من الطبيعي أن تصطدم كلّ الدعوات الباطلة بآيات من القرآن الكريم، أو بأحاديث صحيحة أو متواترة، وعندما يحتجّ العلماء على أصحاب هذه الدعوات بتلك الآيات والأحاديث فإنَّهم يقومون بليّ عنق تلك الآيات والروايات، ويأتون لها بمعاني بعيدة غير مرادة، تنسجم مع دعواتهم الباطلة.
وحيث إنَّ مرزا غلام أحمد القادياني زعم أنَّه هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، فإنَّ هذا الزعم يتعارض مع الأحاديث المتواترة التي دلَّت على أنَّ الإمام المهدي من ولد سيّدة نساء العالمين السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، ومن المعلوم أنَّ القادياني رجل هندي لا يمتُّ إلى السيّدة فاطمة عليها السلام بأيّ نسب، وهذا كافٍ في إبطال دعواه ودعوته.
ولكن أُنظر إلى جوابه على هذا الأمر المتواتر، فإنَّه قال:
(إنَّ أصحاب الفكر المادّي نسبوا الموعود إلى ذرّية الحسن أحياناً، وإلى ذرّية الحسين أحياناً، وإلى العبّاس أحياناً، إنَّما كان قصد الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ المبعوث سيكون وارثه مثل أبنائه، يرث اسمه وخُلُقه وعلمه وروحانيته، ويعكس صورته فيه من كلّ الجوانب، ولن يكتسب شيئاً من نفسه، بل كلّ ما اكتسبه فهو من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وسيعكس وجهه متفانياً فيه)(٣٢٦).
ولا يخفى أنَّ ما قاله القادياني مع أنَّه خلاف ظاهر الحديث فإنَّه لا دليل عليه، ولو أردنا أن نشرح الأحاديث النبوية بهذا النحو لما بقي حديث واحد سالماً، ولضاعت أكثر السُّنَّة النبوية، مع أنَّ معنى الحديث لو كان كما زعمه القادياني لحقَّ لكلّ حاقد على الإسلام أن يتَّهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّه عاجز عن بيان مراداته؛ لأنَّ قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنَّ المهدي من ولد فاطمة عليها السلام) فيه ما لا يخفى من القصور في الدلالة على المعنى المراد.
ومن الأحاديث التي اصطدمت بها دعوة أحمد إسماعيل البصري توقيع آخر سفراء الإمام المهدي عليه السلام، وهو علي بن محمّد السمري رضوان الله عليه، الذي يدلُّ بوضوح على أنَّ كلّ من ادَّعى السفارة قبل الصيحة والسفياني فهو كذّاب مفترٍ، ولكن أحمد إسماعيل حاول ردّ هذه الدلالة الواضحة بأن زعم أنَّ الحديث مطعون في سنده، ولا يفيد الجزم، ومتنه متشابه، والحديث غير مسوَّر فلا يفيد الكلّية، وإنَّما يدلُّ على الجزئية، أي إنَّ بعض مَنْ يدَّعي السفارة كاذب(٣٢٧).
وكلّ هذه النقوض واضحة البطلان، فإنَّ سنده صحيح، مع أنَّه لا يحقّ لأحمد إسماعيل أن يتكلَّم في أسانيد الروايات، وخصوصاً في سند هذا التوقيع الذي اتَّفق الشيعة على العمل بمضمونه قديماً وحديثاً، وإذا كان الحديث الذي اتَّفق عليه الشيعة لا يفيد القطع بالصدور، فما هو هذا الحديث الذي يحقُّ لنا أن نقطع بصدوره أو نجزم بصحَّته بنظر أحمد إسماعيل؟
وأمَّا متن التوقيع فهو واضح الدلالة على أنَّ كلّ من يدَّعي المشاهدة(٣٢٨) أي السفارة قبل الصيحة والسفياني فهو كاذب مفترٍ، ولا أظنّ أحداً من أهل اللسان العربي يشكُّ في أنَّ هذا هو معنى التوقيع، ومن المضحكات زعم أحمد إسماعيل _ الذي لم يدرس علم المنطق _ أنَّ التوقيع لا يدلُّ على الكلّية، وأنَّ معناه هو أنَّ بعض من يدَّعي المشاهدة كاذب وبعضهم صادق، وهذا الكلام لا يقوله إلَّا جاهل أو مكابر، وكلّ من درس مقدّمات الحوزة العلمية يعلم أنَّ الجملة الشرطية تدلُّ على تحقّق الجواب عند تحقّق الشرط، فيتحقَّق الكذب والافتراء عند تحقّق ادّعاء المشاهدة، بلا تخلّف في ذلك، وإلَّا لما كانت الجملة شرطية، وهذا واضح جدَّاً، ولاسيّما أنَّ الغرض من خروج التوقيع هو بيان انقطاع السفارة والإيذان ببدء فترة الغيبة الكبرى، وهذا يدلُّ على أنَّ كلّ من يدَّعي السفارة في فترة انقطاع السفارة فهو كاذب مفترٍ.
ولو أردنا أن نذكر نماذج أُخرى من تأويلات القادياني والبصري لطال في ذلك الكلام، ولكن من هذين الأنموذجين يتبيَّن كيف يؤوِّل القادياني والبصري الأحاديث التي تبطل دعوتهما، والذي يتتبَّع كلماتهما يجد فيها الغرائب والعجائب المدهشة، ونحن ذكرنا نماذج أُخرى من كلام أحمد إسماعيل البصري فيما تقدَّم، فراجعها.
***************
(٣٢٦) إزالة خطأ: ١٣.
(٣٢٧) التبليغ: ١٠٤.
(٣٢٨) المشاهدة: إمَّا أن يُراد بها معناها اللغوي وهو مجرَّد رؤية الإمام المهدي عليه السلام، أو يُراد بها ادّعاء السفارة، وهذا هو المراد بالتوقيع المبارك؛ لأنَّه صدر قبل ستّة أيّام من وفاة آخر السفراء الأربعة، وهو الشيخ علي بن محمّد السمري قدس سره، لإخبار الشيعة بقرب وفاته، وإعلامهم بانقطاع السفارة، وبداية الغيبة الكبرى، فيكون المراد بادّعاء المشاهدة هو ادّعاء السفارة؛ لإطباق الشيعة على أنَّ كثيراً من المؤمنين رأوا الإمام المهدي عليه السلام، وهذا متواتر، ولا يمكن ردّه، ومن رأى الإمام المهدي عليه السلام حقيقة، وأخبر بذلك صادقاً لا يجوز تكذيبه.
تأويلات باطلة للنصوص المخالفة للدعوة
- الزيارات: 183