشتملت على كثير من الغرائب والعجائب التي لا يُصدِّقها عاقل، وسأذكر نماذج من غرائبه ليتبيَّن للقارئ العزيز صحَّة ما قلته فيه، فمن هذه الغرائب:
١) أنَّ الحجر الأسود هو أحمد إسماعيل نفسه:
فإنَّه قال في كتابه (المتشابهات):
(بقي أنَّ أمانة كلّ إنسان مرتبطة بصاحب الأمانة، وهو كما عبَّر عنه عليه السلام: بأنَّه مَلَك ابتلع كتاب العهد والميثاق، وهو الحجر الأسود في الركن العراقي في الكعبة، وهو في الحقيقة إنسان، وهو المهدي الأوّل واليماني، وهو صاحب الأمان، ولذلك فهو الفاتح لدولة العدل الإلهي والممهِّد الرئيسي لها، والحاكم الأوّل بعد قائدها الإمام المهدي عليه السلام)(١٨٧).
وهذا كلام كسابقه لا معنى له، بل هو كلام متهافت، فتارةً يقول: إنَّ الحجر الأسود مَلَك، وتارةً أُخرى يقول: (إنَّه إنسان)!، فكيف يمكن الجمع بين هذين الادّعاءين؟!
ثمّ كيف يكون الحجر الأسود هو اليماني والمهدي الأوّل، مع أنَّ الحجر الأسود والمهدي الأوّل شيئان متباينان؟!
ولا ندري بعد هذا ماذا سيحدث إذا قام المهدي الأوّل الذي هو اليماني بثورته ليمهِّد للإمام المهدي عليه السلام سلطانه، فهل سيبقى الحجر الأسود في مكانه؟ أم أنَّ الحجر الأسود سيتحوَّل بقدرة قادر إلى ثائر عنيد يحارب أعداء الله، وينتقم منهم؟!
وعلى هذا فإنَّ نقطة انطلاق الحجر الأسود الذي هو المنصور اليماني من الركن العراقي في الكعبة المشرفة مع أنَّ الروايات دلَّت على أنَّ اليماني سيخرج من اليمن، ومن صنعاء بالخصوص.
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام في حديث قال: قلت: يا ابن رسول الله، متى يخرج قائمكم؟ قال: (إذا تشبَّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركب ذوات الفروج السروج، وقُبلت شهادات الزور، ورُدَّت شهادات العدول، واستخفَّ الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا، واتُّقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بين الركن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكية)(١٨٨).
وروى النعماني بسنده عن عبيد بن زرارة، قال: ذُكِرَ عند أبي عبد الله عليه السلام السفياني، فقال: (أنَّى يخرج ذلك؟ ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء)(١٨٩).
وإذا كان الحجر الأسود هو المنصور اليماني فينبغي لأحمد إسماعيل أن يبيِّن للناس لماذا لا يزال الحجر الأسود في موضعه مع أنَّ اليماني _ وهو بزعمهم أحمد إسماعيل _ موجود في العراق!
٢) أنَّ أحمد إسماعيل كان حَجَراً في يمين أمير المؤمنين عليه السلام:
قال في كتابه (الجواب المنير عبر الأثير):
(أنا العبد الحقير الخسيس الذليل قليل العمل كثير الزلل، أراني ذَنْباً عظيماً بين يدي ربّ رؤوف رحيم، أمرني أبي وسيّدي محمّد بن الحسن المهدي عليه السلام أن أقول هذه الكلمات: أنا حَجَر في يمين علي بن أبي طالب عليه السلام، ألقاه في يوم ليهدي به سفينة نوح عليه السلام، ومرَّة لينجي إبراهيم عليه السلام من نار نمرود، وتارة ليخلِّص يونس عليه السلام من بطن الحوت، وكلَّم به موسى عليه السلام على الطور، وجعله عصا تفلق البحار، ودرعاً لداود عليه السلام، وتدرَّع به في أُحُد، وطواه بيمينه في صفّين)(١٩٠).
أقول:
سبحان الله العظيم، ما أعظم هذا الحجر وأكثر بركته، وغرابة تحوّله من شيء غريب إلى شيء آخر أغرب منه، والأغرب من كلّ ذلك أنَّه إمام معصوم، وثائر يمهِّد للإمام المهدي عليه السلام سلطانه، ولا ينقضي العجب منه إذا عرفت أنَّه حجر قد ولدته امرأة من أهل البصرة، فخرج من بطنها إنساناً لا يَعرف نَسَبه بزعمه إلَّا بعد أن شارف على الأربعين!
وهذا الذي قاله أحمد إسماعيل ونسبه زوراً وبهتاناً للإمام المهدي عليه السلام كلّه هراء وهذيان، مخالف للقرآن الكريم ولأحاديث أهل البيت عليهم السلام، أمَّا مخالفته للقرآن فإنَّه دلَّ بوضوح على أنَّ الله تعالى أنجى نبيّه إبراهيم عليه السلام بأن جعل النار برداً وسلاماً عليه، قال سبحانه: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) (الأنبياء: ٦٩)، ولم يطفئها سبحانه بحجر ألقاه أمير المؤمنين عليه السلام في تلك النار.
وأمَّا مخالفته لأحاديث أهل البيت عليهم السلام فإنَّها دلَّت على أنَّ جبرئيل عليه السلام أعطى إبراهيم عليه السلام ثوباً من الجنَّة لا يضره معه حرّ ولا برد، فإنَّ الكليني قدس سره روى بسنده عن مفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: (أتدري ما كان قميص يوسف عليه السلام؟)، قال: قلت: لا. قال: (إنَّ إبراهيم عليه السلام لمَّا أُوقدت له النار أتاه جبرئيل عليه السلام بثوب من ثياب الجنَّة، فألبسه إيّاه، فلم يضره معه حرّ ولا برد، فلمَّا حضر إبراهيمَ الموتُ جعله في تميمة، وعلَّقه على إسحاق، وعلَّقه إسحاق على يعقوب، فلمَّا وُلِدَ يوسف عليه السلام علَّقه عليه، فكان في عضده، حتَّى كان من أمره ما كان، فلمَّا أخرجه يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه، وهو قوله: (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) [يوسف: ٩٤]، فهو ذلك القميص الذي أنزله الله من الجنَّة). قلت: جُعلت فداك، فإلى من صار ذلك القميص؟ قال: (إلى أهله). ثمّ قال: (كلّ نبيّ ورَّث علماً أو غيره فقد انتهى إلى آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم)(١٩١).
وإذا كان الله أنجى إبراهيم عليه السلام بجعل النار برداً وسلاماً عليه، وبقميص أنزله جبرئيل عليه السلام له من الجنَّة، فما هو دور هذا الحجر المزعوم المسمَّى بأحمد إسماعيل في نجاة إبراهيم عليه السلام بعد هذا كلّه؟
وأمَّا نبيّ يونس عليه السلام فإنَّ الله تعالى خلَّصه من بطن الحوت بأن نبذه منه إلى العراء بحكمته سبحانه وإرادته، لا بحجر كان في يمين علي عليه السلام. قال تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) (الصافات: ١٣٩ _ ١٤٥).
وكذلك الحال في باقي هذيانه، فلا حاجة لبيان بطلانه لوضوحه.
٣ _ أنَّ أحمد إسماعيل هو شبيه عيسى بن مريم الذي فدّاه بنفسه:
قال أحمد إسماعيل:
(وكان بعد منتصف الليل أن نام الحواريون، وبقي عيسى عليه السلام، فرفعه الله، وأنزل (شبيهه الذي صُلِبَ وقُتِلَ)، فكان درعاً له وفداءً، وهذا الشبيه هو من الأوصياء من آل محمّد عليهم السلام، صُلِبَ، وقُتِلَ وتحمَّل العذاب لأجل قضيّة الإمام المهدي عليه السلام).
إلى أن قال:
(وكلّ الأنبياء والأوصياء المرسلين تكلَّموا، لم يذهب أحد منهم صامتاً إلى الذبح، بل هم أُرسلوا ليتكلَّموا ويُبكِّتوا ويعظوا الناس، وعيسى عليه السلام بالخصوص كم بَكَّتَ العلماء والناس، وكم وعظهم، فلا يَصدِقُ عليه أنَّه ذهب إلى الذبح صامتاً، بل هذا الذي ذهب إلى الذبح صامتاً هو الوصيّ: (شبيه عيسى) الذي صُلِبَ وقُتِلَ دون أن يتكلَّم، أو يطلب من الله أن يصرف عنه العذاب والصلب والقتل، ودون أن يتكلَّم مع الناس)(١٩٢).
وهذه المسألة ذكرناها فيما سبق في ادّعاءات أحمد إسماعيل، والغريب أنَّه إذا كانت له تلك المقامات العظيمة التي يدَّعيها لنفسه، فكيف يكون فداءً لعيسى بن مريم عليه السلام، مع أنَّه يُصرح كما مرَّ سابقاً في ادّعاءاته أنَّه خير من عيسى عليه السلام، فكيف يُفدي من هو دونه في الفضل؟! إنَّ هذا لشيء عجيب!!
علماً أنَّ الروايات فيها ما يدلُّ على أنَّ الذي فدَّى نبيّ الله عيسى عليه السلام هو أحد حواريّيه الاثني عشر، فقد روى علي بن إبراهيم في تفسيره بسند صحيح عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّ عيسى عليه السلام وعد أصحابه ليلة رَفَعَه الله إليه، فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثنا عشر رجلاً، فأدخلهم بيتاً، ثمّ خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء، فقال: إنَّ الله أوحى إليَّ أنَّه رافعي إليه الساعة، ومطهِّري من اليهود، فأيّكم يُلقى عليه شبحي، فيُقتل ويُصلَب، ويكون معي في درجتي؟ فقال شاب منهم: أنا يا روح الله. قال: فأنت هو ذا)(١٩٣).
فهل كان أحمد إسماعيل موجوداً في ذلك العصر؟
الذي يظهر من ادّعاءاته أنَّه كان موجوداً بجسمه هذا في عصور متعدِّدة، وأنَّه قام بأدوار عظيمة، ولا أعجب إلَّا ممَّن يُصدِّقه في هذه الادّعاءات التي دليل كذبها معها!
***************
(١٥٣) بيانه في موقع أنصاره بتاريخ (١٧/ شوّال/ سنة ١٤٢٤هـ).
(١٥٤) المتشابهات ٤: ٤٦.
(١٥٥) الردّ الأحسن في الدفاع عن أحمد الحسن: ٩؛ الجواب المنير عبر الأثير ٤ - ٦: ١٣٨.
(١٥٦) المتشابهات ٤: ٧٢.
(١٥٧) المتشابهات ٤: ٧٣.
(١٥٨) تهذيب الأحكام ٢: ٢٤١/ ح (٩٥٤/٢٣).
(١٥٩) معاني الأخبار: ٣٣١/ باب معنى الصلاة الوسطى/ ح ١.
(١٦٠) المتشابهات ٤: ٣٦.
(١٦١) المتشابهات ٤: ٦٨.
(١٦٢) أي مع الدهن، فثمرها فيه دهن.
(١٦٣) تفسير مجمع البيان ٧: ١٨٤.
(١٦٤) المتشابهات ٢: ٤٩.
(١٦٥) المتشابهات ٤: ١٢٦.
(١٦٦) المتشابهات ٢: ٦٥.
(١٦٧) شرائع الإسلام لأحمد إسماعيل كاطع ١ - ٣: ١٠.
(١٦٨) شرائع الإسلام لأحمد إسماعيل كاطع ١ - ٣: ٣٣.
(١٦٩) المصدر السابق.
(١٧٠) كتاب الخلاف ١: ١٨٨.
(١٧١) شرائع الإسلام لأحمد إسماعيل كاطع ١ - ٣: ٢٠٠.
(١٧٢) جواهر الكلام ٣٠: ١٧٥.
(١٧٣) المتشابهات ١: ٢٧.
(١٧٤) السَّرَب: الحفير تحت الأرض.
(١٧٥) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ١٧٥/ ح ١.
(١٧٦) إضاءات من دعوات المرسلين ٣: ٣٣.
(١٧٧) رحلة موسى إلى مجمع البحرين: ٤٨.
(١٧٨) رحلة موسى إلى مجمع البحرين: ٥١.
(١٧٩) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ١٦.
(١٨٠) المتشابهات ٤: ٢١٨.
(١٨١) المتشابهات ٣: ٧٣.
(١٨٢) المتشابهات ٢: ١٩.
(١٨٣) عن موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري.
(١٨٤) الكافي ١: ٣٩٨/ باب في الأئمّة عليهم السلام وأنَّهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود.../ ح ٣.
(١٨٥) بصائر الدرجات: ٤٧٢ و٤٧٣/ باب ١٥/ ح ٨.
(١٨٦) إضاءات من دعوات المرسلين ١ - ٣: ٥٤.
(١٨٧) المتشابهات ١- ٤: ٢٦٠.
(١٨٨) كمال الدين: ٣٣١/ باب ٣٢/ ح ١٦.
(١٨٩) الغيبة للنعماني: ٢٨٦/ باب ١٤/ ح ٦٠.
(١٩٠) الجواب المنير عبر الأثير ١: ١٦.
(١٩١) الكافي ١: ٢٣٢/ باب ما عند الأئمّة من آيات الأنبياء عليهم السلام/ ح ٥.
(١٩٢) المتشابهات ٤: ١١٦ - ١٢٠.
(١٩٣) تفسير القمّي ١: ١٠٣.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page