• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

هل اليماني منصوص العصمة؟

 ادَّعى أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأنصاره أنَّ اليماني معصوم منصوص العصمة.
قال اﻟﮕﺎطع في بيان له بعنوان (السيّد أحمد الحسن اليماني الموعود) بتاريخ (٢١) ربيع الثاني سنة (١٤٢٦هـ):
(ثانياً: (أنَّه يَدْعو إلى الحقِّ وإلى طريق مستقيم): والدعوة إلى الحقِّ والطريق المستقيم أو الصراط المستقيم تعني أنَّ هذا الشخص لا يخطأ (كذا)، فيُدخِل الناس في باطل أو يُخرِجهم من حقِّ، أي أنَّه معصوم منصوص العصمة)(٥).
وكلامه باطل من عدَّة جهات:
١ - أنَّ الرواية التي ورد فيها أنَّ اليماني (يَدْعو إلى الحقِّ وإلى طريق مستقيم) رواية ضعيفة، فلا يصحُّ إثبات العصمة التي هي من المقامات الدينية الخطيرة برواية ضعيفة السند لا يثبت بها مستحبّ فضلاً عن العصمة التي هي من أُصول العقائد.
٢ - أنَّ العصمة في الاصطلاح هي: لطف خفي يفعله الله تعالى بالمكلَّف، بحيث لا يكون له داعٍ إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك(٦).
أو هي كون الشخص بحيث لا ينقدح في نفسه الزكيَّة الميل إلى ارتكاب الحرام والاستمرار على المكروه أو ترك الوظيفة الشرعية، ولازم ذلك علمه بالوظائف والوقائع وأحكامها من الحِلِّ والحرمة والواجب وغيره(٧).
أمَّا زعم اﻟﮕﺎطع أنَّ المعصوم هو الذي لا يخطئ فيُدخِل الناس في باطل أو يُخرِجهم من حقّ، فهو معنى مغاير للمعنى الاصطلاحي المعروف للعصمة، وإنَّما قال به هذا اﻟﮕﺎطع وأتباعه لأنَّهم لا يستطيعون أن يثبتوا العصمة بمعناها المعروف لأحمد إسماعيل ﮔﺎطع الذي له تسجيلات منشورة في موقع أنصاره مملوءة بأخطاء لغوية كثيرة، بل أخطاؤه في قراءة آيات من القرآن الكريم فاضحة، لا يقع فيها كثير من صبيان المسلمين، فكيف يكون معصوماً بالمعنى المعروف للعصمة؟!
ولهذا زعموا أنَّ اﻟﮕﺎطع معصوم بهذا المعنى المستحدَث الذي فصَّلوه على مقاس إمامهم، ومع ذلك فإنَّه لا ينطبق على أحمد إسماعيل ﮔﺎطع؛ لأنَّه غير معصوم بالمعنى الذي ذكروه؛ لأنَّ أباطيله الكثيرة وأخطاءه الفاضحة أدخلت جميع أتباعه في الباطل وأخرجتهم من الحقِّ؛ لأنَّهم صدَّقوه في ادِّعاءاته الكثيرة الباطلة المخالفة لإجماعات الطائفة المحقَّة منذ عصور الأئمَّة عليهم السلام إلى يومنا هذا، مثل دعواه أنَّ الأئمَّة أربعة وعشرون إماماً، وأنَّه إمام معصوم، وأنَّ له دعوة خاصّة به مشابهة لدعوات نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ومحمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وغيرها من الدعاوى الأُخرى(٨) التي لا يُصدِّقها إلَّا من غُلِبَ على عقله، وطُبِعَ على قلبه.
مضافاً إلى ذلك فإنَّ جميع عوام المسلمين وغيرهم يُخطئون، ولكن أخطاءهم كالزنا وشرب الخمر مثلاً لا تُدخِل الناس الآخرين في باطل ولا تُخرِجهم من حقّ، فهل هم معصومون أيضاً بنظر اﻟﮕﺎطع وأنصاره؟!
وبتعبير آخر نقول: إنَّ جميع عوام المسلمين يخطئون، واﻟﮕﺎطع أيضاً يخطئ، وعوام المسلمين لا يُدخِلون الناس بخطئهم في باطل، ولا يُخرِجونهم من حقّ، فلا فرق بينهم وبين اﻟﮕﺎطع من هذه الناحية، فلماذا صار اﻟﮕﺎطع معصوماً دون غيره من عوام المسلمين؟!
٣ - أنَّه لا ملازمة بين الدعوة إلى الحقِّ وبين كون الداعي إليه معصوماً، فكم من داعٍ إلى الحقِّ وهو غير معصوم، بل إنَّ تكليف كلّ مؤمن أن يَدْعو إلى الحقِّ وإلى طريق مستقيم، وما فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلَّا دعوة إلى الحقِّ، فهل كلّ من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أو يَدْعو إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام معصوم؟!
٤ - أنَّ الدعوة إلى الحقِّ في الرواية مفسَّرة بما ورد فيها، وهو أنَّ اليماني يَدْعو لصاحب الأمر عليه السلام، فإنَّه قال: (لأنَّه يدعو لصاحبكم)، وهذا يعني أنَّه يَدْعو للإمام المهدي عليه السلام، وهو صادق في دعوته له، لا أنَّ كلّ ما يصدر عنه حقّ وصراط مستقيم.
٥ - أنَّه ورد ما يشبه أمثال هذا الوصف في حقِّ رجال أجلَّاء أجمع المسلمون على عدم عصمتهم، منهم: عمّار بن ياسر رضي الله عنه الذي قال فيه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (يدعوهم إلى الجنَّة)(٩)، والدعوة إلى الجنَّة دعوة إلى الحقِّ بلا شكٍّ ولا شبهة.
ومنهم: زيد الشهيد رضوان الله عليه الذي ورد في مدحه مثل ذلك، فقد روى الكليني رحمه الله في (الكافي) بسند صحيح عن عيص بن القاسم، عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال في حديث: (ولا تقولوا: خرج زيد، فإنَّ زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يَدْعُكم إلى نفسه، إنَّما دعاكم إلى الرضا من آل محمّد عليهم السلام، ولو ظهر لَوَفى بما دعاكم إليه)(١٠).
فإنَّ دعوته إلى الرضا من آل محمّد عليهم السلام هي دعوة إلى إمام زمانه، وهي دعوة إلى الحقِّ وإلى طريق مستقيم، كما أنَّ دعوة اليماني كذلك.
بل ورد نفس هذا التعبير في حقِّ الشيخ المفيد رحمه الله على ما ذكره الشيخ الطبرسي رحمه الله في كتاب (الاحتجاج)، في التوقيع الصادر عن صاحب الزمان عليه السلام، الذي كتبه للشيخ المفيد رحمه الله، وقال فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، سلام الله عليك أيّها الناصر للحقِّ، الداعي إليه بكلمة الصدق)(١١).
ومن المعلوم أنَّه لم يقل أحد بعصمة عمّار بن ياسر رضي الله عنه أو زيد الشهيد أو الشيخ المفيد رحمه الله، بل أجمع المسلمون على عدم عصمتهم، ولو كانت أمثال هذه التعابير تدلُّ على العصمة لصرَّح علماء الطائفة بذلك، ونصّوا عليها في كتبهم.
قال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع بعد كلامه السابق:
(وبهذا المعنى يصبح لهذا القيد أو الحدّ فائدة في تحديد شخصية اليماني، أمَّا افتراض أيّ معنى آخر لهذا الكلام (يدعو إلى الحقِّ وإلى طريق مستقيم) فإنَّه يجعل هذا الكلام منهم عليهم السلام بلا فائدة، فلا يكون قيداً ولا حدَّاً لشخصية اليماني، وحاشاهم عليهم السلام من ذلك)(١٢).
وقد سعى عبد الرزّاق الديراوي لشرح كلام إمامه اﻟﮕﺎطع فقال:
(أمَّا قول السيّد أحمد الحسن عليه السلام بأنَّ افتراض أيّ معنى آخر لكلام الإمام الباقر عليه السلام (يجعله بلا فائدة، فلا يكون قيداً ولا حدَّاً لشخصية اليماني)، فهو واضح بعد معرفتنا أنَّ الإمام في مقام التعريف بشخصية اليماني، وأيّ معنى يمكن أن يُفتَرض لكلامه غير ما قاله السيّد أحمد الحسن عليه السلام سيشترك فيه معه غيره، أو على الأقلِّ من الممكن أن يشترك فيه مع اليماني غيره، وبالتالي لا يكون نافعاً، لأنَّ التعريف أو الحدّ ينبغي أن يكون بما يتميَّز به عن غيره، لا بما يشترك فيه مع الآخرين. ومن الواضح إنَّ المعنى الذي بيَّنه السيّد أحمد الحسن خاصّ باليماني وحده، فهو يُميِّزه على أنَّه من حجج الله، وهم معروفون من خلال وصيَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(١٣).
والجواب: أنَّ قوله: (يَدْعو إلى الحقِّ وإلى طريق مستقيم) ليس قيداً لشخصية اليماني ولا حدَّاً ولا تعريفاً لها؛ لأنَّ القيد إنَّما يكون لأسماء الأجناس المطلقة، كتقييد رقبة بالمؤمنة في قوله تعالى: (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) (النساء: ٩٢)، والأعلام والمعارف كزيد واليماني ونحوهما غير قابلة للتقييد كما لا يخفى على من درس علم الأُصول، وكذلك الحدّ الذي هو نوع من التعريف لا يكون للأعلام كاليماني ونحوه كما هو مبيَّن في علم المنطق، وعذر اﻟﮕﺎطع والديراوي الذي يناصره بالباطل أنَّهما لا يفهمان بديهيّات علم الأُصول والمنطق، فمن الطبيعي أن يقعا في هذا الخطأ الفاحش الذي لا يقع فيه صغار طلبة العلم.
وما زعمه اﻟﮕﺎطع من أنَّ قوله: (يَدْعو إلى الحقِّ وإلى طريق مستقيم) إن دلَّ على العصمة كان معرِّفاً لليماني، وكان لكلام الإمام عليه السلام فائدة، وإلَّا فلا فائدة فيه، هذيان واضح؛ لأنَّ هذه الجملة لا تفيد أيّ تعريف لشخصية اليماني، وإنَّما تكشف عن أنَّ دعوته إلى الحقِّ صادقة، وهذه فائدة مهمَّة لكلام الإمام عليه السلام، ولا تتوقَّف فائدة الكلام على دلالة هذه العبارة على معنى لا تدلُّ عليه إلَّا بنظر اﻟﮕﺎطع وهو العصمة.
ثمّ إنَّ ناظماً العقيلي أيَّد كلام إمامه اﻟﮕﺎطع بقوله:
(والدعوة إلى الحقِّ وإلى الصراط المستقيم لا يمكن أن تكون إلَّا من قِبَل المعصوم؛ لأنَّ غير المعصوم محتمل الصواب والخطأ، وإذا كان محتمل الخطأ لا يكون معصوماً، ولا يُسمّى أو يُوصَف بأنَّه يهدي إلى طريق أو صراط مستقيم؛ لأنَّ الاستقامة تعني عدم الانحراف (عن) الخطأ أبداً في هداية الأُمَّة، أي إنَّه لا يُدخِل الأُمَّة في ضلال ولا يُخرِجهم من هدى.
وقولي بأنَّ غير المعصوم لا يهدي إلى الحقِّ وإلى الصراط المستقيم، أي على نحو الحتم والجزم، كما هو الحال في اليماني، لا على نحو الجزئية والاحتمال، فأيّ إنسان ممكن أن يَدْعو إلى حقّ أو إلى الصراط المستقيم عموماً كمن يَدْعو الناس إلى اتّباع أهل البيت عليهم السلام، ولكن هذا الشخص لا يمكن وصفه بأنَّه يدعو إلى تمام الحقّ وإلى حقيقة الصراط المستقيم على نحو الجزم...)(١٤).
ولا يخفى ما في هذا الكلام من المغالطات المكشوفة؛ وذلك لأنَّه من الواضح جدًّا أنَّ الدَّعوة إلى الحقِّ يمكن صدورها عن غير المعصوم الذي يمكن أن يكون جازماً بأنَّه على حقّ، ومتيقِّناً بأنَّه يَدْعو إلى الهدى بلا شكٍّ ولا شبهة، كمن يَدْعو إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام؛ فإنَّه لا شكَّ في أنَّه يَدْعو إلى الهدى وإلى طريق مستقيم، سواء أكان معصوماً أم لم يكن.
ولهذا فإنَّ جميع علماء الطائفة وعوامّها قاطعون بأنَّ من يَدْعو إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام فإنَّه يَدْعو إلى الحقِّ وإلى طريق مستقيم، ولو كان الداعي إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام من علماء الشيعة وعوامّهم غير قاطع بأنَّه يَدْعو إلى الهدى وإلى طريق مستقيم لكانت حجَّته واهية، ولكان بمقدور الخصم أن يحتجَّ عليه بأنَّه غير قاطع بصحَّة مذهبه، وإنَّما هو ظانٌّ بها، والظنّ لا يغني من الحقِّ شيئاً.
وقول العقيلي: (لأنَّ غير المعصوم محتمل الصواب والخطأ، وإذا كان محتمل الخطأ لا يكون معصوماً، ولا يُسمّى أو يُوصَف بأنَّه يهدي إلى طريق أو صراط مستقيم) حجَّة عليه؛ لأنَّ كلامه هذا يدلُّ على أنَّ اﻟﮕﺎطع غير معصوم؛ لأنَّه وقع في الأخطاء الفادحة المكشوفة في قراءة القرآن كما يظهر من التسجيلات المنشورة في موقع أنصاره، فعلى هذا لا يمكن أن يكون معصوماً؛ لأنَّنا لا نحتمل فيه الصواب والخطأ، بل نقطع بخطئه، فعلى ما قاله العقيلي لا يمكن ﻟﻠﮕﺎﻃﻊ أن يهدي إلى طريق مستقيم.
وتعليل العقيلي دعواه بأنَّ (غير المعصوم محتمل الصواب والخطأ، فلا يُوصَف بأنَّه يهدي إلى طريق أو صراط مستقيم) واضح البطلان؛ لأنَّ غير المعصوم إذا دعا إلى ما دعا إليه المعصوم عليه السلام ممَّا قام الدليل القطعي على صحَّته، كالتوحيد والنبوَّة وإمامة أهل البيت عليهم السلام ونحو ذلك فإنَّه لا يحتمل فيه الخطأ، فيصحُّ وصفه بأنَّه يَدْعو إلى طريق مستقيم بنحو الجزم كما هو واضح.
وزعمه (أنَّ الاستقامة تعني عدم الخطأ أبداً في هداية الأُمَّة، أي إنَّه لا يُدخِل الأُمَّة في ضلال، ولا يُخرِجهم من هدى) حجَّة عليه لا له؛ لأنَّ ما قاله ينطبق على من يَدْعو الناس إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام، فإنَّه بهذه الدعوة غير مخطئ أبداً في هداية الأُمَّة، ويمكن وصفه بأنَّه لم يُدخِل الأُمَّة في ضلال، ولم يُخرِجها من هدى، بل يصحُّ وصفه بما هو أفضل من ذلك؛ وهو إخراج بعض الناس من الضلال وإدخالهم في الهدى مع أنَّه غير معصوم، مثل كثير من علماء الطائفة قدَّس الله أسرارهم الذين صرفوا أعمارهم الشريفة في هداية الناس إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام مع أنَّهم لا يدَّعون لأنفسهم العصمة.
وأمَّا قوله: (إنَّ غير المعصوم لا يهدي إلى الحقِّ وإلى الصراط المستقيم، أي على نحو الحتم والجزم، كما هو الحال في اليماني، لا على نحو الجزئية والاحتمال) فهو واضح الفساد؛ لأنَّ المذكور في الرواية أنَّ اليماني يَدْعو إلى الحقّ، ولم يُوصَف فيها بأنَّه يهدي إلى الحقِّ، وبينهما فرق واضح، وما زعمه العقيلي من أنَّ الهداية لا بدَّ أن تكون على نحو الجزم لا يظهر من الرواية، فحال اليماني حال غيره ممَّن يَدْعون إلى الحقِّ، خصوصاً أنَّ اليماني يَدْعو إلى حقّ مخصوص كما قلنا، وهو أنَّه يَدْعو إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، ودعوته له عليه السلام بنحو الجزم لا تجعله متميِّزاً على كثير من الشيعة الذين يَدْعون إلى الإمام المهدي عليه السلام أو إلى حقّ أهل البيت عليهم السلام بنحو الجزم أيضاً، إذ لا يستلزم من ذلك أن يكونوا معصومين أو أنَّه يجب اتّباعهم مطلقاً.
وقوله: (فأيّ إنسان ممكن أن يَدْعو إلى حقّ أو إلى الصراط المستقيم عموماً كمن يَدْعو الناس إلى اتّباع أهل البيت عليهم السلام، ولكن هذا الشخص لا يمكن وصفه بأنَّه يَدْعو إلى تمام الحقّ وإلى حقيقة الصراط المستقيم على نحو الجزم) اعتراف صريح بأنَّ كلّ شخص يَدْعو إلى أهل البيت عليهم السلام فإنَّه يَدْعو إلى الحقِّ وإلى صراط مستقيم، وهذا كافٍ في الدلالة على بطلان دليلهم على عصمة اليماني الذي لم يُوصَف هو الآخر في الرواية التي يحتجّون بها بأنَّه يَدْعو إلى تمام الحقّ وإلى حقيقة الصراط المستقيم، وإنَّما ورد في الرواية أنَّه (يَدْعو إلى الحقِّ وإلى طريق مستقيم)، فحال اليماني حال غيره ممَّن يَدْعون إلى صاحب الأمر عليه السلام، فكما أنَّ الدعاة إليه عليه السلام غير معصومين فإنَّ اليماني كذلك.
ثمّ إنَّ ناظماً العقيلي قال:
(أمَّا اليماني فقد وُصِفَ بنصِّ كلام الطاهرين بأنَّه: (يَدْعو إلى الحقِّ...)، والحقّ هنا محلّى بـ (ال) ممَّا يفيد كلّ الحقّ المطلوب لهداية الناس، واليماني مأمور باتّباعه ونصرته على نحو الإطلاق، وكذلك منهيٌّ عن الالتواء عليه على نحو الإطلاق، فإذن هو يَدْعو إلى الحقِّ قولاً ومنهجاً وفعلاً على نحو الحتم والجزم لا على نحو الجزئية أو الاحتمال...) الخ(١٥).
وكلامه هذا - كسائر كلامه الآخر - واضح الفساد لكلِّ من تأمَّله، فإنَّ نسبة هذا الحديث إلى الطاهرين عليهم السلام غير جائزة؛ لأنَّ هذه الرواية ضعيفة السند، والأئمّة الأطهار عليهم السلام أمروا شيعتهم بالأخذ بما رواه الثقات عنهم، دون ما نسبه إليهم الكذّابون والمنحرفون والمجاهيل، وهذه الرواية في سندها الحسن بن علي بن أبي حمزة، وهو مطعون فيه في كتب الرجال، وسيأتي مزيد بيان في ذلك، فلا يحلُّ لمؤمن أن ينسب هذه الرواية وغيرها ممَّا رواه هذا الرجل وغيره من الكذّابين والمجاهيل إلى الأئمَّة الأطهار عليهم السلام.
ولو أغمضنا عن ضعف سندها فإنَّ (ال) في كلمة (الحقّ) من قوله: (يَدْعو إلى الحقِّ) ليست استغراقية، فلا تدلُّ على أنَّ اليماني يَدْعو إلى كلّ حقّ مطلوب لهداية الناس من العقائد والأحكام والسنن والآداب وغيرها من معارف الشريعة كما زعم العقيلي، وإنَّما هي عهدية، تدلُّ على حقّ معهود مذكور في نفس الرواية، وهو أنَّه يَدْعو إلى صاحب الأمر عليه السلام لا أكثر، ولا يوجد في الرواية أيّ قرينة تدلُّ على أنَّ (ال) استغراقية، وناظم العقيلي لأنَّه لا يفهم قواعد علم الأُصول، فإنَّه خلط بين (ال) الداخلة على اسم الجنس مثل كلمة (حقّ) التي لا تفيد الاستغراق إلَّا بالقرينة، وبين (ال) الداخلة على الجمع، مثل (علماء) التي تدلُّ على العموم، فتوهَّم أنَّ (ال) في (الحقّ) تدلُّ على العموم، ولذلك قال: (إنَّها استغراقية)، ورتَّب على ذلك القول بدلالة الرواية على أنَّ اليماني يَدْعو إلى تمام الحقّ، لا إلى شيء من الحقِّ!!
وقوله: (واليماني مأمور باتّباعه ونصرته على نحو الإطلاق، وكذلك منهيٌّ عن الالتواء عليه على نحو الإطلاق) غير صحيح؛ لأنَّه لم يدلّ أيّ دليل على أنَّه يجب اتّباع اليماني ونصرته على نحو الإطلاق، حتَّى رواية البطائني التي هي ضعيفة السند لم تدلّ على وجوب اتّباع اليماني أو نصرته، وأكثر ما دلَّت عليه هذه الرواية هو أنَّه لا يجوز الالتواء عليه، أي لا تجوز محاربته وإفشال حركته، وأمَّا ما عدا ذلك فلا دلالة فيها عليه.
ولو سلَّمنا بدلالة هذه الرواية على ما ادَّعاه العقيلي فإنَّه لا يصحُّ أن نستنبط عقيدة من العقائد أو حكماً شرعيًّا برواية ضعيفة السند كهذه الرواية كما لا يخفى.
***************
(٥) المتشابهات ٤: ٤٣.
(٦) شرح الباب الحادي عشر: ٨٩.
(٧) الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية: ١٠٤.
(٨) راجع كتابي الردّ القاصم (ص ٥٥)، فإنّي ذكرت فيه جملة وافرة من هذه الدعاوى الباطلة، منها: أنَّه رسول المهدي وسفيره، ووصيّه وحفيد حفيده المتولّي للأمر من بعده، وأنَّه سعد النجوم، ودرع داود، والنجمة السداسية، ونجمة الصبح، وأنَّه أُشير إليه بالرسول في آيات كثيرة من القرآن الكريم، وأنَّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وأنَّه مؤيَّد بجبرئيل، ومسدَّد بميكائيل، ومنصور بإسرافيل، وأنَّه اليماني المذكور في الروايات، مضافاً إلى أنَّه مذكور في التوراة والإنجيل، وأنَّه أفضل من عيسى بن مريم عليه السلام، وأنَّه شبيه عيسى الذي فداه بنفسه، وأنَّه رسول السيّد المسيح إلى النصارى، ورسول إيليا إلى اليهود، ورسول الخضر، وأنَّه دابّة الأرض التي تُكلِّم الناس، وأنَّ بظهره خاتم النبوَّة، وأنَّه الحجر الأسود، وأنَّ أنصاره أوَّل من يدخلون الجنَّة.
(٩) بحار الأنوار ٣٣: ٢٥ و٣٢؛ شرح الأخبار ١: ٤١٢؛ صحيح البخاري ١: ١٥٨.
(١٠) الكافي ٨: ٢١٩.
(١١) الاحتجاج ٢: ٣٢٤.
(١٢) المتشابهات ٤: ٤٣.
(١٣) المصدر السابق.
(١٤) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١: ١١٣.
(١٥) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١: ١١٣


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page