• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المطلب الثاني: خصائص السنن الإلهية وأقسامها وأهمّية معرفتها

 أوّلاً: خصائص السنن الإلهية:
السنن الإلهية من منظور القرآن الكريم لها خصائص عديدة، فالناظر والمتفحِّص في آيات الله تعالىٰ وسننه ومنهجه سبحانه في تسيير شؤون الكون، يرىٰ أنَّ هذه الخصائص لازمة لا تنفكُّ عن هذه السنن تحقيقاً لعدل الله تعالىٰ وحكمته وعظمته(٤٢١)، والغرض من الحديث عنها هو لبيان علاقتها الوطيدة بموضوع وراثة الأرض والوعد بتلك الوراثة، وهذه الخصائص هي:
أ _ الاطّراد:
بمعنىٰ أنَّ السنن الإلهية ليست عشوائية قائمة علىٰ أساس الصدفة والاتّفاق، وإنَّما هي ذات طابع موضوعي لا تتخلَّف في الأمور التي تجري عليها، واطّرادها دالٌّ علىٰ ثباتها واستمرارها(٤٢٢)، والقرآن الكريم أكَّد علىٰ هذا المعنىٰ في أكثر من آية، كما في قوله تعالىٰ: (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) (الفتح: ٢٣)، وقوله تعالىٰ: (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) (الإسراء: ٧٧)، والمراد أنَّه ليس هناك من معوِّض ولا مغيِّر لسُنَّة الله ولا يمكن الإفلات منها(٤٢٣)، ليخلق في الإنسان شعوراً واعياً علىٰ جريان الأحداث، متبصراً بها من خلال دعوته للتأمّل في تلك الأحداث(٤٢٤)، كقوله تعالىٰ: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (آل عمران: ١٣٧)، فلولا اطّرادها لما أمكن الاتّعاظ والاعتبار بها(٤٢٥).
ب _ العموم والشمول:
الملاحظ من استقراء لفظ (سُنَّة) ومتابعة السنن الواردة في القرآن الكريم أنَّ السنن الإلهية حاكمة علىٰ جميع الأفراد(٤٢٦)، فهي عامّة غير مقتصرة علىٰ فرد دون فرد ولا علىٰ أُمّة دون أُمّة(٤٢٧)، لقوله تعالىٰ: (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النساء: ٢٦).
جـ _ حتمية الوقوع والنفاذ:
هذه الخصيصة تنتزع من قوله تعالىٰ: (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران: ٤٧)، وهي تنبني علىٰ ما سبقها من خصائص، فقوله تعالىٰ: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) (فاطر: ٤٣)، يقضي بأنَّ سننه كما هو قضاؤه متحقِّقة لا محالة، لأنَّ السنن نوع من القضاء(٤٢٨)، ولا رادَّ لأمر الله ولا لقضائه، ولن يستطيع البشر بكلّ ما أُوتوا من قوَّة وجبروت أن يحولوا دون وقوع سننه تعالىٰ وتحقّقها، فوعده صادر عن إرادته المطلقة، وعن حكمته العميقة(٤٢٩).
ثانياً: أقسام السنن الإلهية:
قد يرد إشكال تثيره تلك الخصائص للسنن الإلهية مفاده أن لا إرادة ولا اختيار في حصول تلك السنن أو منعها من قِبَل الإنسان سواء في خير أو شرّ(٤٣٠).
وهذا يرد عليه بأنَّ السنن الإلهية لها شكلان:
الأوّل: سنن شرطية(٤٣١): أي إنَّها قائمة علىٰ أساس الشرط والجزاء وتوصف بالقضيّة الشرطية، كما تقدَّم ذكره من أنَّ الوعد بوراثة الأرض هو وعد مشروط(٤٣٢)، والقضيّة الشرطية تكون معبّرة عن إرادة الإنسان واختياره، فالاختيار لوجود علاقة بين الشرط (وهو الاختيار وفعل الإنسان أو الأُمّة) والسُنَّة (وهي الجزاء)، وبهذه الحال ستكون السُنَّة الإلهية الدينية متلائمة تماماً مع اختيار الإنسان وإرادته، وهي بمثابة المبيِّن والموضِّح لنتائج اختياره لكي يستطيع أن يختار الفعل بإرادته ضمن رؤية واقعية وليست غيبية(٤٣٣).
وهي بذلك تختلف اختلافاً جذرياً عن الحتميات التي أتت بها المدارس الوضعية سواء الحتمية المادّية أو التاريخية(٤٣٤) التي قال بها ماركس(٤٣٥)، أو الحتمية النفسية(٤٣٦) التي أتىٰ بها فوريد(٤٣٧)، أو الحتمية الاجتماعية(٤٣٨) التي جاء بها دوركايم(٤٣٩) والتي تلغي إنسانية الإنسان المتمثّلة في الوعي والإرادة والحرّية(٤٤٠).
الثاني: سنن فعلية(٤٤١): كسُنَّة تعاقب الليل والنهار وشروق الشمس وغروبها، وهذه لا ارتباط لها بإرادة الإنسان، وإنَّما هي مرتبطة به سبحانه وتعالىٰ(٤٤٢).
فتحصَّل ممَّا تقدَّم أنَّ السنن الإلهية المتعلِّقة بالأفراد والجماعات مستمرّة ودائمة بشكل دالٍّ علىٰ شمولها لجميع الأُمم، ممَّا يعني أنَّ تحقّق السنن هي من الحتم الإلهي في حال توفّر شروطها المؤدّية إلىٰ قيامها.
ثالثاً: أهمّية معرفة السنن الإلهية:
حثَّت الآيات القرآنية الكريمة علىٰ النظر والسير والاعتبار بأحوال من مضىٰ والتفكّر في آثارهم، قال تعالىٰ: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (الأنعام: ١١)، وقال سبحانه: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت: ٢٠)، لما في معرفة تلك الآثار والحوادث واستخلاص السنن منها من تعبير عن حالة معرفية ناضجة يمتزج فيها الوعي بالماضي والحاضر والمستقبل فتؤدّي إلىٰ دراية بكيفية التعاطي مع تلك السنن(٤٤٣).
وعلىٰ سبيل المثال فإنَّ معرفة سُنَّة الله في التمكين والاستخلاف في الأرض تقتضي أن تكون الأُمّة مهيَّئة لتحصيل أسباب وراثة الأرض خاصّةً مع وجود ضمان التوفيق بذلك لهم إن هم أخذوا بتلك الأسباب(٤٤٤) التي أهمّها طاعة الله، عندها ستنطلق الإنسانية إلىٰ آفاق أبعد متَّصلة بالكون كلّه عبر تلك السنن الإلهية، رابطة بين ماضي البشرية وحاضرها ومستقبلها، مستطردة بها إلىٰ الحياة الأُخرىٰ(٤٤٥)، لترث الأرض في الدنيا والجنَّة في الآخرة.
***************
(٤٢١) السنن الإلهية في القرآن الكريم ودورها في استشراف المستقبل/ عماد عبد الكريم وخضر إبراهيم: ٢٤.
(٤٢٢) السنن الإلهية في الأُمم والجماعات والأفراد/ عبد الكريم زيدان: ٣.
(٤٢٣) مراجعات قرآنية/ رياض الحكيم: ٢٤٤.
(٤٢٤) ظ/ المدرسة القرآنية/ السيّد محمّد باقر الصدر: ٦٩.
(٤٢٥) السنن الإلهية في الأُمم والجماعات والأفراد/ عبد الكريم زيدان: ٧.
(٤٢٦) مفهوم السنن الربّانية/ رمضان خميس زكي: ٤٥.
(٤٢٧) السنن الإلهية في الأُمم والجماعات والأفراد/ عبد الكريم زيدان: ٧.
(٤٢٨) السنن الإلهية في القرآن الكريم ودورها في استشراف المستقبل/ عماد عبد الكريم وخضر إبراهيم: ٤٠.
(٤٢٩) تفسير القرطبي ١٦: ٢٨٠.
(٤٣٠) هذا ما أسماه (اسيتو ادن) بالحتمية الذاتية التي تخضع الظواهر الإنسانية لظروف وعوامل سيكولوجية وطبيعية تتعارض مع حرّية الإرادة. (المعجم الفلسفي/ مجمع اللغة العربية: ٦٧).
(٤٣١) المعبَّر عنها في كتب التفسير بالسنن التشريعية. (ظ/ تفسير الأمثل/ مكارم الشيرازي ١٣: ٣٥٥).
(٤٣٢) ظ/ مفهوم الوعد في هذا المبحث.
(٤٣٣) ظ/ المدرسة القرآنية/ محمّد باقر الصدر: ٩٣.
(٤٣٤) يقول ماركس: إنَّ وجود الناس - يقصد وجودهم في طور مادّي معيَّن - هو الذي يعيّن سلوكهم وليس سلوكهم هو الذي يعيّن وجودهم، ومن شذَّ بسلوكه سحقته عجلة التطوّر الحتمي. (حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية/ محمّد قطب: ٩٤).
(٤٣٥) كارل ماركس (١٨١٨ - ١٨٨٣م) مفكّر اقتصادي، ولد من عائلة يهودية تسكن ألمانيا، صاحب نظرية المادّية التاريخية، وحاول تفسير أحداث التاريخ علىٰ أساس العوامل المادّية وحدها. (ظ/ الموسوعة الفلسفية/ عبد الرحمن بدوي ٢: ٤٠٧ - ٤١٨).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page